ايلاف
نيكولاس كلاكستون من لندن وركان فقيه من بيروت: يثير قرار المديرية العامّة للأمن العام في لبنان الذي يقضي بمنع فيلم "أيام خضراء" للمخرجة الإيرانية الشابَّة هانا مخملباف وسحب ترخيص عرضه من مهرجان بيروت السينمائي 2011 للافلام الممنوعة، تساؤلات كثيرة في الأوساط الثقافية والسياسية في لبنان، علمًا أنه يعرض الأحداث ويصور الثورة الخضراء في إيران وما تضمنته من تظاهرات أعقبت إعادة انتخاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في العام 2009.
وفي مقابلة أجراها نيكولاس كلاكستون لـ"إيلاف" من لندن مع المخرجة الشابّة، تسلّحت مخملباف بفنّها وعملها ووقفت في وجه رئيس بلادها، وتحدّثت بثقة وجرأة قلّما توجدان لدى من في سنها عن أسباب منع عرض الفيلم في لبنان.
تردّ مخملباف ذلك إلى خوف حزب الله من أن يعرف اللبنانيون حقيقة حليفه الإيرانيّ أحمدي نجاد. وعن شعورها إزّاء منع عرض فيلمها في بلدها إيران، تلفت المخرجة الشابّة إلى أنّ الإيرانيين شاهدوا الفيلم حين بثته "بي بي سي" الفارسيّة قبل سنتين، وكردّ فعل، صعدوا إلى أسطح منازلهم وهتفوا "الله أكبر". وتعتبر أنّ الحكومة الإيرانيّة خائفة لأنّ فيلمها يكشف الحقيقة، بينما حكومة أحمدي نجاد تدعي الحرية وتقتل شعبها باسم الله.
في ما يلي نصّ المقابلة:
مخرجة فيلم "أيام خضراء" الإيرانيّة الشابة هانا مخملباف
طهران خائفة من كشف حقيقتها
ما السبب وراء منع عرض فيلمك "أيام خضراء" من قبل السلطات اللبنانية؟
منع عرض الفيلم سابقاً بسبب زيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الذي حل ضيفاً على لبنان وحزب الله، واليوم يمنع عرضه للمرة الثانية لأن حزب الله لا يريد أن يعرف اللبنانيون من هم حلفاؤه، كما ان ايران خائفة لأن فيلمي يكشف الحقيقة التي إذا ما رآها الشعب اللبناني سيرفض أي زيارة للرئيس الايراني الى لبنان.
لايمكن للرقابة الكذب على الناس للأبد
ما هو رد فعلك تجاه حظر عرض الفيلم في دولتك ايران؟
يخالجني شعور بالشفقة تجاه أنظمة كهذه، ومن ضمنها الحكومة الإيرانية. مما تخاف؟ حظر عرض الفيلم في إيران يظهر مدى ضعف الحكومة الايرانية. ربما كان للرقابة دور فعال قبل 10 سنوات، لكن لا يمكنهم أن يستمروا في الكذب على الناس إلى الأبد، فمع انتشار وسائل التواصل الاجتماعية مثل الـ "يوتيوب" وغيرها في أنحاء العالم كافة، أصبح الناس يموتون أمام عدسات الكاميرات التي تنقل كل ما يحدث. لقد شاهد معظم الإيرانيين فيلمي قبل سنتين على شاشة قناة (بي سي سي - فارس). أمّا اليوم، تعتبرني الحكومة الإيرانية عدوة للدولة، ما يثبت أن الحكومة قد تأثرت بالفيلم. كما إن الكثيرين في ايران صعدوا إلى أسطح منازلهم بعدما شاهدوا الفيلم (أيام خضراء) وهتفوا قائلين "الله أكبر".
الحكومة في حال يرثى لها
يقال ان السفير الإيراني في لبنان غضنفر ركن ابادي أبلغ السلطات اللبنانية أن عرض فيلم "أيام خضراء" سيعتبر هجومًا على السيادة الإيرانية، وطلب حظره. ما هو تعليقك؟
في الواقع، أعتقد أن الحكومة الإيرانية في حال يرثى لها. لماذا هي خائفة إلى هذا الحد؟ الفيلم يكشف الحقيقة، ويُظهر أن النظام الإيرانيّ يقوم على الأكاذيب. يقولون إنَّ الإيرانيين يملكون حرية التعبير عن الرأي. أنا أسألهم: "أي رأي هذا؟" وهم في المقابل يقتلون شعبهم باسم الله. إنَّهم يخافون الحقيقة.
الشعب الإيراني يغتصب كل يوم والسلطات مرعوبة من فيلم
لماذا لم تتحقق إرادة الشعب حتى اليوم في ايران كما يحصل في الدول العربية؟
بدأنا التحركات وفعلنا تقريباً كل شيء منذ سنتين، وجهودنا شجعت الشعوب العربية وأثرت فيها. لكن الحكومة الإيرانية قتلت الكثيرين، ولا أعلم متى سينتصر الشعب الايراني، غير أنني أؤمن في أعماق قلبي أن إرادة الشعب ستنتصر. لا يمكننا أن ننسى الحرية في إيران، فنحن نغتصب ونقتل كل يوم على يد الحكومة الايرانية، بينما تخشى هذه الحكومة الضعيفة فيلماً اعدته فتاة في العشرين من عمرها وتزعم انه يلفّق الأكاذيب والافتراءات، وأن جميع الذين ظهروا فيه تلقوا أموالاً مقابل مشاركتهم. الحكومة الإيرانية خائفة من أفعالها بحق الشعب وتريد أن تخفي عنفها ووحشيتها عن بقية العالم.
لأحمدي نجاد... أتحدّاك
هل لديك أسئلة للرئيس احمدي نجاد؟
أسأله لماذا فرض الرقابة على فيلمي؟ لماذا قتل واغتصب الناس؟ ولماذا يرجم شعبه؟ أطلب منه أن يشاهد "أيام خضراء" ويجيبني. لماذا يفعل ما يظهره ويصوره الفيلم؟ الرئيس أحمدي نجاد يقول إنه شجاع جدًا. أقول له عوضًا من الذهاب إلى لبنان ورمي حجر على إسرائيل عليه أن يسأل نفسه: إذا كان شجاعًا للغاية كما يقول، فلماذا لا يجيب عن هذه الأسئلة؟ لكنه يهرب من الحقيقة.
إذا كان الرئيس أحمدي نجاد شجاعاً، فليسمح بعرض الفيلم. ليفعل كما فعلت، ليجب عن الأسئلة التي يطرحها كل الناس، بغض النظر عن الدولة التي ينتمون اليها.
وكان جهاز الأمن العام اللبناني قد سحب رخصة عرض فيلم "أيام خضراء" (Green days) الذي كان مقررًا عرضه ضمن "مهرجان الأفلام الممنوعة" بين 22 و26 حزيران (يونيو) الجاري. ويستعرض الفيلم التظاهرات الاحتجاجية التي تلت إعادة انتخاب أحمدي نجاد في العام 2009 رئيسًا لإيران.
حزب الله... لا تعليق والسفارة الإيرانيّة تنوه بالقرار
مراسل "إيلاف" ركان فقيه، حاول الحصول على تعقيب من حزب الله، حول ما تمّ تداوله بأنّ الحزب ضالع في قرار سحب الترخيص. إلا أنّ المسؤول الإعلامي في حزب الله رفض التعليق، بينما يوضح مصدر في السفارة الإيرانيّة في بيروت لـ"إيلاف" إن الفيلم يشوه الحقائق حيال طبيعة الاحداث التي شهدتها ايران خلال المرحلة التي يتحدث عنها الفيلم، وبالتالي فان السفارة تعارضه وتعتقد بأن الامن العام في لبنان اتخذ الموقف المناسب بمنعه.
وكان مصدر قد أعلن الثلاثاء الماضي طالبًا عدم الافصاح عن اسمه، أن "السفير الإيراني غضنفر ركن أبادي أبلغ مسؤولين لبنانيين أن عرض هذا الفيلم يعتبر تعديًا على السيادة الإيرانية، طالبًا منع عرضه".
المنظمون: منع الفيلم اعتداء على الحريّة
وتقول مديرة مهرجان بيروت الدولي للسينما كوليت نوفل إنّ مديرية الأمن العام اللبناني أبلغتها بقرار سحب الترخيص في اتّصال، حيث أكّد مسؤول في المديريّة أنّه ينفذ الأوامر فقط، وليس لديه أي فكرة عن الأسباب التي أدت إلى صدور القرار، الأمر الذي تعتبره نوفل يمثل وبشكل لا يحمل التأويل اعتداءً كاملاً على الفكر والثقافة، ويناقض مبدأ الحريّة الاول والبديهي، الذي يشكل الشرط الاساسي لأيّ عمل فكري أو ثقافي أو فني حقيقي.
وتشير نوفل إلى أنّ قرار منع الفيلم من العرض يحمل مؤشرًا خطرًا جدًا لأنّه يناقض طبيعة لبنان كبلد شكَّل تاريخيا نموذجا للتعدد والتنوع، الذي يمثل أحد أهم ميزاته الاجتماعية والفكرية والثقافية والسياسية.
وتطالب نوفل ببقاء لبنان كما هو "واحة للتعدد والحرية"، وتأمل أن لا يكون قرار سحب الترخيص أحد البشائر التي يتم على أساسها استقبال مهرجان بيروت الدولي للسينما في شهر تشرين الاول (أكتوبر) المقبل.
14 آذار: حزب الله يريد إلغاء التعددية
القضيّة مثيرة للجدل لا شك، وخصوصًا أنّها تمسّ بمبدأ الحريّة غير القابل للاجتزاء. وتتهم قوى الرابع عشر من آذار (مارس) حزب الله وحلفائه بالعمل على إلغاء التعدد الحضاري والثقافي والاجتماعي، وضّمه الى التحالف الايراني - السوري، بما يعنيه ذلك من أحادية فكرية وسياسية تجعل من الجمهورية الاسلامية في ايران ونظام الحزب الواحد في سوريا، نموذجًا له، تذوب في بوتقته التعددية الثقافية والسياسية في لبنان.
لا يجد النائب في كتلة تيار المستقبل ونقيب المحامين السابق في محافظة الشمال سمير الجسر أي مبرر يجيز منع الفيلم، خصوصًا أنَّه يتناول موضوعًا سياسيًا لا يمسّ بشكل مباشر الجوانب الدينية او الاخلاقية التي تتطلب سحب الترخيص بعرضه، موضحاً أن افلامًا أخرى تناولت موضوعات سياسية وجرى عرضها سابقًا في لبنان، ولم يتم منعها.
يضيف الجسر أنَّ صلاحيَّات الامن العام في هذا الصدد تبقى مقيدة بضوابط عدم إثارة النعرات والالتزام بالأخلاق والآداب العامة وعدم التسبب بالاذى للبلد. ويوضح أنّ "هذه الضوابط تحتكم إلى لقرار نهائي من وزير الداخلية"، لافتًا الى انّه يمكن لإدارة المهرجان تسجيل اعتراض على قرار المديرية العامة للامن العام". ويأمل الجسر أن لا يشكل القرار سابقة يجري تعميمها ومنع افلام اخرى والحد من الحريات الاعلامية والفنية في لبنان من دون الالتزام بالضوابط القانونية.
يذكر أنّ قرار المنع يأتي بعد قرار سابق قضى بتأجيل عرض الفيلم خلال تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، عندما صادف موعد افتتاح المهرجان مع موعد زيارة أحمدي نجاد إلى لبنان. أما هذا العام، فيتزامن القرار مع الاعلان عن تشكيل الحكومة اللبنانية التي تمثل الأكثرية الجديدة والتي يعتبر حزب الله عمودها الفقري.