القصة الاغريقية عن نساء الامازون يبدو انها ليست مقتصرة على ماذكرته الاسطورة وانما هناك المزيد من الامثلة التاريخية عن شعوب كانت نساءها محاربات شجاعات ومشهود لهن بالجرأة والعزيمة. يقال ان الملك الثالث للمملكة داهومي Houegbadja (1645 to 1685), اسس مجموعة مسلحة نسائية كحرس شخصي، (لربما على نمط حارسات القذافي اليوم) ليطزرها خلفائه فيما بعد فتصبح جيشا.
ابنه الملك Agadja (1708 to 1732) قام بتقوية وتنمية الفصيلة وجعلها اكبر ثم استخدمها في الدفاع ضد الجيران عام 1727. منذ قدوم الملك كويذو الى عرش داهومي Dahomey, (حاليا بنين) التي تقع على الساحل الغربي لافريقيا اصبح لشعبها مهمتين رئيسيتين، الحرب والاحتفال، حسب تعبير ملكها كويذو Guezo or King Ghezo (1818 to 1858) . كان الملك يقيم الاحتفالات لشعبه ولبضعة الاف من زوجاته ولجيش من النساء المحاربات التي وصلت شهرتهن الافاق . في السابق كان يُطلق تعبير ساحل العبيد على المنطقة التي تقع فيها داهومي، بسبب ان اغلب البواخر كانت تاتي الى هناك لشحن العبيد من النساء والرجال والاطفال.
على مدى بضعة مئات من السنين جرى اختطاف ملايين من الافارقة وشحنوا الى العالم الجديد ليصبحوا عبيدا. غير ان تجار العبيد الاوروبيين نادرا ماكانوا يذهبون بأنفسهم لصيد الافارقة، وكانوا يكتفون بشراءهم من صياديهم، الذين كانوا غالبا ملوك افارقة او مغامرين عرب.
تجارة العبيد كانت تشكل مصدرا هائلا للدخل للملوك الافارقة المحليين والتجار الوسطاء، واغلبهم كانوا يريدون الاستمرار بتجارة العبيد حتى بعد تحريمها. احد هؤلاء الملوك كان كويذو ملك داهومي.
عام 1850 تلقى القنصل البريطاني Beercroft والليوتنانت فوربيس مهمة من وزير الخارجية البريطانية اللورد بالميرستون تقتضي السفر الى مدينة آبومي في داهومي والبحث عن الملك كويذو لتسليمه رسالة من ملكة بريطانية فيكتوريا تعرض عليه التوقف مرة وللابد عن حروب النهب والسلب والسبي التي يشنها على جيرانه الافارقة والتوقف عن تجارة العبيد والتحول الى الزراعة وتجارة البضائع. في المقابل سيتقوم بريطانيا بتعويضه ماديا ولمدة ثلاث سنوات عن فارق الدخل الذي سيفقده من الغاء تجارة العبيد.
العديد من البلدان اختارت التوقف عن التجارة بالعبيد على طريقة بريطانيا غير ان عدد من الدول والاشخاص اختاروا الاستمرار بهذه التجارة المربحة، بما فيه بعض البحارة البريطانيين الذين رفضوا الانصياع. بهذا الشكل استمرت تجارة العبيد فعليا. لهذا السبب اختارت بريطانيا اقامة اتفاقيات ثنائية مع كل بلد على حده من البلدان الافريقية.
عند وصول الوفد الريطاني الى عاصمة ملك داهومي استقبلوا بحفاوة بالغة. مع قدومهم كانت الاحتفالات السنوية بعد إنتهاء موسم الفتوحات والسبي قد بدأت. كان القصر الملكي مزين بالاعلام البريطانية غير ان الوفد الانكليزي اثار اهتمامه ان 148 جمجمة بشرية كانت جزء من الزينة الملكية.
الملك نفسه كان موجودا في الحديقة الداخلية جالسا على ديوان تحت خيمة من القماش الاحمر للحماية من الشمس القوية. حول الملك تقف مجموعة كبيرة من اتباعه وبعض زوجاته التي يصل اعدادهن (في بعض المصادر) الى 8000 زوجة. جميع الزوجات كانوا يلبسون ملابس من الحرير في حين ان حرس الملك ، النساء الامازونات، كانوا يلبسون بدلة رسمية ومسلحين ببنادق دانماركية حصلوا عليهم كمبادلة لشحنة من العبيد.
عندما جرى تنصيب كويذو على العرش عام 1818 بعد انقلاب على اخيه الشقيق الملك اداندوزان Adandozan, وعد ان سكان المملكة سيكونوا على الدوام مشغولين اما بالحرب او بالتمتع بالاحتفالات والمهرجانات. والملك حافظ على وعوده فعلا.
لقد قام ببناء جيش منظم وقوي وذو خصوصية. لقد كان ثلثه من النساء. الملك كان يقدر المحاربات تقديرا كبيرا إذ كانوا مقاتلات متمرنات ومتمرسات للغاية وكانت سمعتهم تسبقهم وتشير الى انه جريئات وذو فعالية عالية. وفي المعارك كانوا يحققون نتائج افضل من الرجال وبخسائر اقل. وبعد كل معركة كانوا يجرون امامهم قافلة من السبايا والعبيد والاطفال للبيع في سوق النخاسة. والاموال التي كان يحصل عليها الملك كانت تصرف على إقامة حفلات غاية في البذخ.
في الايام القليلة التي قضاها البريطانيين في ضيافة الملك تمكنوا من رؤية اجزاء من جميع النشاطات التي تمارس في المملكة. في اليوم الاول جرى اقامة استعراضات عسكرية وفي اليوم اللاحق قام الملك بعرض ثرواته ومن بينهم 50 من الاوعية التي يستخدمها في الليل.
في اليوم الثالث قام الملك بمكافأة جنوده من خلال القاء المال والملابس وزجاجات الخمر اليهم. خلال ذلك كان يلبس جلد على خصره وكتفه وعلى رأسه طاقية نوم. غير ان البريطانيين لم يكونوا مشدوهين بكرم الملك اذ لاحظوا ان الجندي الذي يتمكن من التقاط شئ ثمين حقا يتضطر الى التخلي عنه الى احد القادة.
غير ان الذي هز الضيوف حقا كان طقوس التضحية بالبشر والتي جرت يوميا تقريبا. وعلى الرغم محاولة البريطانين عدم حضور هذه الطقوس الا انهم فشلوا في اقناع مضيفهم بقبول رجاءهم. وغالبا كانوا يضطرون للمرور عبر تجمع للدماء او كومة من الاعضاء والاجساد التي تشهد على الطقوس التي تهدف لغرس مشاعر الاستهتار بحياة " البضاعة".
عند المفاوضات مع الملك قدموا له العديد من الحجج لدعم افضلية اختيار الزراعة على تجارة العبيد والحرب، غير ان الملك اجاب:" ان داهومي شعب من المحاربين وليس من عاداتهم الزراعة وهو غير قادر على ابقاء دخل المملكة بذات المستوى إذا اجبر السكان على الفور على الانتقال الى الزراعة". وفي التقرير نقرأ تساءل الملك التالي:" هل رأيتم في طريقكم الى هنا مزارع ما؟ لااستطيع ان اجلب العار والمذلة على نفسي واجازف ان اصبح مهزأة من خلال ارسالي للنساء للعمل في الحقل، ليزرعوا القطن ". بعد ذلك غادر الوفد البريطاني القصر والمملكة.
تصدير العبيد تم ايقافه بمحاصرة موانئ افريقيا الغربية من قبل الاسطول البريطاني من اجل الضغط على ملوك تجارة العبيد. في ذات الوقت ازدادت عدد الدول التي وقعت المعاهدة بتحريم تجارة العبيد. في عام 1870 انتهت رحلات المركبات المحملة بالعبيد الى الامريكتين.
الملك كويذو استمر بالحكم لمدة 40 سنة الى ان مات بالمرض عام 1858 وقد حزن شعبه عليه للغاية لان فترة حكمه اعتبرت مزدهرة إذ بفضل اموال التجارة بالبشر تمكن من خفض الضرائب. في السنوات التالية اصبحت الدولة من الضعف الى درجة انها وقعت تحت السيطرة الفرنسية، وفي عام 1960 استقلت وتغير الاسم من داهومي الى بنين. تعتبر بنين اليوم من افقر دول افريقيا ولكنها من اكثرهم استقرارا وديمقراطية.
المصدر اضغط هنا