{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
محنة التنوير بين ميشيل فوكو وإمانويل كانط
سيناتور غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,957
الانضمام: Mar 2007
مشاركة: #1
محنة التنوير بين ميشيل فوكو وإمانويل كانط
محنة التنوير بين ميشيل فوكو وإمانويل كانط



بقلم: د. رسول محمد رسول

يحفل الخطاب الفلسفي الغربي أبداً بطرح أسئلته المصيرية وهو يستند في ذلك إلى ارثه السقراطي, لكنه في الوقت ذاته يحدد روح السؤال بحسب مقتضيات العصر, هكذا كان السؤال الديكارتي وبعده الكانطي والقائمة تطول..., فالسؤال جوهر الإبداع والثقافة التي لا تحفل بالسؤال المصيري هي على الدوام ثقافة تحفر قبرها بيدها!

في حدود الثقافة الغربية منتصف القرن الثامن عشر, كان الفيلسوف أنموذج المثقف اللامع, واليه كانت الأسئلة تأخذ طريقها المباشر: ما هي الأنوار؟ كان السؤال الذي وجهته (شهرية برلين) عام 1787 إلى فلاسفة عدة, وكان من بينهم الفيلسوف الألماني الكبير امانويل كانط, الذي كانت إجابته غاية في العمق والدهشة والمغايرة, ولا غرابة في الأمر, فهو الذي سأل الفهم البشري عن حدوده, وسأل العقل الإنساني عن ممكناته, وبالمرة انه مؤلف كتاب (نقد العقل المحض)!

كانت إجابة (كانط) مختصرة إلى حد ما, ويرى البعض أنها غامضة بعض الشيء, مع ذلك كان موقف كانط من الأنوار, أو حركة التنوير, واضحاً, فهذه الحركة (ليست عصرا للعالم ننتمي إليه, ولا حدثا ندرك علاماته, ولا حتى بداية لإنجاز), والواضح هنا لغة النفي عما هو معتاد من التصور حول التنوير, فالنفي يطاله بما ليس (عصراً) أو (حدثاً) أو (علامة), فماذا إذن بشأن التنوير..؟

لقد كان كانط قد بحث في التاريخ, وفي فلسفته, وأكد فيهما مقولات عدة, مثل: الأصل والقصدية في التاريخ, لكن إجابته عن سؤال التنوير كانت قد تجاوزت ذلك إلى فضاء آخر دونما انطلاق من رسم فكري قبلي, بل حتى رؤيته المستقبلية كانت مقفلة الآفاق ومحسومة المسارات, على العكس من ذلك, كان يكرس بحثه عن قيمة الآن..

وقيمة الحدث الراهن, ليس هذا فحسب إنما راح يبحث عن الاختلاف, اختلاف ما يكرسه الآن.. والراهن, وهنا تكمن استبصارات ميشيل فوكو, الفيلسوف الفرنسي الذي داهم مناطق معرفية لم تكن مأهولة النظر من ذي قبل, على أساس آليات بحث جديدة قوامها الحفر في طبقات المعنى وطبقات النص الذي يتضمن هذه الطبقات كــ (ممكنات تأويلية) فضلا عن (ممكناتها الدلالية) المباشرة.

إن الاختلاف هو المعنى المضمر الذي ظل فوكو يبحث عنه في نص كانط (ما هي الأنوار؟), وهنا آصرة الارتباط بين فيلسوفين يبدوان متباعدين زمنيا رغم ارتباطهما الجوهري في خطاب فلسفي لافت للنظر.

من البديهي أن مشروع ميشيل فوكو الفلسفي هو تكريس لآصرة النظرة الواقعية إلى معطيات الحاضر, بل أكثر من ذلك انه تمثيل استقرائي للمسكوت عنه.. في هذا الواقع وما يشي به من مضمرات ومقموعات سوسيولوجية وأخرى سياسية, هذا الانهمام بـ (اللامفكر فيه) ظل ديدن فوكو في سعيه التأويلي وهو يقرأ نصوص إرثه الفلسفي المتوارث إليه عن كانط وأتباعه, أي: هيدجر ونيتشه وغدامر وهابرماز.. الخ, إلا أن ولع فوكو بكيفيات معالجة الفلاسفة للمسائل التي اهتموا بها, كان يتقدم اهتمامه الفلسفي بهم, لذلك نلاحظ الفيلسوف الفرنسي وهو يحفر في نص كانط الآنف الذكر.. يركز على (الكيفية التي عالج بها كانط الحاضر أو الآن معالجة فلسفية).

وقد ذكرنا قبل قليل أن الفيلسوف الألماني ينظر إلى الأنوار, أو التنوير كونه: طاقة سلبية تسلب الحاضر أو الآن رتابتهما, أو مراوحتهما غير الايجابية, بمعنى أن التنوير لا يبدو كانطياً إلا كـ (خروج) أو (منفذ) من حالة ما خافتة وضئيلة في فاعليتها على أن هذا الخروج أو رديفه الذي يميز الأنوار هو صيرورة تخرجنا من حالة القصور, وهو حالة معينة لإرادتنا تسمح لنا بقبول وصاية شخص آخر من أجل توجيهها في ميادين يكون من الأفضل أن نستعمل فيها العقل.

إن رؤية فوكو هنا في قراءته لنص كانط تذكرنا على الفور بالعبارة الشائعة عن فوكو كونه الفيلسوف الذي أعاد التدوين النقدي لمفهوم السلطة بعد أن وسعها لتكون عامة مبثوثة في ثناينا وطبقات الوجود والموجود على السواء, فهو يلاحق جذوة السلطة في نص كانط علانية وعلاقاتها القبلية أو السلفية حين يعد الأنوار مرهونة بــ (تغير العلاقة الموجودة سلفا بين الإرادة والسلطات واستخدام العقل!).

يرمي فوكو باللائمة على نص كانط كونه غامضاً, فالخروج من حالة القصور قدم من طرف الفيلسوف الألماني بشكل مبهم, إذ يتأرجح كانط بين معنيين للأنوار, فهو يقدمه مرة أخرى كمهمة يجب القيام بها كونها ضرورة. في منهجه الحفري (الأركيولوجي) الساعي وراء السلطة باحثاً عن ظهورها يواصل فيلسوف الجنون والعقاب وأنظمة الخطاب قراءته لنص فيلسوف الأنوار كانط, وهذا الأخير جعل من فعل التنوير مناشطة مزدوجة الأداء,

فهي أداء فردي, من جهة, وأداء جماعي من جهة أخرى, وكل ذلك يتم في ضوء مقولة كانط (أجرؤ على استخدام فهمك الخاص..) لكأن الإشكالية هي إشكالية الفهم أولاً وأخيراً, وبالفعل إن الامر لا يعدو أن يكون فهما, لكن كانط يدعم هذه المقولة بأخرى ومنطوقها هو: (فلتكن لديك الشجاعة والجرأة للمعرفة..), وهكذا تقترن إرادة المعرفة بالفهم, فالفرد الفاهم, وكذا مجموع الأفراد هم مساهمون رغم انتمائهم في والى الحدث, أو سيرورة الآن, وغاية كانط من هذه التصورات هو التوصل إلى صياغة للأنوار تعني به: تغيرا تاريخياً يمس الوجود السياسي والاجتماعي لكل البشر على وجه الأرض, ولكن يجب أن نأخذ الأمور بحسب حذر محدد يراه كانط مناسباً, فلابد من التمييز جيدا بين ما يرجع إلى الطاعة والخضوع وبين ما يرجع إلى استعمال العقل وهنا تدمير كانطي لسلطة الإذعان يحبذه كانط ويسعد به فوكو, إلا أن هذا يتطلب توضيحاً آخر,

فالسلطة تمارس شأوها عبر أوهام عدة حاول كانط تقويضها داخل الفهم والعقل البشريين, فمن المعروف أن كانط يميز بين استعمالين للعقل البشري, استعمال خاص والآخر عام.., والإنسان يستعمل الأول حين يقوم بأداء مهمة ضمن جهاز إداري, أو ما أشبه ضمن وضعية متعارف عليها تملي على هذا الإنسان التماهي مع إرادة الجهاز, أو المؤسسة, وكانط يطلب من الإنسان الذي يستعمل عقله الخاص أن يتكيف بطريقة أو بأخرى للتخلص من سلطة المؤسسة أو الجهاز وإرادة القسر فيهما, أي اللجوء إلى الاستعمال الحر للعقل الخاص, وذلك حينما يكون الإنسان مفكراً ككائن حر ضمن استعمال حر للعقل, وهو الذي يتماهى مع مفهوم الإنسانية المفكرة والتنوير يتحقق عندما يكون هناك تطابق للاستعمال الكوني الحر مع الاستعمال العمومي للعقل.

واضح هنا نبذ كانط للسلطة, سلطة الاستعمال الخاص للعقل تحت قوى صادرة للحرية سوى حرية الأداء وتقنياته المحدودة, وقد يكون الارتكان إلى استعمال العقل العمومي هو بحد ذاته سلطة, إذ ينبذ فوكو كل أشكال السلطة في الوجود, إلا أن كانط تدارك الأمر حين قرن هذا الاستعمال العمومي بالحرية وهنا يثير فوكو السؤال على النص الكانطي, فكيف نضمن الاستعمال العمومي للعقل, أي كيف يمكن للاستعمال العمومي للعقل أن يأخذ شكلا عمومياً خاصاً به؟؟

على وجه السرعة يشير فوكو إلى اقتراح كانط, الذي يفترض نوعا من التعاقد اللامصرّح به, أو ما يمكن تسميته بــ (تعاقد الاستبداد العقلاني مع العقل الحر), حيث سيكون الاستعمال العمومي والحر للعقل المستعمل هو أحسن ضمانة للطاعة, بشرط أن يكون المبدأ السياسي, الذي سوف يتم الخضوع له مطابقا للعقل الكوني, ودون أن يعلق فوكو على هذا المقترح الكانطي نلاحظ كيف تندّس الميتافيزياء مرة أخرى إلى نص كانط ذاته, وهو الذي حاول ساعياً تقويض أوهامها,

وذلك حين نجد كانط يعود إلى تصور المطابقة! ومع ذلك لا يرى الفيلسوف الفرنسي في هذا الموضوع وصفاً وافياً للأنوار! إلا أنه يقترح فرضية تتعلق بهذا النص, وهي أن الأخير ـ أي النص ـ يوجد بشكل ما في نقطة التقاء التفكير النقدي حول التاريخ, هذا الالتقاء الذي ليس إلا تفكير كانط في آنية مشروعة, صحيح أنها ليست المرة الأولى التي يعطي فيها فيلسوف ما أسباب شروعه في عمله أثناء هذه اللحظة, أو تلك, ولكن يبدو لي ـ والقول لفوكو ـ أنها مرة أولى يوجد فيلسوف يربط بشكل وثيق وعميق دلالة عمله مع المعرفة من جهة والتفكير حول التاريخ من جهة ثانية, وتحليله الخاص للحظة التي يكتب فيها, ولماذا يكتب فيها من جهة ثالثة, ويبدو لي أن التفكير في (الآن) كاختلاف داخل التاريخ وكدافع نحو مهمة فلسفية خاصة هو الجديد الذي يحمله هذا النص, كما يبدو لي أن التعامل معه بهذا الشكل يمكن أن نجد فيه نقطة انطلاق أو إرهاصاً لما يمكن تسميته بموقف الحداثة.

إن حوار فوكو مع كانط هو أنموذج لجدلية العقل التواصلي الغربي مع بعضه البعض, ومع ذلك نلاحظ كيفية قراءة فوكو لنص كانط القائمة أساسا على ملاحقة السلطة أينما تكون, وهو مشروع فوكو أينما كان وفي أي عمل كتبه.., والسؤال غالباً ما يعيد كيانه بالنسبة لنا, فكيف لنا أيضا أن نكشف عن معطيات التواصل النقدي فيه؟ انه بلا شك موضوع آخر.

http://www.assuaal.com/essies/essies.58.htm




03-10-2008, 06:00 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  المياتافيزيقا بعيون كانط رشيد عوبدة 9 2,781 08-21-2011, 01:34 PM
آخر رد: Kairos
  الواقع الفيزيائي بين كانط ولابلاص مصطفى قشوح 0 1,517 05-06-2011, 03:38 PM
آخر رد: مصطفى قشوح
  كانط في فضاء هابرماس لايبنتز 1 1,625 03-20-2008, 07:34 PM
آخر رد: لايبنتز
  منزلة كانط في مدرسة فرانكفورت لايبنتز 5 3,543 03-13-2008, 06:36 PM
آخر رد: لايبنتز
  ما هو التنوير؟ لايبنتز 2 1,901 03-10-2008, 05:46 PM
آخر رد: سيناتور

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS