لماذا نعيش ؟ و ما هو الهدف من الحياة ؟
- هل نحيا من أجل الإستمتاع بالحياة ؟
- أم من اجل إسعاد الآخرين ؟
- أم من أجل إنجاز عمل عظيم يخلد ذكرانا ؟
- أم من أجل أن نترك تراث مهم لأولادنا و احفادنا من بعدنا ؟
- أم من أجل كل ذلك و أكثر ؟
ربما كانت الحياة عمل عشوائي تم بلا غرض و ربما كانت عمل منظم و مقصود تم لغرض لا نعرفه, لكن المؤكد هو اننا هنا : نحيا على كوكب الأرض و نعاني من مشاكل كبيرة أحيانا و نستمتع بأوقاتنا أحيانا اخرى, صحيح ان اوقات المعاناة ربما تكون مؤلمة و لكن الحياة لازالت فرصة عظيمة لكل كائن حي لكي يعيش سعيدا و يساهم في جعل الآخرين سعداء.
الحياة غالبا مثل المادة الخام الموجودة في الطبيعة تشكلت بشكل عشوائي من اجل لا غرض و لا هدف و لكن الإنسان هو من يجعل من تلك الحياة الخام شيء له معنى. ربما يحزن المرء حين يتأكد ان حياته ستنتهي إن آجلا أو عاجلا, و ربما يحزن كثيرا لموت صديق أو قريب لكن لو عرفنا بعضا من حقائق الحياة لمثلت لنا عزاء في زمن الشدة.
إن الحياة لها قيمة لانها قصيرة لأن الندرة هي أساس القيمة كما تعلمنا في الإقتصاد و كما علمتنا الحياة. فالهواء مثلا لا نشعر بقيمته لأنه لا ينتهي و لكن وقت أن نكون في مكان يقل فيه الهواء فسنشعر فورا بالأهمية الرهيبة للهواء. نفس الفكرة بالنسبة للحياة فنحن نشعر باهمية الحياة كلما شعرنا بإقتراب الموت و من الضد نتعلم أهمية الضد الآخر, و لو لم يكن الموت لما كانت للحياة أي قيمة و لو إن لم تكن الحياة قصيرة لما كان لها تلك القيمة الفائقة.
صحيح اننا لا نقرر متى نولد و لا متى نموت و ربما كان هذا عيب خطير في الحياة و لكن من قال أننا آلهة و من أفتى بوجود كائن حي يختار متى يولد و متى يموت ؟
صحيح أن الحياة خام و عشوائية أساسا إلا ان لها شكل و طبيعة لا تتغير : الوجود يسبق الوعي, هذا مؤكد. و كما إن وعي المرء لا يكون موجودا قبل لحظة الميلاد كذلك هو لن يكون موجودا بعد لحظات الموت. يعني لو تخيلنا حياة يسبق فيها الوعي الوجود و يعقبه لكانت شيء آخر غير الحياة التي نحياها.
الجميل في الامر هو ان العلم يتقدم بنا و قدرتنا على زيادة اعمارنا تتزايد و لا تنقص, لكن هذا ليس عزاءا لكل واحد منا فهناك من يتمنى ان يعيش أكثر مما تسمح به الحياة نفسها.
عموما نحن لسنا فانيين بالضرورة فنحن نحيا بشكل آخر من خلال أبنائنا و بناتنا, و هذا كلام علمي لان العلم يقول أن الطفل الواحد يحمل نصف كروموسومات الأب و نصف كروموسومات الام و هذا يعني ان عدة اطفال قد تجعل كل الصفات الوراثية للأب و الام حية بعد موتهم, و الآن بعد معرفة تلك المعلومة و فهمها جيدا : كيف يمكننا ان ندعي اننا فانين بعد موتنا ؟
هناك ملحوظة علمية اخرى و هي أن الجسم يجدد خلاياه بإستمرار فهناك خلايا تموت و خلايا تولد في نفس الجسم البشري الذي نحيا به, و الآن بعد معرفة تلك المعلومة و فهمها جيدا : كيف يمكننا ان ندعي اننا احياء منذ ولدنا ؟
أعتقد أننا لو فهمنا ان أي إنسان منا هو مجرد خلية من خلايا عديدة في جسم كائن حي كبير هو النوع الإنساني كله لعرفنا أننا خالدين طالما ان النوع الإنساني لا يزال حيا, بل إن النوع الإنساني قد يمثل الدماغ المفكرة في جسم الحياة على الأرض و بالتالي فإننا احياء طالما ان هناك حياة على الأرض.
كل هذا يعني انه لا يوجد جسم منفصل لذات مفكرة تعيش بشكل مستقل في الطبيعة, تحيا و تموت لوحدها. كل الاحياء مترابطين و الحياة لا تنتهي عند كل حيوان يموت لأن الحياة تجدد نفسها بإستمرار من خلال نسل كل كائن حي. في الحقيقة ان الواحد منا هو حي طالما ان نوعه حي بل و هو شخصيا سيكون حيا من خلال أطفاله الذين يحملون صفاته الوراثية. فقط الوعي الفردي بالحياة هو الذي يموت لكن ماعدا ذلك فالكل احياء بشكل دائم طالما أن الحياة قائمة على الأرض.
الحياة إذن مستمرة و متجددة و لها قيمة كبيرة و نستطيع ان نخلع عليها الكثير من المعاني طالما اننا لا نتعامل بانانية و حماقة مع حقائقها. لكن أسوا شيء هو ان نخلع على الحياة معاني خاطئة و مفاهيم سلبية لا تستحقها الحياة.
مثلا ان نقول أن الحياة هي هبة من كائن حي عظيم قادر على كل شيء : و هذا ليس صحيحا لأن الحياة ليست هي أصل الوجود. الحياة أكثر تعقيدا من ان تكون موجودة بلا أصل او تاريخ.
ما عرفناه عن طريق العلم ان الطاقة تطورت إلي المادة المصمتة ..
و المادة المصمتة تطورت إلي المادة الحية ..
و المادة الحية تطورت إلي وعي ..
و لا نعلم ما الذي سينتج عن تطور الوعي بعد مليون سنة من الآن.
لكن وجود كائن حي واعي عظيم أبدع المادة و الطاقة و قوانين الطبيعة هو سيناريو ملفق و بعيد عن الواقع, يعني لو كان هناك إله خالق فعلا فإن السؤال : كيف نشأ إله لامتناهي التعقيد ؟ سيكون هو السؤال المصيري للإنسانية.
اما سؤال : لماذا يبدع إله بالغ التعقيد كونا بسيطا ؟ فسيكون سؤالا منطقيا آخر و لكن بلا إجابة.
المفروض ان الوجود يتجه من البساطة إلي التعقيد و من الفوضى إلي النظام فلماذا خلق الإله كونا بسيطا فوضويا ليسير في مشوار التعقيد منذ البداية ؟
المفروض ان يخلق الإله كائنات و ظواهر اعظم منه ..
أما ان يبدع الإله العظيم طاقة مصمته و يتركها ملايين السنين حتى تبرد و تنتج أشكال المادة ثم الحياة فالوعي, فهذا سيناريو عقيم و غير منطقي بالنسبة لإله بالغ التعقيد و لامتناهي القدرات. الأقرب للمنطق أن الوجود كان في حالة أبسط من الطاقة ثم تطور إلي الطاقة ثم واصل تطوره حتى بلغ ما عليه الكون الآن.
هذا يعني أن الحياة تتجه من العشوائية إلي النظام و من اللامعنى إلي المعنى, و هذا يعني أننا مسئولين تجاه الكون عن المحافظة على حياتنا و تطورنا للوصول إلي المرحلة القادمة من التطور, التطور الذي هو سمة هذا الكون و ليس طريقة وجود المادة الحية فقط.
الجميل في الموضوع هو اننا لم نعد محتاجين لنظرية المصمم الذكي بالغ التعقيد مجهول الأصل و الهوية فالكون له طريقة خاصة في الوجود و له خط تطوري واضح و مراحل تطور لا خلاف عليها. فلم نعد محتاجين لتلفيق معنى للحياة عن طريق قصص خرافية لان الحياة فعلا لها معاني صغيرة قريبة و معاني كبيرة بعيدة نستطيع أن نحيا من اجلها جميعا و أن نساهم – عن طريق الإلتزام بتلك المعاني - في كتابة تاريخ الكون.