اقتباس: مساء الخير لكم جميعاااااا
اليوم ومع أول دخول لي لأحد الفصول المقرر لي تدريسها هذا العام الذي بدأ متأخرا عندنا
وهم طالبات السنة الثانية ثانوي كانت الطالبات كالعادة في قمة النشاط في بداية السنة الدراسية
نقاش هنا وسؤال هناك وتعارف بيننا لأنها الحصة الأولى معهم في هذه السنة فكانت منوعة
ولا ادري كيف إنتقل الحديث مع الطالبات من مقدمة على مادة الكيمياء التي أدرسها إلى
مواضيع عامة
حتى وصلنا بالحديث المفتوح إلى الوالدين تكلمت عن الوالدين وبرهما وواجب إحترامهما
وخدمتهما ورعايتهما والطالبات متجاوبات حتى قلت وحبهما هنا أرتفع اصبع من أحد الطالبات لتقول
برهما وإحترامهما ورعايتهما أنا معك ولكن حبهما لم يفرض علينا ذلك وليس بواجب علينا
أنتابتني الدهشة أولاً تفاجأة وقلت مادافعها لقول ذلك ؟؟
سألتها بطريقة أخرى فأجابت هم صحيح قاموا بتربيتنا ورعايتنا ونحن صغار لذلك وجب علينا
البر بهما وطاعتهما ولكن ونحن كبار لم يراعوا مشاعرنا ولم يعاملونا بالطريقة التي نحبهم بها
وكأننا أبنائهم فقط عندما كنا صغاراً فقط .
أنتهت الحصة الدراسية وخرجت أنا بعد نقاش مطول معهم جميعا وتجارب لبعض الطالبات مع
أنانية الوالدة وقسوة الوالد والتفرقة في المعاملة وعدم مراعاة المشاعر الفرحة والحزينة لديهم
خرجت بعدة أسئلة بعدة أسئلة وهي
هل كانت الفتاة على صواب ؟؟؟
هل من الطبيعي أن يشعر الأبن أو البنت عندما يكبر بهذا الشعور البر لهما وليس الحب ؟؟؟
هل الأباء بالفعل مقصرون في مراعاة مشاعر أبنائهم وبناتهم عندما كبروا ؟؟؟
أما يجب أن يتعامل الأباء مع الأبناء بطريقة مختلفة عند الكبر والسعي مجددا لكسب حبهم ؟؟
هل قول ( إذا كبر أبنك خاويه ) مطبقة بالفعل لأن هذه المرحلة هي من تكتسب بها المشاعر
ويحدث بها النفور ؟؟؟
هذا ماحصل معي اليوم وأسأل الله أن يعينني عليهم ماداموا بهذه الصراحة فأي أجيال هذه
نحن لم نعرف يوماً أن نفرق بين البر والإحترام والحب للوالدين كله مجتمع لهما فقط وحصرياً
المجال مفتوح للجميع وبصراحة للنقاش لنتعلم جميعا ً من التجارب الأباء والأبناء كلاً على السواء
لكم تقديري وإحتراماتي
الرد :
إذا تدبرنا القرآن في كلامه عن الوالدين والآباء والاسلاف ، نجد أن الله أمر بشكر الوالدين بعد شكر الله ، و أمر برحمتهما خصوصا اذا اضعفهما الكبر او المرض او الاعاقة ، و نهى عن رفع الصوت عليهما و نهرِهما او التضجر منهما ، لكنه لم يأمر بطاعتهما في كل أمر ، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، بل قال (و إن جاهداك ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ، و صاحبهما في الدينا معروفا) .. و لم يأمر بحبهما على كل حال ، فالله لم يأمرنا بعبادة الوالدين ، لكن أن نقدر حقهما و نشكرهما على ما قدّما ، و الشكر ليس بالكلام فقط ، والشكر من الاخلاق ..
أما مشاعر الإنسان فليست بيده و تحت تصرفه ، ولو كانت كذلك لضاع الانسان و ضاعت الحقيقة والفضيلة ..
المشاعر مرتبطة بالفضيلة اينما وجدت ، عند الوالدين او عند غيرهما ، مثل ارتباط البوصلة بجهة الشمال ، بدليل اننا نجد من يفضل امه على ابيه ، و العكس ، اقصد بمشاعره ، او يحب شخصا آخر اكثر من والديه ، و ليس الامر بيده .. تخيلي ان احدا يأمره والده او والدته بمعصية و عمل غير انساني ولا اخلاقي ، فهل يحبه و هو على هذه الحال ؟ ان كان يحبه فقد احب المعصية ووقع في غضب الله ..
الوالدان من البشر و ليسوا من الملائكة ، و هما داخلان في اختبار الخير و الشر ، مثل الابناء ، و بالتالي فقد يقعان في الشر او يعملان الخير ، بل واجب الابناء النصح للوالدين على بعض الافكار الخاطئة التي قد يتمسكون بها ، مثلما هو واجب الآباء ، ولا يعتبر هذا تطاولا عليهما بل حق لهما ، بعبارة اخرى : حقهما كوالدين قدّما المعروف لنا ، والفضل للمتقدم ، و هذا يجب ان يستمر في كل الاحوال ، حتى لو دعونا إلى الشرك .. فلا يجب ان نقول لهم اف ولاننهرهما ، ونصاحبهما في الدنيا معروفا ، و لو كانوا اكفر الناس .. لكن الحب ليس بأيدينا ..
و كلام الطالبة اذن ليس عاريا من الصحة بشكل دائم ، لان كلمة حب ، هدفها الاساسي ان توصل الى الله ، لان الفضيلة توصل الى الله و الحب مبني على الفضيلة ..
كذلك في خضم الدعوة لبر الوالدين ، يجب ان تقدم نصيحة للوالدين ، بألا يستغلا النصوص ويجعلون منها صوطا يلهبون بها ظهور ابناءهم و يلغون بها شخصياتهم و كرامة ذواتهم .. فالإنسان عبد لله في الاصل وليس عبدا لوالديه تتحكم فيه غريزة التملك لديهما ، فالوالدان وسيلة لوجوده على الدنيا .
كثير من الوالدين يعتبرون ان حق الابناء هو رعاية اجسامهم و تغذيتهم و علاجهم و سكنهم وانتهى الامر ، وهذا غير صحيح ، للابناء حق الرعاية و التربية الشعورية واحترام آدميتهم ..
يجب ان يشعر الابناء بمحبة والديهم لهم حتى يحبوهم ، و لا يعاملوهم بفوقية ، فالعطاء المادي ردّه عطاء مادي مثله ، و العطاء المعنوي هو الذي يستوجب العطاء المعنوي .. و لا يفيد العطاء المادي الا اذا كان دافعه معنويا .. فيعطي مقابلا ماديا و معنويا .. حينها تتحقق الابوة والامومة ، ماديا ومعنويا .. والله أمرنا بالبر ولم يأمرنا بالتقديس ..
و كثرة ترديد ماقدموه لأبناءهم ، يُشعر الابناء بمنة المعطي و كأنهم يستكثرون ما قدموا و يستخسرونه على فلذات اكبادهم ، بل ان بعض الامهات أو الآباء يشترط من مهر ابنته لقاء ما انفق عليها ، و كأن آلام المخاض والتربية لها سعر مادي ، بينما الله يقول (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) ، و بعض الآباء يستغلون قدرهم عند ابنائهم و ضعفهم و وقوف المجتمع مع الوالدين ، فيستغلون ذلك و يتدخلون في اختياراتهم ، بل و يسيئون اليهم لحد الإهانة أحيانا ، و الويل لمن يغضب او يثور ، لأنه سيوصم بالعقوق و يـُدعى عليه دعوة مستجابة ..
على الوالدين ان يعرفا ما قدما ، و ينتظرا مثله من رعاية و حنان و اهتمام و انفاق ، ولا ينتظروا اكثر من ذلك الا ما كانوا يستحقونه بصفتهم الشخصية لا بصفتهم والدين .. كالأب المتفهم لأبنائه ، سيحبوه حتى لو كان شخصا آخر .. فأساس العلاقة هو رد المعروف ، و على حسب ذلك المعروف يتوجب الرد .. وهو حق أخلاقي ، و الدين أخلاق .
الاطفال ضعاف و بحاجة الى رعاية الوالدين ، ولا يجوز التفريط بذلك ، كذلك الوالدان عندما يضعفان يتوجب ان يرد الإحسان إليهما ، قال تعالى (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) ..
المسألة مسألة حق و رد ذلك الحق ، هذه هي العلاقة بين الآباء والابناء ، و ليست حالة امتلاك وعبودية و سيطرة و برمجة ، او استغلال مادي لغير حاجة .. كبعض حال الامهات التي تعتبر ابنائها ملكا لها تتصرف بهم كما تريد كالدمى ، و تذكر دائما لأولادها فضل البر ، والبر لا ياتي بالمطالبة ، لأنه عمل اخلاقي وليس حقوقي ومادي ، لأن الشخص الأخلاقي الذي قدم لك معروفا ، ليس من اللائق ان يطالبك بشكره ، بل أنت الذي تطالب نفسك بنفسك ، بدافع من ضميرك وأخلاقك ..
أما ما بين ذلك فيبقى دور الاخلاق و الفضيلة ، كلما تمتع بها الوالدان كلما حظيا بمحبة أكبر من الابناء ..