لا تتعدى وظيفة العملية التدريسية في عالم العروبة والإسلام مستوى التلقين.لقد جُعلت أصلا لتلعب دور التأحيد والاستنساخ، لتخريج رعايا غير قادرين على التحليل والمناقشة أو التفكير المستقل. يبدأ التلميذ مجرد متلق وينتهي منفذا جيدا في أغلب الأحيان."إن الكفار جبناء، إذا هاجمتهم ترتعد فرائسهم رعبا، ينبغي على كل طالب أن يكون مجاهدا في سبيل الله"، هذا ما نقرأ في كتاب الأوردية الموجه لتلاميذ المدارس الدينية الذين لا تتعدى أعمارهم السبع سنوات في باكستان. وفي الجزائر التي اكتوت بنار الإيمان المسلح، ما زال الكتاب المدرسي يعج بنصوص أدبية لا تدعو سوى للتطرف و ممارسة العنف بكل أشكاله. متى تكف المدرسة عن تقديم العنف كقيمة ثقافية وأخلاقية؟ متى ينتهي البحث عن الأبطال بدل البحث عن المؤسسات التي تضمن العدل؟
لا يفرق أغلب المربين في بلدان الإسلام بين تثقيف العقول وفتحها وتجنيد الأرواح واستنفارها. تقوم المدرسة بدور امتدادي للدين لا غير. لا يمكن أن يخرج الإنسان حرا من هذه المدرسة إلا نادرا، فمن الصعوبة بمكان أن يتحرر من فخ التصديق والتسليم ثم الرضوخ.ولا يمكنه أن يتجاوز بسهولة أنشودة " نحن الأخيار وغيرنا الأشرار". يقول الفيلسوف برتراند راسل"يولد الإنسان جاهلا، وليس غبيا،والتربية هي التي تزرع فيه الغباء".مدارسنا تنمي التعصب ضد كل من يحمل أفكارا مغايرة للدين و تكوّن شعورا عدائيا تجاه الغرب واليهود والهندوس وكل من لا يشهد بالشهادتين.تزرع في ذهن التلاميذ أن اليهود والغربيين والملحدين...يخططون لنسف الإسلام وعليهم واجب الوقوف للدفاع عنه.
مازالت هذه المدرسة مصنعا لانفصام الشخصية، ومازال المعلم يردد فيها على مسامع الصغار أنهم خير أمة أخرجت للناس بينما يبّين لهم الواقع في كل لحظة أنهم ينتمون إلى أمة من أضعف أمم الأرض !
يطلب كتاب مدرسي رسمي، مقرر في دولة بترولية، من تلاميذ السنة أولى تكميلي،أن يكرهوا في الله! تدرس الكراهية تجاه الآخرين في المدارس والجامعات التي تشرف عليها الدول وتضع برامجها الوزارات. يقول جامعي جزائري لمراسل جريدة لوموند، لو استولت الجبهة الإسلامية للإنقاذ على الحكم في الجزائر، لمَا غيّرت فاصلة واحدة في مناهج التعليم، مؤكدا أصولية المدرسة في هذا البلد قبل ميلاد ذلك الحزب العنيف وبعد. وفي انتظار مدرسة عربية متفتحة على الدنيا وما فيها من غنى و تنوع، يبقى غسل مخ الأجيال الصاعدة مستمرا عبر تعليم ديني في جوهره،معاد للسلم في عمومه، تبرر التربية الإسلامية من خلاله دونية المرأة وتُرسخ في أذهان النشء ضلال غير المسلم مهما علت به الروح وسمت به الأخلاق. في نوفمبر2005 حكم على معلم سعودي بالسجن و 750 جلدة لأنه تحدث إيجابيا عن اليهود و'العهد الجديد'، ولم يتم العفو عنه إلا تحت ضغط تدخلات خارجية. أما علي متولي، الباحث في 'جامعة' الأزهر، فقد أمضى في السجن ثلاث سنوات، لا لشيء سوى أنه أجاز زواج المسلمة من اليهودي والمسيحي.
يعترف وزير التربية والتعليم الجزائري علنا سنة 2004 أن أكثر من 85% من معلمي المرحلة الابتدائية و60% من أساتذة المرحلة الثانوية غير متحصلين على شهادة البكالوريا.. وهكذا تتغذى المنظومة التربوية من الفضلات التي تفرزها!كيف يمكن تفسير وجود ذلك العدد الفضائحي من الأميين في الجزائر بعد أكثر من أربعين سنة من استقلالها؟ تشير الإحصائيات إلى ما يقارب الـ10 مليون محروم من لذة القراءة والكتابة، تترواح أعمارهم ما بين 7 و 45 سنة .
باسم العروبة والإسلام همش النظام في الجزائر المربين ذوي الخبرات والمكونين في معاهد تكوين المعلمين الفرنسية واستبدلهم 'بطالبان' قدموا من المدارس القرآنية. فلم يفرق القوم بين التعريب والأسلمة وراحوا ينشرون ما يعرفون : نظرة ضيقة للدين والدنيا معا. لا تتسع دائرة الحرية إلا بالفلسفة والعلم. وقد تم خلال ثلاث عشريات النزول بالمدرسة الجزائرية إلى مستوى الكُتّاب. لا علم ولا فلسفة ولا هم يفكرون..أصبحت تحشي عقول الناشئة بالأحكام المسبقة،وبما أن تفكيك الذرة أسهل من تحطيم الحكم المسبق كما يقول اينشتاين، تحولت المدرسة في نهاية الأمر إلى منشأة دعوية تحترف التزييف وتشميع العقول. ما زال بعض الأساتذة يسيرون على ما ذهب إليه ابن حوقل حين جعل من ديار العرب مركز الكرة الأرضية،لكونها تضم مكة والكعبة والمدينة!
لا يطالب الإسلاميون اليوم سوى بتطبيق ما تعلموه في المدرسة سابقا، ألا يؤكد كتاب الفلسفة المقرر في الجزائر لطلاب الباكالوريا أن النظام الإسلامي هو الأرقى والأمثل في الحكم؟ وفي الجزائر دائما، يرفض وزير شؤونها الدينية الأسبق (اسم على غير مسمى: الشؤون الإسلامية تحديدا)، عبد الرحمن شيبان، حصر الدين بين العبد وربه وينعت من يطالبون بذلك بالتغريبين. كيف يمكن ادعاء محاربة الإرهابيين الإسلاميين،عندما يؤكد لهم رئيس جمعية العلماء المسلمين السالف الذكر وغيره من الذين يعتبرون أنقسم مُربين ''صلاحية الإسلام لكل زمان و مكان'' و '' أن إصلاح المسلمين هو بفقههم الإسلام وعملهم به''. (جريدة الخبر الجزائرية 4ـ03ـ2008 ؟
ألا يهدف الإسلاميون المتعسكرون في الجبال إلى تطبيق ما يدعو إليه المشايخ والوزراء والرؤساء والسلاطين وما يلوكه أغلب المعلمين وما يدافع عنه عامة المضحوك عليهم
حميد زناز
http://www.alawan.org/?page=articles&o...;article_id=297