انتشار سفك الدماء في سوريا / نيويورك تايمز ( مولي كرابابل )
انتشار سفك الدماء في سوريا
نيويورك تايمز ( مولي كرابابل )
طرابلس, لبنان- كنت في طرابلس لرسم وتوثيق أزمة اللاجئين السوريين؛ هذا ما كنت أفعله تماما عندما قابلت سمر. لقد كانت تقف في الطابور من أجل الحصول على قسائم الطعام, إضافة إلى لاجئين آخرين في مكتب زعيم سني محلي. ابنها الصغير, حمد نور, كان يلعب عند قدميها. وكمعظم اللاجئين السوريين, فإنه لا يذهب إلى المدرسة.
قالت لي سمر من خلال مترجم :"إذا أعطونا السلاح, سوف أقاتل في سوريا". ومضت في وصف الرعب الذي تعيشه في هذا الشارع الذي يحمل آثار الرصاص في طرابلس.
زوج سمر كان يعمل في شركة أرز مملوكة للحكومة في حلب, في سوريا. وعندما أبعده خطر القتال عن العمل, أعتقلته قوات الأسد باعتباره منشقا لصالح المتمردين. وتوسلت سمر للشرطة لأخذها هي الأخرى أيضا. وبدلا من ذلك, فقد أحرقوا بيتها أمام عينها. حتى إنها لم تستطع إحضار هويتها الشخصية.
توفى زوج سمر في سجون الأسد, كما أخبرتني سمر. منزل والدتها تعرض للنهب. وقد حمل إخوتها السلاح وانضموا إلى الجيش السوري الحر, وخوفا على سلامتها, قامت أسرة سمر بتهريبها إلى لبنان. وقالت وهي في حالة من الذهول إنها كانت تصلي لكي يطلق النار عليها أثناء عبورها للحدود.
منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا عام 2011, فإن ما يقدر بمليون سوري هربوا إلى لبنان. مخيماتهم المؤقتة تغطي سهل البقاع قرب الحدود. وفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين, فإن في طرابلس وحدها حوالي 227000 لاجئ, وفي المحصلة فإنهم زادوا عدد سكان لبنان بنسبة الثلث.
ولكن رحلة سمر لم تقربها كثير من السلامة والأمن. لبنان مقسمة بسبب الصراع الطائفي وهو ما يعكس الحالة الموجودة في سوريا والتي هربت سمر منها للتو.
كنا في طريقنا إلى طرابلس عندما سمعنا عن التفجير الذي استهدف السفارة الإيرانية في بيروت في 19 نوفمبر. حيث قتل انتحاري 23 شخصا وأصاب 146 آخرين. من خلال التويتر, أعلنت مجموعة مرتبطة بالقاعدة تطلق على نفسها كتائب عبدالله عزام مسئوليتها عن الهجوم. معظم الناس الذين تحدثت معهم افترضوا أن الهجوم حصل بسبب دعم إيران لنظام بشار الأسد في سوريا.
وعندما سمعت في وقت لاحق من ذلك اليوم انفجارا في طرابلس, هربت غريزيا لأقف خلف سيارة مركونة على جانب الطريق. ردة فعلي هذه أثارت موجة عارمة من الضحك من قبل صاحب السيارة. لم نكن في خطر, وقد علمت بعد ذلك أن إثنان وعشرون شيعيا قتلوا ذلك الصباح في حي باب التبانة السني, حيث تعيش سمر, وكان ذلك بسبب احتفالية ألعاب نارية.
في باب التبانة, واجهات المحلات عليها آثار رصاص القناصة. المسلحون السنة المحليون والمقاتلون العلويون من جبل محسن القريب يتبادلون إطلاق النار منذ أن اندلعت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975. وقف إطلاق النار بدأ بعد عام 1990, وذلك على الرغم من الاحتلال الجزئي من قبل القوات السورية الذي بدأ في عهد والد بشار الأسد وتم دعمه من قبل الأقلية العلوية والذي انتهى عام 2005, و ذلك بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري – وهو الاغتيال الذي ألقي فيه اللوم بشكل واسع على سوريا.
هذا السلام الهش تحطم مع انتشار الحرب الأهلية عبر الحدود, حيث تجددت العداوات القديمة. بعد أن غادرت, دعت الحكومة اللبنانية الجيش لبسط سيطرته على طرابلس.
تقول أم حسان وهي امرأة مسنة من مدينة حمص السورية بأننا خلال القتال بين الميليشيات المسلحة "نختبئ في غرفنا". حيث كانت تقف في مسرح مهجور في باب التبانة. المقاعد لا زالت موجودة, ولكنها مكدسة على الأرض مع وجود قمامة متعفنة. وفي المكان الذي كانت فيه الشاشة سابقا نصب القناصة شباكهم.
أم حسان تعيش مع زوجها وابنها في غرفة صغيرة واحدة في المسرح. هذا كل ما كان باستطاعتهم الحصول عليه. ابنها يكسب ما يقرب من 23 دولار أسبوعيا وذلك من خلال عمله في إصلاح المكيفات ولكن إيجار بيتهم يزيد على 30 دولار أمريكي أسبوعيا.
قبل شهرين, أوقفت الأمم المتحدة القسائم الغذائية لجميع اللاجئين الذين يعيشون مع رجل بالغ. في إحدى عواصم البطالة في لبنان, حيث يعيش 57 % من الأسر تحت خط الفقر, يفترض أن يجد الرجال السوريون بطريقة أو بأخرى أن يجدوا عملا.
وأضافت :" كنا نعيش حياة جيدة من قبل. والآن لم نعد نعرف الجيد من السئ وما الذي يمكن أن يحدث في المستقبل". وبالنسبة لمؤتمر جنيف الذي سوف يجري برعاية أممية والمقرر عقدهفي يناير ما بين ممثلين عن الأسد وبعض فصائل المعارضة قالت إنها غير متفائلة. وأضافت:"الله وحده يعرف ما سيحدث. أولئك الذين فقدوا أطفالهم, أتعتقد أنهم سوف يقبلون بذلك؟" .
إذا كانت أم حسان تعيش على خطوط المواجهة في طرابلس, فإن القناص أبو وادي ذو ال 35 عاما ساهم في تشكيل هذه الخطوط. منذ أن كان في العاشرة من عمره, قاتل أبو وادي إلى جانب المسلحين السنة في طرابلس كأولئك الذين يتمركزون في المسرح الذي تعيش فيه أم حسان.
لقد التقيت معه ومع أصدقائه في بيت آمن في باب التبانة. أراني أبو وادي بكل فخر الترسانة التي كان يخفيها تحت الأريكة والتي تتضمن بنادق إم 16 وقنابل يدوية وقنابل محلية الصنع. وقال ضاحكا مثل رامبو :"لقد قتلت ثلاثة علويين بهذه البندقية". ابنه البالغ من العمر 9 سنوات كان يلوح بصاروخ وقاذفة قنابل.
على الرغم من أن أبو وادي ولد في طرابلس, إلا أن علاقاته مع سوريا قوية جدا. فزوجته من حمص وأصهاره يقاتلون مع الجيش السوري الحر. ورفيقه في السلاح, أبو علي, سوري.
قدم أبو وادي لي وللمترجم القهوة. قمت بسحب سجائر نات شيرمان اشتريتها مؤخرا من نيو أورليانز, أوراقهم ذات أوراق صفراء وزرقاء. أبو وادي كان يضع واحدة خلف أذنه. وقال مازحا :" هذه السجائر أمريكية الصنع؟ حسنا سوف نقتل شخصا ما من أجلك من أجل الحصول على علبة".
أراني أبو وادي مقطع فيديو له ولأصدقائه وهم يطلقون النار على حي في طرابلس. وهم يظهرون أنفسهم على أنهم نجوم فيلم دي آي واي. ومن ثم أراني لقطة لجنود سوريين وهم يطلقون النار على سيارة, حيث بدا أنهم قتلوا أسرة كاملة خلا ذلك.
ما لا يقل عن 110000 شخص قتلوا في الحرب الأهلية في سوريا. هنا وكما في كل مكان المقاتلون يمجدون الموت. عبد القادر الصالح كان قائد لواء التوحيد و قاد نصر المتمردين في حلب. رجل الأعمال الذي أنفق مدخرات حياته لتسليح رجاله, كان بمثابة أيقونة للجيش السوري الحر. بعد أن أصيب في ضربة جوية في حلب, تم نقله إلى تركيا. توفي صالح في مستشفى قبل أيام من وصولي إلى طرابلس؛ ونشرت صور استشهاده على التويتر.
هذه الصور تم تأطيرها على الإنستغرام, ولكن الجثث ليس فيها أرواح. هذه الصور تقول, .أنظر ما أجملهم. وكن صالحا مثلهم.
أبو وادي وأصدقاؤه من المسلحين السنة ربما يقتلون جيرانهم في طرابلس لأنهم علويون فقط, ولكنه أراد أن أعرف أنهم ليسوا قتلة. حيث أخبرني :"إننا مطلوبون للجيش لأننا ندافع عن بيوتنا وشرفنا. بشار الأسد وضع متفجرات في طرابلس خلال صلوات الجمعة. في جبل محسن يقولون "يحيا بشار" ونحن نقول "البقاء لله". بكل فخر أخبرني أبو وادي أن ابنه يلقي القنابل الآن في نفس الحي الذي نشأ فيه هو نفسه وهو يقاتل.
بهذه الطريقة فإن الحرب القديمة في طرابلس تشبه الجديدة في سوريا. جميع الأطراف ضحت بالكثير ولا يمكن أن يكون الاستسلام خيارا لها,؛ ليس هناك أي طرف قوي كفاية ليحقق النصر.
بينما الميليشيات تقاتل, كانت سمر تحاول إيجاد عمل. إنها فقيرة جدا بحيث لا تجد إيجار البيت, ولهذا فهي تنام على أرض المسجد. وتقف على صفوف القسائم الغذائية.
سألت سمر ما الذي تحب أن تفعله. فضحكت وقالت :" أي شيء يجعلني أنسى"
|