ارتفاع عقود القمح بعد قرار مصر بشراء 55 ألف طن من القمح الأميركي
تجار: روسيا لن تلتزم باتفاقات تصدير الحبوب المسبقة
القاهرة: «الشرق الأوسط»
ارتفعت العقود الآجلة للقمح في أوائل التعاملات في بورصة شيكاغو للتجارة أمس، بعدما أعلنت مصر أنها ستشتري أولى شحناتها من القمح الأميركي منذ سبتمبر (أيلول) 2009، وتضمن إعلان الهيئة المصرية العامة للسلع التموينية أنها اشترت 55 ألف طن من القمح الأميركي للشحن في الفترة من 16 إلى 30 من سبتمبر المقبل.
وقال نعماني نعماني نائب رئيس الهيئة إن الهيئة اشترت 55 ألف طن من القمح الأميركي من كارجيل بسعر 277.5 دولار للطن.
وارتفعت عقود القمح تسليم سبتمبر في بورصة شيكاغو 10.25 سنت إلى 6.74 سنت للبوشل. وقال وزير التجارة المصري، رشيد محمد رشيد، أمس، إن مصر قد تستأنف استيراد القمح من الأرجنتين، بعد توقف دام عدة سنوات، وذلك لتعويض أثر الحظر الروسي لصادرات القمح.
وتسبب جفاف شديد في تراجع إنتاج الحبوب بمنطقة البحر الأسود، ودفع روسيا، أكبر مصدر للقمح بالمنطقة، إلى فرض حظر على شحنات القمح حتى نهاية العام على الأقل.
وقال رشيد في مقابلة مع «رويترز» إن مصر ما زالت تستهدف استيراد ستة ملايين طن من القمح في 2010 - 2011 وأنها في طريقها لتعويض كل كميات القمح الروسي التي اتفقت على شرائها قبل الحظر.
ومصر أكبر بلد مستورد للقمح في العالم، وكانت روسيا بلد المنشأ لمعظم مناقصات القمح العالمية التي طرحتها مصر على مدى العام الماضي.
وردا على سؤال بشأن ما إذا كانت مصر تدرس السماح باستيراد القمح من مناشئ جديدة إلى جانب
الأقماح الأميركية والفرنسية والكندية عقب الحظر الروسي، قال رشيد لـ«رويترز»: «هناك سبعة أو ثمانية موردين للقمح عالميا. الأرجنتين أحدهم... إنها مورد كبير».
وقال رشيد إنه أجرى مفاوضات مع الحكومة الأرجنتينية ومسؤولين من القطاع الخاص قبل أسبوعين، خلال زيارة لتوقيع اتفاقية للتجارة الحرة مع دول ميركوسور (السوق المشتركة لأميركا الجنوبية).
وقال: «إننا سعداء بأن نرى الأرجنتين تضاف إلى قائمة موردينا». وأضاف أن الاستيراد قد يبدأ مع المحصول المقبل.
واشترت الهيئة العامة للسلع التموينية (المشتري الحكومي الرئيسي للقمح في مصر) 5.53 مليون طن من القمح الأميركية والفرنسية والروسية
والألمانية والكازاخستانية والكندية في السنة المالية المنتهية في 30 يونيو (حزيران)، من خلال مناقصات عالمية.
وجاء نحو 63 في المائة من القمح من منطقة البحر الأسود. وقال رشيد: «إننا جادون في تنويع مصادرنا.. هذه هي الطريقة المناسبة». وأضاف أن الحكومة الروسية وافقت على بحث سبل إعادة جدولة شحنات القمح من أول أكتوبر (تشرين الأول)، لكنها لن تتمكن من اتخاذ أي قرار بشأن الشحنات قبل ذلك الحين. وقال رشيد: «بالطبع سيظل الحظر ساريا حتى نهاية ديسمبر. لكن روسيا أوضحت أنها بعد أول أكتوبر ستعطينا تقديرات لما تستطيع فعله، لأنها في ذلك الوقت ستمتلك أفضل التقديرات لإنتاجها وكمياتها، وهو ما ليس متوفرا لديها الآن».
وقال رشيد إن مصر تعتزم السماح بالشحن من أكثر من ميناء واحد «إذا شعرنا أن مثل هذا التغيير في الشروط سيجعل الإمدادات أسهل دون أن يشكل مخاطر على مصر».
وتابع قائلا «ليست لدينا في الوقت الراهن أي احتياجات معينة لتغيير لوائحنا» فيما يتعلق بتغيير شروط الشحن لتجار القمح. وأضاف أن القرار سينفذ «قريبا.. ربما بدءا من المناقصة المقبلة».
وقال تجار أمس إنه من غير المتوقع أن تلتزم روسيا باتفاقات تصدير الحبوب التي أبرمتها قبل 15 أغسطس (آب) للتسليم بعد هذا التاريخ الذي أوقفت عنده صادرات الحبوب، بسبب أسوأ موجة جفاف تشهدها من أكثر من 100 عام.
وسرت تكهنات في الأسواق الأميركية أول من أمس بأن روسيا ربما توافق على تسليم قمح اشتراه عملاء رئيسيون، قبل بدء سريان حظر التصدير يوم الأحد. لكن تجارا أوروبيين شككوا في تلك الشائعات، وقالوا إنهم لم يروا أي مؤشر على تخفيف الموقف الروسي.
وقال تاجر أوروبي: «أخذ بعض السياسيين في موسكو يدلون ببعض التعليقات التصالحية، لكن لا توجد أي إشارات ملموسة على أي تغير حتى الآن. تضغط دول شرق أوسطية مستوردة للحبوب على روسيا لتخفيف الحظر لكن لم تحظ أي دولة بمعاملة خاصة».
وأعلنت روسيا في الخامس من أغسطس أنها ستحظر صادرات الحبوب من 15 أغسطس حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) بعدما دمر الجفاف جانبا كبيرا من المحصول.
وأضر الحظر بشكل خاص بمصر، أكبر بلد مستورد للقمح في العالم. وقال تاجر: «أرسلت الشركات التي باعت القمح إلى مصر، خطابات مكتوبة إلى الهيئة العامة للسلع التموينية لإبلاغها بأنه لا يمكنها شحن القمح بسبب الحظر الروسي». وتابع يقول: «لجأ بعض مصدري القمح أيضا إلى شروط القوة القاهرة، بموجب الاتفاقات الدولية التي وقعتها مصر».
وتتضمن عقود رابطة تجارة الحبوب والأعلاف فقرة تسمح بإلغاء العقد إذا حظرت حكومة ما الصادرات.
وتعفي بنود القوة القاهرة في عقود التوريد الشركات من التزاماتها بموجب العقد، دون عقوبة، إذا تضررت من أحداث خارج نطاق سيطرتها.
وقال تجار إنه إذا تراجعت الحكومة الروسية والتزمت بالعقود السابقة فيمكن عندئذ تسليم القمح للمستوردين. وقال تاجر آخر: «لكن يبدو أن الحكومة الروسية في بياناتها تجهز بدرجة أكبر لتمديد الحظر إلى النصف الثاني من الموسم».
وفي الوقت ذاته قال نور الدين كحال رئيس الديوان المهني للحبوب بالجزائر أمس إن البلاد تتوقع محصولا من الحبوب أقل من محصول الموسم السابق، لكنها لن تستورد القمح الصلد ولا الشعير هذا العام لتوفر مخزونات كافية.
وشهدت الجزائر التي كانت أحد أكبر مستوردي القمح في شمال أفريقيا حصادا قياسيا بلغ 6.1 مليون طن من الحبوب العام الماضي، وأبلغ كحال «رويترز» في مقابلة أن تراجع إنتاج المحصول لن يؤثر على قرار الجزائر بوقف استيراد القمح الصلد والشعير بقية العام الحالي. وقال: «لدينا مخزونات كافية من القمح الصلد والشعير، ولن نستورد هاتين السلعتين خلال الفترة المتبقية من العام»، لكنه رفض ذكر أرقام محددة لحجم المحصول. وفي وقت سابق من الشهر الحالي قالت وزارة الفلاحة إنها تتوقع أن يبلغ محصول الحبوب نحو 4.5 مليون طن.
هل يتجه العالم نحو أزمة غذاء؟
إذا صدقنا تحذيرات بعض الخبراء، فالجواب نعم. أما إذا أخذنا بتطمينات مسؤولي المنظمات الدولية، فإن الجواب هو أن العالم قد يواجه نقصا في إمدادات بعض المواد الغذائية وارتفاعا في الأسعار، لكنه لن يشهد أزمة شبيهة بما حدث بين عامي 2007 و2008 عندما أدى ارتفاع الأسعار ونقص الإمدادات خصوصا بالنسبة لمواد مثل القمح والأرز إلى إثارة توترات استدعت تدخل الحكومات لدعم أسعار المواد الغذائية.
إن أزمة جديدة في أسعار المواد الغذائية أو في إمداداتها، مهما كانت محدودة، ستكون لها انعكاسات مضرة على الاقتصاد العالمي الذي ما يزال يحاول التعافي من آثار الأزمة المالية العالمية التي أثارتها مخاوف انهيار عدد من المصارف والمؤسسات المالية الكبرى.
فالتقارير تشير إلى أن أسعار القمح ارتفعت بأكثر من 50% منذ يونيو (حزيران) الماضي وأنها قد ترتفع أكثر من ذلك بسبب تراجع الكميات المعروضة في الأسواق العالمية إثر الحظر المؤقت الذي فرضته روسيا، أكبر المنتجين، على الصادرات بعد تضرر محاصيل القمح من موجة الحر والجفاف التي ضربت البلاد. كما أن الهند التي تعد ثاني أكبر المنتجين للقمح، لكنها تستهلك معظم ما تنتجه، تعاني من أمطار غزيرة وفيضانات تسببت في دمار قسم من محاصيلها. ولأن المصائب لا تأتي فرادى، كما يقولون، فقد أوردت تقارير إعلامية
أن إنتاج أستراليا من القمح تضرر بعد غزو أسراب من الجراد للمزارع هناك، بينما تعاني دولة منتجة أخرى هي كندا من صيف ماطر قد يؤدي إلى فشل محاصيلها.
كل هذا يشير إلى احتمال حدوث نقص في إمدادات القمح العالمية خلال الأشهر المقبلة، تتضرر منه دول عديدة، من بينها الدول العربية التي تستورد احتياجاتها من هذه السلعة الحيوية من روسيا أو كندا وأستراليا.
وكانت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة قد حذرت في يونيو الماضي من أن أسعار الغذاء تتجه نحو ارتفاع شديد قد يصل إلى نسبة 40%، مشيرة إلى أن الإنتاج العالمي من القمح سيشهد تراجعا خلال العام الحالي. وسعت المنظمة في الوقت ذاته إلى طمأنة الدول والشعوب المستهلكة مستبعدة أزمة غذاء شبيهة بما حدث قبل عامين، نظرا إلى أن أميركا وأوروبا حققتا زيادة في إنتاجهما من القمح سيعوض عن نقص الإمدادات من أماكن أخرى. لكن المشكلة هي أن النقص في إمدادات القمح سيؤثر على أسعار سلع أخرى مثل الأرز الذي يتوقع أن يشهد زيادة في الطلب خصوصا في الهند وباكستان والصين والخليج.
وفي ظل الكلام عن هذه الأزمة الجديدة يكتشف المرء أن هناك «كازينو عالميا» يقامر فيه المضاربون بأسعار الغذاء. فالعديد من المختصين يشيرون إلى أن المضاربين في أسواق المال الدولية مسؤولون عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية حتى قبل أن تؤدي تقلبات الطقس إلى ضرب المحصول في عدد من الدول المنتجة. ذلك أن البنوك التي شهدت تقلص الفرص والعائدات في مجال الإقراض العقاري، وفي مجال بيع وشراء الأسهم في عدد من الصناعات المتضررة من الأزمة المالية العالمية،
لجأت إلى ضخ الأموال للمضاربة في أسعار الغذاء على أساس أن المضاربة في السلع والمواد الغذائية مضمونة العوائد بل إنها مرشحة للارتفاع نتيجة الطلب المتزايد خصوصا من الدول النامية التي تشهد زيادة كبيرة في معدلات النمو السكاني.
المفارقة المثيرة للإحباط هي أن القطاع المصرفي المسؤول عن الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة في العالم، يتحمل المسؤولية أيضا عن رفع أسعار السلع والمواد الغذائية في الأسواق العالمية. لهذا السبب ظهرت منظمات تطالب بفرض إجراءات لتنظيم سوق الغذاء العالمي
ومنع المضاربين من التأثير على أسعار السلع. وبالفعل بدأت هذه الدعوات تجد صدى وقبولا، إذ سنت أميركا أخيرا تشريعات للحد من المضاربات على أسعار المواد الغذائية، كما أن الاتحاد الأوروبي يبدو ميالا لفرض قيود مشابهة، حتى لا يصبح غذاء الناس تحت رحمة المضاربين.
الغريب أن النظام المصرفي العالمي يتصرف وكأنه لم يتعلم شيئا من الأزمة العالمية الأخيرة التي وضعته تحت المجهر وهزت الثقة به، بل إنه ينتظر مرور الزوبعة الراهنة وعودة الأمور كما كانت. فالعالم بات رهينة نظامه المصرفي، وكلما تحدث هزة في هذا النظام تسارع الدول إلى إنقاذه بأموال دافع الضرائب، لأن انهيار النظام المالي العالمي، سيعني فوضى عارمة ومظاهرات في الشوارع وسقوط دول. وبالتالي فإن أقصى ما يمكن حدوثه اليوم هو أن تتفق الدول على فرض إجراءات تنظيمية تحد من الجموح الذي يصيب النظام المصرفي ومن جشع مضاربيه.
صحيح أن هناك فقرا وجوعا، مثلما أن هناك غنى وبطرا في العالم،
لكن المشكلة الحقيقية هي الجشع. فعلى حد قول المهاتما غاندي «في هذا العالم هناك ما يكفي احتياجات كل إنسان، لكن ليس هناك ما يكفي جشع كل شخص».
http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=582960&issueno=11586