ربما لم تحظ نظرية علمية في زمن ما بكل هذا الاهتمام والنقد من قبل العوام كما حدث مع نظرية التطور..
إنها مرتع حقيقي للغوغاء بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. لن تجد هذا في نظرية أخرى ..جرب بنفسك.. تأمل في نظريات الكوزمولوجي والفيزياء حول الزمكان .. ميكانيكا الكم .. لن تجد من يقرب جهتها لا بإثبات ولا بنفي فهي لغز مطلسم وغوامض لا يقترب منها أحد .. إلا نظرية التطور..!

حتى النظريات التي تتناقض تماماً مع الكتب السماوية مثل نظرية الانفجار الكبير لم يهاجمها الدينيون .. بل إنها تحولت بقدرة قادر إلى إعجاز علمي يزيدهم إيماناً مع إيمانهم..!!

لاشك أن هذا سيجرنا لمحاولة الإجابة على هذا السؤال الشيق: لماذا يكره الدينيون نظرية التطور بشكل خاص رغم وجود عشرات النظريات الأخرى التي تهدم الأديان ؟؟

لقد نوه الكبير ريتشارد دوكنز في مقدمة كتابه The Blind Wtatchmaker إلى هذه الظاهرة فبرع في تفسيرها .. يقول دوكنز (بتصرف):

((( وأعتقد أن أحد متاعب الدراوينية هي ما لاحظه جاك مونود في تبصر ; أن كل فرد يعتقد أنه يفهمها ، وهي حقاً نظرية بسيطة إلى حد ملحوظ ، وربما ظن المرء أنها بسيطة على نحو طفولي بالمقارنة بمعظم محتويات علمي الفيزياء والرياضيات.. وجماع ما تصل إليه في جوهرها فكرة أن التكاثر اللاعشوائي في وجود تباين وراثي له نتائج ذات مدى بعيد إذا أتيح لها الوقت لكي تتراكم.... )))

ثم يواصل دوكنز كلامه القيم حول بساطة النظرية ، ثم يتطرق لأسباب عدم استيعابها على المستوى الشعبي.. وفي هذا الموضوع أعرض عليكم واحداً فقط من أهم تلك الأسباب ;ألا وهي الاعتقاد بأن الداوينية قائمة على العشوائية والصدفة .. فيقول دوكنز :

(((يكاد يكون الأمر كما لو أن المخ البشري قد صمم على نحو خاص ليسيء فهم الداروينية ، ولنأخذ مثلاً قضية الصدفة والتي كثيراً ما توصف درامياً بأنها عمياء .. إن معظم الناس الذين يهاجمون الداروينية يثبون بما يكاد يكون حماساً لا يليق بأنها ليس فيها شيء سوى الصدفة العشوائية..! )))

وقد ابتكر دوكنز برنامجاً بسيطاً أشبه بلعبة .. يوضح لنا ببلاغة الفرق بين الانتخاب العشوائي والانتخاب التراكمي.. أعرضه عليكم وأضعه لكم في المشاركات التالية..

((( يتبع )))

الانتخاب العشوائي والانتخاب التراكمي

لب المشكلة التي صنع من أجلها دركنز هذا البرنامج أو اللعبة التوضيحية هي عدم التمييز بين "الانتخاب العشوائي" وبين " الانتخاب التراكمي"..

كان معارضو الداروينية قديماً يتحججون دائماً بمثال شهير لنقض النظرية وهو أنك إذا وضعت قرداً على آلة كاتبة وتركته مليون سنة .. فهل من المتوقع أن تخرج من تحت يديه "بالصدفة" قصيدة لشكسبير مثلاً ..؟؟

والحقيقة أن هذا المثال بيبن بجلاء الضلالة الراسخة في الأذهان حول النظرية .. فمثال القرد هو نموذج للانتخاب العشوائي وليس الانتخاب التراكمي الذي تقوم عليه الداروينية ..
فلو افترضنا أننا نريد للقرد أن يكتب جملة من قصيدة لشكسبير تقول :

Methinks it is like a weasel

فوفقاً لمفهوم الانتخاب العشوائي ; فالقرد هنا في كل محاولة سيبدأ من الصفر ..
أي أن هذا ما يبدأ به القرد لبناء الجملة في كل محاولة:

00000000 00 00 0000 0 000000

والنتيجة التي توصل لها معارض التطور صحيحة بالفعل .. القرد يستحيل أن يصل لكتابة الجملة بشكل صحيح .. ولو ظل يحاول بتلك العشوائية مليون سنة فلن يصل لشيء..

ولكن هل هذا هو المثال الصحيح لنموذج نظرية التطور ؟؟ بالقطع لا..!!

إن نظرية التطور تقوم على مبدأ هام للغاية ، وهو الذي يحل المسألة ويفسر الإشكال الذي يقع فيه البسطاء.. هذا المبدأ هو : التراكم cumulation

فإذا أردنا أن نصحح مثال القرد ليتفق مع النظرية ; سنفترض أن كل محاولة عشوائية صحيحة من القرد لكتابة حرف من حروف إحدى كلمات الجملة المطلوبة يتم تثبيته وإخراجه من من اللعبة ..

مثال:
الحرف الأول من كلمة Methinks هو حرف الـ M .. فإذا تصادف أن كتبه القرد في مكانه بشكل صحيح في إحدى محاولاته يتم تثبيت الحرف ولا يصبح من حق القرد أن يعبث به مرة أخرى.. وعندما يبدأ في المحاولة التالية لا يبدأ من الصفر وإنما يبدأ هكذا :

0000000 00 00 0000 0 00000 M

وهكذا في كل محاولة.. كلما نجح القرد في كتابة حرف في مكانه الصحيح يتم تثبيته وهكذا.. وبهذا تتغير قيم الاحتمالات تماماً..! ويصبح من المتوقع جداً أن يصل القرد بعد ساعات قليلة إلى كتابة الجملة بشكل صحيح..!

هل تتخيل هذا .. ؟؟ مليون سنة تم اختزالها إلى ساعات.. فقط إذا فهمنا كيف يعمل الانتخاب التراكمي.

وهنا يبرز سؤال هام :
ومن الذي سمح لك أساساً بفرضية تثبيت الرحف الذي يصل إليه القرد عشوائياً ؟؟ ألا يعد هذا تلاعباً وغشاً؟؟

والإجابة هي : لا.. إن هذا التثبيت للحرف الصحيح يحاكي تماماً ما تقوم به الطبيعة على أرض الواقع.. وكما وضعنا مراقباً على القرد ليمنعه من العبث بالاحرف الصحيحة فإن الظروف الطبيعية في البيئة ( من حرارة وضغط ووفرة للمياه والغذاء ونسب للإشعاع ...ووو ..إلخ ) هي التي تقوم بدور المراقب الذي يحتفظ بالصفات المناسبة للحياة ، ويدع التطور يقوم بمحاولاته المستمرة في سبيل الوصول للأحرف – الصفات – الباقية..

أما عن برنامج دوكنز فتجدونه في المشاركات التالية..

((( يتبع )))

موضوع رائع يشير إلى الإشكالية التي يقع فيها البعض عند محاولتهم انتقاد التطور ...
واضح انك عضو مميز و انا سعيد لانضمامك للمنتدى ....

وثائقي The Blind Watchmaker باللغة العربية بأجزائه الخمسة ...

[my-youtube width=425 height=344]http://www.youtube.com/watch?v=N7EoKmszJCM[/my-youtube]

ويهدف لتوضيح كيف يمكن للانتخاب التراكمي أن يصل إلى كتابة جملة محددة بشكل صحيح خلال عدد قليل جداً جداً من الأجيال مقارنة بالانتخاب العشوائي.. وهذا ما يحاكي الانتخاب الطبيعي التراكمي في البيئة الطبيعية:

http://files.nice.s3.amazonaws.com/weasel.html

ستجد أمامك أربع خانات:

1- Target word: وفيها تكتب الكلمة التي ترغب في الوصول إليها.
2- Children: وفيه تحدد عدد الذرية الناتجة عن كل جيل بشكل افتراضي ولكن واقعي.
3- Mutation: وفيه تحدد نسبة حدوث الطفرات في الأجيال المتعاقبة بشكل افتراضي ولكن واقعي.

والآن جرب أن تكتب اسمك مثلاً وشاهد كيف يتم تخليقه بالانتخاب التراكمي..
مع التأكيد على أن اختيارات البرنامج عشوائية تماماً وليست مقصودة.. ويمكن التأكد من ذلك بمراجعة الـ applet source.

(10-08-2009, 08:03 PM)فلسطيني كنعاني كتب:  موضوع رائع يشير إلى الإشكالية التي يقع فيها البعض عند محاولتهم انتقاد التطور ...
واضح انك عضو مميز و انا سعيد لانضمامك للمنتدى ....

وثائقي The Blind Watchmaker باللغة العربية بأجزائه الخمسة ...

[my-youtube width=425 height=344]http://www.youtube.com/watch?v=N7EoKmszJCM[/my-youtube]

أهلاً بك عزيزي فلسطيني كنعاني .. بل أنا السعيد بوجودي هنا..
وأشكرك على الوثائقي الرائع كما عودنا دوكنز دوماً..

(10-08-2009, 07:01 PM)Solitude كتب:  

الانتخاب العشوائي والانتخاب التراكمي

.

وهنا يبرز سؤال هام :
ومن الذي سمح لك أساساً بفرضية تثبيت الرحف الذي يصل إليه القرد عشوائياً ؟؟ ألا يعد هذا تلاعباً وغشاً؟؟

والإجابة هي : لا.. إن هذا التثبيت للحرف الصحيح يحاكي تماماً ما تقوم به الطبيعة على أرض الواقع.. وكما وضعنا مراقباً على القرد ليمنعه من العبث بالاحرف الصحيحة فإن الظروف الطبيعية في البيئة ( من حرارة وضغط ووفرة للمياه والغذاء ونسب للإشعاع ...ووو ..إلخ ) هي التي تقوم بدور المراقب الذي يحتفظ بالصفات المناسبة للحياة ، ويدع التطور يقوم بمحاولاته المستمرة في سبيل الوصول للأحرف – الصفات – الباقية..

أما عن برنامج دوكنز فتجدونه في المشاركات التالية..

((( يتبع )))

الاخ العزيز الذي كتب الموضوع غاب على امل منا برجوعه . فالنادي يثري بوجود مثقفين على سوية عالية من العلم والفكر امثال طريف و solitude و غيرهم .
لكن ما زال السؤال قائماً
ما هي العوامل التي تقوم (( بتثبيت الزحف )) ؟
ما الذي يمنع الظروف الطبيعية التي التي ساهمت في خلق عنصر من عناصر الحياة وهو الضغط مثلا ان تقوم بإزالته حين يتوفر عنصر اخر وهو الحرارة مثلا ؟
ما هي القوة العمياء التي تقوم بتنظيم هذا ؟
ما دمنا نقول عبارة تثبيت الزحف فهذا يعني اننا انتقلنا من عامل الصدفة أو الانتخاب القائم على المصادفة الى عامل اخر منظم يقوم بتجميع العوامل الفاعلة والمؤثرة ؟ ما هي هذه الصدفة اذاً
ثم لماذا يقوم الانتخاب بتثبيت العوامل الايجابية والمكملة ولا يقوم بتثبيت عوامل اخرى طاردة أو سلبية او قاتلة او مدمرة للحياة - عبر كيف شئت -
هذا البرنامج الذي ادرجته وكأنما صمم ليدعم الفكرة فقط ولا يعبر بحال من الاحوال على صحة النظرية او عدمها

(01-28-2010, 07:38 PM)عبادة الشايب كتب:  

(10-08-2009, 07:01 PM)Solitude كتب:  

الانتخاب العشوائي والانتخاب التراكمي

.

وهنا يبرز سؤال هام :
ومن الذي سمح لك أساساً بفرضية تثبيت الرحف الذي يصل إليه القرد عشوائياً ؟؟ ألا يعد هذا تلاعباً وغشاً؟؟

والإجابة هي : لا.. إن هذا التثبيت للحرف الصحيح يحاكي تماماً ما تقوم به الطبيعة على أرض الواقع.. وكما وضعنا مراقباً على القرد ليمنعه من العبث بالاحرف الصحيحة فإن الظروف الطبيعية في البيئة ( من حرارة وضغط ووفرة للمياه والغذاء ونسب للإشعاع ...ووو ..إلخ ) هي التي تقوم بدور المراقب الذي يحتفظ بالصفات المناسبة للحياة ، ويدع التطور يقوم بمحاولاته المستمرة في سبيل الوصول للأحرف – الصفات – الباقية..

أما عن برنامج دوكنز فتجدونه في المشاركات التالية..

((( يتبع )))

الاخ العزيز الذي كتب الموضوع غاب على امل منا برجوعه . فالنادي يثري بوجود مثقفين على سوية عالية من العلم والفكر امثال طريف و solitude و غيرهم .
لكن ما زال السؤال قائماً
ما هي العوامل التي تقوم (( بتثبيت الزحف )) ؟
ما الذي يمنع الظروف الطبيعية التي التي ساهمت في خلق عنصر من عناصر الحياة وهو الضغط مثلا ان تقوم بإزالته حين يتوفر عنصر اخر وهو الحرارة مثلا ؟
ما هي القوة العمياء التي تقوم بتنظيم هذا ؟
ما دمنا نقول عبارة تثبيت الزحف فهذا يعني اننا انتقلنا من عامل الصدفة أو الانتخاب القائم على المصادفة الى عامل اخر منظم يقوم بتجميع العوامل الفاعلة والمؤثرة ؟ ما هي هذه الصدفة اذاً
ثم لماذا يقوم الانتخاب بتثبيت العوامل الايجابية والمكملة ولا يقوم بتثبيت عوامل اخرى طاردة أو سلبية او قاتلة او مدمرة للحياة - عبر كيف شئت -
هذا البرنامج الذي ادرجته وكأنما صمم ليدعم الفكرة فقط ولا يعبر بحال من الاحوال على صحة النظرية او عدمها

العوامل التي تقوم بالتثبيت او الازالة هي عوامل التفاعل الداخلي والسعي نحو التوازن. وهي عوامل عمياء، (وليست صدفة). بمعنى سنعلم (مسبقا) ان ذرات حرة من الاوكسجين والهيدروجين سيتحدون على الفور حين الالتقاء، تحقيقا لعوامل التفاعل العمياء، وحدوث الامر ، عند نشوء عوامله، ليس صدفة وانما لامفر منه.

مثال، انجراف التربة لامفر منه اذا جرى ازالة الغطاء الاخضر، في عملية السعي الغير واعي والاعمى لتوزان مجموع العوامل. لذلك "فالتنظيم" هو ميكانيزم داخلي لاعقل له.

وفي هذه العملية لاتوجد " عوامل ايجابية وعوامل سلبية" إذ ان هذا الطرح من منظور بشري. بالنسبة للطبيعة جميع العوامل من مستوى واحد، بما فيه الحياة.

ان " الصدفة" هي منظور بشري، من اجل منهجة الاحداث، في محاولة للتمكن من خلق طريقة لتوقع الاحداث المتكونة من عوامل، بها عناصر كثيرة خارج قدرتنا على استناج قيمتها من اجل ادخالها في الحساب للحصول على نتائج دقيقة. لهذا الامر ابتدعنا مفهوم الصدفة لحساب عوامل غير محسوبة من قبلنا، ولكنها في الطبيعة لها حسابها الذي لايخطئ. في هذا المجال تتكلم نظرية الفوضى الشهيرة او (النظم الديناميكية غير الخطية) للباحث ادوارد لورانس..

إقتباس (اكتشف عالم الرياضيات إدوارد لورنس مزايا الفوضى. فقد لاحظ أن تغيرات صغيرة في المقاييس الجوية، كما هو حال الحرارة، والضغط الجوي وسرعة الرياح،يمكن أن تؤدي إلى متغيرات هائلة في أنظمة المناخ.
فعلى سبيل المثال، حين توحي درجة حرارة معينه والضغط الجوي والرياح باحتمال ظهور الشمس ، ويطرأ أي تغيرا بنسبة عشر من المقاييس الرقمية في هذه الظروف، قد يحمل لنا عاصفة مؤكدة.
عرفت هذه الظاهرة، "بتأثير الفراشة". إذا رفرفت فراشة أجنحتها في الصين، يمكنها بعد شهر من ذلك، أن تثير عاصفة رعدية في جزر الكاريبي.)..

تحياتي