{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
صورة كانط عند عبدالرحمن بدوى
لايبنتز غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 409
الانضمام: Jun 2007
مشاركة: #1
صورة كانط عند عبدالرحمن بدوى
محمد سيد عيد



لقد كان اهتمام بدوى بكنت مبكرًا ، حيث أنه كان من بين الفلاسفة الذين تناولهم بدوى بالعرض والنقد فى كتابه (الزمان الوجودى) 1943 . فهذا الكتاب يُشكل إسهام بدوى الفلسفى ونقده لتاريخ الفكر الغربى ، بالإضافة إلى نقده لكنت والذى لم يتكرر فيما بعد من كتاباته عن كنت.

والسؤال الذى يواجهنا الآن هو ما هى صورة كنت عند بدوى ؟ والإجابة سنجدها من خلال الاقتراب من اهتمامات بدوى بكنت والكتابات التى خصصها له .

إن اهتمامات بدوى بكنت نجدها فى العديد من الكتابات :نجدها أولاً فى كتابه الثالث[حسب الترتيب الزمنى] وهو كتاب (الزمان الوجودى) والذى يعرض فيه لنظرية كنت فى الزمان وكيف مثلت ما اسماه بدوى "الزمان اللاوجودى" ، ونجدها ثانيًا فى الكتابات الأخلاقية فى كتاب (الأخلاق النظرية) والذى يذكر فيه بدوى أخلاق كنت بوصفها أخلاق العقل والواجب . واما الكتابات التى خصصها لكنت ، فهى سلسلة بعنوان "إمانويل كنت" وهى مكونة من أربعة كتب : الأول "إمانويل كنت" ، والثانى "الأخلاق عند كنت" ، والثالث "فلسفة القانون والسياسة"، والأخير عن فلسفة التربية عند كنت.**

يعرض بدوى لكنت بلغتين : اللغة الأولى هى اللغة النقدية ولغة الاختلاف ، واللغة الثانية هى لغة العرض الأكاديمى الإحصائى وهى التى تغلب على كل كتاباته عن كنت . حيث تتمثل اللغة الأولى فى أعلى صورها فى رسالته للدكتوراه "الزمان الوجودى" وفى أدنى صورها فى كتابه "الأخلاق النظرية" . أما اللغة الثانية فنتمثلها فى كتابه "إمانويل كنت" والذى كتبه فى أربع مجلدات ، بالإضافة إلى الكتابات الفرعية عنه مثل " مدخل إلى الفلسفة "1975. ففى كتابه الأول عن إمانويل كنت يعرض فى القسم الأول حياة كنت ومؤلفاته ، ثم فى القسم الثانى يعرض للمرحلة قبل النقدية ، ويخصص بعد ذلك باقى الكتاب لعرض كتاب كنت "نقد العقل الخالص" وقد غلب عليه فى عرضه للكتاب العرض الموضوعى ، فلم يتضح فى العرض أى طابع نقدى أو محاولة لبلورة الأفكار التى يطرحها كنت . وهذا ما نلحظه فى المقابلة بين كتاب كنت "نقد العقل الخالص" وكتاب بدوى "إمانويل كنت" ، حيث نجد عناوين مشتركة بين كليهما . فلم يشأ بدوى أن يقوم بأى تعديل على العناوين الأساسية للكتاب . والذى من شأنه يجعل هناك رؤية خاصة فى العرض . ولكن بدوى آثر الموضوعية الشديدة فى العرض . حتى نهاية الكتاب ، حيث انهى بدوى كتابه بنفس نهاية كتاب كنت وهى "تاريخ العقل المحض" .

وهذا الطابع نجده فى المجلدات الأخرى من الكتاب نفسه . فنجد فى "الأخلاق عند كنت" عرض كتاب "تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق" و "نقد العقل العملى" لكنت وذلك مع مطابقة العناوين الفرعية للكتب . ونجد هذا الطابع فى كتابه "فلسفة القانون والسياسة" : فبعد عرضه لكتاب "نظرية القانون" لكنت فى القسم الخاص بفلسفة القانون ، يعرض فى فلسفة السياسة كتاب كنت "مشروع السلام الدائم" تحت عنوان "نحو سلام دائم" والذى يعرض فيه لنظرية كنت فى السلام ولخصائص هذه النظرية ولضمان سريتها .. الخ . وبعد ذلك يعرض تحت عنوان "النزاع بين الكليات الجامعية" لكتاب (النزاع بين الكليات الجامعية) ، ثُم بعد ذلك يُقدم تحت عنوان فلسفة التاريخ عرضًا لمقالات كنت عن التاريخ . فهو يُقدم لنا فى البداية عرض إحصائى للرسائل التى تحدث فيها كنت عن التاريخ وبعدها يعرض هذه الرسائل بنفس عناوينها كما كتبها كنت. حيث يذكر بدوى الرسائل بصورة إحصائية والتى يمكن مقاربتها مع رسائل كنت كالآتى:

1- فكرة فى التاريخ العام لغرض عالمى (نوفمبر 1784) وهى تقابل فى كتاب بدوى "1-التاريخ العام"

2- البداية المفترضة لتاريخ الإنسانية (يناير 1786 ) وهى تقابل فى كتاب بدوى " بداية تاريخ الإنسانية"

3- القسم الثانى من كتاب "النزاع بين الكليات" وهى تقابل "2- هل النوع الإنسانى يتقدم نحو الأحسن باستمرار"

4- نهاية كل الأشياء (1794 ) وهى تقابل فى كتاب بدوى "نهاية كل الأشياء"

أما عن القسم الأخير وهو علم الجمال فهو يعرض فيه لكتاب كنت "نقد ملكة الحكم" وذلك حتى نهاية الكتاب . ولا ندرى لما أدرج بدوى هذا الجزء الخاص بالأستطيقا فى كتاب عنوانه "فلسفة القانون والسياسة" على الرغم من أن فلاسفة ما بعد الحداثة وجدوا فى كتب النقد الثلاثة تميز قوى أو ملكات مختلفة ، بمعنى أننا نجد لديه قول بالتعدد بين الملكات العقلية واختلاف فى وظائفها ، وذلك ما نجده عند كل من جيل دولوز وفرنسوا ليوتارد .*

ولكن هذا الطابع الموضوعى الأكاديمى فى العرض يتراجع أمام كتابه (الزمان الوجودى) وهو أول ما كتب فيه عن كنت . فهو يتناوله ضمن عرضه لتاريخ الزمان الوجودى فى الفكر بعامة . ففى هذا الكتاب – والذى نراه يمثل قمة إبداعات بدوى – نجده يعرض لتاريخ فكرتى الوجود والزمان ومدى ارتباطهم فى تاريخ الفكر الفلسفى . حيث يتطرق للعديد من الفلاسفة ومن بينهم كنت . والحقيقة أننا إذا أردنا أن نضع نظرية فلسفية خاصة ببدوى من خلال كتابه "الزمان الوجودى" فيمكن أن نأخذ هذه النظرية من خلال نقده لكل من كنت وهيدجر . فالأول من خلال نقد بدوى له فى فكرة الزمان والذى يمكن من خلاله أن نصيغ نظرية بدوى عن الزمان ، والثانى من خلال نقد بدوى له فى فكرة العدم والذى صاغ منها بدوى نظرية عن "الهوّات" . وذلك ما يؤكد على الاهتمام والتناول المختلف فى هذا الكتاب المبكر لبدوى .

ولقد عرض بدوى لكنت فى هذا الكتاب المبكر فى نقاط خمس :

1- مذهب كنت فى الزمان

2- العرض الميتافيزيقى

3- العرض المتعالى

4- خصائص نظرية الزمان عند كنت

5- نقدنا لهذه النظرية

ذلك عن اللغة المزدوجة التى يتحدث بها بدوى عن كنت ، أما عن الصورة ذاتها فسنحاول أن نكشف عنها من خلال متابعتنا لنماذج من عروض بدوى لكنت ، وسنعود بعدها إلى هذه الصورة ونتساءل عن ماذا تكشف لنا !

إنه رغم الطرق المختلفة فى تناول كنت ، فتناول كنت فى جل كتابات بدوى يقدم لنا تلك الصورة الكلاسيكية لكنت ، والتى أصبحت منطبعة فى أذهان الباحثين ، وذلك يرجع إلى كون بدوى من أوائل من قدموا كنت إلى العربية ومن أوائل من اهتموا بعرض فلسفته وكتبه . فدائمًا ما نجد تلك الصورة الكلاسيكية والتى تصور كنت صاحب نظرية المعرفة العقلية ، والتى تصوره أيضا على أنه فيلسوف العقل والواجب . فدائمًا عندما نذكر كنت نذكر معه الواجب للأخلاق ، وعندما نتحدث عن الأخلاق يتبادر إلى الأذهان من أول وهلة كلمة الواجب والتى كانت دائمًا لصيقة الصلة بمذهبه . الحقيقة أن السبب فى هذا الارتباط بين العقل والواجب وكنت هم من قدموا كنت إلى العربية ، حيث كان بطبيعة الحال بدوى على رأسهم . فالحقيقة أننا مدينون بهذه الصورة العقلية المعرفية الينبغية إلى بدوى . فهذه الصورة هى التى ترتسم خلف كتابات بدوى عن كنت ، وذلك ما سنحاول الكشف عنه فيما يلى متابعين توحيد الصورة على اختلاف لغة التناول والعرض .

وأول حديثنا سيكون مع كتاب "الزمان الوجودى" . حيث قسم بدوى هذا الكتاب إلى قسمين رئيسيين : القسم الأول بعنوان الوجود بالزمان ، والثانى الوجود الناقص . وكان يقصد بهذا عرض النظريات التى ارتبط فيها الوجود بالزمان والنظريات التى كان يفتقر فيها الوجود للزمان . وقد قام بتقسيم كل قسم إلى قسمين : القسم الأول من الوجود بالزمان هو الواقع والإمكان ، والقسم الثانى الزمان اللاوجودى . أما القسم الأول من الوجود الناقص فهو التناهى الخالق ، أما الثانى فهو التاريخية الكيفية . ولقد ناقش بدوى نظرية كنت فى الزمان فى القسم الثانى من الوجود بالزمان تحت عنوان "الزمان اللاوجودى.. نظرية المحدثين فى الزمان" . بالتالى نجد أن بدوى قد وضع كنت ضمن القسم الأول الرئيسى للكتاب وهو الوجود بالزمان ثم وضعه داخل قسم فرعى وهو الزمان اللاوجودى .*ورغم هذا التناقض بين العناوين نجد أن بدوى عندما يعالج مشكلة الزمان عند كنت ينفى أن يكون هناك مذهب للوجود عند كنت قائلاً : " وإذا كان من الممكن أن يُستخرج لكنت مذهب فى الوجود ، فلن يكون إلا هذه النسبية نفسها ، ومن هنا نفهم بوضوح ارتباط فكرة الزمان لديه بمذهبه العام : فالمعرفة نسبية ، والوجود لدينا نسبى " (1)


والحقيقة أن الصورة العقلانية المعرفية كما نجدها فى النص السابق نجدها فى مناقشة بدوى لكنت . فقد عالج بدوى فكرة الزمان واوضح أنها لم تكن مرتبطة بالوجود بل هى مرتبطة بالمكان باعتبارهما شكلان قبليان للحساسية . فعن التمييز بين الزمان والمكان يقول بدوى :

" فأول ما نلاحظه على هذه النظرية فى الزمان أن الخلط فيها بين الزمان والمكان واضح كل الوضوح . ولسنا فى حاجة إلى بيان هذا ، فإن كنت قد جعل الحجج متوازية متناظرة تمامًا فى كلا العرضين ، وكنت نفسه لا ينكر هذا على أى نحو ، حتى أنه انتهى فى عرضه لهما إلى الحديث عنهما وكأنهما شىء واحد من حيث طبيعتهما . وكل ما هنالك من فارق ظاهر هو أن الزمان يقوم على التوالى ، بينما المكان على التتالى بمعنى الوجود جنبًا إلى جنب ، وعدا هذا – ولابد أن يوجد هذا الفارق ، وإلا فلا معنى مطلقًا للتمييز بينهما حتى ولا فى الاسم – فإن الخصائص واحدة ، والماهية واحدة من حيث الصلة بالوجود . حتى ا، كثير من المؤرخين والعارضين لمذهب كنت يتحدث عنهما وكأنهما شىء واحد فى تحديد الخصائص والماهية ." (2)

فالزمان والمكان إذن شكلان قبليان وليسا غير ذلك ، وبالتالى لا يمكن النظر إليهم إلا من خلال أنهم يمثلان دور فى نظرية المعرفة . * وبالتالى تصبح الوظيفة هنا داخلية أكثر من كونها خارجية . وذلك من شأنه أن يجعل هناك تصور بأن كنت قد اقتصر على نظرية المعرفة وكأن فلسفته كلها هى فلسفة معرفية يحاول أن يرى فيها كنت كيف يعرف العقل وما هى حدود معرفته وحدود العقل الذى يعرف . فقد " احتمى بهذه النسبية فى المعرفة فلاذ بمأواها دون أن يفكر فى إمكان الخروج عنها بطريق آخر غير طريق العقل . فقد آثر إذن أن يقف هذا الموقف السلبى ؛ ومن هنا وقف عند نظرية المعرفة ، كما وقف لدى الظواهر ولم يستطيع أن يجد منفذًا إلى الوجود ذاته . "(3)

وذلك اعتراف بأن كنت لم يتجاوز نظرية المعرفة . واصبح كنت هو فيلسوف المعرفة الذى يهتم بمتابعة نقد العقل – وهذا ما أشار إليه بدوى فى النص السابق – ومتابعة ماذا يجب على أن أعرف ؟ . فحدود كنت فى هذه الصورة الكلاسيكية هى حدود المعرفة ، والتجربة هى تجربة المعرفة .

وهذه الصورة المعرفية نجد لها مبرر عند بدوى ، فهو يرى أن هذه الصورة المعرفية رد فعل لما ساد فى عصر كنت عن الميتافيزيقا " والعلة فيها عدم امتحان قدرة العقل ومداها المعرفة ، وعدم فحص أوراق اعتماده لدى الوجود الخارجى أو الوجود بوجه عام " (4) وبالتالى كانت مهمته هى امتحان العقل ومحاولة ضبطه بضوابط محكمة تكون من خلالها الميتافيزيقا مشروعة . وهذه المحاولة النقدية قد استمرت طوال فلسفته فلم يتخطى هذه المرحلة من الامتحان ولم يتخطى هذه النسبية ، بل ظل فى النقد والمعرفة وضبط العقل .

وهذه الصورة نجدها أيضا فى أول كتاب من السلسلة التى خصصها بدوى لكنت . وهو كتاب "إمانويل كنت" ، حيث عرض فى هذا الكتاب لنقد العقل الخالص لكنت . والحقيقة أن طريقة عرضه هنا هى جد مختلفة – كما سبق أن ذكرنا – فهو يعرض هنا أولاً لحياة كنت وعلاقته بالسياسة والثورة الفرنسية ، حيث يقدم قائمة كبيرة بكل مؤلفات كنت . أما فى القسم الثانى فيتناول فلسفة كنت ومصادرها وارتباطه بالفلاسفة السابقين عليه مثل ليبنتز وفولف ولمبرت ..الخ . ويوضح المرحلة فبل النقدية والمرحلة بعد النقدية ، حيث يتناول فى المرحلة النقدية كتاب "نقد العقل الخالص" لكنت حتى نهايته .

ولقد ركز بدوى فى كتاباته عن كنت على الفترة ما بعد 1762 ، ولم يعرض على الإطلاق لأى من كتابات كنت قبل هذه الفترة ، وذلك رغم أنه فى ثبت المؤلفات التى رصدها بدوى نجده يرصد مؤلفات لكنت ترجع إلى عام 1746 . فالمؤلفات التى بين عامى 1746 – 1762 هى تُشكل جل مؤلفات كنت العلمية ، حيث يتناول فيها كنت موضوعات فيزيائية . فنجد على سبيل المثال :

" التاريخ الطبيعى للسماء ونظريتها ، أو بحث فى تركيب بناء العالم كله وأصله الميكانيكى، وفقًا لمبادىء نيوتن " 1755

" مواصلة التأملات فى اهتزازات الأرض المدركة منذ بعض الوقت " 1756

" تصور جديد للحركة والسكون والنتائج المترتبة عليه فى الأسس الأولية لعلم الطبيعة " 1758

وبالإضافة إلى ذلك نجد رسالة لكنت ضمن ثبت بدوى بعنوان "المونادولوجا الفيزيائية أو استخدام الميتافيزيقا مع الهندسة فى الفلسفة الطبيعية :النموذج الأول " 1756 . ونذكر هنا أن بدوى عند حديثه عن ليبنتز لم يُشر من قريب أو من بعيد إلى هذه الرسالة .

وهذا الاهتمام بهذه الفترة من حياة كنت ربما لم يرُد حق كنت كعالم . فلم يُشر بدوى فى أى من كتاباته عن كنت إلى شرح ولو مبسط لأحد هذه الرسائل ، وذلك رغم إجادته للألمانية . إلا أن المبرر الذى يمكن أن نصوغه هو هذا الموقف الخاص برؤية بدوى الخاصة لكنت على أنه صاحب نظرية المعرفة وصاحب نظرية النقد وبالتالى فلا شأن لنا بالجوانب العلمية الفيزيائية لديه .

وذلك لا يعنى إنكار من قبل بدوى لتجريبية كنت واتجاهه الرياضى . فلنتأمل سويًا ما قاله بدوى فى تحليل عقلية كنت :

" لكن كنت لم يكن وضعيًا تجريبيًا خالصًا ، ولا ميتافيزيقيًا خالصًا ، بل كان مزاجًا من كليهما : لقد أراد أن يضع حدًا للميتافيزيقا الدوجماتيقية من ناحية ، حتى تقوم الميتافيزيقا على أساس علمى من المعرفة الصحيحة البعيدة عن الفروض غير القابلة للتحقق العقلى أو التجريبى ، لكنه من ناحية أخرى كان يشعر بنوع من الحنين إلى الإبقاء على بعض المعانى الأساسية فى الميتافيزيقا ، وسعى إلى ذلك جهده ، لكنه لم يستطع الإبقاء عليها إلا عن طريق الأخلاق . ومن هنا يمكن التحدث عن نوع من الازدواج فى عقلية كنت : جانب عقلى صارم يلتزم بالبرهان العقلى (والتجريبى) الدقيق ، وجانب أخلاقى يُخلى مكانًا للأمانى الإنسانية فى ميدان الأخلاق . وإذن فعقلية كنت مركبة ، وليست بسيطة ؛ ويختلف الباحثون فى هذا الازدواج : فمنهم من يرده للواحدة ، كما فعل زِمل ؛ ومنهم من يبقى عليه كما هو رأى الأغلبية . " (5)

من الواضح إذن أن بدوى يقسم عقلية كنت إلى نصفين فهو عقل العالِم التجريبى وعقل الأخلاقى الميتافيزيقى . وهذه الثنائية فى فهم كنت هى أساس الصورة البدوية التى تعود بنا إلى العصور الكلاسيكية والتى تبدو على أنها عصور الازدواجيات . وهذا التصور ذو الطابع المزدوج ليس نتيجة مفاجئة بل هو نتيجة لما انطلق منه بدوى ، حيث نجده يتحدث فى فصل بعنوان "نزاع كنت مع السلطة والرجعية الدينية" عن الصراعات الدينية والسياسية التى عاصرها كنت وكيف كانت مواجهته لهؤلاء . حيث أوضح أن كنت كان محاولاً استكمال الرسالة التنويرية للمناداة بالعقل ضد كل الإرهاب الفكرى الذى ساد فى عصره ، حيث أفرزت هذه المواجهة كتاب "الذين فى حدود العقل وحده" . وربما هذا ما يبرر انعكاس عصر الازدواجيات على العقل الكنتى . فالصورة البدوية هنا تصور لنا العقل الكنتى على أنه لازال متأثرًا بعصر الازدواجيات . فهو يمارس البرهان العقلى فى نقده للعقل ويُبقى على المعانى الأساسية للميتافيزيقا من خلال الأخلاق .

وكذلك يمكن أن نضيف إلى صفة الازدواجية صفة أخرى تتسم بها الصورة البدوية ، هى صفة المصطلحات والتى تتضح فى جل كتابات بدوى عن كنت بصورة عامة وفى كتابه "إمانويل كنت" بصورة خاصة ، حيث نجد أنه يستهل عرضه لكتاب نقد العقل الخالص بمجموعة من التعريفات بالمصطلحات الكنتية والتى يرى أن التعريف بها ضرورى حتى يُتاح للقارئ درجة ما من الفهم لكنت حتى يفهم الكتاب . فهو يعرض لمصطلح "نقد" ومصطلح "متعالى" ، و"العقل المحض" ، والتمييز بين "العقل" و"الذهن" . فالصورة التى نأخذها لكنت من خلال كتابات بدوى ، تصور لنا كنت على أنه رجل المصطلحات المعقدة . والحقيقة أن هذه السمة تعود بنا إلى بدوى ذاته ، فهو دائمًا ما يتفنن فى محاولة إجادة مقابل فى اللغة العربية للمصطلح الغربى . فدائمًا ما يذهب إلى المعاجم العربية القديمة حتى يستقى منها مصطلحاته ليضعها مقابل للكلمات الأجنبية . فقد نحت بدوى العديد من المصطلحات فى اللغة العربية كمقابل لمصطلحات ألمانية وفرنسية وإنجليزية . ومن بين هذا النحت المستمر ترجمته لمصطلحات كنت وهيدجر . وربما نجد أن هذه المحاولات مع كنت وغيره من الفلاسفة فى الترجمة قد أدت إلى استصعاب الفيلسوف ذاته .

فعلى سبيل المثال نجد تمييزًا لدى بدوى بين مصطلحين : العقل Vernuft والذهن Verstand . فنجد أن هذا المقابل فى العربية لم ينجح فى التمييز بين الكلمتين إلى حد ما ، فالعقل هو الذهن فى اللغة العربية ، بينما فى اللغة الألمانية كما يقصدها كنت بينهما اختلاف . ونلحظ كذلك فى تمييزه بين كلمتين أخريين هما العالىTranscendence والمتعالى Transcendental . والمصطلحين فى العربية (العالى والمتعالى) ربما نفس المعنى فكلاهما يشير إلى العلو والارتفاع والمعنى عند كنت مختلف تمامًا ، فليست كلمة متعالى فى العربية هى ما تشير إليه الكلمات فى الألمانية ، فكلمة Transcendental مثلاً تشير إلى التجربة المعرفية القبلية وليس لما يعلو عليها بل تشير إلى ما قبل التجربة .. وبالتالى فهذه المحاولات من قبل بدوى قد زادت من حدة صعوبة المصطلحات الكنتية وجعلت من المصطلحات أكثر صعوبة وأكثر تجريدًا .

وإذا انتقلنا للنظر إلى الأخلاق الكنتية ، فسنجد أن الصورة هنا لم تكن تختلف كثيرًا عما وجدناها فى عرض بدوى لنقد العقل الخالص . فالكتاب الثانى من السلسلة هو (الأخلاق عند كنت) والذى يبدأ فيه بعرض كتاب "مقدمة لكل ميتافيزيقا مقبلة تريد أن تكون علمًا" والذى يستكمل فيه بدوى المشروع الميتافيزيقى لدى كنت .

إن هذه الصورة تصور الأخلاق الكنتية على أنها العقل ، وهى أخلاق صورية وليست موضوعية ، فهى منفصلة عن السلوك والقوانين الطبيعية . حيث نجد بدوى غالبًا ما يعرض الأخلاق الكنتية فى إطار التمييز بين عالمين : هما عالم الأخلاق ، وهو الذى يعطى القانون الأخلاقى ، وعالم الطبيعة والسلوك وعلم النفس وهو العالم النسبى الذى لا يصلح أن يُستقى منه أى قواعد أخلاقية . فعالم الطبيعة عالم نسبى تم فيه تغييرات شتى للواقع والطبيعة وبالتالى فهو عالم ما هو كائن ، بينما ما ينبغى أن يكون هو عالم الأخلاق أو ميتافيزيقا الأخلاق . فيستدل بدوى بعبارة كنت "إن فلسفة الطبيعة تتناول كل ما هو كائن ، أما فلسفة الأخلاق فلا تتناول إلا ما يجب أن يكون ." (6) وبالتالى تصبح ميتافيزيقا الأخلاق أقرب إلى الميتافيزيقا العقلية والتى نتجت عن عملية النقد التى قام بها العقل فى الميتافيزيقا بوجه عام ، حيث يصبح القانون العقلى الذى تم التوصل إليه هو القانون الأساسى الذى يوجه الفعل فيما بعد .

إن هذا الموقف من الأخلاق الكنتية نجده أيضًا فى كتاب"الأخلاق النظرية" والذى يعرض فيه بدوى للغاية من الأخلاق عند كنت على أنها الأخلاق الصورية يقول :

" والأخلاق إذن صورية محض ، أى أنها تتوقف على صورة الأفعال ، لا على مضمونها ، أى على كون هذه الأفعال قد تمت وفقًا للواجب والقانون . وهذه الصورة هى المميزة للإرادة الخيّرة ، وهى الإرادة الخاضعة لقانونها الخاص ، احترامًا لهذا القانون . ولهذا فإن الإرادة الخيًرة هى وحدها الخير بغير قيود ؛ وتبعًا لذلك يجب بالضرورة أن تكون الغاية من القانون . ذلك أنه لكى يكون الأمر مطلقًا ، فلابد أن تكون الغاية التى يفرضها غاية مطلقة ، أى غاية فى ذاتها ، دون قيد ولا شرط ." (7)

فليست الأخلاق هنا مقترنة بالنتائج بل بالمقدمات والتى تتمثل فى الرجوع إلى القانون والواجب . وقد يبدو واضحًا أن صورة كنت لدى بدوى تحمل هنا شئ من التناقض ، حيث تُقرر أن الإرادة الخيّرة هى الخير بغير قيود ، وذلك قد يبدو متناقضًا ، فكون أن هناك أساس يرتكز عليه الفعل فهذا هو أكبر دليل على عدم حرية واستقلالية الخير . فالخير هنا هو الخير الذى تقرره الإرادة الخيًرة وليس ما يقرره الفعل أو الموقف أو الإنسان ذاته . فأينما كان سيكون تابعًا للموقف الأخلاقى النابع من الإرادة الخيّرة . والأكثر من ذلك هو أن هذه الإرادة الخيًرة هى من ابتكار العقل . فمهمة العقل "هى إجاد إرادة خيًرة لا تسعى إلى إشباع الميول، وإنما تكون خيّرة فى ذاتها وبذاتها فحسب" (8) وكأن العقل هنا هو الذى يبحث عن هذا الطريق القبلى للأخلاق حتى ينشد السعادة .

" والعقل يلعب دورًا ضروريًا فى تحقيق السعادة ، وذلك بإرشادنا إلى وسائل تحقيقها . ولكن مهمته الكبرى هى السعى إلى الخير الأسمى ، وهو غير مشروط بالشهوات والحاجات ، وبهذا يؤدى غايته ، وإن لم يؤد تحقيق السعادة . وهذا الخير غير المشروط هو الإرادة الخيّرة" (9)

والحقيقة أن صورة كنت كما تظهر فى "الأخلاق عند كنت" تتبنى على الانفصال القائم بين مجالى العقل والطبيعة . فالعقل هو منبع الأخلاق ويمدنا بقوانين قبلية ثابتة ، بينما الطبيعة تهتم بما هو كائن وهى متغيرة نسبية . ومع هذه النظرة نجد أن هناك استحالة لما يُطلق عليه الآن "الأخلاق التطبيقية" والتى يتم فيها تكوين القانون الأخلاقى بناء على المشكلات الأخلاقية الناتجة عن الإنجازات التى تحدث فى مجال العلم. طبقًا لهذا التصور للأخلاق لا يمكن أن يكون ثمة أخلاق تطبيقية ، فالقانون الأخلاقى هو قانون قبلى والأخلاق لها مجال يبتعد عن الطبيعة والعلم الطبيعى ، فهى تمدنا بالمبادئ القبلية والثابتة والتى نستمدها من الإرادة الخيّرة. وبالتالى فلا يمكن أن يكون ثمة تجدد وتغير فى هذه المبادئ فهى ثابتة حتى يمكن أن توجه الإنسان إلى طريق السعادة . أما الطبيعة فهى منفصلة لأنها لها القوانين المتغيرة الخاصة بها وليس موضوع اهتمامها كمثل موضوع الأخلاق . فما هو كائن فى مقابل ما يجب أن يكون . ومن هنا فلا تغيير ولا تجديد ولا قضايا جديدة . وبهذا التصور قد يبدو انفصال القانون عن السلوك ، فعلم النفس مثلاً هو – حسب هذه الصورة – ينضم إلى فلسفة الطبيعة ، ونتائج الفعل ليس لها اعتبار بل الاعتبار فقط لاحترام القانون ولوخز الضمير ..الخ. وذلك من شأنه أن يكسب الأخلاق نوعًا من الجمود والثبات .

وعندما يتحدث بدوى عن ما يسميه "الواقعية الأخلاقية" لدى كنت هو أيضا يتحدث فى إطار هذا الانقسام بين عالم العقل وعالم الطبيعة . قائلاً:

" صحيح أن لدى كنت ما يمكن أن يسمى "الواقعية الأخلاقية" ، كما أن فى العلم واقعية ؛ لكن هذه الواقعية تقوم كلها في القول بأن ضرورة الأخلاق، مثل ضرورة العلم، لا ينبغى أن تنحل إلى واحد من موضوعاتها المادية ، وأنها تستند إلى شرعيتها العقلية Gesetzm ssigheit ." (10)

وبهذا تصبح الواقعية الأخلاقية هى واقعية الإرادة ، والواقع بالنسبة للأخلاق هو واقع القانون العقلى وشرعيته ، فليست الواقعية فى الأخلاق هى واقع التجربة أو السلوك ولكنها هى واقع القوانين الأخلاقية القبلية . فالأخلاق الموضوعية كما وردت فى النص السابق هى موضوعية بحسب تساوقها مع الإرادة الخيّرة ومع قانون كلى ثابت وليس مع الموضوعية المادية . ومن هنا الارتباط بين العنصر العقلى والواقع التجريبى محكًا للوصول إلى الأخلاق عند كنت .

وبذلك فلا يوجد انفصال شاسع بين نقد العقل الخالص ونقد العقل العملى . ففى تصور بدوى، أن العناوين تبدو واحدة فالأول "نقد العقل النظرى المحض" الثانى "نقد العقل العملى المحض" . حيث نجد بدوى فى "الأخلاق عند كنت" يعقد مقارنة بين الكتابين ، حيث يكمل بعضهما الآخر ، وهو يستدل بنص لكنت من نقد العقل العملى يوضح فيه كنت الفرق بين الكتابين . ومفاد هذا النص أن نقد العقل العملى فى تقسيمه يجب أن يكون نفس تقسيم الكتاب الأول وذلك مع أن طريقة السير ستكون عكسية فى العقل العملى . ففى العقل العملى سيبدأ من المبادئ ويمضى إلى التصورات ، ومن التصورات إلى الحواس ، بينما فى العقل النظرى يبدأ من الحواس وينتهى بالمبادئ . حيث أنه فى العقل العملى هو بازاء إرادة وعليه، فإن نظرة كنت هنا ستكون مختلفة للعقل . ففى العقل النظرى كان يُنظر إلى العقل نظرة نقدية مفردة ، بينما فى العقل العملى يُنظر إليه على أنه مرتبط بالإرادة . (11)

ويؤكد بدوى على التشابه بين نقد العقل العملى و"تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق"

" وهذا يُفضى بكنت إلى صياغة القانون الأساس (الأول) للعقل المحض العملى ، وهو عينه الذى رأيناه من قبل فى "تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق" "أفعل بحيث قاعدة إرادتك يمكن دائمًا أن تصلح فى نفس الوقت أن تكون مبدأ لتشريع كلى" . "(12)

وهذا النوع من المشاركة بين العقلين قد جعلهم فى النهاية عقلاً واحدًا . فبرغم هذا الانقسام بين عالم محسوس وعالم معقول ، فلسفة أخلاق وفلسفة طبيعة ، إلا أن بدوى يرى أن العقل واحد وليست هناك عقول كما يبدو من عناوين كتبه . " على أى حال يرى كنت أنه وإن كان العقل واحدًا ، فإن له استعمالين :- أحدهما نظرى ، والآخر عملى ؛ وأنه يجوز للواحد ما يجوز للآخر ؛ وأن ما يراه العقل العملى ينبغى أن يعدّ معرفة نظرية ، مثل تلك المعرفة التى يصل إليها العقل النظرى ، وإلا وقعنا فى تهاويل الثيوصوفيين والصوفية والميتافيزيقيين والدوجماتيقيين ." (13) فالعقل واحد والفرق هو الاستعمال ، فكلاهما محض والأخلاق صورية وكلاهما يصل إلى معرفة نظرية وصور هذه المعرفة النظرية فى العقل العملى هى من أولها المصادرات .

وهنا تنتهى الأخلاق إلى صورة متعالية معرفية صورية قبلية كما انتهت تصورات الزمان والمكان وكما انتهت الميتافيزيقا إلى وضع العقل عند حدوده المعرفية. وكذلك ستكون السياسة هى وفقًا لقانون متفق عليه . فنظرية كنت فى السلام تتميز باتساقها مع نظريتى المعرفة والأخلاق .ولا يمكن فهمها أبدا بمعزل عن المبادئ التى قررها نقد العقل النظرى ، ونقد العقل العملى وتأسيس ميتافيزيقا الأخلاق .(14)

وحتى فى علم الجمال سنجد أن هذا الانقسام بين عالم محسوس وعالم معقول واضحًا ، فهناك مثلاً نوعان من الجمال ، جمال حر ، وجمال لاصق . فالجمال الحر هو الجمال الطبيعى الذى يعرفه علماء النبات عن جمال الزهرة مثلاً ، أما الجمال اللاصق فهو يفترض تصور غاية تحدد ما ينبغى أن يكون . فنجد بدوى يميز بين الكامل والجميل عند كنت :

"والخلاصة أن كنت يرى أن الكامل عقلى ،بينما الجميل ليس عقليًا بل شعوريًا . فنحن إما ننجذب إلى الشىء أو ننفر منه . والكامل هو المطابق للتصور . أما الجميل فهو مضاد للتصور :إن الجمال يقوم فى شئ غامض ، ليس فى الكامل . وما هو عقلى فى الكامل ينفر منه الجميل ؛ والحكم الغائى عقلى ،أما الحكم الجمالى هو حكم ذوق يعمم اللذة . والكامل استاتيكى ، وبالتالى خالٍ ؛ أما الجميل فهو ديناميكى ، ولهذا ينبض بالحياة ." (15)

وهكذا بدت الصورة – ورغم اختلاف طرق عرضها – واحدة فى جميع الموضوعات . فهذه الصورة لدى بدوى قد تبدو هى الصورة الأساسية لدى معظم الباحثين العرب والتى يظهر كنت فيها على أنه فيلسوف المعرفة وفيلسوف العقل الذى يضع العقل تحت المجهر ، وهو فيلسوف الواجب الذى قد نفكر كلنا على طريقته ، وهو فيلسوف يضع العقل فى المقدمة فهو الأساس الذى يمدنا بكل القوانين التى نسير بها فى حياتنا سواء أخلاقية أو سياسية .. الخ.

وربما تعود هذه الصورة – كما سبق أن أشرنا – إلى تفكير بدوى ذاته وفكره الخاص . والحقيقة أن نظرة بدوى المتعالية للفلسفة بصورة خاصة وللمجتمع بصورة عامة هى الجذر الأساس لهذه الصورة . فمنذ البداية مع اختيار كلمة متعالى كمقابل لمصطلح كنت Transcendental وكلمة عالى كمقابل لكلمة Transcendence كان المفهوم أن يضع فى مستوى العلو وأن يضع فلسفة كنت كلها فى مرتبة "عالية" ، فهذه الكلمة الأخيرة نجد فى معناها ودلالتها جل الصورة لدى بدوى وقلب تفكير بدوى . حيث أن الصورة العالية والمتعالية على التجربة ، والقوانين القبلية السابقة على التجربة هى تعلو عليها . هكذا نجد فى ترجمة بدوى للمصطلح مغزى تصوره للفلاسفة .

وذلك ما يدعنا نتساءل إذا وضعنا هذه الصورة أمام المرآة فماذا سنرى فى المرآة؟! هل سنرى صورة بدوى ، أم سنرى صورة كنت ؟!بعبارة أخرى ما الذى ستكشف عنه هذه الصورة ؟ . إننا لا يمكن أن نرى كنت فى هذه الصورة ، لأن كنت أصبح موجودًا فى مرآة بدوى وليس هو كنت على الحقيقة . وذلك لم يكن مع بدوى وحده ،بل مع كل الباحثين فى تاريخ الفلسفة . فأى باحث يعرض لفيلسوف ويغوص فى نصوصه هو يعرض للصورة التى انطبعت فى عقله ، هو يعرض لما يراه هو فى هذا الفيلسوف أو ذاك . وبالتالى كنت لا نراه كما هو ، ولكن نراه فى مرآة بدوى أو فى مرآة بدوية – إن جاز هذا التعبير - ، أو نرى كنت البدوى . وهنا لا نكون بحضرة كنت بل نتجاوزه إلى حضرة بدوى . فهذه الصورة المتعالية تكشف عن تعالى بدوى فى ذاته . فهى تكشف عن الملامح الرومانتيكية الوجودية التى تميز بها بدوى . والتى تبدو فى النظرية الفلسفية الخاصة به – والتى فى رأيى النظرية الوحيدة لديه – وهى نظرية "الهوّات" والتى يقر فيها بأن العدم هو أصل الحرية وذلك تبعًا لمبدأ الفردية بين البشر. فالحرية لا تتاح للفرد إلا إذا كانت هناك هوّة تفصل بين الأفراد وهذه الهوّة هى العدم . وتلك النظرية برغم أنها تأتى كنقد لمذهبى هيدجر وبرجسون ، إلا أنها توضح عنصر الطبقية والرومانتيكية التى تبدو فى التمييز بين البشر والتى تمتع بها بدوى. فهذه النظرة قد اشتركت مع نظرته للفلسفة فى تكوين ملامحه . فنظرته للفلسفة أيضًا كانت نظرة متعالية ، فالفلسفة مثلاً عنده هى الميتافيزيقا ولا تكون إلا كميتافيزيقا والميتافيزيقا تعنى العلو بشكل ما . فكل ميتافيزيقا هى علو بشكل ما وكل فلسفة هى نوع من الميتافيزيقا من حيث أنه علو .

كل ما سبق هو ما وراء الصورة ، هو ما يختفى وراءها . وكأن مسار بحث هذه الصورة هو الانتقال من كنت إلى بدوى ، أو بعبارة أخرى نريد أن نقول أن بدوى قد جعل كنت بدويًا. وذلك شبيه بما يفعله الكثير من المفكرين والفلاسفة
02-24-2008, 01:03 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  المياتافيزيقا بعيون كانط رشيد عوبدة 9 2,781 08-21-2011, 01:34 PM
آخر رد: Kairos
  الواقع الفيزيائي بين كانط ولابلاص مصطفى قشوح 0 1,517 05-06-2011, 03:38 PM
آخر رد: مصطفى قشوح
  كانط في فضاء هابرماس لايبنتز 1 1,625 03-20-2008, 07:34 PM
آخر رد: لايبنتز
  منزلة كانط في مدرسة فرانكفورت لايبنتز 5 3,543 03-13-2008, 06:36 PM
آخر رد: لايبنتز
  محنة التنوير بين ميشيل فوكو وإمانويل كانط سيناتور 1 1,877 03-10-2008, 06:00 PM
آخر رد: سيناتور

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS