رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمّقة في العلوم السياسيّة
إعداد الطالب إشراف الأستاذ العميد
عبّاس عساكرة د. شفيق سعيّد
السنة الجامعية
2003 ـ 2004
إهــــــداء:
إلـــى كــل الشعـــوب المـضـطــهدة والـواقـعـة تحــت نيـر الإستعــمار وظلــم وإستبداد الإحـتـــلال، وخاصة
" الشعب العربي الأحوازي"
مـــدخـــــل عـــــــــام
غالباً ما تؤدّي رابطة الجوار إلى إرتباط الدول والشعوب المتجاورة فيما بينها بعلاقات مبنيّة على الود والتفاهم والتعاون المشترك. ولكن هذه الرابطة نفسها وبرغم جذورها التاريخيّة الموغلة في القدم، خلقت بين الأحواز وإيران مشكلة حقيقيّة استعصت على الحلّ وكانت دائماً من الأسباب التي تثير النزاعات بين شعبين، أولهما الشعب العربي الأحوازي والثاني هو الشعب الفارسي الإيراني.
وقد فرضت القضيّة الأحوازيّة نفسها كعامل مثير للنزاع في المنطقة، وألقت بظلالها ليس على العلاقات الإيرانيّة - الأحوازيّة فحسب، بل امتدت لتشمل حتّي العلاقات الإيرانيّة - العراقيّة، إضافة إلى تأزّم العلاقات بين إيران وبعض الدول العربيّة التي حاولت تبنّي أو طرح القضيّة الأحوازيّة من حيث المبدأ. لذا فان وجودها يؤثر حتماً على العلاقات الوديّة بين إقليمي الأحواز وإيران، ويؤدي تطوّرها في الكثير من الأحيان إلى وقوع إشتباكات بسبب ما يتقدّم به الشعب الأحوازي من مطالب لنيل حريّاته الأساسيّة، والأسلوب الذي تستخدمه الدولة الإيرانيّة للتعامل مع هذه المطالب. لذا فان القضيّة الأحوازيّة أحوج ما تكون إلى التحليل والدراسة.
وقد فرضت القضيّة الأحوازيّة نفسها كعامل مثير للنزاع في المنطقة، وألقت بظلالها ليس على العلاقات الإيرانيّة - الأحوازيّة فحسب، بل امتدت لتشمل حتّى العلاقات الإيرانيّة - العراقيّة، إضافة إلى تأزّم العلاقات بين إيران وبعض الدول العربيّة التي حاولت تبنّي أو طرح القضيّة الأحوازيّة من حيث المبدأ. لذا فان وجودها يؤثر حتماً على العلاقات الوديّة بين إقليمي الأحواز وإيران، ويؤدي تطوّرها في الكثير من الأحيان إلى وقوع إشتباكات بسبب ما يتقدّم به الشعب الأحوازي من مطالب لنيل حريّاته الأساسيّة، والأسلوب الذي تستخدمه الدولة الإيرانيّة للتعامل مع هذه المطالب. لذا فان القضيّة الأحوازيّة أحوج ما تكون إلى التحليل والدراسة.
واستقراء المجتمع الدولي في الوقت الحاضر يؤدي إلى ملاحظة هامّة وهي أن الصفة الغالبة في العلاقات الدوليّة الميل إلى حلّ النزاعات والمشاكل المعلقة بالوسائل السلميّة تحقيقاً لمصلحة المجتمع الدولي في السلم والأمن والاستقرار، ومن هنا تظهر أهميّة البحوث العلميّة واضحة، فبإخضاع المشاكل الدوليّة للدراسة والتحليل إنما تساهم في المزيد من فهمها، ولذلك فلم يكن الهدف من إختيارنا لموضوع "القضيّة الأحوازيّة" أن يكون مجرّد بحث يقدّم لنيل شهادة في الدراسات المعمّقة (Diplome Des Etudes Approfondies) في العلوم السياسيّة فحسب، وإنما الدافع الأساسي وراء هذا الإختيار أن نساهم في فهم قضيّة دوليّة تؤثر على العلاقات "الأحوازيّة العربيّة" – "الإيرانيّة الفارسيّة" وتخلق توتراً في منطقة الخليج العربي قد يؤدّي إستمراره إلى تطوّرات ليس في صالح شعوب ودول المنطقة، وضرورة تحليل القضيّة في ضوء ميثاق الأمم المتحدة والقانون والعلاقات الدوليين، ولا ريب ان ذلك يضفي على دراستنا أهميّة خاصّة.
وبالتالي فإن دراستنا هذه ليست مجرّد بحث في مشكلة معيّنة - رغم أهميتها- فحسب، وإنما هي محاولة جديّة لفهم مشكلة مزمنة يعكّر بقائها واستمرارها صفو العلاقات التي يفترض أن تكون وديّة بين كافة شعوب المنطقة. نأمل أن تكون الدراسة خطوة صحيحة بإتجاه تحليلها مادامت تستهدف التوصّل إلى حقيقة القضيّة الأحوازيّة من الناحية القانونيّة.
إنّ تاريخ الصراعات السياسيّة عرف سجالات كثيرة في قضايا دوليّة من هذا النوع كانت الغاية منها دائماً ولا تزال إقناع الجماعات بصحّة هذا الطرح السياسي أو ذاك، وذلك بغية كسب ولائها لفئة دون أخرى في قيادة المجتمع وتنظيمه. وقد شهد القرن العشرين قضايا عدّة في منطقتنا العربيّة كالقضيّة الأحوازيّة التي يمكن اعتبارها نتاج الحرب العالميّة الأولى أو القضيّة الفلسطينيّة التي برزت بعد الحرب العالميّة الثانية.
فانّ تناول أي من هذه القضايا لتحليلها يستدعي حتماً الوقوف عند حقائقها، لذلك رأينا انه لا يتأتى فهم القضيّة الأحوازيّة إلا بالوصول إلى حقيقتها، وعليه فقد رأينا أن ذلك يستلزم دراسة المراجع الإيرانيّة وعلى وجه الخصوص الرسميّة منها، إضافة إلى المراجع العربيّة والأجنبيّة بقصد تقليب وجهات النظر المختلفة في هذه القضيّة وترجيح الجانب القانوني، محاولين بذلك استبعاد الجانب السياسي منها، مستهدفين الخروج في نهاية دراستنا بالحقيقة المجرّدة لتلك القضيّة، ضمن إطار واقعي مستند إلى أساسين في منطق البحث العلمي:-
أولاً: تلمّس حقيقة مشكلة إقليم الأحواز بهدف إلقاء الضوء على الجوانب الغامضة فيها، على أساس أنّ توضيح تلك الجوانب سيؤدّي حتماً إلى رفع الغموض الذي يحيط بالمشكلة نفسها، ويعيق فهمها الأمر الذي رُبما سيجعل من السهل علينا فهم جوهر الخلاف بين طرفي النزاع.
ثانياً: المساهمة في تسليط الضوء على القضيّة الأحوازيّة، فانّ الدراسات التي وضعت باللغة العربيّة – رغم ندرتها – لم تقدّم لتلك القضيّة (المشكلة) ما تستحقها من دراسة، حيث انصبّت في غالبها على الجانب السياسي للقضيّة طغى عليها الأسلوب الحماسي العاطفي في العديد من الحالات دون أن تقدّم حلولاً منطقيّة تستند إلى قواعد القانون الدولي - على الرغم من أهميّة الدور الذي يمكن أن يلعبه هذا القانون في حلّ المشاكل الدوليّة - ولا ريب أن ندرة الدراسات التي تناولت القضيّة الأحوازيّة من مختلف جوانبها كانت من أبرز العوائق التي واجهتنا في بحثنا هذا.منهج البحث
إذا كان فهم القضيّة الأحوازيّة لا يتأتى إلا بالتوصّل إلى حقيقتها، فقد رأينا أنّ تحقيق ذلك يتطلب أنْ تشمل دراستنا:
أولاً: أسباب المشكلة
وإذا كان السبب الرئيسي لنشأة المشكلة وبروز القضيّة الأحوازيّة يعود إلى الوجود الفعلي للدولة الإيرانيّة في إقليم الأحواز، الذي ترتب نتيجة للحرب التي شنّتها الأولى سنة 1925 ضد الدولة الكعبيّة الأحوازيّة. وما دمنا نستهدف المساهمة في طرح مشكلة الأحواز التي تثير النزاع الدائم في المنطقة بين شعب الأحواز من جهة والدولة الإيرانيّة من جهة أخرى، إضافة إلى النزاعات الإقليميّة كالحرب الإيرانيّة - العراقيّة (1980- 1988)، لذا تعيّن علينا البحث في الأسباب التي أدّت إلى نشأة هذه المشكلة بالكشف عن جذورها، ولعلّ ذلك يثير تساؤلات عديدة:
1- كيف أن العوامل الجيوستراتيجيّة قد شكلت أحد أهم الأسباب لإندفاع القوى الأجنبيّة تجاه الأحواز، وصلت في الكثير من الأحيان إلى حدّ النزاعات المسلحة التي خاضتها تلك القوى الطامعة في الإستيلاء عليه، كما خاضها شعب الأحواز دفاعاً عن وطنه وحفاظاً على استقلاله واستقراره؟ وما هو دور العوامل التاريخيّة منذ العصور القديمة ومروراً بفترة وجود الدولة الإسلاميّة وقيام الدولة العربيّة المشعشعيّة في الإقليم، وإنتهاءاً بتأسيس الدولة العربيّة الكعبيّة؟
2- ما هو الوضع القانوني لإقليم الأحواز قبل سنة 1925؟ فإذا كان الوجود الفعلي للدولة الإيرانيّة قد ترتب نتيجة للحرب التي شنّتها ضد الدولة الكعبيّة كما أشرنا، فإن التوصل إلى حقيقة الوضع القانوني لإقليم الأحواز يفترض إبتداءً: البحث فيما إذا كانت الدولة الكعبيّة تمثل فعلاً ما يسمّى بمفهوم الدولة في لغة القانون الدولي.
3- مدى مشروعيّة تغيير المركز القانوني لإقليم الأحواز في سنة 1925؟ فإذا كانت الدولة الإيرانيّة قد غيّرت المركز القانوني لهذا الإقليم نتيجة للحرب التي شنّتها في ذلك العام، فإن تقييم مدى مشروعيّة هذا التغيير يفترض البحث في مدى قانونيّة تلك الحرب في ضوء قواعد القانون الدولي التي كانت سارية آنذاك.
ثانياً: وضع المشكلة في الوقت الحاضر
إذا كان تغيير الدولة الإيرانيّة للمركز القانوني للأحواز قد أنشأ وضعاً جديداً للإقليم، فلا شكّ أنّ استمرار هذا الوضع على ما هو عليه منذ تلك السنة وحتى الوقت الحاضر يثير تساؤلات عديدة:
1- ما هي الإجراءات التي اتخذتها الدولة الإيرانيّة تجاه إقليم وشعب الأحواز بعد أن تسنّى للأولى وضع اليد على الأحواز، ومدى تطابق تلك الإجراءات والحقوق السياسيّة التي يطالب بها شعب الأحواز في ضوء قواعد القانون الدولي.
-2 ما هو أثر استمرار وضع اليد الإيرانيّة على الأحواز منذ سنة 1925 وحتى يومنا هذا على المركز القانوني للإقليم، في ضوء الإعتبارات المتعلقة بالإجراءات التي اتخذتها الدولة الإيرانيّة تجاه إقليم وشعب الأحواز، وما هو أثر إستمرار بقاء الوضع الراهن على الحقوق الإنسانيّة لشعب الأحواز؟
-3 منذ أن وضعت الدولة الإيرانيّة يدها على الأحواز لم يشهد الإقليم الهدوء بسبب الثورات والانتفاضات المتتالية التي قام بها شعب الأحواز، وقد رافقت تلك الانتفاضات العديد من المطالب توجّه بها الأحوازيّون الي الدولة الإيرانيّة، كما أدلوا بها في العديد من المحافل الإقليميّة والعالميّة، وقد تمثلت هذه المطالب "بالتحرير والإنفصال" تارة و"بالحكم الذاتي" أو "الحق في تقرير المصير" تارة أخرى، فما هو الأساس القانوني للمطالب الأحوازيّة، وكيف جابهتها الدولة الإيرانيّة؟
-4 منذ عام 1946، تأسّس "حزب السعادة" في الأحواز الذي طالب بتمتع إقليم الأحواز بالحكم الذاتي، وفي عام 1956، نجد أن "الجبهة القوميّة لتحرير الأحواز" تطالب بحق شعب الأحواز في تقرير مصيره، وقد دعّمت مطالبها بنشاط مسلح موجّه ضد مظاهر الوجود الإيراني في الأحواز، كما تأسّست العديد من التنظيمات السياسيّة في الإقليم فيما بعد وكانت هي الأخرى لها توجّهاتها ومطالبها التي لا تختلف بكثير عن تلك التي رفعتها سالفاتها من التنظيمات الأحوازيّة، الأمر الذي يستلزم توضيح موقف القانون الدولي من هذه المطالب، وإمكانية تطبيق "الحكم الذاتي" أو "الحق في تقرير المصير" في إقليم الأحواز، والمشاكل التي قد يثيرها هذا التطبيق، ومدى التزام الدولة الإيرانيّة بالسماح لشعب الأحواز بالتمتع بحقوقه وأهدافه.
وقد رأينا أن الإجابة عن تلك التساؤلات تقتضي تقسيم دراستنا إلى أبواب ثلاث:
لذلك خصّصنا الباب الأول لدراسة العوامل الجيوستراتيجيّة والجيوسياسيّة والتاريخيّة لإقليم الأحواز، وقد تضمّن الإطارالجغرافي والإقتصادي لمحة موجزة عن الأهميّة التي يكتسبها الإقليم، وقد قدّمنا هذا العامل على العوامل التاريخيّة منذ العصور القديمة لإقليم الأحواز، وكذلك وضعه القانوني قبل عام 1925، حيث كان كلا العاملان سبباً هاماً في جعل الإقليم عرضة للأطماع الأجنبيّة، الأمر الذي أدّى إلى وضع يد الدولة الإيرانيّة على الأحواز منذ عام1925 ، ونشأة القضيّة الأحوازيّة منذ ذلك التاريخ.
وتناولنا في الباب الثاني دراسة مدى إنطباق صفة الدولة على النظام القانوني والسياسي السائد في الأحواز قبل عام 1925، ومدى مشروعيّة تغيير المركز القانوني للإقليم في ذلك العام، وتحليل تداعيات القضيّة وتطوراتها، والإجراءات التي إتخذتها الدولة الإيرانيّة تجاه إقليم وشعب الأحواز، وأثر استمرار بقاء ذلك الوضع على الحقوق الإنسانيّة والحرّيات الأساسيّة لشعب الأحواز.
أما الباب الثالث فقد خصّصناه لردّة فعل شعب الأحواز تجاه تغيير المركز القانوني لإقليمه منذ عام 1925 حتى عام 1979 (إندلاع ثورة الشعوب الإيرانيّة). والمنعرج الجديد الذي شهدته القضيّة الأحوازيّة بعد الثورة حتى وقتنا الراهن، وعدم خروج الحركة الوطنيّة الأحوازيّة عن القاعدة التي رسمها الأسلاف والمتمثلة في المطالبة "بالحكم الذاتي" أو "الحق في تقرير المصير". وعلى اثر هذه المطالب بينّا مدى استجابة إقليم وشعب الأحواز لتطبيق "الحكم الذاتي" وكذلك "الحق في تقرير المصير" وفقاً لقواعد القانون الدولي التي تشترط أوّلاً مطالبة ساكني الأقاليم بمثل هذه الحقوق.
وأنهينا دراستنا بالاستنتاجات ذكرنا فيها خلاصة ما توصلنا إليه من نتائج، وشرح وتحليل هذه القضيّة الدوليّة بطريقة رأينا انها أكثر ملائمة للمطالب الأحوازيّة والممارسات الإيرانيّة تجاه إقليم وشعب الأحواز من ناحية، ومتسقة مع مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة من ناحية أخرى.
البــاب الأوّل
مقوّمات القضيّة الأحوازيـّة
الفـــصل الأوّل:إقليم الأحـواز مطمع القوى الأجنبيّة
الفــصل الثاني: نشـأة القــضيّة الأحــوازيّــة والعـوامل التاريخيّة
الفـصل الأوّل:إقليم الأحواز مطمع القوى الأجنبيـّة
المبحث الأوّل: الخـصوصيّة الإستـراتيجيّة للإقليم
§ فقرة 1: خصوصيّة الموقع وأهميّته
· أهميته الموقع
· تنوّع الحدود
· إتساع الإقليم
§ فقرة 2: أصالة المدن والسكان
· عراقة المدن
· أصل السكان
§ فقرة 3: الأهمية الإستراتيجيّة للمياه
· وفرة الأنهار
· أهميّة الأخوار (المصبات)
المبحث الثاني: أهمية العوامل الاقتصاديّة في نشأة القضيّة الأحوازيّة
§ فقرة 1: الأحواز كممر تجاري إستراتيجي
§ فقرة 2: الزراعة والرعي
· خصوبة الأرض
· الرعي وتربية الحيوانات
§ فقرة 3: الصناعة والمعادن
· الصناعة ودورها
· المعادن الطبيعية وتنوّعها
· النفط والغاز الطبيعي
الفصــل الأوّل
إقليم الأحواز مطمع القوى الأجنبية
ان الأهميّة الجغرافيّة لأي منطقة من شأنها أن تجعل تلك المنطقة محط أنظار الدول الأخرى لتأمين مصالحها وحمايتها، وهكذا بالنسبة إلى إقليم الأحواز الذي يتميّز بموقع جغرافي بالغ الأهميّة بحكم وجوده على رأس الخليج العربي، ومحاذاته لشط العرب ــ كممر تجاري أيضاً ــ إذ يشكّل الإقليم نقطة مرور للبضائع المارّة من الهند واليها من بقية البلدان القريبة منها والبعيدة.
ونظراً لما يتمتع به الإقليم من أهمية استراتيجية وثروات اقتصادية هائلة، فقد جعله عُرضة لمطامع القوى الأجنبية الكبرى التي جابت مياه الخليج العربي على مرّ التاريخ. ولذا رأينا من الضروري تسليط الضوء على جميع هذه العوامل الهامة، وتبيان موقع الإقليم وتعيين حدوده الذي يعد أمراً هاماً بالنسبة لدراستنا.
ولأن عنوان الدراسة قد تضمّن مصطلح "القضية"، فرأينا انه من الضروري تفسير هـذا المصطلح في بداية دراستنا، (إذ تعرّف القضـيّة (Thèse باللغة الفرنسية)، وThesis) باللغة الإنكليزية)، على انها إثبات نظري يقدّم بشكل عام كحقيقة جزئية بحيث ان نقيضها (Antithèse)، هو صحيح أيضاً. وتستخدم القضية أو الأطروحة للدلالة على موقف معيّن نلتزم بالدفاع عنه ضد اعتراضات الخصم. كدفاع فيلسوف عن وجهة نظره من قضيّة محدّدة أو تأكيد رجل سياسي على فكرته في مواجهة أفكار خصومه)([1]).
كما تستخدم القضية في الجامعة للدلالة على بحث يقدّمه الباحث للحصول على درجة علميّة من خلال إثباته لوجهة نظر معيّنة بطريقة منهجيّة منطقيّة.
ومن الناحية الجدليّة (تعني كلمة قضيّة حدّاً أو طرفاً في نظام مؤلف من ثلاثة قضايا أو ثلاثة حدود بحيث أن القضيتين الأوليتين هما متناقضتان (قضيّة ونقيضها) وأن القضية الأخيرة (Synthèse) "الجميعة" تجمع بين القضيتين المتناقضتين السابقتين وترفع هذا التناقض إلى مستوى أعلى. هذا ويعبّر عن القضيّة بزمن الحاضر كأنها إثبات أو تأكيد أو كأنها موقف "حقيقي". من هنا اكتسابها صفة الجزم أو القطع كما لو أنها لا تقبل الرد)([2]).
كما عبر عن القضيّة أيضاً بـ: ("هو أو هي كذلك ... أو ليس ولا ...". إذاًَ القضيّة هي موقف مفنّد وداحض. لأن الإثبات يقتضي الإنكار والرفض والمهادنة والتوفيق)([3]).
ولهذا نجد القضيّة تستخدم كسلاح شديد الفعاليّة في الصراع السياسي والنقاشات السياسيّة بهدف دحض مزاعم الغير أو نقيض حجّة الخصوم. فهي تساعد على تحديد طبيعة التناقض بين الأطراف المتصارعة تمهيداً لاتخاذ الموقف الصحيح، كما تساهم من خلال تمحور النقاش حول الاختيارات السياسيّة على كشف ما إذا كان الطرح النظري يعكس فعلاً التناقضات القائمة في الواقع أو إمكانية ترجمته إلى برنامج سياسي يمكن تطبيقه على الأرض.
المبحث الأول: الخصوصيّة الإستراتيجيّة للإقليم
§ فقرة 1: خصوصيّة الموقع وأهميته
· أهميته المـوقـع
يقع إقليم الأحواز في نصف الكرة الشمالي ضمن المنطقة المعتدلة الشمالية، بين 30 – 40 شمال خط الاستواء، وبين 46 – 51 شرق غرينويج، وبين 44 – 49 شرق باريس.
ويقع جنوب وجنوب غرب إيران، تفصله عنها سلاسل جبال "زاجروس" (وكأنها "حائط" يحيط بهذا الإقليم ويفصله عن فارس)([4]). وأما بالنسبة إلى الوطن العربي فيقع في الجنوب الشرقي من جمهورية العراق، وشرق الخليج العربي.
يعتبر إقليم الأحواز عربياً بماضيه وحاضره، فمنذ القدم كان عربياً والدليل:
1- عدم وجود حدود طبيعة بين الأحواز والوطن العربي كما هي بينه وبين إيران حيث سلاسل الجبال في الشمال والشمال الشرقي، أما باتجاه الوطن العربي فإمتداده دون عوارض.
2- تقارب و تشابه المناخ بينه وبين الأقطار العربية.
3- ولما كان المناخ متقارباً ومتشابهاً، فالنباتات التي تتأثر بالمناخ متقاربة ومتشابهة وما هي نخيل الأحواز إلا امتداد لنخيل البصرة العربي.
4- وحدة اللغة – فاللغة العربية هي السائدة في الأحواز وهي لغة سكانه.
5- وحدة التاريخ – فالأحواز، مرّت مع الوطن العربي في مراحل تاريخيّة واحدة منذ أيام "العيلاميين" و"السومريين" و"الكلدانيين"، ويؤلف القسم الذي تغسله مياه "كارون" مع بلاد "ما بين النهرين" وحدة اقتصادية شاركت سابقاً في الإزدهار "السومري" و"الكلداني" كما أنها وقعت كلها تحت سلطان الفرس عندما أسّسو على يد "كوروش" و"داريوش" امبراطوريتهم العظيمة، وإثر انحطاط هؤلاء (خضعت للعرب الذين امتد سلطانهم عبر إيران حتى الهندوس)([5]).
6- وحدة الجغرافيا:
أ – قال ابن حوقل (وما كان من حدود عبادان إلى الأنبار مواجهاً لنجد والحجاز على ديار أسد وطيء ومضر وسائر قبائل مضر فمن بادية العراق)([6]). وقال نفس الكاتب عن ديار العرب (وأما المسافات بديار العرب فان الذي يحيط بها من عبادان إلى البحرين نحو أحدى عشرة مرحلة، ومن البحرين إلى عُمان نحو شهر، ومن عُمان إلى أوائل مهرة نحو مائة فرسخ)([7]).
ب – قال السيد "ابن عابدين الدمشقي"، (... المنطقة الممتدة غرباً وشرقاَ من القادسيّة إلى حلوان، فيكون للسائر من تكريت على النهاية الشمالية للعراق إلى عبادان وهي على النهاية الجنوبية منه، على شكل تقويس الحد الشرقي بمسافة شهر تكون منطقة جغرافية واحدة)([8]).
ج – ان الأحواز الغربيّة هي طرف الهلال الخصيب الذي يبدأ عند السهول الفلسطينية وينتهي عندها مارّاُ بلبنان وسورية والعراق كما وصفه "بيير روندو" وهو (يجتاز ما بين الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط منطقة هي في ثلاثة أرباعها صحراوية. وفي العصور الحديثة لم تستطع المركزيّة المتطرفة التي تتبعها كل من بغداد وطهران ان تحول دون إظهار الروابط الوثيقة المشتركة بين سكان ضفتي شط العرب، هذه الروابط التي خلقها عندهم النهر العظيم والبحر الزمرّدي)([9]). تلك هي وحدة التاريخ والجغرافية والاقتصاد لمنطقة شط العرب، ووحدة اللغة وطريقة التفكير وحتى طريقة الاستهلاك عند سكانها، ووجود النفط فيها.
د- الخليج الذي يشبه إلى حد بعيد بحيرة بدون عمق، إنما هو امتداد للأنهار القديمة الكبيرة دجلة والفرات وكارون، وقديماً كانت هذه الأنهار تغذّي بمياهها كل واحدة منها على حدة، غير أن ما حملته من رواسب مع مياهها حسر مياه البحر على الشاطيء بمعدل ثلاثة كيلومترات كل قرن... وكان أن التقيت هذه الأنهار.
7- جاء في الرضاعيات الخراجيات (ان سواد الأحواز وسواد العراق وحلب الشام منطقة خراجية واحدة)([10]).
إضافة إلى الروابط الدينية... العادات والتقاليد... وحدة الأهداف والمصالح المشتركة... الخ.
· تنوّع الحدود
يحد الأحوازمن الشمال جبال "لُرستان" ومن الجنوب "الخليج العربي"، ومن الشرق جبال "البختيارية"، ومن الغرب "جمهورية العراق".
ولقد نصّت على هذه الحدود العديد من الكتب الفارسية التي تناولت هذا الإقليم بالبحث*، كما ان بعض الجغرافيين الذين كتبوا عن هذا الإقليم ذكروا هذه الحدود بدقّة أكثر أمثال: "ألمقدسي" و"ابن خرداذبه" و"المستوفي" و"الاصطخري" و"ابن حوقل" الذي كاد ان يكون أكثرهم تحديداً ودقة، فيقول عند ذكر حدود الإقليم (أمّا حدود الأحواز ومحلّها ممّا يجاورها من البقاع المضافة إليها، فان شرقها حد فارس وأصبهان (أصفهان)، وبينها وبين حدّ فارس من حدّ أصبهان نهر طاب، وهو الحد إلى قرب مهربان، ولهذا النهر رستاق كبير وناحية واسعة، وهو نهر عميق عليه جسر من خشب معلّق بين السماء والماء، وبينه وبين الماء نحو عشرة أذرع يعبر عليه السيارة من تلك الناحية والمجتازون بها، ثمّ يصير الحد بين الدورق ومهربان على الظهر إلى البحر. وغربيها رستاق واسط وأعمالها ودور الراسي، وشماليها حد الصميرة والكرج واللور حتّي يتصل بحدود الجبال إلى أصبهان على أنه يقال ان اللور وأعمالها كانت من الأحواز فحوّلت إلى الجبال. وحد الأحواز ممّا يلي فارس وأصفهان و حدود الجبال من واسط على خط مستقيم من التربيع، إلا ان الحد الجنوبي من حد عبادان إلى رستاق واسط يصير مخروطيّاً فيضيق في التربيع عما قابله، وفيه من حدّ الجنوب أيضاً من حدّ عبادان على البحر إلى حدّ فارس تقويس يسير في الزاوية وينتهي هذا الحد أخذاً إلى الغرب ذاهباً إلى الدجلة يحاذي بيان ثمّ ينعطف من وراء المفتح و المذار إلى ان يتصل برستاق واسط من حيث ابتدائه)([11]).
الحلقة الثالثة
إتساع الإقليم
تبلغ مساحة الأحواز الحقيقية 185.000 كيلومتر مربع، إلا ان هذه المساحة قد تقلّصت شيئاً فشيئاً لتصل إلى 65.000 كيلومتر مربع في الوقت الراهن، وذلك بعد ان استقطعت الدولة الإيرانية أجزاءاً كبيرة من الإقليم فضمّتها إلى الأقاليم الإيرانية المجاورة.
وتتقارب الأرقام المتعلقة بمساحة الإقليم في غالبية المراجع العربية التي تناولت تاريخ وجغرافية الأحواز بالبحث، فكتاب "الصراع العربي الفارسي" الصادر من "منشورات العالم العربي"، يبيّن (أن مساحة الأحواز أساساً 185 ألف كلم مربع، اقتطعت منها السلطات الإيرانية بالقوة والاحتلال بحجّة إجراء التنظيمات الإدارية عام 1925، مساحة400,25 ألف كيلومتر مربع، ضمتها إلى محافظاتها: فارس في الجنوب، أصفهان في الغرب، لرستان في الشمال، وبذلك تكون مساحتها الآن 159.600 ألف كيلومتر مربع، بطول 420 كلم وعرض 380 كلم)(12).
ويؤكد ذلك الكاتب على نعمة الحلو صاحب كتاب "الأحواز- عربستان"، (ان مساحة الأحواز، تبلغ 159.600 ألف كم مربع في الوقت الحاضرــ يقصد سنة 1969ــ حيث ان طولها 420 كيلومتر، وعرضها 380 كيلو متر)(13).
ويبيّن الكاتب "عبد المجيد حقّي، إسماعيل"، في كتابه "الوضع القانوني لإقليم عربستان في ظلّ القواعد الدولية"، (أن المساحة الحقيقية للإقليم هي 000,185 ألف كيلومتر مربع، ولكنها أصبحت الآن 000,159 ألف كيلومتر مربع بعد أن استقطعت إيران مساحات من أراضي الإقليم فضمّتها إلى المحافظات الإيرانية المجاورة للإقليم وهي فارس وأصفهان وكرمانشاه)(14). وتجدر الاشاره هنا إلى ان الباحث قد أصدر كتابه سنة 1974، أما في الوقت الحاضر فإن مساحة الإقليم تبدو أقل بكثير ممّا كانت عليه، وتتضارب الأرقام عند الكتّاب الإيرانيين الفرس حول مساحة إقليم الأحواز، ويذكر الكاتب "علي نعمة الحلو" في الصفحة 24 من كتابه "الأحواز (عربستان)"، ان السيّد "محمد علي أمام شوشتر" يبيّن في كتابه "تاريخ جغرافيائي خوزستان"، أن مساحة الإقليم تبلغ "35 ألف ميل مربع". أما السيّد "إيرج أفشار سيستاني" صاحب كتاب "خوزستان وتمدن ديرينه آن"، فيقول: (أن خوزستان* التي تقع في الجنوب الغربي من إيران، تبلغ مساحتها 66.532 كيلومتر مربع)(15).
§ فقرة 2: أصـالة المـدن والسكان
· عَـراقـة المُـــدُن
أولاً: الأحواز: وتُلفظ حالياً الأهواز. من مدن القسم الشمالي للإقليم، والجزء الواقع منها على الضفة اليسرى لنهر "كارون"، كان يُسمّى "بالناصرية"، والجزء الواقع على الضفة اليُمنى سُمّي "بسوق الأحواز" لعزله عن تسمية الإقليم الذي يُسمّى بالأحواز.
ثانياً: الحويزة: غيّرت إيران إسمها في الوقت الحاضر إلى "دشت ميشان"، وكانت هذه المدينة عاصمة دولة "المُشَعْشَعِيّين" ولكنها فقدت أهميتها وتضاءل حجمها بعد انفجار السدّ المقام على نهر "الكرخة" قرب مدينة "كوت نهر هاشم"، حيث أصبحت أراضيها الزراعية عالية عن الماء في جزء منها وتحوّل الباقي إلى مستنقعات، وتبعد "الحويزة" عن مدينة "المحمّرة" بمسافة 65 كيلومتراً، وتقع على بعد 40 ميلاً شمال غرب مدينة "الأحواز (الناصرية)".
ثالثاً: تَستُر: غيّرت إيران اسمها إلى "شوشتر" وهي من المدن الأثرية القديمة ويقال أن (فيها قبر "النبي دانيال")(16). وتقع في الزاوية الحادثة بين نهري "كارون" و"جرجر".
رابعاً: دزفول: من مدن القسم الشمالي لإقليم الأحواز وتقع على الضفة اليسرى لنهر "دز"، وتبعد عن مدينة "الأحواز" بمائة وأربعين كيلومتراً.
خامساً: رامِز: غيّرت إيران إسمها إلى "رامهرمز" تقع بين مدينتي "بهبهان" و"تستر"، وتبعد عن مدينة "الأحواز" 48 ميلاً إلى الشرق.
سادساً: المحمّرة: غيّرت إيران إسمها في الوقت الحاضر إلى خُرّمْشهر. وكانت هذه المدينة عاصمة الدولة الكعبيّة التي سنتناولها في الفصل الثاني من هذا البحث، وتقع على الضفة اليمني لنهر "كارون" قرب مصبّه في "شط العرب" وتسيطر على الملاحة في هذين النهرين، وتبعد عن مدينة "البصرة" أربعين كيلومتراً وعن مدينة "عبادان" أربعة عشر كيلومتر. وكانت مدينة "المحمّرة" من أكثر المدن تضرّراً جرّاء الحرب الإيرانية ــ العراقية (1980-1988).
سابعاً: عبادان: غيّرت إيران إسمها الى "آبادان" وهي جزيرة في دلتا شط العرب كانت تسمّى سابقاً "جزيرة خضر"، وفيها مدينة "عبادان" التي تقع فيها احد أكبر مصافي للنفط في الشرق الأوسط. طول هذه الجزيرة 64 كيلومتراً وعرضها يتراوح بين 20-30 كيلومتراً ويحدّها شرقاً نهر "كارون" ونهر "بهمنشير" ويحدّها غرباً "شط العرب" وجنوباً "الخليج العربي"، وتبعد عن مدينة "الأحواز" مائة وخمسة عشر كيلومتراً.
ثامناً: الفلاحيّة (الدورق): وقد غيرت الدولة الإيرانية إسمها في الوقت الحاضر إلى "شادكان" (Shadegan)، وتقع هذه المدينة على قناة "مارِد" وتحديداً في المنطقة التي ينتهي فيها نهر "الجراحي".
تاسعاً: مسجد سليمان: وفيها اكتشف النفط لأول مرّة في إقليم الأحواز ليتدفق عام 1908، وتقع فيها الآن أكثر آبار النفط.. وتقع شمال شرق الإقليم.
عاشراً: الهنديان: وتقع في أقصى الشرق من الإقليم على ضفتي نهر "الهنديان".
· أصل السكان
يجمع معظم الكتّاب الذين تناولوا إقليم الأحواز في دراساتهم، على ان عدد سكّان الأحواز حسب إحصاء عام 1962م، يبلغ 3.5 مليون عربي، إضافة إلى أكثر من 100 ألف فارسي قدموا إلى الإقليم بعد سيطرة الدولة الإيرانية عليه.
يقول "نصّار أحمد الخزعلي" في كتابه "الأحواز، الماضي والحاضر والمستقبل"، (رغم عدم توفر إحصائيات دقيقة من حيث تعداد السكان وذالك نتيجة التعتيم الفارسي على المنطقة، إلا ان أبناء الإقليم يؤمنون بأن الشريعة الإسلامية تمنع تحديد النسل بل يتفاخرون بكثرة النسل في تلك المنطقة، وعليه قد لا نستغرب من بعض الإحصائيات التي تقدر عدد نفوس الإقليم بحوالي 7 مليون عربي)(17).
والبرنامج السياسي "للجبهة الشعبية الديموقراطية للشعب العربي الأحوازي" يشير إلى ان عدد سكان الأحواز حوالي 5 مليون نسمة، وتبيّن حركة التجمّع الوطني في الأحواز (عربستان)، في برنامجها السياسي بأن سكّان الإقليم يبلغ عددهم 5 ملايين نسمة. أما البرنامج السياسي "للحزب الوطني العربستاني" فيشير إلى ان سكان الأحواز يبلغ عددهم 4 ملايين نسمة، ويذكر "حزب التضامن الديموقراطي الأحوازي" في برنامجه السياسي، بأن سكان الإقليم يتجاوز عددهم الأربعة مليون مواطن. كما وجدنا في التقرير السنوي لحقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2002، ان (هناك أكثر من أربعة ملايين عربي في إقليم الأحواز، يتعرضون إلى اضطهاد حقيقي من قبل السلطات الإيرانية ويحرمون من أبسط حقوقهم الإنسانية)(18).
وتبين السلطات الإيرانية في وثائقها الرسميّة على ان عرب إيران يشكلون 4% من تعداد سكان إيران البالغ عددهم 65 مليون نسمة في الوقت الحاضر، وذلك يعني ان العرب في إيران لا يتجاوز عددهم المليونين وستمائة الف نسمة. ولكن هذا الرقم غير صحيح لأن المعروف إنّ جميع السلطات في إيران تختزل في القومية الفارسية على حساب أبناء القوميات الأخرى من: الآذريين الأتراك والأكراد والعرب والبلوش واللور والبختياريين والتركمان، لذلك فان السلطات الإيرانية تحاول دائما التقليل من عدد القوميات غير الفارسية في إيران لصالح القومية الفارسية التي تشكّل في واقع الأمر نسبة 40% من تعداد سكان إيران، أما النسبة المتبقية أي 60%، فتضم مختلف القوميات المذكورة أعلاه.
ومهما بلغ عدد سكان الإقليم من العرب فأنّه من المؤكد ان هناك الملايين من عرب الأحواز– وهم سكّان الأرض الأصليين- يتواجدون في الأحواز منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا.
§ فقرة 3: الأهميّة الإستراتيجيّة للمياه
· وفرة الأنهار
يعد إقليم الأحواز هو الأغنى من بين الدول العربية المجاورة والبعيدة، عدا إقليم العراق، وذلك من حيث وفرة المياه العذبة وتشعب الأنهر فيه، ولقد لعبت هذه الأنهر دوراً مميزاً في جعل الأحواز غنية بمواردها الفلاحية وتربية الماشية والحيوانات منذ أقدم العصور، وقد كان لهذه الأنهر، وبالأخص نهر "كارون"، أهمية متميزة في أعمال التجارة والنقل مما جعل الأحواز مطمعاً للقوى الأجنبية وفي مقدمتها إيران.
أولاً: "نهر بهمنشير": يتفرّع من الضفة اليسرى لنهر "كارون" فوق مدينة "المحمّرة" بميلين ويصب في "الخليج العربي"، ويبلغ طوله 54 ميلاً.
ثانياً: نهر "شاوور": ينبع من السهل الواقع بين نهرى "أبى ذر" و"الكرخة" مقابل "إيوان كرخة"، ويبلغ طوله 60 ميلاً، ويصب في نهر "أبي ذر" بواسطة فرعين "شرش" و"خارور".
ثالثا: نهر "جوبال": يأخذ مائه من نهر "رامِزْ" ويسير بإتجاه شمالي غربي، وبعد المرور من "كوت الشيخ" يغيّر النهر مجراه إلى الجنوب الغربي، وينتهي في مستنقع "شاخة" بواسطة أفرع صغيرة.
رابعاً: نهر "أبي ذر": ينبع قُرب بلدة "بروجرد" جنوب غرب إيران، ويصب في نهر "كارون" عند مفترقه إلى قناتي "شطيط" و"جرجر".
خامساً: نهر "الجَرّاحي": ينبع من جبال "مارْجون" في منطقة "البختيارية" ليدخل إقليم "الأحواز" فيلتقي بقناة من نهر "كارون" ليضيع بعدها في المستنقعات.
سادساً: نهر "الكرخة": يتكوّن هذا النهر من ثلاثة عيون مائية هي "صيرة" و"كشكان" و"آب زال" وتقع كلّها شرق "كرمانشاه" في "لُرسْتان" الغربية ويسير النهر (موازياً للقمّة الرئيسية "لجبل كبير")(19). وبعد المرور من سهول "الأحواز"، يصبّ نهر "الكرخة" في "شط العرب" حوالي أربعة أميال أسفل مدينة "القرنة".
سابعاً: نهر "الهنديان": يتكوّن هذا النهر من تجمّع عدّة أنهار في سهل "زيدان" وهي أنهار "خيرآباد" و"آب شيرين" و"شولتان" و"آب شور". ويصبّ في "الخليج العربي" في نقطة تبعد ستة عشر ميلاً جنوب غربي مدينة "الهنديان".
ثامناً: نهر "كارون": (سَمَّاه المؤرخون العرب باسم "دُجيل")(20) أو "دُجيل الأحواز"، تميزاً له عن نهر "دجلة" الذي يجري شمال مدينة "بغداد". ويبلغ طوله 890 كيلومتراً، وهو النهر الوحيد القابل للملاحة، إلا ان جرّ مياهه إلى المناطق الإيرانية وعدم موافقة إيران على كريه حال دون تمكين السفن من المرور فيه في الوقت الحاضر. وينبع نهر كارون من "الجبل الملوّن" "(كوه رنك)" في منطقة "البختيارية" ثم يدخل إقليم الأحواز في نقطة تبعد عشرين ميلاً شمال مدينة "تستر". وينقسم النهر إلى قسمين، شرقي: ويسمّى قناة "جرجر"، وغربي: يسمّى قناة "الشطيط". وبعد 30 ميلاً جنوباً بخط مستقيم من "تستر" يلتقي "جرجر" و"شطيط" ليسترد "كارون" اسمه. وبعد أن يمر نهر "كارون" من "وِيسْ" إلى مدينة "الأحواز" يشكل جزيرة "أم النخل"، (ليصب في "شط العرب" في نقطة تبعد خمسة وأربعين ميلاً عن مدينة "المحمّرة")(21)، وما يتبقى من "كارون" تحت بداية نهر "بَهْمَنشير" يُسَمّى قناة "الحفّار".
· أهميّة الأخوار (المصبّات)
للأخوار أهميتها الخاصة في إقليم الأحواز، على أساس انها تساهم بشكل فعّال في أعمال نقل البضائع والتجارة كونها تشكل موانئ للبحارة وصيادي الأسماك، خاصة وأنها تشكل ملتقى المياه النهرية العذبة ومياه الخليج العربي المالحة، فتتكاثر فيها الأسماك الباحثة عن الطحالب الضحلة والأمان أثناء فترة تكاثرها، الأمر الذي من شأنه أن يجعل الإقليم مميزا بوفرة ثرواته السمكية والبحرية بشكل عام.
أولاً: خور "موسى": هو أكبر أخوار الإقليم ويقع طرفه الشمالي الأعلى إلى الشرق من "شط العرب" ويكون مدخله "الخليج العربي".
ثانياً: خور "قناقة": يتفّرع من خور "موسى" ليتفرع إلى فرعين: خور "أبو خضير" الذي يسير شمالاً وخور "خويرين" الذي يتجه جنوبي شرقي.
ثالثاً: خور "الدورق": يتفرّع من بداية خور "موسى" في "شط العرب"، ويكون اتجاهه داخل الإقليم شمالي غربي.
رابعا: خور "معشور": يتفرّع من خور "موسى" وإتجاهه شمالي شرقي داخل إقليم الأحواز وينتهي إلى جنوب ميناء "معشور" في نقطة تبعد ميلاً واحداً.
المبحث الثاني: نشأة القضيّة الأحوازيّة والعوامل الإقتصاديّة
لولا الموقع الجيوستراتيجي لإقليم الأحواز ولولا الخيرات الطبيعيّة وغير الطبيعيّة التي يزخر بها هذا الإقليم.. لما كان مطمعاً لقوى الإحتلال.. فالأحواز واحدٌ من أهم الممرّات التجارية في المنطقة وتمتاز أرضه بخصوبة واضحة نتيجة لوفرة المياه وطبيعة التربية وتنوّع المعادن والثروات ومنها النفط والغاز الطبيعي.. إضافة إلى أهميته التاريخية.. حيث يقول "ألمقدسي" عن الأحواز (انه خزانة البصرة وبه "قياسير"* حسنة وأخباز نظيفة، وبه تجتمع الخزوز والديباج، واليه تحمل البضائع والأموال، وهو مغوثة وفرجة للتجار ومنهل عامر لكل مار، واسمه كبير في الأقاليم والأمصار، شتائه طيب والخريف رفق بالضعيف في الثبات)(22). لذا يتضح أنّ إقليم الأحواز ومنذ أقدم العصور تميّز بطابعه التجاري الحيوي في المنطقة، إلا ان هذه الخصوصيّة قد ساهمت هي الأخرى في صُراع القوى الاستعمارية للإستيلاء على أرض الإقليم وقد تمكن سكانه من ردع الغزاة وبسط سيطرتهم التامة عليه، إلا ان ذلك لم يغيّر شيئاً حين اقتضت المصالح الدولية ضمّه إلى الدولة الإيرانية قسراً لتحتله الأخيرة عام 1925، ومنذ ذلك التاريخ نشأة القضية الأحوازية التي استعصت على الحل حتى يومنا هذا.
§ فقرة 1: الأحـواز ممر تجاري إستراتيجي
منذ أقدم العصور كانت لإقليم الأحواز علاقات تجارية مع دول العالم في ذلك الوقت، فمنه تخرج المنتجات الصناعيّة والزراعيّة إلى الدول المجاورة حيث كانت تلك المنتجات الصناعية والزراعية تفيض عن حاجة الشعب فتنقل إلى "فارس" أو "بلاد الرافدين" أو "اليمن". كما كانت للإقليم علاقات تجارية مع بلاد "الهند" و"السند" و"الصين"، فيستورد من تلك البلدان ما يحتاج من عطور وبخور، ويصدّر إليها الحبوب المتنوعة والتمور وما يُصنع من ملابس وثياب وخزوز. واستمرت التجارة الخارجيّة نشطة على مرّ الزمان قبل الإسلام والفتوحات الإسلاميّة ودولتي الأمويين والعباسيين وبقيّة الدول المتعاقبة على الحكم في المنطقة**.
ويتطرّق "ألمقدسي" إلى التجارة الخارجية لإقليم الأحواز فيقول (والتجارات به مفيدة، لأن كل جيّد من سكرة تراها ببلدان الأعاجم والعراق واليمن فمنه، ثم يُحَوّل، ويرتفع من تستر الديباج الحسن والأنماط، وثياب حسنة وفواكه كثيرة، ومن السوس السكر الكثير والبز الحسن والخزوز، ومن تستر مقانع القز تحمل إلى بغداد، وثياب القنب والمناديل، والستور من بصنا، وأنماط قرقوب معروفة، ومن الأحواز فوط القزّ الحسنة والأرز الكبار من نهر تيري)(23).
أما تجارة الإقليم الداخلية فكانت نشطة ومستمرة أيضاً حيث تجري بين مدن الإقليم وقراه، فالتبادل التجاري بين مدن "الأحواز" و"العسكر" و"تستر" و"السوس" وغيرها متواصل، وكانت الحيوانات الأداة الرئيسية في نقل البضائع***.
واستمرّت علاقات الإقليم التجارية مع دول العالم حتى سقوط الحكم العربي فيه سنة 1925، فوضعت إيران يدها على خيرات الإقليم وتحكّمت باقتصادياته، فكلّ ما تنتجه الأرض الغنية الخصبة الآن ينقل إلى إيران لينعم الإيرانيّون به، ويبقى الشعب العربي صاحب الأرض والمالك الشرعي لخيرات بلاده، يعانى الجوع والعوز. فالتبادل التجاري الخارجي مُنعدم حيث ان جميع الثروة الزراعية – بعد ان أزيلت النهضة الصناعية التي اشتهر بها الإقليم- وهي المصدر الوحيد للرزق والكسب تنقل إلى "طهران" وكذلك "بندر عبّاس" وتصدر بإسم إيران، ولا علاقة تجاريّة مباشرة بين الإقليم والعالم الخارجي في الوقت الحاضر إلا باسم إيران.
أما التجارة الداخليّة بين المدن فتكاد ان تكون منعدمة، لان أغلب الناتج تأخذه الحكومة الإيرانية من الفلاح العربي، ثمّ تنقله إلى المدن الإيرانية. وتضع الحكومة الكثير من الحواجز بين المدن الأحوازية، وبين الإقليم وسائر الأقاليم الإيرانية الأخرى، وذلك لمراقبة المنتوجات الفلاحيّة الصادرة من الإقليم، فتفرض على الفلاحين ضرائب مرتفعة ممّا يضطر الفلاح إلى تسويق المنتوج داخل الإقليم وبأسعار بخيسة لا تعوّضه عن تكاليف الزراعة، وكثيراً ما يتغيّر نظام الضرائب، وغالباً ما تكون القرارات مفاجأة بحيث لا تترك الفرصة للفلاح بتفاديها، إذ إنها تصدر بالتزامن مع إنتاج المحاصيل الزراعية.
للمتابعة