كان منتدى "هجر" لنا، يوماً، أجمل الواحات في أيامنا القائظة ...
كنّا هناك ثلّة من محبّي الفكر والقلم (أو الكيبورد)، في "ساحة الحوار الأغنى والأثرى" على الانترنت في تلك الأيام.
كنّا في "زمن المنتديات"، وما أدراك ما زمن المنتديات الذي لم يتبق منه اليوم إلا أرضاً بلقعا، وقاعاً صفصفاً. فألف رحمة على تلك الأيام ...
وقعت قبل قليل على موضوع لي أثار الكثير من اللغط في "هجر" رغم أن أول ظهور له في "نادي الفكر العربي" عندما كان ما يزال صفحة في موقع "آرابيا" سنة 2001. وأعتقد بأن هذا الموضوع نفسه موجود هنا في "النادي" ولكني لن أبحث عنه، فكل قصدي من هذا الموضوع هو تذكر "أيامنا في هجر" وتجديد ذكرى ما "أبدعناه" (جميعاً ) هناك، ولا يهم بعد ذلك إن كنت قد نقلت موضوعاً أو اثنين إلى هنا أم لم أفعل. فالمقصود هو "الذكرى" وليس مناقشة المحتوى الذي أشبع نقاشاً في أيام خوال.
بقيت ملاحظة مفادها أن موضوع "أحلم بإله آخر .." بالذات، كنت أتوقّع له أن يختفي من "هجر" بسرعة نفاذه إليها، "فهجر" مهما كانت تبقى واحة حوار "إسلامية"، ولكن - لأمر ما - تجاهل الرقيب هذا الموضوع وأبقاه.
----
أحلم بإله آخر ...
إله يقود النهر إلى مصبه، ويعبث ببتلات الورد في الصباح فيزيدها انتعاشاً وألقا ...
إله أراه في صمت الجبال، وفي اتساع الصحراء وفي خرير ماء عذب يتدفق من نبع جبلي بكر ...
إله يأخذ بيد الإنسان دون أي فضل ومنة ... يبلسم جراحه ويضع يداً رفيقة رقيقة على كتفه مربتاً عليها ..
إله مثل نور الشمس ... يجلبب خدود التفاح في أيار ويبعث فيها عزيمة النضوج والعطاء ...
إله مثل ذكرى وطن، ينبجس صفاء وحنيناً في نفس مغتربة ملتاعة ولا يتركها إلا بعد أن يغمرها بدفق حنانه...
أريد إلهاً من "طينة" أخرى ... فلقد تعبت من "رب القوات" و"رب الجنود" التوراتي العصبي المزاج ....
إله التوراة فظ، جلف، عنيف، متآمر، عنصري يسكر على دم "أعداء شعبه" حتى لا يستفيق ... إله لا يرضيه إلا أن يضرب عبده "مدن كنعان الجنوبية" بحد السيف ولا يبقي منها باقياً (سفر يشوع 10، 28-39) ...
أريد إلهاً آخر ... إله لا يحتاج مريدوه إلى أن يصلوا نسبه "بداود" أو بغير "داود" .. إله ليس بحاجة لألف معجزة وأسطورة وخزعبلة كي تثبت ألوهيته .. إله ليس له حاجة أن يتعذب وأن يموت وأن يحيا كي يريحنا من سخافة اسمها "الخطيئة الأصلية" ...
أريد إلهاً آخر ... إله لا "يمكر" ولا "يكيد" ولا يدمر مدينة بعد أن "يحق عليها القول" ... إله لا تشغله "الخنازير والخمور" .... ولا يتعب نفسه في تحديد حق المرأة من الميراث ...
أريد إلهاً آخر ... لا يحفل بالمراسيم والطقوس، وليس همه "ركوع الانسان وانحناؤه " على مذابحه وفي محاريبه ...
تعبت من الإله الجبار العنيد، ووعده ووعيده ومصادرته لعالمي ودنياي ...
تعبت من تشبثه بحقوق الطاعة والخنوع والركوع والصلاة بكرة وعشيا ....
تعبت من تدقيقاته وقيوده ووعوده ووعيده ... تعبت وعيل صبري ...
يخلقني نهباً للتعب والأرق والألم والمرض والموت .... ثم يريد أن يحاسبني ويخلدني في الجنة أو في النار ... فهل يحق له الحساب أم لي عما جنت يداه بحقي ؟؟
تعبت من هذا الخالق الغريب العجيب الذي يعطيني عقلاً ثم يصفعه بما يتحفني به من شرائع وأنبياء ومرسلين ...
تعبت ... مللت .. ضجرت ... وأحلم بإله آخر ...
أحلم بإله في عالمي يكون له لطافة الروح في الجسد ... وانتشار الحرارة في جيوب القلب ...
أحلم بإله يأخذ بيدي دون أن أحس تارة ودون أن أجرؤ على التنكر له تارة أخرى ... إله حب وعطاء وخير يسري في حياتي سريان الاطمئنان في قلب زاهد ...
أحلم بإله آخر ..
إله يسكنني كما يسكن المعنى القول ...
إله يستقطب سريرتي كحلم الحرية في عيني سجين هارب .. وعندما أضع رأسي على مخدتي في الهزيع المتأخر من الليل أحس كفوفه تداعب جبيني وتدثرني بهدوء سرمدي ...
إله .... غير آلهة "الأديان السماوية " كلها ... وأكثر منها رحمة وعدلاً وإنصافاً وعطاء ومحبة ...
واسلموا لي
العلماني
رابط "لهجر":
http://hajrcom.com/hajrvb/showthread.php?t=32536