coco
عضو رائد
المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
|
مقابر / قصص قصيرة
مقبرة 1
يراودني دائما وسواس مخيف , أنني سوف أدفن حيا , لا أدري كيف استطاع هذا الوسواس غزو عقلي , هو تفكير مرضي لا شك في ذلك ورغم أنني أعرف تماما أنه تفكير مرضي إلا أنه استولي علي تفكيري , وقد عانيت مدة طويلة في محاولة نزع تفكيري من التفكير فيه , إلا أن مقاومة التفكير فيه كانت تزيده عنادا, أفهمت أخي الموقف وطلبت منه أن يخفي في كفني نصلا حادا يكون في متناول يدي لكي أتخلص من الكفن وبعد أن نظر إلي ّفي ارتياب وعدني بذلك ولكي يطمئنني أكثر أراني المقبرة الجديدة التي بناها, مجرد حجرة صغيرة جدا يوضع الميت فيها فوق الأرض وتغلق بباب حديدي , انتهزت أول فرصة فتح للمقبرة لدفن ميت من عائلتنا وحفرت بجوار الجدار ودفنت مطرقة كبيرة , تطور الوسواس بعد ذلك واخذ يضايقني , كيف سيكون الظلام عندما أصحو من الموت فأجد نفسي مكبلا بالأكفان ؟ , وهل سوف أتذكر النصل والمطرقة .. إلخ , استشرت أحد الأطباء النفسيين فقرر لي ببساطة أن أفضل طريقة للتخلص من هذا الوسواس القهري أن أتشاغل عنه عندما يهاجمني بعمل أي شئ والاستغراق فيه بكليتي , مثل إصلاح أحد الأشياء التالفة في المنزل والتي يصعب عليّ إصلاحها ,علي أن أفسدها أكثر حتي تأخذ وقتا طويلا في الإصلاح أو إفسادها تماما والبحث عن أحد المحترفين لإصلاحها والاستغراق في معرفة كيف يقوم بإصلاحها , قررت أن أنفذ الفكرة في سخان الغاز , كانت اللوحة الرقمية التي تسجل حرارة الماء قد فسدت , فقمت بما أشار به الطبيب , وحاولت إصلاحها فأفسدتها ,أضيف إلي الكابوس الأول أن ما فعلته في السخان يمكن أن يؤدي لتسرب الغاز فتموت أسرتي الصغيرة ولا يبقي لهذا الفرع من عائلتي أثر , زرت الشركة ولما آخذ الضمان فنصحوني بإحضاره أو الاتصال بهم تليفونيا من المنزل , فعرفت أنهم يريدون زيادة أتعابهم بالانتقال إلي مقر المشكلة والمعاينة , ثم تحديد موعد آخر للإصلاح ثم فاتورة كبيرة لمشكلة صغيرة ,فتشاجرت معهم , وفي طريق العودة هاجمني وسواس ثالث , ماذا لو عدت فوجدتهم قد ماتوا جميعا من تسرب الغاز وأنا بالخارج , هناك شهود عليّ بأنني كنت أعبث بالسخان , فقد شاهدتني جارتي من شباك المطبخ وأنا أجري محاولاتي في اللوحة الرقمية , وظلت واقفة في المطبخ مدة طويلة بقميص عارٍ من الصدر والكتفين ربما لمحاولة إغرائي , فاستجبت للإغراء ورحت أملي عيني من جسدها , فانشرح صدرها جدا , ولا بد أنها حكت لزوجها ليس عن تحديقي فيها ولكن عن إفساد السخان , ولابد أن زوجها حكي لزملائه في العمل وهم يضحكون مني , , وفجأة برز وسواس آخر أن زوجتي تعرف أن هذه الجارة لعوب , وأنها تراقبني لتعرف رد فعلي تجاه تصرفاتها , عندما عدت للبيت كان همي الأول هو البحث عن السخان الكهربائي ووضعه مكان سخان الغاز , فأفادت زوجتي وعلي عينها دمعة حائرة - من شدة تعنيفي لها لأن يتوه سخان بهذا الحجم في مثل هذا البيت الصغير - أنه في مخزن بيت العائلة الكبير ,انتهزت الفرصة , وأخذت أسرتي الصغيرة المندهشة إلي بيت العائلة وأودعتهم هناك مدعيا أنه لا يمكن العيش بمنزل لا يوجد به سخان صالح للعمل , كيف يمكن أن نعيش دون ماء ساخن ومن السخان علي وجه التحديد , بعد أن رحبت أمي بي وبزوجتي وأولادي , قالت أنها تريدني في أمر مهم فلما أفهمتها أنني مشغول جدا بأمر السخان أعطتني مفتاح المخزن علي مضض , وظللت أعبث في الأشياء المتراكمة حتي عثرت عليه , بعدها صعدت عند أمي وأخذت حماما ساخنا , وأسرعت إلي المنزل وشرعت في استبدال السخان الكهربائي بسخان الغاز و كانت الجارة قد سمعت اللغط في مطبخي فأسرعت بالتخفف من ملابسها ومراقبتي وأنا أختلس النظر لجسمها , ولكني اكتشفت أنني قد وقعت في خطيئة أكبر , إذ كان يجب أن أخطر شركة الغاز أنني سوف أستغني عن غازهم وأعود للكهرباء , كنت قد أغلقت محبس الغاز العمومي في الشقة وانتهيت من فك سخان الغاز , فعدت لتركيب سخان الغاز علي أن أقوم بإخطار الشركة برغبتي في التغيير ,نظرت للساعة فوجدت أن موعد الدوام قد انتهي , أخذت أفكر في حل للمشكلة ولما وجدت جارتي أنني مهموم ولا أنظر لجسدها أطلقت ضحكة خفيفة , فلما رأتني مازلت علي حيرتي أخذت في الغناء . عندها هبطت علي الفكرة كالوحي , أن أتصل بالطوارئ في الشركة , أخذت في البحث عن رقمهم فلم أجده فاتصلت بزوجتي عند أمي وسألتها عن رقم الشركة , فقالت أنه مسجل علي هاتفي الخلوي في أرقام الطوارئ , أخذت في البحث عن الهاتف الخلوي فلم أجده و انتابني وسواس جديد أن أكون قد نسيت التليفون في سيارة أخي ونحن ننقل السخان الكهربائي و لا بد أنه عثر عليه وأخذ يتصفح الأسماء فيه وسوف يخبر أمي ضاحكا بالأسماء الحركية التي وضعتها علي الهاتف ولا بد أنهم يخوضون في سيرتي الآن أمام زوجتي وأولادي , وربما حاولوا الاتصال بأحد هذه الأسماء الحركية لمعرفة صوت المتحدث , ولا بد أن زوجتي وأولادي قد غضبوا وبكوا ولكنهم لا يستطيعون فعل شئ إزاء تصلب أمي , فاتصلت بزوجتي لأطمئن فوجدتها في نقاش كبير مع أمي وزوجة أخي فزاد خوفي , اختلست نظرة سريعة للجارة وأسرعت لمنزل العائلة , وحالما دخلت كففن عن النقاش , طلبت من زوجتي أن تطلب تليفوني الخلوي لأني لا أجده , سمعت رنينه في الحمام , فأسرعت بإحضاره ,حاولت قراءة ما يدور برؤوسهن , كانت أمي تشيح بوجهها عني فلم أتمكن من النفاذ لرأسها أما زوجة أخي فقد كانت تنظر لي وتهز رأسها , وهنا انفجرت أمي : أقول لك أنني أريدك في أمر مهم فتتركني وتجري , قلت لها : إنني لم أعد صغيرا حتي تعاملني كطفل و ... , فإذا بها تصرخ : ولد ! , فانكمشت , كتمت زوجة أخي ضحكة خفيفة , فصرخت أمي : بنت ! فانكتمت , اتصلت بطوارئ الغاز فقالوا : إنهم آتون في الحال , أصابني الرعب وراح الوسواس الجديد يعذبني , ماذا لو اكتشفوا أنني حاولت استبدال السخان , قالت أمي : هه , نتكلم في موضوعنا , قلت وأنا أبحث عن حذائي , فيما بعد , طوارئ الغاز في الطريق إلي البيت وأسرعت من أمامها , وصلت المنزل فوجدت أنهم قد غادروا من الورقة الملصقة بالباب , ويحملونني مسئولية عدم المكوث بالمنزل وانتظارهم , هذا ما قالته الجارة التي ظهرت من الباب بنفس القميص العاري والذي أوضح جانبا كبيرا من ساقيها لم أكن أراه من نافذة المطبخ , وظهر وسواس أشنع ماذا لو كان زوجها صاعدا الآن علي السلم , ورأها علي هذا الحال , ربما يشك أننا نفعل أشياء مخجلة وسوف يصيح , وسوف تعلم أمي وزوجتي وزوجة أخي , وسوف يقلن أنني سربتهم إلي بيت أمي ليخلو لي الجو مع الجارة , أسرعت من أمامها دون استئذان وأغلقت الباب وأخذت أنظر عليها من عين الباب السحرية خائفا , ولكن عندما نظرت ورائي وجدت شباك الصالة مفتوحا وجاري في المنزل المقابل يطل علي ّ , فأسرعت أغلق الشباك , وأسرعت إلي المطبخ فوجدتها قد لحقتني إلي النافذة هناك , برز وسواس آخر أنها يمكن أن تكون قد نسيت باب شقتها مفتوحا وأن زوجها يمكن أن يدخل دون أن تسمعه ويراها بهذا المنظر فأسرعت إلي الباب ونظرت من العين السحرية – إذ انه من المؤكد أن الجار مازال واقفا يراقبنا - فرأيت بابها فعلا مفتوحا , فأسرعت إلي المطبخ , فوجدتها فيه , ما الحل ؟, لا أستطيع أن أتكلم معها عن الباب المفتوح لئلا تظن شيئا , فكرت أن أبتعد عن المطبخ ربما تبتعد هي الأخري , ذهبت إلي حجرة النوم ومكثت قليلا ثم عدت للمطبخ فوجدتها مازالت علي الجانب الآخر , أسرعت إلي باب الشقة وفتحته وأغلقته بعنف ثم عدت علي أطراف أصابعي إلي نافذة المطبخ فوجدتها تمد قامتها لتراقبني , أسقط في يدي , رن جرس التليفون فانتفضت , كانت زوجتي , قالت : إن أمي غاضبة جدا , هنا بدأ وسواس رهيب يدور في رأسي أنني إذا نزلت الآن فقد أصادف الزوج صاعدا , وعندما يصل لشقته يجد الباب مفتوحا فيظن بنا الظنون , أنقذني نفير سيارة أخي يدوي , فتحت الشباك فلوح لي أن أنزل وقال أمام كل الجيران : أمك سوف تقتلك , انزل , نزلت وأسرعنا إلي أمي فوجدتها منهارة , بعد أن تماسكت قالت : هل رأيت المقبرة التي دفنا فيها زوجة خالك , غمغمت : مالها ؟ , قالت في غضب : هل رأيتها جيدا , من خلال وسواسي الكثيرة هززت رأسي بالإيجاب , قالت نريد مقبرة مثلها , قلت : لدينا مقبرتنا , ما الحاجة لمقابر أخري , قالت في بطء : نريد مقبرة تشرح القلب الحزين , نريد مقبرة مساحتها لا تقل عن مائة متر , في المنتصف يكون اللحد العميق وننزل له بسلالم , ونجعل مكانا للنساء ومكانا للرجال , ونزرع في المكان حديقة صغيرة والمكان كله يكون مبنيا بحيث نروح فيه شتاء وصيفا , كان أخي قد وصل وأنا استمع إلي أمي في وجوم , نظرت إلي أخي فوجدته يبتسم في مكر , نظرت إلي أمي التي راح صوتها يضيع , زوجتي تنظر لي بلوم ,زوجة أخي تنظر في شرود , بدأت روحي تنساب ببطء في الفضاء.
انتبه إلي نفسه مقيدا , فتح عينيه فوجد الظلمة تعم المكان , تحسس جسمه فوجد نفسه عاريا وملفوفا , عرف أن ما كان يخاف منه قد حدث وأنه مدفون حيا , أخذ يتحسس داخل الكفن بحثا عن النصل الذي أوصي أخاه أن يضعه داخل الكفن فلم يجده , أخذ يناضل حتي تمكن من التخلص من الكفن , اتجه إلي جانب المقبرة الذي دفن فيه المطرقة ونبشه بحثا عنها ولكنها كانت قد تبخرت , جلس مرعوبا من المصير الذي سوف يلاقيه في هذه المقبرة , ولكنه سمع بغتة أصوات ضحكات في الخارج عبر الجدار الذي يفصله عن العالم الحي , أصاخ السمع جيدا ومع الوقت تبين تلك الأصوات , ضحكات الطبيب وأخيه وزوجة أخيه والجارة اللعوب وموظفي الصيانة في شركة الغاز وزوج جارته وأصدقائه وأمه وزوجته وأولاده وجاره الذي كان يراقب من النافذة , ولدهشته سمع صوت ضحكاتي أنا الآخر في الخارج تمتزج بضحكاتهم .
- يتبع -
أعتذر للزميلين الفاضلين , وردة وديك الجن , عن حذف الشريط وإعادته مرة أخري , فقد وجدت أخطاء نحوية كثيرة ما كان لي أن أقع فيها وأرحب بالتعليقات .
كوكو
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 03-06-2011, 12:08 AM بواسطة coco.)
|
|
03-06-2011, 12:05 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
coco
عضو رائد
المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
|
RE: مقابر / قصص قصيرة
مقبرة 2
كابوس فظيع , يلم بي في نومي بطريقة متكررة , أنني فقدت بصري , صحوت مرة من قيلولة الظهيرة التي طالت إلي المغرب وأنا في لجة هذا الكابوس ,أنني أمسيت أعمي , وجدت النور مقطوعا , وفكرت أنني ربما صرت أعمي فعلا , دار بخيالي : ماذا سيحدث لي عندها ؟, لن أري الوجوه والألوان طبعا , لا أدري لماذا فكرت في الوجوه والألوان علي وجه التحديد ؟ , هل سأحتمل البقاء دون أن أري الألوان ؟ , وهل يمكن أن تحتفظ ذاكرتي بلون الألوان بعد أن أصاب بالعمي ؟ مشكلة رهيبة , أنا لا أستطيع العيش في العالم دون رؤية الألوان , خاصة لون عيني من يتحدث إلي ّ, من ولعي بتأمل خائنة الأعين ولغة الوجوه , رحت إلي لون العيون , وخاصة تلك الدائرة المتشعبة مثل وردة في منتصف العين حين تكون العين صافية , ومنها انطلقت إلي ألوان الله , الأزرق , الأخضر , النيلي , الأحمر , البرتقالي , الأصفر , البنفسجي , ناديت وأنا مازلت علي سريري وعيناي مفتوحتان : أنا هنا , لم يرد أحد , لا بد أن زوجتي وأولادي بالخارج , هبطت علي فكرة شريرة , أن أعتبر نفسي قد صرت أعمي فعلا , وأجرب أن أتصرف خلال أثاث البيت ومكونات العالم علي هذا الأساس , تحسست الأشياء أمامي حتي وصلت إلي الطاولة في منتصف الحجرة عبثت بالأشياء عليها , القلم , المفكرة , علبة السجائر , الولاعة , ولحسن طالعي هاتف زوجتي المحمول , زعمت زوجتي أنها تخزن علي هاتفها المحمول فيلما لي صورته وأنا نائم وصوت شخيري يملأ الغرفة مع المعارك الجنونية التي تحدث في أحلامي , وهددتني به إذا فكرت في طلاقها أو الزواج بامرأة أخري إلي أن أموت , أنا متأكد أنها لا تحبني ولكنها تفكر فيما سوف تجنيه بعد موتي , هذا كل ما في الأمر , تحسست أزرار الهاتف وتعرفت ما تقوم به من أدوار , لا بد أن أصل لهذا الفيلم وأمسحه وأحصل علي حريتي , لو رأت أية امرأة هذا الفيلم فسوف تكرهني في الحال , عندما وصلت للفيلم , ضحكت في هستيرية وأنا أسمعه وودت لو أفتح عيني لأري صورتي أثناء نومي , ولكني كبحت نفسي فأنا الآن أعمي , ويجب أن أتصرف علي هذا النحو , يجب علي ّ من خلال الأصوات أن أتخيل المعالم والوجوه والمناظر , أعدت الفيلم من البداية وبدأت أركز كل حواسي في أذني , بدأ الشخير في البداية رتيبا هادئا مثل صوت الماء الرقراق , تخيلت صورتي العذبة التي تنعم بالسلام , راح صوت الشخير يعلو ولكنه مازال رتيبا منتظما مثل بندول ساعة , راحت صورتي في خيالي تهتز وأنا أري ملامح وجهي تتجهم عندما بدأ النشاز يستلم الصوت العالي شيئا فشيئا , ثم راحت ملامح وجهي كما تخيلتها تكفهر أيضا , عندما تداخلت أصوات غريبة مع صوت الشخير النشاز , أصوات صفير وتصفيق , لابد أنني كنت في مظاهرة , لم أجرؤ علي فتح عيني فأنا أعمي , أصخت السمع جدا فيما الأصوات تتحول إلي ثغاء أغنام , صهيل خيول , مواء قطط تمتزج بالشخير الخافت , ماذا كنت أفعل ؟ , هل كنت في حديقة حيوانات , وكيف تمكنت من إصدار هذه الأصوات في حلمي , أصخت السمع أكثر , ما هذا ؟ , أصوات صليل سيوف وطلقات بنادق , ياللهول , لابد أن وجهي كان يتلون في كل لحظة في هذا الحلم – المعركة - حسب الموقف , شئ مرعب حقا أن أفتح عيني أنا الأعمي وأنظر لصورتي , المجرمة تحتفظ بهذا الفيلم الشائن عني , تحسست أصابعي الأزرار , وتوقفت علي زر الإلغاء وضغطت , عبثت بالأزرار مرة أخري في ظلمتي لأري ماذا تخزن علي الهاتف , سمعت مقطعا قصيرا , أتبادل فيه الحديث مع أصدقائي أثناء لقاء ليلي في المنزل , كنا نشتم الحكومة ونسب الدولة ونلعن بعض الشخصيات العامة , ونظن أن كل من بالبيت مستسلم للنعاس , ياللهول , هذا المقطع وحده كفيل بزجي في غيابة السجن مدة لا يعلمها إلا الله , ضغطت علي زر الإلغاء , ماذا تخفي هذه المجنونة أيضا , سمعت مقطعا غريبا لحديث لي مع سيدة , كانت تلك السيدة تفشي لي بعض أسرار زوجها في همس , آه , إنها السيدة التي زارتنا الشهر الماضي وتركتنا زوجتي وذهبت إلي المطبخ تعد المرطبات وباحت هذه السيدة بهذه الأسرار أثناء غيابها في المطبخ , هذا المقطع وحده كفيل بأن تكرهني أمي وأولادي إلي الأبد , ضغطت علي زر الإلغاء , ماذا سجلت لي أيضا ؟, حلم غريب متقطع الأحداث لا أتذكره , أتعارك فيه مع رئيسي في العمل وأهدده أنني سوف أقدم شكوي ضده للوزير , وسوف أسلمها للوزير شخصيا يدا بيد وسوف أذكر فيها كل ذنوبه وآثامه الإدارية , هي كذا وكذا , أخذت أسرد وقائع قد تفضي بالرجل إلي المحكمة , يا ربي هل سمعت كل ذلك , إنها يمكن أن تشكوني أنني أعرف هذه الوقائع ولا أفتح فمي و سوف تكون مصيبة لي أنا أيضا , هذا المقطع أخطر ما تحتفظ به هذه الشريرة , ضغطت علي زر الإلغاء , وأنا أتصور شكل وجهها والألوان المختلفة التي ستكسوه وابتسمت في حبور , أخذت أراجع كل اللقطات المسجلة لأتأكد من براءتي تماما , ومضة قوية في داخل عيني العمياوين عرفت منها أن الكهرباء قد وصلت وأن النور يغمر البيت , وسمعت صوت التلفاز , لا بد أن زوجتي وأولادي نزلوا خلال انقطاع التيار وتركوا كل شئ علي حاله , استلقيت علي السرير استمع في نشوة للأغنية الجميلة التي يبثها التلفاز وأنا أحاول تخيل وجه المطربة وهي تشدو بها .
في الصباح , كان يحاول أن يتخلص من كابوس جديد ولكنه لا يستطيع , الكابوس يتملكه تماما , يحاول أن يحرك أي جزء في جسمه ربما ينفك عنه بلا جدوي , إنه مشلول تماما , حتي جفونه تأبي أن تنفتح , الكابوس الجديد جاثم فوق صدره تماما , الهاتف المحمول في يدها اليسري تلوح به في توعد وقد زمت شفتيها وغضنت جبينها ورسمت الشر في عينيها ,هو مكتوف اليدين والذراعين والقدمين والساقين بشرائط لاصقة متينة كما لو كان مومياء محنطة , سمعها في دوامة صراعه تصرخ في جنون : ومسحت أيضا صور أهلي وأصدقائي أيها الأعمي , وتعيدها وتكررها وصوتها يعلو في كل مرة ويكاد يخرق طبلتي أذنيه . وفي أثناء عذابه مع الكابوس , لاحظ أن سكين المطبخ الطويلة في يدها اليمني , فوق رقبته مباشرة وأحس والرعب الكابوسي يملأه بمدي رهافة شفرتها الحادة .
- يتبع -
كوكو
|
|
03-06-2011, 02:43 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
coco
عضو رائد
المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
|
RE: مقابر / قصص قصيرة
مقبرة 3
دخل المقهى وأخذ يدور ببصره باحثا عن مكان مناسب لرصدها , لم يكن مصدقا ما قيل له , يريد أن يري كل شئ بنفسه , سأل نفسه في قلق : هل يمكن أن يحتمل رؤيتها في هذا الموقف , أكدت له أخته أن معلوماتها صحيحة ,أن مطلقته تمت خطوبتها يوم الخميس الماضي , لما رأت علامات الهم بادية علي وجهه , بدأت تعود لحديث كل لقاء : مازالت أمامك الفرصة لأن تعيدها , لماذا تدمر نفسك هكذا ؟ , تشاغل بارتشاف الشاي والنظر للتلفاز , قال في بطء : وهل فاتحتها في الأمر ؟ , ردت بسرعة : نعم وهي موافقة وتؤكد أنها مازالت متمسكة بك , قال في بطء مرة أخري : قلت لك من قبل أن هذا الأمر انتهي إلي الأبد , لا أريد أن أسمعه مرة أخري , أنا أقصد الموضوع الأخر , لوحت بيديها وقالت : لا أعرف ماذا تستفيد من ذلك ؟ , أنت تريد تعذيب نفسك , علي كل حال هي رفضت , رد بسرعة : هل ذكرت لها الثمن الذي سأدفعه ؟, قالت : نعم , قلت لها أنك مستعد لدفع ثلاثة أضعاف ثمنه , إنها عنيدة جدا , قال في ثورة : ليس من حقها أن ترفض , هذا الخاتم ملكنا , ملك لعائلتنا , ألا تقدرين أنه كان يزين أصبع أمك يوما, أنا رأيت جدتك زهرة تتحلي به أيضا, يجب أن أسترده بأي ثمن , قالت في برود : ماذا يهمك من قطعة ذهبية يمكن أن تشتري مثلها وأحسن منها , دعك من هذه الأفكار التافهة , فكر في مستقبلك ومستقبل أطفالك , ليس لهم الآن غيرك , طأطأ رأسه ووضع راحته علي جبينه وغمغم : لقد رأيت أمك في أشد أوقات محنتنا بعد موت أبيك ترفض التفريط فيه , ألا تفهمين معني ذلك ؟ , لوحت بيدها وهي تشيح بوجهها : يا شيخ , أشعل سيجارة ثالثة ومرر أصبعه علي حافة كوب الشاي , كانت جالسة عند قدميه تعبث بجيبه كعادتها وتستخرج النقود المعدنية وتحصيها ثم تعيدها لجيبه ثم تعيد استخرجها وتعود لإحصائها , طلعت جدته زهرة من درج الذاكرة الذي تقبع فيه , تجلس علي الكرسي الهزاز بجرمها الأشقر الهائل وشعرها الذهبي المنسدل علي كتفيها وهو يجلس علي قدميها , ترجع بالكرسي إلي الوراء , وهي ممسكة بيديه الصغيرتين وعيناه لا تفارقان الخاتم ذا الفص الأحمر المتوهج , عندما تعود للأمام بالكرسي كانت تقترب بصدرها الممتلئ من وجهه فيري مجري العبير ويحاول أن يمد يده فيجد أنها سجينة يدها , وعندما تعود للوراء كان يرتفع وتنسحب منه روحه وتذوب في روحها التي تؤرجحه وتغني ( إيه العمل يا أحمد ؟ في طلعة المحمل , كل الملوك تشهد , إنك رسول الله ) , كان يقهقه في كل مرة تصل لأسمه فيها ويكون قريبا من فمها فتقبله , مسح دمعة صغيرة ورأي أخته الجالسة عند قدميه تشيح بوجهها بعيدا عن عينيه وتمسح بظهر يدها عينها التي لا يراها وهي تتمتم مترحمة , قال لها وهو يمضغ الكلمات : وماذا سوف تصنع به ؟, ردت : قالت أنها ستبيعه مع باقي المصوغات الذهبية عندما تشتري المصوغات الجديدة , أنا عرفت أنه لن يقدم لها أي هدايا ذهبية ,كان هذا أقصي ما يستطيع تحمله فهب واقفا وقال في قسوة : سوف أقتلها هذه البائسة إن فعلتها , تمسكت أخته بساقه وهي تقول : دعك من الانفعال وفكر , اجلس , اجلس , يا أخي افهم , هي تريدك , أنا سيدة مثلها وأفهم طريقتها في التفكير , قال وهو يجلس : لا أريدها , أريد هذا الخاتم فقط , تحول وجهاهما معا إلي التلفاز الذي يبث شيئا لا يريانه ولا يسمعانه , قطعت الصمت فجأة : لماذا لم تأخذه منها عند الطلاق ؟ , غمغم : كنت أظن أنها سوف تحتفظ به لابني , يوم أن ألبستها إياه أفهمتها أن هذا شئ نتوارثه ولا نفرط فيه مهما كانت الظروف , قالت : آه , أنت الذي حفرت قبرك بيديك , صدي كلمات أخته رن في القبر العميق الذي رآه فاغرا فوهته ليبتلع كل السنين , تقلص وجهه وهو يخرج أمه التي لا تدري شيئا عن مكان الخاتم من درج الذاكرة الخاص بها , رآها يوم أن دخل عليها ليلة عرسه ليودعها , وضعت يدها علي رأسه تباركه , قرأت المعوذتين وقبلته بين عينيه وهي تمسح دموعها , عندما وصل لباب الحجرة مغادرا نادت عليه , التفت إليها أشارت إليه أن يقبل , عاد إليها , خلعت الخاتم من أصبعها وقالت : نسيت الأمانة , جدتك زهرة تسلم عليك , هذا يكون في أصبع زوجتك من اليوم , أنت تعرف الطريق الذي قطعه , والطريق الذي عليه أن يقطعه , انحني يقبل أصابعها التي خلت من الزينة بينما كانت عيناها خارج الحجرة تهيمان في صورة لامرئية .
أنزل كوب الشاي عن شفتيه و وهو يراها من مكمنه بالمقهي تقطع الشارع مع الرجل الآخر وأختها ويدخلون محل الصائغ , لم يكن قد رآها منذ وقت طويل , كان النحول قد انتابها , ترتدي الفستان الأزرق الذي اشتراه لها في عيد ميلادها الأخير , كان وجهها يبدو أزرق ربما من لون الفستان أو انحباس الدم وانسداد الشعيرات تحت الجلد لفترة طويلة , لكن الدماء في عروقه كانت متوفزة تلون رقبته ووجهه بالحمرة , أعاد كوب الشاي إلي شفتيه ورشف رشفة وحاول أن يهدئ نفسه , عندما خرجوا من المحل لم يكن يبدو علي وجهها أي تغيير , في الوقت الذي كانت أختها تضحك هي والرجل الآخر .
ناديت علي النادل وسألته الحساب , أخذ يعد فنجاني القهوة وكوبي الشاي في سره ثم نطق بالرقم , ناولته الورقة النقدية ولم أسأل عن الباقي , كنت مسرعا وكنت أحاذر أن تلتفت وراءها لكي تراني أدخل محل الصائغ , تقدمت إليه , أنا ... ( إيه العمل يا أحمد , في طلعة المحمل .... ) رنا الرجل مرحبا , أعمل في مصلحة ... ( جدتك زهرة تسلم عليك ) , قام الرجل واقفا : أية خدمة يا أستاذ , قلت في سرعة : هناك سيدة خرجت من هنا الآن باعت مصوغات واشترت أخري , هل يمكن أن أري المصوغات التي باعتها , قال الرجل : لماذا ؟ , قلت في سرعة وكأنني أخاف من عودتها للمحل تبحث عني : هناك شئ أريد أن أشتريه وبالثمن الذي تطلبه , توقدت عيناه ومد يده إلي أسفل وفتح درجا وأخرج كيسا أفرغه أمامي , عبثت أصابعي بالأشياء التي أعرفها جيدا , الأسورة , القرط , العقد , سألته : كان هناك خاتم ذو فص أحمر , هز رأسه بالنفي , أعدت أصابعي للأشياء أعبث بها , هل أنت متأكد ؟ , أومأ برأسه : طبعا متأكد , أصابعي مازالت تدور تعبث بالأشياء والرجل ينظر إلي ّ في دهشة , أمسكت بالكيس وفتحته أنظر داخله , فتح القبر المظلم فوهته وأراني قعره العميق , ومن هناك من داخل الكيس برز وجهها الأزرق الكابي يلتفت من آخر الشارع , وهو يبتسم ساخرا .
- يتبع -
كوكو
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 03-06-2011, 09:05 AM بواسطة coco.)
|
|
03-06-2011, 07:25 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
coco
عضو رائد
المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
|
RE: مقابر / قصص قصيرة
مقبرة 4
غرقت السيارة في الضباب تماما , ولم يتمكن من الرؤية لأية مسافة مهما كانت صغيرة أمامه , الضباب كان قد لاح له أول الطريق ولكنه لم يعره اهتماما , ما دار في رأسه : سوف يكون يوما مشمسا جميلا , كان يبدو ككومة من الدخان يعبر فيها فتنقشع عن رؤية واضحة شيئا ما , كلما أوغل في الطريق كان الضباب يسمك , وبالرغم من ذلك كانت عيناه تستطيعان تمييز الطريق الخالي أمامه , العلامات البيضاء المطبوعة علي الأرض , اللوحات الإرشادية , الإعلانات , السرعات المقررة , السيارات التي تسبقه أو يتجاوزها , كل شئ , الآن وعلي حين غرة رأي نفسه وسيارته غارقين في تلك الكتلة اللعينة , لماذا لم يتحسب لهذا الموقف من البداية , كان في إمكانه أن يهدئ السرعة في بداية رؤيته للضباب ويستكشف الموقف أولا , أحس بالخوف يقفز علي كتفيه فجأة, ماذا لو أن شخصا كان يعبر الطريق الآن ؟, لا بد أنه سيطيح به فيطير في الهواء وسوف يسقط من أعلي مرتطما بالأسفلت متحولا إلي كتلة من اللحم الذي يشهق من جفوة الحياة له بغتة , أبعد هذا الخاطر المخيف بسرعة , لا بد أن من يعبر الطريق سيكون منتبها جدا في هذا الضباب الكثيف , أشعل الأضواء الأمامية العالية ربما يري أبعد , ولكن الضباب كان كثيفا لا يمكن معه النفاذ لأبعد من زجاج السيارة الأمامي , ماذا يفعل وهو يجري علي الطريق السريع , رفع رجله ببطء يخفف السرعة وأشعل الأنوار الخلفية الحمراء , وقال يهدئ نفسه : ربما مسافة قصيرة , لا يمكن أن يدوم هذا الحال طويلا , فتح النافذة وبدأ يستعمل حاسة السمع لأن المرآتين الأمامية والجانبية لم تفصحا له عن أي رؤية في الخلف , لم يلاحظ أي ضوء , دار بفكره عندها : ماذا لو انحني الطريق أمامه يمينا أو يسارا , بدأ يصيخ السمع أكثر , وهو يفكر في الاتجاه لليمين لكي يتوقف وقال لنفسه : سوف استمع لصوت الحصي حين تدوسه العجلات وعندها أتوقف , أدار عجلة القيادة ببطء وحذر وأذناه تنتصبان في تصلب , ظل يقود يمينا لمسافة رأي أنها كافية للوصول إلي جانب الطريق ولكن ما وصل لسمعه لم يكن غير صوت نعومة العجلات تنزلق علي الطريق الحريري , ما هذا؟ , أين جانب الطريق الأيمن ؟, دار ذلك في رأسه بعنف ولكن قبل أن يفكر فيه كثيرا قفزت فكرة مرعبة , لا بد أن الطريق نفسه ينحني لليمين , يا إلهي كان من الممكن أن أصبح في وضع خطير لو ظلت سائرا كما كنت , ولكن متي ينتهي هذا الإنحناء , بدأت الذاكرة تستيقظ , لقد مر علي هذا الطريق مئات المرات , ويعرف تفاصيله جيدا ولكنه لم يستطع تذكر مكان بداية الضباب , راحت الذاكرة تسرع كعداد السرعة الذي يراه أمامه بصعوبة بعد انسياب الضباب للداخل عندما فتح النافذة لكنها لم تسعفه بأية فكرة عن هذا الطريق الأيمن الذي طال أكثر من المعتاد , قال لنفسه : لا يمكن أن يكون الأمر هكذا , هناك خطأ ما , أدار عجلة القيادة ببطء إلي اليسار مهتديا بحدسه أن اليمين مسكون يشئ غامض , ماذا لو كانت هناك شاحنة من النوع الكبير آتية في هذه اللحظة من ناحية اليسار , فليكن ما يكون , ماذا عليّ أن أفعل غير ذلك لقد طالت الناحية اليمني كثيرا , وطالما أنني أسير للناحية اليسري فيجب أن أستمع للاحتكاك الخفيف الذي ستحدثه السيارة مع الحاجز الذي يقسم الطريق العام إلي قسمين , ظل يمشي بالسيارة مدة أخري ظنها كافية أيضا للوصول للحاجز ولكن لا شئ , ياربي , مرة أخري الطريق نفسه ينحني ولكن هذه المرة إلي اليسار؟ , ما هذا الحظ العجيب ؟ , مرة اخري راح يفتح ذاكرته ويستجوبها عن المسافة التي تنحني لليمين مرة مسافة طويلة كالتي قطعها ثم مسافة مماثلة لها يسارا , لم يجد معلومة واحدة في الذاكرة , كان يعرف هذا الطريق ككف يده , كثيرا ما سار فيه , هل هي الغريزة التي تقوده الآن , الغريزة التي اكتسبها من طول قطعه للطريق حتي لو ضاعت ملامح الطريق ومعالمه من أمام عينيه , أفاق لنفسه أنه سار مسافة طويلة جدا يسارا فقال لنفسه : مادام هذا الضباب اللعين لا يريد أن ينقشع , وما دامت غريزتي هي التي تحركني فلأنحرف قليلا وألزم المنتصف تماما لمسافة ما , فعل ذلك في هدوء وببساطة كما لو كان في طريق يغمره الضوء الكاشف لكل التفاصيل الدقيقة , ظل سائرا وهو يفكر في الصحو المبشر والشمس التي كانت تبزغ من الأفق علي استحياء عندما بدأ الطريق و ضرب بيده عجلة القيادة وأخذ ينظر أمامه يحاول استجلاء أي بارقة توحي بانتهاء مسافة الضباب أو أي معلم علي الطريق يسترشد به .
فجأة اقترحت عليه نفسه : ماذا لو وقفت بالسيارة ونزلت تستطلع الأمر , ماذا يمكن أن يحدث , ولكن نفسه ردت علي هذا السؤال بسرعة , وماذا سيكون الحال لو أن سيارة كانت قادمة من الخلف ؟ لابد أنني سأكون طائرا في الضباب حتي أن من سيطيح بي لن يتمكن من نجدتي , كما أنني لو غادرت السيارة فربما لا أتمكن من العثور عليها في هذا الضباب الذي لا أري فيه كفي , صوت محرك السيارة يشوش عليه السمع , قال : لا بد أن أتوقف لأستطيع تركيز سمعي الذي لم يعد لي غيره الآن , تشجع وداس علي الكابحة في نعومة واستمتع بصوت العجلات وهي تنزلق علي الأرض المبللة بالندي حتي توقفت تماما , أشعل سيجارة و راح يتسمع أي صوت يمكن أن يصدر عن أي كائن حي , أو جماد , لا شئ , أين أنا ؟ , أأنا علي الطريق أم مازلت راقدا في فراشي ؟ , من المؤكد أنه لا يمكن أن يحدث مثل هذا الموقف إلا في حلم , هل مازلت نائما , مازلت لم أغادر فراشي , لم أنزل من بيتي , لم أركب سيارتي , لم أشتر الجريدة التي أتلمسها الآن علي المقعد بجواري , لأنها جريدة الحلم , لم ألوح لجاري الذي ألقي تحية الصباح من النافذة , لم أبتسم في نفسي حين تعثرت فتاة الثانوية الجميلة التي كانت تمر مسرعة أمام السيارة فجأة وتفاديتها بمهارة , قال في نفسه : لا , لست نائما , أنا علي يقين تام أن هذا كله قد حدث , أنا متأكد تمام التأكد , ولكن هذا الضباب اللعين وهذا الطريق الغريب الذي لا يريد أن ينتهي , إنه حلم بالتأكيد وفي الأحلام يبدو كل شئ مؤكدا وحقيقيا , أخذ يفكر في هذه المعضلة الجديدة ثم قال في نفسه وقد تملكته الشجاعة فجأة: ما دمت قد نجوت من قبل بإرشاد غريزتي فعلي ّ أن أمضي إلي الأمام قدما تحت قيادتها لأن الوقوف في هذا المكان الغريب لا معني له , ومادمت لا أستطيع العودة من حيث أتيت لأنني لا أعرف المكان الذي يجب أن أستدير منه وأعبر للنصف الثاني من الطريق , فسأفعل .
أدرت مفتاح السيارة وأمسكت بعجلة القيادة وبدأت , رويدا رويدا , راح الضباب مرة أخري يدخل من النافذة متطايرا حسب السرعة التي تتزايد حتي تمتلئ السيارة كلها به وتصير جزءا من الضباب المخيم علي المكان , ولكني لا أعير ذلك أية أهمية , فتحت المذياع بعد أن تلمست مكانه استمع للأغنية التي انطلقت وأنا أزيد السرعة أكثر وأكثر حتي تصل إلي أقصي حد ممكن وأنعطف يمينا أو يسارا أو أكون في منتصف الطريق بأية مسافة تحلو لي أو تتناسب مع إيقاع الأغاني التي تتري من المذياع متتالية دون توقف ودون ثمة علاقة تربط بيني وبينها إلا أنها فقط أغان توصل لي صوتا يصدر من مكان ما بعيدا عن هذا الضباب .
( هي دي الأغنية الأولانية اللي سمعها بطل القصة دي لما فتح الراديو في العربية )
- يتبع -
كوكو
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 03-11-2011, 05:25 AM بواسطة coco.)
|
|
03-11-2011, 05:17 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
coco
عضو رائد
المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
|
RE: مقابر / قصص قصيرة
مقبرة 5
نفخت بالونة صغيرة بقطعة اللبان بين شفتيها الغليظتين , نظرت لي في تفحص وهي تفرقعها فترتخي علي شفتها السفلي وتلتصق بها فتخرج لسانها المنتفخ وتعيدها لفمها , تقدمت من شباك التذاكر , أشرت للعاملة إلي المكان المهجور وطلبت مقعدين , ابتسمت العاملة وهي تناولني التذكرتين , سألتني : لماذا تبتسم لك هذه الآنسة , هي تعرفك بالتأكيد وتعرف أنك تأتي هنا كثيرا , عدت لتبديد مخاوفها وأكدت لها أنني لم أعرف حتي أنها آنسة إلا منها الآن فقط .
كنا قد اتفقنا من البداية أن تكون الصراحة شعارنا , أخلفنا هذا الوعد من اليوم الأول فقد زعمت لها أنني حاصل علي الشهادة العالية في التجارة وزعمت هي أنها طبيبة , في اللقاء الثاني زعمت لها أنني حجزت شقة في أحد الأبراج الفاخرة وقابلت هي كذبتي بأن قالت إنها في الثالثة والعشرين , فاض بي في اللقاء الأخير عندما أكدت لي أنها رفضت العريس الأخير لأن شقته مكونة من ثلاث حجرات فقلت في الحال : ولكني أفكر أن تكون مرسيدس , كنت متحيرا , هل تعرف أنني أكذب عليها كما تكذب عليّ , طلبت منها قطعة من اللبان وأخذت ألوكها مثلها و أباريها في نفخ البالونات وفرقعتها .
أقنعتها بصعوبة أن الفيلم كوميدي , قالت وهي تنظر للإعلانات في ريبة : ولكن المناظر لا توحي بذلك, إذا كان فيلما عاطفيا فلن تعرفني بعد اليوم , كانت ترتدي حجاب الرأس ولا تسمح لي أن ألمس يدها , قلت في نفسي : لا أريد أن أعرفك بعد اليوم , المهم أن تشاهدي هذا الفيلم معي , كنت أعرف وتعرف هي أيضا أن الخروج من دار العرض ممنوع أثناء العرض , ولذلك كانت مهتمة بالتأكد من كل شئ , ولم يكن ضميري يؤنبني علي كذبتي , فهي كثيرا ما كذبت علي ّ وكذبت عليها , مع الوقت سئمت من أكاذيبها الكثيرة فقررت أن أكذب عليها كذبة كبيرة تكون ردا علي كل أكاذيبها مرة واحدة ونفترق, قالت لي مرة أنها لا تطيق مشاهدة الأفلام العاطفية , حتي ولو كانت وحدها وليس معها أحد , الفيلم العاطفي يفقدها الوعي , وأحيانا ما تتقمص دور البطلة بعد أن ينام عقلها , كانت هذه فرصة رائعة لأضعها في هذا الموقف الصعب وأراها وهي ممتطية أرجوحة قلبها تتلاعب بها العواطف , اخترت فيلما عاطفيا جدا فيه باقة فخمة من القبلات وكمية هائلة من الأشواق الملتهبة والدموع الغزيرة وتفرجت عليه مرتين حتي أتأكد من مفعوله القوي ثم دعوتها للنزهة وعرضت عليها الأمر , سألت عن هوية الفيلم وطلبت مهلة للتفكير وهي تراقب عيني في قلق , قلت : كوميدي جدا , سألت عن دار العرض فلم أفصح عنها حتي لا تتجسس وتعرف طبيعة الفيلم وقلت لها : إنها مفاجأة .
بلعت ريقي عندما حل الظلام علي المكان وبدأ العرض , كنت أعرف أن الأحداث الأولي عادية عندما هبط البطل من الريف للمدينة , أخذت أهز رأسي ولا أرد عليها أثناء حديثها وأنا أفتعل السماع حتي أتركها تسرح مع الأحداث الأولي وصولا للذروة لحظة بلحظة , انتبهت لها وهي تقول : ولكن أرجو أن تعذرني علي ذلك , لم أكن قد سمعت أول الحديث فلم أفهم ما تقصده , كنت مشغولا بالتركيز علي اللحظة التي تبدأ فيها الأحداث الساخنة في الفيلم وأري أثرها عليها , كان الفيلم قد أحدث المصادفة التي تعرف فيها البطل الفقير علي البطلة الفقيرة , سمعتها تقول بعد قليل : ومع ذلك فإن علاقتنا يمكن أن تستمر بالرغم من ذلك , التفت إليها وأنا لا أفهم , فرقعت بالونتها في وجهي فتذكرت بالونتي ونفختها وفرقعتها ,وتصنعت أنني متابع لها وقلت : نعم يحدث هذا كثيرا ولكنه لا يغير شيئا من الأمر , هزت رأسها بالموافقة , نظرت للشاشة فوجدت أن وقت القبلة الأولي قد أزف بعد أن تلاشي العناد الأول بين البطل والبطلة , أحسست بيدها الممتلئة تزحف علي يدي فانتبهت الغرائز فجأة وتركزت في منطقة اليدين , ضغطت علي يدي ومالت بجسمها علي ّ أثناء القبلة التي تدور علي الشاشة وقالت : لأنني أعرف جيدا أننا لم نفعل ذلك عمدا , أمنت علي كلامها والبطل والبطلة في حديث هامس يخططان كيف يواجهان والدها الواقع في ضائقة مالية وينوي تزويجها من رجل غني بالأمر , أكملت : ولذلك تركت لك الحقيبة عامدة لكي تكتشف كل شئ لأنني أخجل أن أصارحك به , سألت نفسي : متي تركت لي الحقيبة؟ , وماذا فعلت وقتها ؟ , كان شعرها في هذه اللحظة يلمس وجهي وحرارتي ترتفع , وكان البطل علي الشاشة في أزمة مع البطلة وهي تبكي في صمت , كان قد اكتشف ما عده خيانة لحبهما وهو ليس كذلك , سمعتها تقول بعد أن فرقعت بالونتها فالتصقت بخدي , وصديقتي أيضا فعلت ذلك مع حبيبها في البداية ولكن الأمر اختلف عندما فهما بعضهما جيدا , أحسست بها تسحب بقايا البالونة المنفثئة من علي خدي بلسانها فخفق قلبي , الظروف التي نمر بها الآن تجعلنا نفعل ذلك , ولكنني واثقة أننا يمكن أن ندبر حالنا كالآخرين , قلت لها : طبعا , بينما أنا واقع بكليتي داخل خصلة شعرها الكثيفة التي تمنعني كلية من رؤية القبلة الثالثة علي الشاشة , انتبهت لها : وهم لن يعارضوا , فهم يقدرون كل شئ , كانت لحظة الذروة علي الشاشة عندما يكتشف البطل والبطلة الفخ الذي نصبه لهما الشرير لكي ينفصلا , وكنت أعرف أنهما سيغيبان في قبلة طويلة , ولكن اللون الأحمر الذي برز أمام عيني منتصبا وفي وسطه مجري العبير جعلني أصدق علي جملتها الأخيرة : المهم أن نتعاون في كل شئ ونمضي خطوة خطوة , غرقت بين الفيلم والثورة التي تتأجج وسمعتها من بعيد وهي تهمس : هل تقسم علي ذلك ؟ , كنت متحيرا إذ أن حديثها كله كان غير مفهوم , نام خدي علي اللحم الطري ووجدت يدها تعبث بشعري فقلت كالحالم : نعم أقسم , لاحظت أن عينيها قريبتان جدا من وجهي , وسمعتها تسأل : بماذا تقسم , قلت مبهورا : بالله , قالت : ورحمة أبيك , قلت مرددا وراءها : ورحمة أبي .
انتبه حين أضاءت الأنوار في الصالة ووجد أنها تسوي حجابها وقميصها وتلوك قطعة اللبان ثم تخرجها من بين أسنانها وتلصقها بذراع الكرسي , وسمعها تقول : كنت متأكدة أننا سوف نصل لهذا الحل , فعل مثلها وأخرج قطعة اللبان ولصقها بذراع الكرسي فوق قطعتها , قام واقفا فاكتشف أن قميصه مفتوح علي مصراعيه , نظر لها مستفهما فابتسمت , عاد للجلوس يسوي هندامه وسمعها تقول : ولا داعي للسينما بعد ذلك أيضا , يمكن أن نوفر مصاريفها , بدأ يتأمل ملامحها وكأنه يراها أول مرة , تأمل وجهها المستدير المغطي بالنمش الخفيف تحت عينيها ووجد أن هذا النمش شئ مميز وفاتن فعلا , راح يفكر أن هذه السمنة في جسدها تجعل الأمور لينة إلي حد ما , أما شفتاها الممتلئتان والغمازة الصغيرة فقد كانت لها جاذبية لا تقاوم , كانت قد جلست بجواره تمسح شيئا ما علي وجهه وهو مستسلم لها , عندما انتهت وجد نفسه يقف ويمضي معها إلي الطابور الطويل المنكس الرؤوس الذي يخرج من دار العرض وعيونهم تحاول التعود علي الضوء المفاجئ .
كوكو
|
|
03-19-2011, 01:08 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
coco
عضو رائد
المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
|
RE: مقابر / قصص قصيرة
مقبرة 6
الساعات
ينفتح دفتر الحياة في المدينة صباحا بصفارة المصنع في السادسة , صفارة أشبه بصوت الزمارة الغليظ . قبلها تكون أجراس آلاف المنبهات المضبوطة وساعات اليد المشتراة بالتقسيط من عم خليل قد رنت بإصرار في بيوت العمال فأيقظتهم من نوم التعب , تكون البوابات الحديدية الثلاث علي جهات الشرق والغرب والجنوب قد انفتحت قبلها علي مصراعيها لتستقبل ( الوردية )الأولي , تخرج ( وردية) الليل , تستنشق هواء الصباح في عنف , تغسل صدرها مما علق به من الدبق الصغير لغزل القطن , لدي انفتاح البوابات تسيل الأرض بالرجال الماشيين , بالدراجات , بالأتوبيسات , يتمدد الماشون من بوابة الشركة وحتي الكوبري العلوي الذي يبعد كيلو مترا عنها , تفترق بهم الشوارع الجانبية , إلا أنهم مازالوا يكونون كتلا غليظة , يلتفون أمام طاسة الفلافل الساخنة يمدون أيديهم بالعملات المعدنية , يتزودون بإفطارهم , أصابعهم تعد أرغفة الخبز الساخنة الخارجة توا من الأفران , يستمعون لصوت بائعي الفاكهة والخضراوات , ينحنون علي مقاطف بائعات الجبن القريش علي الأرصفة , يلتقطون أربطة الفجل والجرجير , حبات الطماطم والخيار , لفافات الحلاوة الطحينية , اليوم هو يوم قبض الرواتب , عم خليل لا يخرج من المصنع في هذا اليوم , يظل يتجول بين (الورديات) الثلاث كالنحلة , يتميز بشعره الأسود اللامع وبياض وجهه وسمنته وحركته , يتكلم وهو أمام المغزل يعمل , يأكل وعيناه لا تفارقه , يحتسي الشاي وهو يشير للعامل المجاور أن ينتبه لنوله , عندما يعرف أن العمال صرفوا الراتب يبدأ في حركة من نوع آخر , يفتح كيسه المملوء بالساعات ويتحرك بين العمال , يحصل أقساط الساعات والمنبهات ويعرض علي العمال الجدد ما يحمل من بضاعة , يتبادل معهم القسط الأول بفرحة زينة المعصم العاري بالساعة الجديدة , قبل أن يسلمها لصاحبها يضبطها علي ساعة برج المصنع الكبيرة , يصنع العلاقة الجديدة بين سواعدهم وشركة الغزل , العلاقة التي ستتعمق يوما فيوما , يلتف العمال القادمون منهم من الأرياف يسألونه كيف يقرأون الوقت في الساعة , تتركز العيون الجديدة لعقارب الساعة , ومكان الأرقام , كل همهم يتجه إلي مكان السادسة والثانية والعاشرة , مواعيد (الورديات ) الثلاث , يريهم طريقة ملأ الساعة حتي لا تتوقف , كيفية ضبط جرسها حتي يرن في الميعاد المضبوط , الساعات في كيسه أشكال وألون منها الغالي والرخيص , القديم والجديد , التي تملأ باليد والتي تسير آليا , قد ينتحي به أحد العمال جانبا , يهمس في أذنه ويشير بيديه , يبتسم في وجهه بحنو ويمد يده داخل كيسه , يخرج إحدي الساعات القديمة , يمسحها في ملابسه يناوله إياها وهو يربت علي كتفه .
يتوقف عم خليل عن السير في الشارع العريض قريبا من البوابة الكبيرة , يستند علي عصاه ويمسك بيده كيسه القديم , الشيب قد انتهك رأسه كله , تحول وجهه للنحول والتغضن , يتأمل ساعة البرج ذات العقارب الفسفورية الخضراء التي علاها التراب , العقارب مازالت تتحرك ولكنه يحسها واهنة مثل دقات قلبه , كانت صفارة المصنع قد انطلقت منذ قليل , صوتها الذي كان يصله عند منزله البعيد ( كبروجي )الصباح يعزف نوبة استيقاظ يأتيه الآن خاليا من الحماس , ممتلئا بالنعاس , راح يراقب البوابة الكبيرة وهي تفتح بابا صغيرا منها في خجل , يبدأ مئات العمال في الخروج فرادي , يتناثرون في الشارع العريض كأنهم حفنة أرز ملقاة في ساحة ملعب كبير , يبدأ في تصفح وجوه من يمرون عليه .
- صباح الخير يا عم خليل .
فزع الشيب الذي يجلل رأسه حين رنا ( لشونة ) القطن التي كانت يوما مترعة ببالات القطن المحلوج تنتظر دورها في الغزل , رآها قد تقلصت بفعل اقتطاع أجزاء منها وارتفعت حولها المباني المتطاولة أو الصغيرة مكان مشتل الزهور , وخلف المستشفي العام , وحذاء شارع الحدائق , حوصرت بالات القطن في المساحة الضئيلة كالمجرم .
يأتيه صوت كأنه يولد من الماضي البعيد : معاك إيه في الكيس يا عم خليل ؟
يتهلل وجهه ويتفزز في دمه نشاطه القديم - ساعات يا بني , ساعات .
يتأمل وجه السائل في تحقق : ماشفتش عبد العزيز بتاع مصنع تلاتة .
- ياه ياعم خليل , انت لسه فاكر , طلع خصخصة من ست شهور , ما عرفتش اللي حصله , الحرامية قطروه من البنك وسرقوا منه مكافأة الخصخصة .
- لا إله إلا الله , وعمك محسن بتاع التوربينة .
- ياعم خليل ركز شويه أنت سألتني عليه قبل كده وانا قلت لك أنه طلع الدفعة اللي قبلها , سافر علي بلدهم كوم حمادة , حيقعد هنا يعمل إيه ؟ أخد مكافأة الخصخصة وقال حابني بيت وأعمل فيه دكان ,أهو يساعد مع المعاش .
- وبني البيت وعمل الدكان ؟
- أبدا , أبنه ياسيدي , انت عارف أنه مش بيشتغل , خاطب وعايز يتجوز , عطاه القرشين .
تظلل كتلة من الغمام وجهه و تروح عيناه تتأمل مركز التدريب المهني المواجه للبوابة , أبوابه مغلقة , أطل بعينيه إلي الشبابيك المكسورة يراقب المكاتب الخشبية القديمة التي تحللت من الإهمال , تذكرها أيام كانت تلمع , راح خياله يسرح مع صورة العمال الجدد وهم يخرجون ويدخلون في حركة دائبة لا توقف وأيديهم تحمل الكراسات والأقلام .
- والواد عيد بتاع البوفيه إللي في الإدارة ؟
- يا عم خليل إصحي بقي , مافيش حد من اللي بتتكلم عليه , وريني الساعات .
- ماعييش غير اتنين .
يمد يده للكيس , يخرجهما , ينشر كل واحدة علي كف .
- بكام الساعة دي ياعم خليل ؟
- مش للبيع يا بني .
- ودي ياعم خليل ,
- ولا دي يا بني , انت شغال في النسيج ؟
يضحك الواقف امامه : نسيج إيه يا عم خليل , أنت لسه فاكر , انت جاي هنا ليه ؟ .
يودع الساعتين الكيس في بطء ويتحرك في اتجاه البوابة التي أغلقت بعد أن أفرغت مئات العمال الذين تاهوا في الطريق الطويل ولم يعد لهم أثر , يصل إليها , يمسك بحديدها للحظات , يفرك يديه , يمسح الصدأ الذي التصق بهما , يخرج الخفير من وراء البوابة .
- روّح يا عم خليل
- أنا عايز أدخل , عايز أيص ع المكن , عايز أشوف الأنوال , عايز أشوف التوربينة .
- روح يا عم خليل بلاش قلبة دماغ .
– إلهي يجبرك نفسي أشوف المكن قبل ما أموت , حرام عليك أنا زي والدك
- روح البوابة التانية ياعم خليل حيدخلوك .
- أبدا يابني مش راضيين , بيقولولي روح أدخل من البوابة الكبيرة والنبي تفتح أدخل .
– روّح يا عم خليل روّح .
- أروّح فين يا بني , البلد زي ما تكون ميته , مافيهاش غير ناس ماشيين , بس من غير روح .
يتركه الخفير وينسحب إلي مكمنه وراء البوابة , ويجلس علي كرسيه مراقبا , يستعطفه عم خليل بنظراته , يلتفت بوجهه متحاشيا النظر إليه .
- طيب أنا حاجي بكره , بس تدخلني .
- طيب روّح دلوقتي .
يضع عم خليل يديه علي جبينه قانطا , يحاول التحرك بعيدا عن البوابة ولكن رجليه لا تسعفانه , يتهاوي ملصقا ظهره بحديدها البارد الصدئ وعيناه ثابتان علي الشارع الطويل العريض الخالي أمامها .
كوكو
|
|
03-22-2011, 03:05 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
coco
عضو رائد
المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
|
RE: مقابر / قصص قصيرة
مقبرة 7
كثيرا ما يشعر بأنه لو اختفي من الحياة لكان أفضل له و للآخرين , أن تنشق الأرض وتبتلعه , أن يتبخر كخيط دخان , كلمحة فكر عارضة , المواقف التي تفاجئه علي غير استعداد ويحس أنه أساء التصرف فيها إزاء الآخرين تحدث تلك العلاقة بينه وبين الرغبة في التلاشي , فكر في المشكلة , ما الذي يعنيه الآخرون له ؟, لماذا يهتم بوجهة نظرهم فيه ؟, وماذا يعني أن يضع نفسه في محنة لمجرد أنه يتصور أنه ربما جرح الآخرين بتصرفه ؟ , ربما كانوا من بلادة الحس بحيث لا يدركون عمق الألم الذي يتصور أنه تسبب فيه , ربما لم ينتبهوا أصلا لما فعله , ربما كانت أذهانهم منصرفة لأشياء أخري , أشياء لا تنتمي للعلاقة الراهنة , فكر أنه لو درب نفسه علي شئ من بلادة الحس لهون من حجم ما يعانيه , كثيرا ما كان يتنازل عن طيب خاطر عن أشياء يري انها غالية عليه لمجرد أن يشعر أنه عوض الآخرين عما سببه لهم من ألم , أشياء يري أنها جزء لا يتجزأ من كيانه , قد يعطي بسمة يغتصبها اغتصابا من شفتيه , أو نظرة يجبر عينيه علي افتعالها ويبالغ في تزيينها حتي تزيل ما يتصور أنه سببه , ومع الوقت كانت نفسه تتآكل , تتآكل بفعل هزيمته الداخلية , يشعر كما لو كانوا عائقا صعبا عليه في كل لحظة أن يعبره حتي يصل لسلامه الداخلي , يتمني أن يمنح البسمة والنظرة الطبيعيتين , بسمة ونظرة لا تجعلاه بعيدا عن نفسه حين يرسمهما علي وجهه , ليسا تعويضا عن شئ , فليس مدينا لأحد علي تصرف اعتقد أن صحيح حين اقترفه , قال لنفسه : سأبدأ من اليوم , أضع تجاهل مشاعر الآخرين علي قائمة أولوياتي , أتحدي نفسي أن يجعلوني في حالة خصام مع ذاتي .
رن جرس الهاتف , أتاه صوت زميلة طبيبة تطلب منه في رجاء أن يمنح بعض عنايته لمريض سوف ترسله له وسألته إن كان الآن بعيادته , فلما أجاب بأنه سيكون بعيادته حتي السادسة طلبت منه الانتظار لحظة , سمعها تتحدث مع شخص ثم أكدت له أنه سيكون بالعيادة قبل أن يغادر عيادته , أقفل الخط وسأل نفسه : أكان عليّ أن أستجيب لطلبها بالعناية به فورا أم أحدد موعدا فيما بعد ؟ , لم يستغرق كثيرا في هذه المشكلة ورأي أنها تافهة بالقياس لما خطط للقيام به , كانت الساعة تشير للخامسة والربع وكانت العيادة خالية , ففكر في بعث بعض الموسيقي والنظر في دفتر عيادته لمتابعة حالات بعض مرضاه , غرق في كرسيه ولم يحس بالوقت إلا بعد رأي الساعة المعلقة علي الحائط أمامه تشير إلي السادسة إلا الربع , فكر في المسافة بين عيادته وبين عيادة زميلته , وفكر أيضا أن المريض المنتظر سوف يستقل المواصلات العامة , قدر أنه كان يجب علي المريض أن يكون ماثلا أمامه من ربع ساعة علي أقصي تقدير , ربما فهم خطأ من زميلته , ضغط أزرار الهاتف برقمها , أتاه صوتها من هناك تؤكد له أن المريض قد انصرف من عندها حالما أنهت المكالمة معه من نصف ساعة , وضع السماعة وقال لنفسه : كان عليّ أن أبدأ بتنفيذ خطتي من وقتها , كان يجب أن أحدد موعدا بعد يوم أو يومين , لا بد أنه الآن يستمتع بالتسوق , أو ربما يتبادل حديثا مع أحد أصدقائه قابله صدفة , صديقا لا يعني لنا شيئا إلا أن تصادف وجوده يعتبر هبة من السماء لقطع الوقت , ربما اشتبك مع امرأة رأي في ملامحها شيئا يعيده لماض ما , وجد نفسه يضحك , ووجد أن مريضه هو الآخر يضحك من مكانه الذي لا يعرفه , أفاق علي دخول الممرضة تسأله إن كان سيمكث بالعيادة لأن الساعة الآن السادسة , وضع يده علي جبينه , أيجب أن يطلب منها الانتظار أم الرحيل ؟, غرق في البحث عن إجابة ولكنه لم يصل لحل , ربما لو طلب منها الانتظار لا يأتي المريض , ستكون فضيحة له أمامها , لو طلب منها الرحيل فسيبدو أمام مريضه طبيبا تافها , سيأخذ بياناته بنفسه في دفتر العيادة , سيتقاضي أتعاب الفحص بنفسه , سيشير له علي حجرة الطبيب بعد أن يفتحها له , سيتولي تهيئته لإجراء الفحص , أتاه صوت الممرضة : يا دكتور , كان هذا أقصي ما يستطيع تحمله , وضع يده علي جبينه يعصر فكره ثم نظر إليها في شرود , ما الذي تفكر فيه هذه المرأة الآن من عدم الرد , فكر في التلكؤ : هل انتهي كل شئ , أجابت : نعم كل شئ علي ما يرام , قام واقفا , خلع معطف الطبيب فظهر ثوب خطته التي أزمعها , أشار إليها أنه سيمكث قليلا , راح يراقبها وهي تبتعد وتترك باب حجرته مفتوحا , عندما وصلت لباب العيادة أشار لها بتركه كما هو وانزلق في كرسيه وتحفز , ماذا لو خدعه ولم يحضر , لن ينام ليلته , هذه هي الإجابة الوحيدة .
بدا كما لو كان شبحا يحدق في اللوحة الخارجية أمام عيادته , انتبه له , ضحك في سره عندما رآه يطيل النظر فيها , آآآآه , لقد وصل مريضي المرح , رجل أسود يبدو أنه قادم توا من الأدغال , وصل إلي العيادة قفزا علي الأشجار التي وجدها في طريقه . وجده يعبر الباب وكأنه يتحسس طريقه , قال في نفسه : آآآآه إنه من فصيلة القرد الكسول أيضا , كان الغيظ الذي تنامي كحشو بارود قنبلة يوشك علي الانفجار , راقبه سادرا في غيه يلتفت يمينا ويسارا يبحث عن شي , عندئذ لم يكن هناك بد أن يطلق القنبلة وإلا انفجرت فيه ودمرته , هيه أيها السيد ماذا تنتظر ؟ , كره نفسه عندما وجد نفسه لا يطلق كلمة ( الباندا) عوضا عن كلمة ( السيد )توقف الرجل بغتة , وبدا انه لم يفهم أنه هو المقصود فتابع : ألا تستطيع حتي أن تهتدي إلي مكاني في هذه العيادة الصغيرة , توجه رأس الرجل إليه تلقائيا , كان يريد أن يري علامات الغضب وهي تنتشر علي ملامحه وكان مستعدا للنضال منذ لحظات الانتظار الأولي , مستعدا لأن يراه كومة من الألم والضعف الذي سببه له قبل أن يأتي , راح الرجل يمضي إليه متثاقلا , أحس أن الإعياء الذي فرضته كلماته غير كاف , ألم يعلموك قراءة الوقت في الساعة قبل أن يقرروا إرسالك إلي هنا ؟, كان الرجل قد وصل قرب مكتبه , لاحظ أن مسام جلد جبينه الأسود تفرز حبات من العرق اللامع , حبات من النوع الكبير , تفضل بالجلوس فأنا مازلت في انتظارك , قال الرجل ببطء : لن أجلس سأغادر فورا , فقط أريد أن أعتذر لك عما سببته لك في انتظاري , ليس الأمر بيدي , فأنا ضعيف النظر جدا وأتلمس طريقي بصعوبة .
رأيت الرجل الذي كان يتحول قزما عبر المسافة بين باب العيادة وبين مكتبي يستدير من أمامي وكلما راحت خطاه البطيئة تقطع المسافة في اتجاه باب العيادة كان يصير عملاقا , صرخات من داخلي تطلب منه الانتظار ولكنها لا تخرج من جب القبر الذي انفتح لي , خطتي التي بدأت تنفيذها للتو تحولت لبضعة رجال أشداء يدلونني في القبر ثم يتركون جثتي تتهاوي في القعر العميق , يهيلون التراب في إصرار , وأنا أستعطفهم أن ينتظروا ريثما أسأل الرجل عن التعويض المناسب وربما أيضا طلب هو منهم الكف عن إجراءات دفني , قضي الأمر , وأخذوا يدكون الأرض بأقدامهم يسوونها , أطلت عيناي من نافذة صغيرة في قبري فرأيته يمضي بالشارع متحسسا طريقه في الظلمة الثقيلة غير ملتفت للهاوية التي أودعني فيها .
كوكو
|
|
03-24-2011, 01:03 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
coco
عضو رائد
المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
|
RE: مقابر / قصص قصيرة
اقتباس:لكن أول مرة أقرأ قصصا لها ملحق غنائي .. واضح أن فن القصة القصيرة عماله بيتأنسن أكثر و بيحلو أكثر عندما يصل بني نادي الفكر
الفكرة في تصوري عزيزتي / هالة , أن الوسائط السمعية والبصرية أصبح لها مكانة في التوصيل أقوي من الشعر والقصص والفنون القولية بصفة عامة , هناك جمهور كبير مع التحديث الذي مس المجتمع الثقافي عندما أصبحت هذه ( الميديا ) هدفا له , فعلي سبيل المثال تجدين الأمسيات الشعرية لمحمود درويش مصحوبة ببعض العزف الموسيقي , بالرغم أنه محمود درويش الذي ينبغي أن نستمع لشعره أكثر من أن نبحث عن موسيقي أو أي شئ آخر , مثال آخر كتب الأطفال في سن قبل المدرسة تجدينها مصورة وبها موسيقي عند الضغط علي الكتاب , أو أن الكتاب نفسه مصنوع بطريقة ثلاثية الأبعاد تفتحين الصفحة فتجدين أن الصورة لها عمق , الأبنودي مثلا كان من الممكن أن يسرد السيرة الهلالية كشعر فقط ولكنه حين سجلها سجلها مع الشعراء القوالين علي الربابة , يبدأ بالحديث بجزء نثري لسرد الأحداث ثم يترك الشاعر يقول , بل أن السير الشعبية المكتوبة كالزير سالم علي سبيل المثال تجدين جزءا نثريا ثم القول الشعري .
هذا التنويع والخلط بين وسائل مختلفة في التوصيل سواء في القديم أو الحديث فعلا ظاهرة تستحق الدراسة .
أخرج من هذا أن الوسائط أصبحت ضرورة عند التوصيل , خلق جو فني غير قولي مصاحب للعمل الفني , يجعل القارئ في علاقة مع العمل أقوي عن ذي قبل , حين كان يسمع الشعر أو القصة فقط , وأنت تعرفين من خلال دراساتك في التعليم أن الوسائط لها دور كبير في تنبيه عدد من الحواس معا في عملية الإدراك المعرفي تؤدي لنجاح العملية التعليمية أكثر مما لو كان التنبيه قاصرا علي حاسة واحدة مثل ( السمع فقط )
وحقيقة فقد اكتشفت أنني في المدة الأخيرة - وياللغرابة - عندما أكتب أحتاج لسماع أغنية وأضع السماعات في أذني رغم أن الأغنية تكون علي هامش الشعور ولا أفكر فيها إطلاقا ولكن بمجرد أن تتوقف أجدني أعيد بثها مرة أخري رغم أنني - وياللغرابة - لا أطيق سماع ولو رنة إبرة بجواري عندما أكتب , وأحيانا يستغل أولادي فرصة الكتابة ويطالبوني بما أرفض تحقيقه عندما أكون في غير حالة الكتابة , فأشير لهم أن الفلوس هناك , وأنا لا أسمع حتي ما يطلبونه ( يعني ابعدوا عني الساعة دي ) وعندما انتهي أكتشف أنهم دمروا مبلغا محترما في أشياء ما كنت أقبلها لو كنت صاحيا لهم أو أنهم فعلوا شيئا ما كنت أرضاه أبدا لو كان فكري مركزا لهم , ولو كانت السماعات ليست في اذني لكنت عرفتهم أصول التربية الصحيحة .
الأغنية التي أدرجتها مع قصة ( مقابر 4 ) جميلة جدا ومعبرة وقد صاغها الأخوان رحباني بطريقة الرباعيات التي سبق لنا الحيث عنها , وهي هكذا
ما في حدا
ما في حدا لا تندهي ما في حدا
عتم و طريق و طير طاير عالهدا
بابن مسكر و العشب غطى الدراج
شو قولكن صاروا صدى؟
مع مين بدك ترجعي بعتم الطريق
لا شاعلة نارن و لا عندك رفيق
يا ريت ضوينا القنديل العتيق بالقنطرة
يمكن حدا كان اهتدى و ما في حدا
يا قلب اخرتا معك تعبتني
شو بك دخلك صرت هيك و شو بني
ياريتني سجرة على مطل الدنيي
و جيرانها غير السما و غير المدى ما في حدا
وترين دائما البيت الثالث يصنع المفارقة التي تبرز جمال الرباعية , ناهيك عن جمال الحالة النفسية والفكرية التي صورتها الأغنية والتي وجدت أنها تتفق مع الحالة الفكرية والنفسية لبطل هذه القصة , عندما مر بأزمته , ولا أريد أن اشرح نفسي طبعا فالأمر متروك للقاري ولكن كانت الأغنية نوعا من توجيه القارئ لو صحت التسمية لقراءة معينة لهذه القصة , يمكنني هنا أن أتكلم عن الأغنية لأنها ليست عملي الفني فأقول أنها تصور حالة من الغربة نجح الأخوان رحباني في بعثها من خلال البيئة التي وضعا فيها بطل الأغنية , في المقطع الأول صورة للغياب الكامل لأي فرصة في التواصل الإنساني فجميع الطرق مسدودة , في المقطع الثاني تأنيب شديد للدخول في الحالة دون تبصر , المقطع الأخير نتيجة وهي اليأس الكامل لما سبق سرده , ثم انظري عزيزتي للبيت الثالث في المقطع الأخير وإلاما وصل الحال بالشاعر أن يتمني لو تشيأ - يصبح شجرة - ولكن توجد نبرة أمل بسيطة أن يكون جيرانها من العناصر الحرة التي توحي بقليل من الأمل .
ربما كانت الأغنية تتقاطع مع الحالة المصورة في قصتي أو لا , هذا متروك للقارئ , ولكنني أنتهي أن الفضاء الإنترنتي سمح بدمج مجموعة من الوسائل في التوصيل أفضل عن ذي قبل عندما كنا نتناول الكتاب ونغرق فيه ولا نريد أن نخرج منه إلي أي انتباه آخر , الآن من الممكن أم يتذكر القاري فحوي القصة من خلال بعث الأغنية في داخله بصرف النظر عن مدلولها , المهم أن نوصل له الحالة النفسية ولو بطريقة لاواعية .
ولو قرأت الفصل الذي تكلم فيه هيرمن هيسه في لعبة الكريات الزجاجية عن إحدي خبرات( كنشت ) وأظن أنه الفصل الثاني أنه وهو يتناول ورقة شجرة كان يشم الورقة ويحس بالرائحة الخاصة بها وهي تجربة شديدة الخصوصية في تكوين الخبرة النفسية والمعرفية عن الأشياء المحيطة بنا .
كوكو
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 04-14-2011, 07:26 AM بواسطة coco.)
|
|
04-14-2011, 07:13 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
|