لبنانيو الخليج هم الأكثر تأثّراً ... وأبيدجان كارثة
هناك تحويلات غير مصرّح عنها وبالتالي لا يُمكن تحديد حجم المشكلة (أرشيف ــ أ ف ب)
يحاول الاقتصاديون أن ينبّهوا إلى مسألة شديدة الخطورة تواجه الشباب اللبناني، فالنموذج السياسي ــ الاقتصادي، الذي يشجّعهم على الهجرة من أجل تأمين تحويلات مالية كبيرة تعفي السلطة من العمل على تطوير الاقتصاد الحقيقي وتنويعه، لا ينطوي على أي حماية لهؤلاء المهاجرين، بل يتركهم يواجهون مصيرهم وحدهم من دون رعاية أو اهتمام رسميين: هذا ما يحصل في الإمارات والبحرين وليبيا وساحل العاج
رشا أبو زكي
ليست الهجرة نعمة، وإن حاول عدد من الوزراء تجميلها، وإن حاول مصرف لبنان جعلها رافعة للاقتصاد الوطني، فالتحويلات التي وصلت في نهاية عام 2010 إلى 8 مليارات و200 مليون دولار ليست سوى أموال يرسلها شباب يقطعون الصلة بأهلهم، يُبعدون عن وطنهم قسراً، يهربون من بلد الفساد الى بلدان قد تعرض حياتهم للخطر، لكنها تؤمن لهم شروط عمل أفضل.
إلا أن افتعال سياسات اجتماعية واقتصادية تهجر شباب لبنان، يجعل من هؤلاء وقوداً في النزاعات السياسية بين لبنان ومكوّناته من جهة، والدول التي تفتح الباب لمهاجري لبنان من جهة أخرى، كما يجعل اللبنانيين يتامى بلا سلطة تسأل عنهم، في ظل ثورات عدد من الدول، والحروب الأهلية التي تسيطر على أخرى ...
تشير دراسة أعدّتها البروفسورة شوغيك كاسباريان، رئيسة المرصد الجامعي للواقع الاجتماعي والاقتصادي في جامعة القدّيس يوسف الى ارتفاع عدد المهاجرين بدءاً من عام 2005 إلى أكثر من 65 ألف مهاجر سنوياً، معظمهم من الشباب، بينما 60.5 في المئة من اللبنانيين المقيمين أبدوا رغبتهم في الهجرة، و80 في المئة من الذين قالوا نعم للهجرة هم من حملة الإجازات والماجستير، وتشير هذه الدراسة الى أن معظم المهاجرين يقصدون الخليج العربي. وتشدد كسباريان على أن البحث عن العمل هو السبب الرئيسي للهجرة، وليس ذلك فقط بل البحث أيضاً عن رواتب وشروط عمل أفضل. وأضافت كسباريان إن اختيار اللبنانيين بلداناً مثل الخليج أو أفريقيا أو دول أخرى يعود الى أن بإمكان هذه الدول تقديم امتيازات وظيفية أفضل للعاملين لديها من تلك المعتمدة في لبنان، لافتة الى أن المهاجرين ليسوا فقط من العاطلين من العمل، بل من الباحثين عن إطارات وظيفية تقدر مادياً ومعنوياً ما يقدمونه في تطوير الاقتصادات، وتشرح أنه يضاف الى هذه الأسباب أن عدداً من المهاجرين يكون هدفهم الحصول على جنسية أخرى، إضافة الى هجرة النساء مع أزواجهنّ، وترى كسباريان أن المشكلة الحقيقية القائمة هي عدم وجود دراسات شاملة عن سوق العمل في لبنان، إلا أن الواضح هو أن هذه السوق تتقدم ببطء شديد، في مقابل تطور عدد المتخرجين سنوياً، ما يجعلهم أكثر رغبة في السفر. وتلفت كسباريان الى أن الأزمات السياسية والأمنية في بلدان الاغتراب تجبر المغتربين على اختيار العودة الى لبنان وترك وظائفهم في الخارج، وتشير الى أن عودة المهاجرين والمغتربين طبيعية في ظل اندلاع الثورات في عدد من الدول، إضافة الى وجود مشكلات أمنية في أبيدجان، إلا أنه لا يمكن معرفة إن كانت القرارات الجماعية في العودة الى لبنان هي نهائية أم ظرفية، وخصوصاً أن اللبنانيين يعملون على تأسيس مشاريع واسعة في الخارج، ويستثمرون بمليارات الدولارات في الدول التي تدور فيها النزاعات.
وانعكاسات الاضطرابات الحاصلة في عدد من البلدان التي يوجد فيها لبنانيون ليست حادة على الاقتصاد اللبناني، بحسب ما يقول رئيس الجمعية اللبنانية الاقتصادية جاد شعبان، ولفت الى أن عودة اللبنانيين من هذه الدول ليست شاملة، وخصوصاً أن المغترب اللبناني اعتاد النزاعات والحروب، وبالتالي لن يترك أعماله في الخارج بالسهولة التي يجري الترويج لها. ويشرح شعبان أن الأزمة المالية العالمية الضخمة التي أصابت دول الخليج لم تنعكس عودة سريعة للبنانيين، وإنما لوحظ أن معظمهم بقي في هذه البلدان وأجرى تغييرات إن كان في الموقع الوظيفي، أو انتقل الى دولة خليجية أخرى.
ويرى شعبان أن المشكلة الأساسية هي غياب الأرقام الإحصائية عن عدد المغتربين وتوزعهم في الخارج، إلا أن الأكيد أن النسبة الأكبر من الشباب الموجودين حالياً في لبنان يطمحون الى الهجرة، وخصوصاً أن دراسة أجرتها الجامعة الأميركية أفضت الى أن 50 في المئة من متخرجي الجامعة هجروا لبنان. ويشدد شعبان على أن توفير الأرقام عن اللبنانيين المهاجرين وسبب هجرتهم يساعد في معالجة سريعة لأوضاعهم حين يقعون في مأزق ما في دول الاغتراب، ويلفت الى أن أغلبية المهاجرين موجودون في الخليج وأميركا وكندا وجزء قليل في أفريقيا، بحيث تصل نسبة هؤلاء الى أقل من 10 في المئة، وبالرغم من صعوبة الحصول على أرقام تحدد حجم تحويلات المغتربين في دول النزاع، يلفت شعبان الى أن قيمة التحويلات الإجمالية تصل الى ما بين 20 و25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا رقم ضخم نسبة الى حجم الاقتصاد اللبناني.
ويشرح شعبان أن تقدير حجم التحويلات لا يتم فقط عبر القنوات المعتمدة لاستخراج الأرقام، إذ إن هناك تحويلات غير مصرّح عنها تدخل الى لبنان ولا تحتسب، وبالتالي لا يمكن تحديد حجم المشكلة التي سيقع فيها الاقتصاد. إلا أن الأكيد أن المناطق الجنوبية في لبنان ستتأثر من أزمة أبيدجان، إذ إن تحويلات المغتربين هناك تستخدم في تأمين روافد مالية للعائلات الجنوبية، كما تساعد في عمليات البناء وتحصين الوضع المعيشي، مشيراً الى أن المشكلة ستكون مضاعفة إن كانت الأموال المستثمرة عبارة عن ممتلكات غير مسيّلة، بحيث إن الخسائر ستكون ضخمة على المغادرين الى لبنان.
إذاً، التحويلات هي أكثر ما يشغل الاقتصاديين في لبنان، إلا أن مشكلة انقطاع التواصل مع المغتربين في الدول التي تشهد اضطرابات تعدّ أزمة حقيقية، إذ يشير رئيس نقابة أصحاب وكالات السفر جان عبود الى أن في البحرين مثلاً بين 5 آلاف و6 آلاف لبناني، إلا أن كلاً من شركتي «البحرين للطيران» وشركة الخليج أوقفت رحلاتها الى لبنان منذ 15 آذار الماضي، أي مع بدء الاضطرابات في البحرين، ويشرح أن هاتين الشركتين تقولان إن سبب وقف الرحلات أمني، إلا أن من المرجح وجود مقاطعة غير معلنة للبنان، لافتاً الى أن اللبنانيين يعودون عبر مطارات الدوحة أو دبي أو الكويت، فيما الواقع في ليبيا مختلف، بحيث إن الجالية اللبنانية ليست كبيرة، وقد خرج معظمهم براً الى مصر، فيما ينتظر آخرون في مطار طرابلس. وانقطاع التواصل الجوي ينسحب طبعاً على أبيدجان، حيث توقفت جميع الخطوط غير المباشرة التي تصل لبنان بهذا البلد. ويشرح عبود أن انعكاسات الأزمات المتنقلة في الدول تؤثر مباشرةً على القطاع السياحي اللبناني، بحيث تراجع عمل وكالات السياحة والسفر وكذلك الفنادق والمطاعم.
256 ألف لبناني
هو عدد اللبنانيين في بلدان تشهد اضطرابات أمنية، وتلك التي تشوبها إشكالات في العلاقات الدبلوماسية مع لبنان، مثل الإمارات والبحرين. وفي ظل هذا الاختناق، يبقى اللبنانيون في بلدان الاغتراب بلا ملجأ، في غياب الدور الرسمي اللبناني الفاعل في الخارج
السوق اللبنانيّة العاجزة
يحوّل المغتربون أكثر من 8 مليارات دولار، ورغم ذلك فإن أي مشكلة يواجهونها في الخارج لا يقابلها احتضان اقتصادي في بلدهم الأمّ، إذ يعمل عدد من المغتربين في دول الخليج العربي وأفريقيا، وخصوصاً في المناطق التي تشهد اضطرابات داخلية في العديد من القطاعات التي لا يمكن السوق اللبنانية استيعابها بسبب استمرار نهح اقتصادي يتحاشى تنمية القطاعات الإنتاجية الحقيقية، وفي ظل آلية توظيف قائمة على المحاصصات. ويؤكد الاقتصاديون أن التهرّب من إعداد دراسة عن سوق العمل وربطها بالاختصاصات يمثّل خطراً حقيقياً.