{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
منزلة كانط في مدرسة فرانكفورت
لايبنتز غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 409
الانضمام: Jun 2007
مشاركة: #1
منزلة كانط في مدرسة فرانكفورت
محسن الخوني



قـد ينشـدّ فكرنا دوما –ونحـن منغمسون في الإطلاع على النّصوص الفلسفية المنتمية إلى مـذاهب وتيـارات شتـّى- إلى البحث عن الشّروخ التي تسمح بالخروج من انغلاق الأنساق وعن الكيفية التي ينشأ فيها فكر ويبحث عن نفسه بحركة متوتّرة ومتعثّرة أحيانا أو ملهمة وثابتة أحيانا أخرى. وفي خضمّ ذلك قـد يلقى الـواحد مـنا متعة عقلية في متابعة كيفية انتظام فكر وتهيكله عبر إنشائه لحوار مع نفسه ومع غيره. ولمـا كانت الحقيقة هي ديـدن المتفلسفين فإن المقحـم لنفسه في هذا الصنف من التفكيـر يشهـد لديـه نشأة شعـور مفاده أنّ البحث عن الحقيقة يتطلّب مغامرة ومثابرة، مغامرة لأنّ ليس كلّ باحث عن الحقيقة بواجد لها، ومثابرة لأنّ جهد البحث ومعاناته أبلغ تعبيرا عن هويّتنا الفلسفيّة.

إن انطباعا مثـل هـذا حـريّ بأن يحصـل لمـن يتتبـّع أثـر كــانط في فلسـفة مـدرسة فرانكفورت.


أهمية طـرفي العلاقــــــة


ولكـن قبل الخوض في هذه العلاقة وفي محتواها سنفرد كلمة حول كـل طـرف من هـذه العلاقة.

فمدرسة فرانكفورت [ وهي التّسمية التي تطلق على ما كان يسمّى بمركز البحوث الاجتماعية والذي تأسّس في جامعة فرانكفورت سـ1923ـنة] بإنشائها للنّظرية النّقدية وبتركها لنا كمّا هائلا من الكتابات تزجّ بنا زجّا في الإحراجات الجوهرية التي تخترق العقلانية الحديثة والمعاصرة.ودون ادعاء بأنها الفلسفة الوحيدة القادرة على تبصيـر وعينا بمفارقات الحقبـة التاريخية وانسداداتها التي لا زلنا نحيا في ضلها يمكـن الجـزم بأنها معبـر ضـروري في سبيل تجذيــر هذا الوعي خصـوصا بالنسبة لنا نحـن بوصفنا جـزءا من البشريـة ينـوء بأعباء تزداد أثقالها يوما بعد يوم.

أمـّا كانط فهو الفيلسوف الذي لم يكفّ الفكر الفلسفي عن محاورته وذلك منذ حياته. بل هو الفيلسوف الذّي لازال العديد من مفكّري عصرنا يستوحون أفكارهم الأساسية من فلسفته. ويمـكن أن نلقي الآن، ونحـن واقفون على أعقاب المئوية الثانية بعـد وفاة فيلسوف كونكسبورغ، نظـرة خـاطفة على التيارات الفلسفية التي نشأت من خلال حوار مباشـر يبني مع فلسفة كـانط علاقـة من الـداخل مثـل فلسفة فيشته أو مدرسة ماربورغ المسماة بالكانطية الجديدة {فلسفة كوهان وكاسيرار} أو فلسفة كارل أوتّو آبل الذي أعـاد بناء فلسفة كانط مستفيدا بالمستجـدّات على الساحـة الفلسفيـة خـلال القرنين الماضيين2. ومن بين الفلسفات التي أرادت لنفسها أن تتموقع، من منطلـق نسقي أو معادي للنسق، يمكن لنا ذكـر أسمـاء هيقل ونيتشة وهايدقار والوضعيين والهرمنوطيقيين والتاريخويين وفلاسفـة اللغـة.


أهمية العلاقــة في ذاتـــها


صحيح إن ما ذكـرناه خلال هذه النبذة لا يبـرر مـوضوع مقالنا لذلك لا بـد ّ من طـرح السؤال المتعـلق به وهـو: لماذا كانط ضمن مدرسة فرانكفورت؟

إنّ الإجـابة عن هذا السؤال ليست بالأمـر العسيـر لأن هذه المدرسة لم تنغلق في مذهبية حزبية ضيّقة بل نشأت في شكل مؤسّسة أكاديمية شدّدت على طابع البحث وذلك رغم انتمائها منذ نشأتها إلى الماركسية مع مديرها الأوّل غــرونبارغGRUNBERG ووفقا لرغبة مؤسّسها المالي، الثـريّ Felix Weil. وقد دفعتها خاصية كونها مركـز بحث ،منذ البداية، إلى ربط صلة وثيقة بالفلسفة المثالية الألمانية.

وقـد تعلق الربـط منذ الكتابات الأولى بفلسفتي كانط وهيقل إذ مثّل فيلسوف الروح المطلق في نظر هوركهايمر منذ ألقى درسه الافتتاحي سـ1931ـنة والذي رسم فيه برنامج البحث في المركز مرجع المشروع النّظري للفلسفة الاجتماعية لمدرسة فرانكفورت.

ويـعدّ تنزيل هيقل في هذا المقام الرفيع من المرجعيات النظرية للفلسفة الاجتماعية حصرا للمـرجعية الكانطية في ما يمكـن تسميته « حقبة ما قبل تاريخ النّظرية النّقدية ».

ولكن اختلافا مع هذا الاستنتاج الأوّلي والذي يأخذ الأمـور ببـداياتها يمكـن التأكيـد علـى أن فلسفة كانط تحضى بمكانة أهمّ بكثير ممّـا يبدو سائدا في القراءات المتأثّرة بالرّؤية الهيقليّة.4

فعلا لقد احتلّت فلسفة كانط مكانة متميّزة لدى فلاسفة النّظرية النّقدية [ونعني بالذّات ماكس هوركهايمر وادورنو وماركوز وهابرماس] وذلك خلال مراحل بنائها وتطـوّرها وإعـادة بنائها. وهذا خلافا للسّائد من القراءات وأعني بالخصوص تلك التي تغفل هذا المعـطى الحاسم فـي تاريخ النّظرية النّقدية.

إن الـدفاع عن وجـود دور جوهري لعبته الفلسفة النقدية في النظـرية النقدية ماضيا وحـاضرا يتعارض مع موقف شائع بين الشّراح الذين يعدونّ مدرسة فرانكفورت إحدى تفريعات الماركسية. هذا الموقف الذي نجده لدى العديد من مؤرّخي الفلسفة إنّما يستند إلى عدّة نصوص ومواقف صريحة لمنظّري مدرسة فرانكفورت. ولكن تكتنفه صعوبة تكمن، في نظرنا، في كونه يهمل نصوصا أخرى ومواقف لنفس المنظّرين تكشف عن صورة ثانية لكانط وتنسّب الموقف منه، لأنّها تحمل شهادة على أن نظرة فلاسفة مدرسة فرانكفورت لكانط لم تكن واحدة أو أحادية الجانب أو جاهزة. وهذا ما يسمح لنا بتناول مفهوم المنزلة بالمعاني الموالية: فالبحث عن منزلة كانط في فلسفة مدرسة فرانكفورت هو تساؤل عن موضع النّزول وعن الرّتبة والدّور.


معاني المنــزلة


وعلى هذا الأساس يتجـه معنى البحث في المنزلة، في مرحلة أولى، نحـو تقصـّي موضع أو مواضع نزول فلسفة كانط في كتابات مدرسة فرانكفورت. إن تـوجيه البحث في هذا المسار يكون على غاية من الأهمية لو لازمـه حرص على أن لا يكون تتبـّع موضع نزول كانط في كتابات منظّري المدرسة مجرّد إحصاء باهت للنصوص التي ورد فيها تناول الفلسفة الكانطية دون تساؤل عن الخلفيات والسياقات والرهانات المصـاحبة لتلك النصوص. إن عملا مثل هذا قادر على تقصّي هذه المكانة وتحديد علاقتها بالنّظرية النّقدية وعلى البحث في جوانبها الإيجابية والسّلبيّة.

أما الـمعنى الثاني للمنزلة فهو الرتبة. ويمكن لنا صياغة السؤال المتعلق بذلك المعنى على النحـو التالي: ما هي مرتبة فلسفة كـانط في كتابات منظري مدرسة فرانكفورت؟ هل هي في صـدارة الفلسفات التي أثـّـرت في صياغة النظرية النقـديـة وفي تطـوّرها أم أنها تحـتل مكانـة ثانويـــّة؟ والإجـابة الفورية على هذا السؤال تنطلق من التنبيه إلى الدور الهام الذي لعبتـه فلسفة كانط في تحديد مصيـر كـل الفلسفة الحديثـة والمعاصرة ولا نستثني من ذلك الفلسفات المدافعة عليها والمعارضة لها. أما الإجابة الثانية فهي لا تنكـر الأولى بل تؤكـّد تزايد أهمية فلسفة كانط بالنسبة لمنظري المدرسة. فالمقارنة البسيطـة بين الكتابات الأولى والكتابات المتأخـرة تظـهر للعيان مدى تعاظم منزلة كانط في النظرية النقدية7. أما لو نظـرنا للمسألة من زاوية المسار النظري ليورقن هابرمـاس فإننا نجـده ،منذ كتابة المعرفة والمصلحة إلى كتابة الحـق والديمقراطية، ثابتا على إيلاء كانط المنزلة العليا في إعادة صياغة النظرية النقدية8.

وفهم المنزلة في مرحلة ثالثة بمعنى الــدّور يوجه البحث في سبيل تقصـّي الـدّور النّظري والمنهجيّ الذي لعبته الكانطية خلال مختلف مراحل تاريخ النّظرية النّقدية. وليس أدل على ذلك من منهج النقـد الذي أصبح منذ كـانط السبيل الوحـيد الباقي مفتـوحا أمـام الفلسفة9

وفعلا إن عودة منظري مدرسة فرانكفورت إلى الفلسفة بوصفها نقدا وبوصفها أيضا إطارا جامعا للمعارف تمثل مواصلة للمشروع النقدي الذي انطلق مع كانط وتجذيرا له. فقد نقل كـانط النقـد من عمــل مهمتـه تفحـص صحـة الآثار وأصالتهـا إلى عمل يهتم أولا وقبل كـل شيء بتفحص الأداة-الذات التي هي أساس أو شرط إمكان كل علم وعمل وأمـل10 . ومن كـونه منهجـا لدراسـة النصوص الدينيـة أو على الأصح النصـوص الفنيـة إلى نقد الذات وهي الآلـة التي تجعـل كـل الإنتاجات ممكنـة من فـن وعلم وفلسفة... وبذلك تحـول مجال ممارسة منهج النقد إلى الميتافيزيقا التي بقيت ساحـة قتال بين المذاهب ولم يكتب فيها النصـر لأحـد إلى حـدّ عصـر كانط مثلما يؤكـّد هـو ذلك في مقدمة الطبعة الثانية لنقـد العقل المحـض11. ومن نقـد العقل وفق براديقم الوعي الذاتي إلى نقد الأسس الاجتماعية التي جعلت الوعي الذاتي ممكنا.تلك هي حركـة التجذير التي سار فيها فلاسفة النظرية النقدية على إثـر ماركس الذي لا يفهم النقـد لديه دون ربطـه بجذوره في الفلسفـة الكـانطية12.

كما يمكن أن يختلف البحث في منزلة كانط في النظرية النقدية عن الدّراسات التي تقدّم النّظرية النّقدية من أحد المنطلقين التّاليين:

الإقتصار على يورقن هابرماس عند الحديث عن النّظرية النّقدية وكأنّه الوحيد الذي يمثّلها. أو الاطلال على ماضي النّظرية النّقدية عبر الآفاق التي فتحتها فلسفة هابرماس. إذ يبدو دون أن نـدخل في عرض هذه الأفكـار أو مجادلتها أنّ هذه الأعمال تنقصها نظرة تاريخيّة تستبصر تاريخ النّظرية النّقدية منذ تكوّنها وتُتابع تطوراتها اللاّحقة. فقسط هام ممّا كتبه هابرماس منذ كـان المساعـد لأدورنو في مهنـة التدريس وإلى حـد كتاباته الأخيرة يفهم على شكـل أفضـل لما نربطـه بما كتبه المنظّرون الأوائل وهذا ينطبق أيضا على العلاقة التي أنشأها مع الفلسفة النّقدية13.

وفي هذا السّياق يصبـح من غير الجائز أن نقول إنّ اعتماد هابرماس على كانط في إعادة بناء نظريّة المعرفة تحوّل جذريّ في تاريخ النّظرية النّقدية من النّموذج الهيقلي إلى النّموذج الكانطي. فالنّموذج النّقدي الكانطي كان حاضرا باستمرار في الأعمال الكبرى والأولى لمنظّري مدرسة فرانكفورت وحضوره كان متطوّرا وذا أدوار متغيّرة. ولم يتمّ إقصاء كانط حتّى في فترة النّشأة حين جثمت الهيقلية والماركسية على فكر المدرسة.

ولكن الباحث المتفحـص لمنزلة كانط في تاريخ مدرسة فرانكفورت قد يقـف منذ البداية أمام الخيارين التّاليين:

1-تحديد صورة لكانط يُعلّـق بها بحثه ثم يتقصّى حضورها بصفتها تلك في النّظرية النّقدية. فتاريخ الفلسفة لم يترك لنا صـورة واحدة لكانط بل إن هذا الفيلسوف نفسـه متعدد الأبعاد لا على مستوى تطوره الفكري فحسب بل أيضا على صعيـد الميادين التي كتب فيها وترك عليها للفلسفة بصمات فكـره الثاقب.

2-أو البحث عن منزلة كانط في النّظرية النّقدية كما تحدّدها نصوص الفلسفة الكانطية ووفق المسائل والمواقف الفلسفية عبر تاريخ النّظرية النّقدية.

يبـدو أن الحلّ الثّاني يعصم الباحث الذي يختاره من الوقوع في تحديد جاهز لفلسفة كانط يجعل من التعسّف على النصوص أمـرا واردا . لذلك فالالتزام بمتابعة النّصوص ومساءلتها عن هذه المنزلة هو الطريق الأفضـل لمن اختار البحث في منزلة كانط في مدرسة فرانكفورت. إن بحثا عن< كانط في ذاته> لا يهـمّ من اختار هذا الحـلّ لأن عمله سيتوجـّه في طريق معرفة ما قدّمته الفلسفة النقـدية لهؤلاء الذين ركّزوا على كونهم ورثة المثالية الألمانية وبحثوا للمشاكل المتعدّدة التي كان وعيهم بها حافزا لمشروعهم النّقدي عن حلول من خلال إعادة النّظر في إرث الفلسفة الألمانية.


بعــض الجوانب الأساسية للمنزلة


-النـّــقد

يمثّل النّقد أهمّ المسائل الأساسيّة للنّظرية النّقدية. فهو المرجع المشترك بين النّظرية النّقدية والفلسفة النّقدية.

إنّ المنعرج الكانطي في تاريخ هذا المفهوم حاسم. فمنذ حدوثه أصبح النّقد مفهوما ومنهجا وقيمة. ولئن كان النّقد كما مارسه فلاسفة فرانكفورت يحـمل تأثـرهم بهيقل وبماركس وشوبنهاور ونيتشة فإنـه يستمدّ أصوله من الكانطية التي هي خلف هذه الفلسفات.

والنّقد كما مارسه فلاسفة مدرسة فرانكفورت لا يستثني أصوله. لذلك فقد فصلوا منذ البدء بين صورتين للكانطية: فلسفة الشخصية المفردة وفلسفة العقل النّقيضي14ّ. فلقد رفضوا الصّورة الأولى وفق مقتضيات فلسفة اجتماعية تجعل من الهيقلية مرجعها.وتمّ استغلال الصّورة الثّانية للوقوف على وجه المصالحة الهيقلية وبالفعل لم يخف هوركهايمر ومنظّرو جيله إنكارهم للكانطية بوصفها فلسفة تعلي من شان القيم الفردية ولذلك تمّ إعلاء فلسفة هيقل عليها بما هي أوّل فلسفة أولت مكانة مرموقة لتجربة الوعي الاجتماعيّ. ولكن رفض النّتيجة التي آلت إليها الفلسفة الهيقلية أدّى بفلاسفة النّظرية النّقدية إلى تثمين الفلسفة النّقدية بوصفها [وفق عبارة هوركهايمر وأدورنو عن كانط] فلسفة حذرة ونزيهة15 ساعدت على دفعها فعلا إلى التّفكير في الصّعوبات التي وقع فيها الوعي داخـل المجتمعات الليبرالية الحديثة.

ويعود اعتراف فلاسفة مدرسة فرانكفورت بعظمة الفلسفة الكانطية إلى منهجها الذي لا يطمس التّناقضات بل يظهرها على أنّها المصير المحتوم للعقل. وقد حدّد حكمهم هذا على الكانطية أهمّ مقوّمات المنزلة الموجبة لها في النّظرية النّقدية.

لذلك يصـحّ إقـرار أنّ كتاب جدلية التّنوير لهوركهايمر وأدورنو والكتابات التي تدور في فلكه تستقي من الكانطية شكلها ومضمونها وذلك رغم حضـور خلفيات هيقليّة ماركسيّة بيّنة في هذه الحقبة من تاريخ النّظرية النّقدية.

إن عقد موازنة بين نقد كانط للعقل ونقد هوركهايمر وأدورنو للتّنوير أو العقل التّنويري يسمـح بالنّظر إلى جدلية العقل باعتبارها تجديدا للنّقد الكانطي وتجذيرا له. وتمثّل هذه الموازنة مدخلا إلى طرق أعوص مشكلة تعترض المهتم بهذا البحث ألا وهي مشكلة منزلة الجدل الكانطي في كتاب جدلية التّنوير والكتابات التي تدور في فلكه.

لقـد كتب أدورنو منذ سنة 1953 في كتاب ثلاث دراسات عن هيقل: "إنّ الدّعوى القائمة بين كانط و هيقل والّتي آلت فيها الكلمة الأخيرة إلى المرافعة الصّداميّة والعنيفة لهيقل لم تحسم بعد. ربّما لأنّ هذا المنحى الصّداميّ [سيادة الصّرامة المنطقية نفسها] يمثّل اللاّحقيقة مقابل نقائض الفكر الكانطي"16.

لذلك كانت المراوحة أو لعلّها المناظرة مستمرّة بين هيقل وكانط في هذه الحقبة من تاريخ النّظرية النّقدية. هذه الحقبة التي أشرنا إليها بالمؤلّف المشترك بين هوركهايمر وأدورنو وهو جدلية التّنوير. ونقطة البدء في هذه المراوحة داخل النّظرية النّقدية هي رفض المصالحة أو التّوفيقية الهيقلية بوصفها تعبيرا عن كلية خاطئة واعتبار الفكر النّقيضي الكانطي أقرب إلى الحقيقة.

أمـا التّساؤل الذي يقود إلى البحث في رهانات هذه المراوحة هو التّالي: ماذا يتبقّى من الهيقلية إذا ما حذفنا عنها المصالحة الأخيرة بين الذات والموضوع أو بين العقل والواقع؟

ماذا يتبقّى من فلسفة هيقل إذا ما اعتبر المطلق الذي توصّلت إليه لإغلاق النّسق مقولة إيديولوجية مزيّفة؟

أليست هذه النّتيجة بالنّسبة للهيقيليّة أكثر من أن تكون مجرّد نتيجة؟

فالنّسق يقوم عليها منذ البدء، والنّهاية إنّما هي البداية بعد أن قطعت جميع أطوارها عبر مسارها الجدلي؟


جدلية النقائض


بهذا تبدو عمليّة رفض المصالحة الهيقلية- وهو الجانب الايديولوجي الذي سبق وأن نبهت إليه فلسفة ماركس بوصفها نقـدا للايديولوجيا- متجددة، ومدفوعة بعوامل جديدة، من قبل النظرية النقدية .وهي بذلك أكثر من أن تكون مجرّد حذف لجزء إضافي في فلسفة هيقل لا يؤثّر غيابه تأثيرا يذكر في بقيّة النّسق وفي المنهج الذي يقوم عليه.

والإجراء الذي يترتّب عليه رفض المصالحة الهيقلية من قبل منظّري إشكالية جدلية التّنوير هو إعادة النّظر في الخصومة التي أثارها هيقل مع كانط بشأن الجدل التّرنسندنتالي، إذ يفقد النّقد الهيقلي أهمّ مقوّماته لأنّ أشدّ ما عابه على الفلسفة الكانطية هو عدم توفّقها إلى حلّ فعليّ لنقيضات العقل. وقد قدّم حلّه في اللّحظة الثالثة من المنطق وهي، كما هو معلوم، اللّحظة التّأمّلية أو العقلية على نحو موجب.

وهذه اللّحظة التي تحمل، حسب عبارة أدورنو، "الكلّية الخاطئة" مرفوضة بواسطة الجدل السّلبي. وعلى هذا الأساس يمكن إعادة قراءة الجدل الكانطي دونما وقوع تحت تأثير التّأويل الهيقلي بحيث يتبين للمرء أنّ جدليّة التّنوير تستمدّ أصولها الحقيقية من الجدل التّرنسندنتالي الكانطي وتستفيد من الأعمال التي انضافت إلى ذلك في تاريخ الفلسفة الألمانية الحديثة والمعاصرة.

إن النتيجـة الأوكـد بالنسبة لمن يثير مسألة الخصومة الهيقلية الكانطية، في كتابات فلاسفة مدرسة فرانكفورت، هي أنّ كانط كان الفيلسوف الأشدّ حضورا في الفكر المنتج لـجدلية التّنوير والكتابات التي تدور في فلكها ويتبين ذلك من خلال تركيز فلاسفة النّظرية النّقدية على النّقائض التي تحوم حولها. وهكذا نجد أنّ نقائض {العقل والطبيعة} و{الهيمنة والخوف} و{الوضعية والخرافة} و{الظّلامية والتّنوير} و{التقدّم والتّقهقر} و{الحريّة والاستلاب} و{الأخلاقية والإباحية} كلّها تفهم بنفس آليات الجدل الكانطي إذ يجد العقل نفسه مدفوعا من أعماقه إلى الوقوع في تناقض يكشف عنه النّقد ويدلّ على حلّه.

فالنقيضة، كما هو معروف لدى كانط، تتأسّس على طبيعة العقل الإنساني ومن ثمّة فهو غير قادر على الحياد عنها. كذلك الأمر في كتب جدلية التّنوير لهوركهايمر وأدورنو وخسوف العقل لهوركهايمر والجدل السّالب لأدورنو وإيروس وحضارة لماركوز لا شيء كان بالإمكان أن يمنع العقل في التّاريخ من الهذيان. فضلاله قدر عليه والنّقد وحده هو الذي يمنحنا القدرة على إدراك ذلك والتّحرّر منه. لهذا كانت ممارسة التّنظير على الشّكل الذي تصوّرها به هوركهايمر وأدورنو هي النّقد كما سبق أن وضّحت معالمه الفلسفة الكانطية.

وقد كان كانط، إذن، هو مرجع النّظرية النّقدية خلال هذه المرحلة لأنّ ممثّليها لم يتخلّوا عن رفضهم للمصالحة الهيقلية وعن تأكيدهم انفصام العلاقة من جديد بين النّظرية والبراكسيس.

وعلى خلاف ما أكّده هيقل ولازال يؤكّده هيقليّون من بعده فإنّ كانط قد حلّ نقائض العقل وذلك بفضل المنهج النّقدي الذي يقود إلى مسلّمات العقل العملي. كذلك تبيّن أنّ النّظرية النّقدية –بإعلان أصحابها أنّ الشكل الوحيد المتبقّي أمام الممارسة لهو فعل ممارسة النّظرية- قد دلّت بواسطة النّقد على الحل الذي لا يحيد عن إنقاذ ملكة التّفكير والنّظر العقلي من طمس الإيديولوجيا الكليانية لها وبذلك تكون الفلسفة وفق عبارة هوركهايمر في خسوف العقل "مصحّحة للتّاريخ"17 .

إنّ مهمّة النقد الفلسفي في كتب جدلية التّنوير وخسوف العقل والجدل السّالب وإيروس وحضارة لهي كشف الزّيف والخداع الذي يخفي الحقيقة وراء الأطروحات ونقيضاتها. وهو بتعبير من المرجعية الماركسية نقد الإيديولوجيا.

يلوح للمتتبع لهذا التمشّـي أنّ الحلّ النّظري الذي تحتوي عليه هذه الكتابات يفسّر الإحراجات العديدة التي أفضت إلى فشل العقلانية الحديثة وسقوطها مع الأحداث التّاريخية المعاصرة والدّامية لهذا القرن إلى ميدان للتّوحش وللاّعقل. وقد تمّ النّظر من خلال هذا التّفسير، إلى الكانطية نفسها، كعلامة بارزة على هذا الفشل وحلقة في سلسلته. ولكن بقدر ما كانت رغبة منظّري المدرسة جارفة في تجاوز المصالحة الهيقلية والعقل التّنويري الكانطي من خلال تجذير نقده وكشف تورّطه في سلبيات التّنوير كان النموذج الكانطي مسيطرا على كتاباتهم شكلا ومنهجا18.

والأكيد أن هذا التوجّه في القراءة يطرح صعوبات مرتبطة بالكمّ الهائل من الفلاسفة الذين تأثّر بهم مفكّرو مدرسة فرانكفورت مثل فيشته وشلّينق وشوبنهاور ونيتشة وزيمل وفيبار وهيدقر ولوكاتش...فالمدرسة تمثّل بالفعل توليفة جامعة وأصيلة للفلسفة الغربية المعاصرة. وهذا ما سعى هابرماس إلى بيانه بصورة منسّقة ومنطلقا من كانط وذلك في كتاب المعرفة والمصلحة.1968 ثم 1973.


منـزلة الترنسندنتالي


وإلى جانب مسألتي النّقد والجدليّة يمثـل الترنسندنتالي مشكـلا أساسيا في النظرية النّقدية لأنـه يعـدّ الإطار العام لطرح معضلة الجدلية. فقد تبـيّن من قراءة الكتابات الأولى أنّ فلاسفة مدرسة فرانكفورت قد أوّلوا التّرنسندنتالي بأنّه الذّاتية الجمعية في حين أنّ الامبريقي هو الذّاتي الفردي أو الشّخصي. والتباس معنى الترنسندنتالي وغموضه يعود، في الكتابات الأولى، إلى أنّ المجتمع لازال مسرحا لصراعات وتفاعلات بين قوى بعيدة عن التّلقائية للأفراد الأحرار19.

وقد تسنّى لهوركهايمر بواسطة تأويل أنتربولوجي مادّي لفلسفة كانط التّرنسندنتالية إخراج التقابل < بين الأمبريقي والتّرنسندنتالي> من ميدان العقل ليقذف به في ميدان المجتمع والتّاريخ.20

ولكن لا يعني اخضاع التّرنسندنتالي إلى النّقد الإيديولوجي اعتبار فلاسفة النّظرية النّقدية فلسفة كانط مجرّد إيديولوجيا.فللفلسفة حقيقتها التي تمنع من ردّها إلى مجرّد إيديولوجيا. وليست مقولات العقل والنّقد والأخلاق والحقيقة...مجرّد مقولات للإيديولوجيا البورجوازية وإنّما هي مقولات كلّ الإنسانية21. وتعدّ الذّاتية التّرنسندنتالية من أكثر المسائل عرضة للنّقد والمراجعة. ويمكن القول دون مجـازفة بأنّ انجذاب فلاسفة مدرسة فرانكفورت إلى النّموذج الكانطي قـد قوي بسبب يأسـهم من إمكان قيام الثّورة ومـن ثورية الطبقة العاملة22.

ولا يخفى علينا أنّ موقفهم المرن من المسألة التّرنسندنتالية سيجد صداه العميق في كتابات هابرماس بدءا بكتاب معرفة ومصلحة الذي يتحدّث فيه عن أطر شبه ترنسندنتالية للمعرفة. ثم تتخذ هذه المسألة بالذات منعرجا حاسما من خلال المناظرة بين كارل أوتو آبل وهابرماس انطلاقا من براديقم اللغـة كأرضية مشتركة بينهما في تناول القضايا الفلسفية23.

ويمكـّن البحث في منزلة التّرنسندنتالي من إدراك التّحول الذي حصل في تاريخ النّظرية النّقدية التي نشأت منذ البداية في شكل نظريّة نقدية للإيديولوجيا تفصل بين القيمة المعرفية والقيمة الإيديولوجية وتخضع إلى تأمّل مزدوج يربط القيمة الأولى بالبراكسيس. ومن ثمّة كان النّقد الذي خضعت إليه الكانطية، في هذه المرحلة، عمليّا يركّز على قيم الحرّية والتّحرّر24

ورغـم أن تناول موضوع الترنسندنتالي قـد نقصت حـدّته اليوم دون أن تنتفي فإن الأمر يعود ، في اعتقادنا، إلى طبيعة العمل الفلسفي ذاته.إذ لا يمكن للفلسفة أن تتخلّص من التّأمّل التّرنسندنتالي دون أن تتخلّى أيضا عن خصوصيتها كتأمّل كلّي أو في الكلّي. ذلك ما فهمه هابرماس <منذ تعاونه مع كارل أوتّو آيل> بشكل معمّق ومنسّق من خلال انجازه لكتاب المعرفة والمصلحة في شكل إبيستيمولوجا عامّة.


المسألـة الخلقيــة


لقـد أدان فلاسفة مدرسة فرانكفورت في المرحلة الأولى صورية العقل العملّي الكانطي واعتبروها تكريسا للإيديولوجيا الليبرالية وقد انبنى النّقد على خلفية هيقليّة. هذه الخلقية تدعمها الأسس التي قامت عليها النظرية النقدية بوصفها فلسفة اجتماعية تعطي أولوية في تفسير حياة البشر وأنماط سلوكهم للظروف المادية المحيطة بهم.

ورغم استمرار نقدهم للمنحى الصّوري في فلسفة كانط العمليّة في مرحلة مشروع جدلية التّنوير فإنّ اعتمادهم على الجدل الكانطي كان وراء تفجيرهم لما يمكن تسميته بنقيضة الخلقية والإباحية فإذا بكانط وساد (Sade)ليسا متناقضين فعلا بل هما متواطئان في استعمالهما الأدواتي والصّوري للعقل. فتناقضهما ظاهري فحسب: وليس الأمر القطعيّ الأخلاقيّ الكانطي متناقضا فعلا مع الأمر الإباحي السّادي. ومثلما استعمل ماركس الجدلية الهيقلية ضد انغلاق نسقها فإن هوركهايمر وأدورنو قد وجها الجدل الكانطي ضد النتيجة التي وصل إليها كانط نفسه. لقد وجّـها الجدل الكانطي ضد كانط نفسه. إذ نعلم أن هذا الفيلسوف قد حل نقيضة العقل العملي بمبدإ الخلقية[الأمر القطعي] وبمفهوم الخير الأسمى.لكن النقيضة،كما عرضها كانط وبسط حلها، وفق ما كتب في جدلية التنوير تظل قائمة لأن كل ما بذله كانط من جهد فلسفي للفصل بين اللاخلقية التي تسقط فيها كل التوجهات التي تخلط بين نظام السببية [ظواهر الطبيعة] ونظام الحرية [الشيء في ذاته] والتي تعتقد أن الخير الأسمى يتمثل في الفضيلة [الرواقية] أو في السعادة [الأبيقورية]. هكذا يكون كل جهد كانط قد باء بالفشل لأن التناقض بين الخلقية [ القائمة على العقل العملي بفضل المبدإ الأخلاقي] والإباحية القائمة على "مبدإ" اللذة والسعادة الشبقية يصبح غير فعلي. لذلك تتساوى الأطروحة ونقيضتها أي تفقد الفلسفة الكانطية المكانة المرموقة التي تكون للتوليفة أو الحـل النقـدي الذي يخرج من التصادم العقيم وغير الثري.

ويتمثّل حلّ نقيضة الخلقية والإباحية في مبدإ المحافظة على الذات وهو لا شيء ، من منظور النظرية النقدية،غيرالمحتوى الموضوعيّ لوحدة الوعي الترنسندنتالي. لذلك يكون إفراغ كانط للذّات وللطبيعة من محتواهما الإمبريقي تحت ضغط نزعته الصّورية والتّرنسندنتالية سببا يفسّر استعمالهما الأدواتي وتحويلهما إلى مجرّد ميدان للسّيطرة والاستغلال. والحل الذي يخص هذه النقيضة مستمد في جزء منه من فلسفة شوبنهاور الرافعة لإرادة الحياة إلى مصاف المبدإ. كما أن النقد النيتشي للقيم قد ساعدهم على الكشف عن أوهام فلسفة التنوير حول علاقة القيم والفعل بالحقيقة والعقل.

ويتّخذ مبدأ الحفاظ على الذّات الفردية القيمة الخلقيّة التي أدينت في السّابق ثمّ تمّ التّراجع عن ذلك لاعتبارها قيمة إنسانية.


الخـاتمـــة


لقد كان السّؤال الملازم لتفكيرنا ونحـن نراوح النّظر من طرف إلى آخر، كانط من جهة وفلاسفة مدرسة فرانكفورت من جهة أخرى، عبر النّصوص المتعدّدة والإشكالات المتنوّعة هو الآتي: كيف أمكن لهذا الفكر التّأمليّ الذي انطلق مع كانط أن يولّد من حركته الذّاتية مراجعة لذاته دون توقّف أو جمود؟ وبتعبير آخر: كيف أمكن للفكر الفلسفي الرّاهن <والذي تمثّل النّظرية النّقدية أفقا مرشدا له> أن يتقبّل أصوله ويتعامل مع تراثه نقديا؟

وقد يكون تقبل إرث مـا بوضع النفس في منزلة التلقي والدفاع عنه على نحو مذهبي تقديسي أو أيضا سلفي وثوقي وقد يكون على عكس ذلك رفضا له ونفيا لقيمته وقد يكون التقبل بالدخول في محاورته على أساس مفتوح واستئناف التفكير فيه لغاية تجاوزه على نحـو بنـّاء.

إن الأدلة على أن فلاسفة مدرسة فرانكفورت قد تعاملوا مع إرث الفلسفة الألمانية على النحو الأخير ليست قليلة ولعل ما يسر ذلك أن تواصل حلقات الفلسفة لم ينقطع في هذه الجهة من أوروبا وإلى حد يومنا هذا. وثمة أمر يهمنا في ذلك وبشكل مخصوص وهو يتجاوز البعد الذاتي الذي اعترفنا في البداية بوجوده والمتعلق بالدواعي الشخصية التي حدت بنا إلى اختيار هذا المبحث بالذات.

فتناول منزلة كانط في مدرسة فرانكفورت إنما يقصد منه تقصي مفهوم النقد ومنهجـه عبر أهم أقطابه وذلك خلال القرنين الماضيين والنقد مثلما ألمحنا إلى ذلك سابقا يستمد أصوله من الفلسفة ويرمي إلى الكشف عن مصلحـة تحرّرية يلتزم المتفلسف بالعمل على تحققها.فمنذ كتابة هوركهايمر لنصه الذي يميز فيه بين النظرية التقليدية والنظرية النقدية اتضحت الخاصية الجوهرية لهذه الأخيرة وهي التزامها بمصلحة عملية كان كانط رائدا في تحكيمها على نقـد العقل.فالنظرية النقدية حتى في فترة وقوعها في أزمة حادة لم تتخلّ عن النقـد ولم تفقـد الصلة بمصلحـة عملية ولو كانت مكتفية بممارسة النظرية كنـقد.

والنظرية النقدية هي أيضا فلسفة اجتماعية وهنا تكمن أهميتها لدينا. فمن تعود على النظر إلى الفلسفة نشاطا تأمّـليا وتفكّـريا مرتبطا باختيارات ودوافع نظرية يعتقد في كونها خالصة فيفقد من ثمّـة صلته بواقعه الذي هو غير ثابت ويسلم بوجود ضرورة تتجاوز البشر في تحديد حركة التاريخ. وغالبا ما تؤول الفلسفة لدى هؤلاء إلى مجرد ميدان خاضع لذوق استطيقي أرستقراطي على النمط النيتشوي أو إلى نظرية خالصة بالشكل الهوسرلي أو أيضا إلى قول في الكينونة مقطوع عن التفكر في استتباعاته العملية إيتيقية كانت أم سياسية.

إن العمل انطلاقا من الحقل الفلسفي الموسوم بالنظرية النقدية يقودنا ضرورة نحو تناول القضايا الخاصة بنا وذات البعد التاريخي والاجتماعي. فعلاقتنا بالحضارة الغربية وعقلانيتها تفهم على نحو متميز من منظور الآثار السلبية التي خلفتها المعقولية التقنوية والايديولوجيا المصاحبة لها أو المعقولية الاستراتيجية وتشييئها للبعد الإنساني في حياتنا. ولكن توجه الفهم في هذا المساق لا يعفينا من تحمـل مسؤولية بقائنا، كجزء من البشرية، في شكل دوائر مغلقة لم تنخرط أنظمتها جديا في نمط من الحياة يجعل من التواصل البينذاتي الإطـار المرجعي لتفضيل تكـوُّن إرادة سياسية شرعية وقانونية على إرادة فردية وأبوية متنصلة من كل مراقبة تتـولـّى أمرها مؤسسات ولم تنخرط أيضا في معقولية جعل الحلول تسوية نسبية وظرفية لخلافات.

إننا في أمـسّ الحاجـة إلى نقـد يستمـدّ مرجعيته من النظرية وإلى حرية تكون هـدف الممارسة التي مسرحها المجتمع السياسي والنظرية النقدية تمنحنا مثالا عن الاستجابة لهذين المطلبين. ونعتقـد أننا لو تعاملنا معها على هذا الأساس لألهمتنا جملة من الحدوس الفلسفية المفيدة لنا في تناول قضايانا من الجهة التي تهمنا وبالشكل الذي يخدم مصلحتنا العامـة. وإننا لو اتبعنا هذا المسار بالحـذر الذي يقتضيه البحث والتفكير الملتزم لما خرجنا عن المعنى الذي قصده كانط لما أرجع السؤال عن الفلسفة إلى السؤال عن التفلسف. ذلك أن فلسفتنا رهينة ،في وجودها وبقائها بل وفي تقدمها، فعل التفلسف الذي أوجبه علينا أسلافنا.
03-09-2008, 11:44 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
إبراهيم غير متصل
بين شجوٍ وحنين
*****

المشاركات: 14,214
الانضمام: Jun 2002
مشاركة: #2
منزلة كانط في مدرسة فرانكفورت

أخي العزيز لايبنتز:

أشعر بذنب شديد وأنا أرى موضوعاتك ولم أتكلف طاقة قراءتها بعد ولكني أحب أن أعبر لك عن إعجابي الشديد بموضوعاتك التي تفتحها وأتمنى أن أتفاعل معك قريباً. إسمك أو بالأحرى معرفك الذي تكتب به "لايبنتز" يشدني جدًا حيث إني من عشاق لايبنتس وفلسفته ومساهماته. أتمنى أن تكون قد حصلت على كتابين لعبد الرحمن بدوي قد عملنا عليهما مؤخراً وهما "مدخل جديد إلى الفلسفة" (وهذا أقرأه بمتعة شديدة!) وكتاب مناهج البحث العلمي. قطعا أحب أن أتفاعل معك قريباً وأتعلم منك ولك مني مليون شكر على مجهودك العظيم في تثقيفنا.

:h:
03-10-2008, 04:15 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
لايبنتز غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 409
الانضمام: Jun 2007
مشاركة: #3
منزلة كانط في مدرسة فرانكفورت
اخي العزيز ابرهيم :109:

بداية اتشرف جدااا بتعليقك على المقال .....

فانا معجب جداا بافكارك وبتجربتك الفكرية التي مررت بها

ويسعدني جدااا ان اتعرف عليك ...

اخي ابراهيم

لقد المني جدااا ان ارى ساحة مثل ساحة " فلسفة وعلم النفس " في منتدى فكري عريق

مثل نادي الفكر العربي ، فقير جدااا في موضوعاته ومشاركاته ، فاحببت ان اغني

ساحة " فلسفة وعلم النفس " بما يليق به ، اليست الفلسفة هي ام العلوم والنظريات ... ؟؟؟

اخي ابراهيم:97:

سر اختياري للا يبنتز يعود الى اعجابي بموسوعية وعبقرية هذا الفيلسوف الكوني ،

فلقد كان فيلسوفا ومحاميا وعالم رياضي وفيزيائي وعالم لاهوت ومصلح ديني فهو كما

تعرف صاحب اطروحة " البراهين الكاثوليكية " لتوحيد الكنائس ..

اخي ابراهيم:h:

لقد حملت كتاب الفيلسوف العظيم عبدالرحمن بدوي " مدخل جديد الى الفلسفة " ولكن

لم اشرع في قراءته الى الان لعلي اقرأه مستقبلا بإذن الله ...

اخي ابراهيم:wr:

هل قرات كتاب " مقالة في الميتافيزيقا" للايبنتز انصحك بقراءته

وبالذات اصدار " المنظمة العربية للترجمه " بالتعاون مع " مركز دراسات الوحدة العربية"

فلقد اغنى المترجم د.طاهر بن قيزة الكتاب بالمقدمة والهوامش الرائعة


تقبل تحياتي :redrose:


03-10-2008, 05:29 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
إبراهيم غير متصل
بين شجوٍ وحنين
*****

المشاركات: 14,214
الانضمام: Jun 2002
مشاركة: #4
منزلة كانط في مدرسة فرانكفورت

أخي الحبيب:

أشكرك بشدة على كل كلامك الجميل المشوق أعلاه. الحقيقة أنت شوقتني للقراءة أكثر وأكثر لـ ليبنتز. لا أخفيك سراً فأنا حديث العهد بالقراءات الفلسفية عموماً ولكني ما إن وقعت عليها وكأني وقعت على كنز كان مخبأ عني حيث كنت جاهل ولا أعرف سوى الدراسات اللاهوتية ولكن وبفضل صديق ملحد حبيب على قلبي انتقلت إلى ويل ديورانت ثم زكي نجيب محمود ثم برتراند رسل ورويداً رويداً وقعت رجلي في المحظور ويا لروعته وحسن مذاقه من محظور. من ضيق الأفق في الدراسات اللاهوتية إلى عالم أرحب وأوسع وأرحب فضاء بكل معنى الكلمة. قرأت قليل عن لايبنتس وما قرأته حفزني جداً وشوقني أكثر للتعرف عليه وأعدك أن أقرأ الكتاب الذي ذكرت وأطلبه بالاستعارة حيث هذه هي أنسب وسيلة لقراءة الكتب عندي هنا. إنْ لم أكن مخطئاً، يخامرني ظن أن لايبنتس كان له ميول في فلسفة الحكمة الخالدة ويميل للتوحيد والتقارب.. وطبعاً بما أنه له في الميتافيزيقا فهذا سيشجعني أكثر لقرائته. أعدك بأن أقرأ كتابه بترجمة د. طاهر بن قيزة ونتناقش فيه ربما. أحب أن نراك معنا في ساحة قرأت لك إذا أتيح لك بعض الوقت ولكني قطعا سألاحقك حيث تكتب في الفلسفة اينما كتبت وتجدني ملازماً لك كظلك. شاكر لك وبشدة كل كلامك الجميل يا جميل يا رائع. على فكرة اليوم رفعت كتاب في الفلسفة الإسلامية لعلم من أعلام الفكر العالمي وهو الساجستاني وهو مساهمة مني لأبناء الطائفة الإسماعيلية الذين دخلوا قلبي من أوسع الأبواب.
أتمنى لك يوم جميل.
ولي عودة يا أمير يا طيب.

:h:
03-13-2008, 03:12 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
لايبنتز غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 409
الانضمام: Jun 2007
مشاركة: #5
منزلة كانط في مدرسة فرانكفورت
شكرااا اخي العزيز ابراهيم :109: على ردك الجميل :thumbup:

لقد اشتريت الكتاب من موقع أدب وفن .

واليك الرابط :

http://www.adabwafan.com/display/product.asp?id=57637

03-13-2008, 06:36 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  المياتافيزيقا بعيون كانط رشيد عوبدة 9 2,786 08-21-2011, 01:34 PM
آخر رد: Kairos
  الواقع الفيزيائي بين كانط ولابلاص مصطفى قشوح 0 1,520 05-06-2011, 03:38 PM
آخر رد: مصطفى قشوح
  كانط في فضاء هابرماس لايبنتز 1 1,628 03-20-2008, 07:34 PM
آخر رد: لايبنتز
  محنة التنوير بين ميشيل فوكو وإمانويل كانط سيناتور 1 1,883 03-10-2008, 06:00 PM
آخر رد: سيناتور
  كانط والمسألة الترنسندنتالية في الفينومينولوجيا لايبنتز 1 3,245 03-09-2008, 02:03 AM
آخر رد: لايبنتز

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS