المقاصد الشرعيــة من أهم انجازات العلماء المسلمين في مجال قراءة النصوص الدينية التشريعية من خلال القراءة التفصيلية المتأنية لها وعلاقاتها التركيبية ببعضها وعلاقاتها بنصوص العقيدة والأخلاق من حيث الإجمال والبيان والعموم والخصوص إلى غير ذلك من عليات إنتاج الدلالة الشرعية ، وهذا المنهج العميق في التعامل مع النصوص أنتج عنه فهماً شمولياً لطبيعة التفصيل الشرعي للأحكام الذي أمكن لعلماء المسلمين استنباط المقاصد الكلية للشريعة وتنزيل هذه الكليات على الجزئيات لإعادة الصياغة أو التعديل على ضوء المكنة التأسيسية للمقصد الكلي الموضوع ، فالأحكام هي نتيجة تفاعل بين الكلي والجزئي وليست مجرد تراكم وتكاثر، وهذا المسلك العبقري الناجز لعلماء المسلمين ليس تفسيراً للنص الديني بقدر ما هو منهج تشريعي وقانوني أصولي للدين(للإسلام) يستمد قوته من لحظته التاريخية التي تكوّن فيها "في الواقع واللغـة والتاريخ" ولا ينفك أبدا عن تلك اللحظة التاريخية التي صيرت أصول الفقه إلى هذا المستوى في الأفق والاتساع .

وإلحاق الضعف فيه يبدأ من تجاوز ذلك السياق التاريخي الذي تكوّن فيه بمنظوماته المتكاملة الناجزه ككل منهج فكري وفلسفي وضعي فهو منذ بداياته مع أبو المعالي الجويني سمح لنفسه أن يجدد في المفاهيم ويضيف عليها بتحفيز عقلي وربما سياسي مشحون بهموم العصـر الذي يعيش فيه والصراعات الأيدلوجية التي كانت حاضرة بقوة في ذلك العصر والمعارك الفكرية التي لتوها وطدت هذا المنهج الأصولي المقاصدي في التعامل مع الأحكام فهو كما أبدع فقهاً ورؤية جديدة في تناول النصوص في الإطار الإبستيمي طبع هذا النظام الأصولي (أصول الفقه) نزعة أيدلوجية ذات قيمة سلطوية وحاكميه مشروعة من ذات النص الديني موضوع القراءة ، فالتركيبة العقلية لهذا المنهج تقوم على ركيزتين لا ثالثة لهما الأولى الدلالة الشرعية والثانية الدلالة اللغوية ، فالطابع التأويلي والإستنتاجي لهذا العقل لايتجاوز حدود الدلالة اللغوية فيقوم بفحص هذه الدلالة ويركز على كشف الدلالة في حدود علوم اللغة والبلاغة التقليدي ، (فبما أن ظاهر ألفاظ الشرع تعطي دلالة فإن مقصد الشرع يكتنف لغة هذه الدلالة) مما يعني أن نظرية المقاصد وإن قامت جينالوجياً على ثلاث أسس كما يقرر الجابري (مفهوم المقاصد والمفهوم الكلي والطريقة التركيبية) كا منطق برهاني فهي تتأسس على النقل البياني لا ترى في العقل نظاماً تأسيسياً للمفاهيم المتضادة والجزئيات المتعددة .

والحال في الفقه وأصوله مهما بذل الإجتهاد طاقته وتراكبت الظنون وتراكمت فإنه لايحيل إلى اليقين فالظن الغالب هو نصاب الإستقراء الفقهي وهو نصاب كاف عقلاً وفقهاً كما يقرر الغزالي قبل أن تكتمل نظرية المقاصد كمفهوم عام قطعي فـ (الأكثر في عادة الشرع .. إتباع الأغلب على الظن) كما وأن (الاستقراء التام يفيد العلم ) والإستقراء (.. الناقص يفيد الظن) حيث أن غائية الفقه إجرائية وليست نظرية وهذه قاعدة منهجية مجمع عليها عند معظم المتقدمين من الأصوليين، والإستقراء التام الذي هو عدم الحكم على جزئيات الكل الواحد بحكم واحد إلا بعد الحكم على كل واحد منها جزءاً جزءاً يلغي مبدأ الإستقراء ذاته ويفرض مبدأ الاستقصاء واليقين وهذا مادعا ابن حزم إلى إعلان رفضه لمنطق الاستقراء في النقليات ومحاولة فضح أهل القياس من المتكلمين والأصوليين بـ (جريان عادتهم تسمية الباطل باسم الحق) و (تحريف الكلم عن مواضعه) .

وفي الموافقات للشاطبي آخر معاقل الإجتهاد الأصولي سعى سعياً حثيثاً لتأسيس أصول الشريعة على القطعيات وإن كان عن طريق تضافر الظنيات فهو في مقدمته يقرر أن (أصول الفقه في الدين قطعية لاظنية والدليل على ذلك ظاهر بالإستقراء المفيد للقطع) ليحدد أن (الأدلة المعتبرة هنا المستقرأة من جملة أدلة ظنية تضافرت على معنى واحد) فهو يعمل على تطوير واستمرارية المنهج السلفي في تناول مواضيع الأصول للإنتهاء بها إلى القطعية والحاكمية من قاعدة الظن الغالب إلى مبدأ الأصل القاطع وهو بهذا النهج الجديد لايخالف المتقدمين في ذلك فقد سبق للمتكلمين والأصوليين من الأشاعرة والحنابلة (أهل الحديث) أن استنسخوا هذه المنهجية في تأسيس أصول الدين "العقائد" على منهج الإستقراء الناقص في اعتبار الغائب بالشاهد لتتحول خلافات أصول الفقه عند الشاطبي من كونها اجتهادية إلى مستوى المذاهب والفرق وتحويل إبداع العقل في مجال أحكام الحياة إلى مستوى الإبتداع في الدين فكما يكون في الإعتصام كذلك هو في الموافقات .

أو هكذا تلقاها الفقه الإسلامي المعاصر فأبسط مايكون أن يقين العقليات لايرادف قطع النقليات بل العقل متهم والحالة هذه بالنيل من الدين وأن اليقين المرادف للجزم عبر تضافر الظنيات هو يقين دغمائي ، فحاكميه المقاصد الشاطبية قائمة في الفقه المعاصر ومازالت هي القراءة الجديدة والكاملة فالشاطبي نبياً فقهه أصل ثابت من ثوابت الإسلام وهو الأدات المتحركة لتعالي النص وإدراجه في السياسة .


وهذا المنهج في التقعيد والتأصيل الذي قام به الشاطبي ويقوم به رجال الدين والفقهاء المعاصرين هو من أولويات الحقائق التي تصل بالخطاب الإسلامي إلى العنف والإرهاب وهذه حقيقة مؤكدة من خلال استعراض كتب الأوائل من الفقهاء في تصنيف العلوم الدينية والكلام عن حقوق المسلمين وواجباتهم من حيث العلاقات السياسية والعلاقات الإجتماعية وشروط السلم والحرب وحدود التفكير ومناط الحريات الإنسانية وربطها بالحاكمية المقاصدية التي هي في حقيقتها اجتهاداً بشرياً دبجت لاهوتياً .

الشاطبي ليس إلا مفكر إبستيمياً تعامل مع النص من أفق سياسي وايدلوجي عدواً للثورة والإستدراك والتغييرمستلهماً إبداعه من لحظته التاريخية التي عاش فيها فالعصور لا تتكرر والتاريخ لا يعيد نفسه فكما أن عصر الجويني والشاطبي سمح بطرح خطاباً جديدٍ من نوعٍ ما وإضافة مقاصدٍ جديدة لغايةٍ ما لأجل مصلحـة ما فإن كل عصر من طبيعته أن يقترح خطاباً يعيش همومه بأدواته المعقولة ومنهجياته الحديثة .

الصديق المحترم شريف أولاد علي
هل انت -فعلا- جديد على المنتدى؟
على كل المداخلة جميلة جدا
ولكن الشاطبي وان لم يكن الا مجرد مجتهد حاول تعقيل الشرع بمقاصده الحيويه فن علته ليست في البقاء في حدود اللغه والنقل بل علته في حدود المنطق الحيوي للعقل والنقل بآن واحد فاللغه سواء اكانت نقليه ام عقلية هي تخضع لمنطق كلي قبل اللغه وقبل الشرع وقبل الاديان وقبل وجود الارض نفسها انه منطق الحياة بوصفها احتواء وحواءا حيا متجددا
لقد جدد الشاطبي واحتى بافضل مايكون و حتى الان - ربما -لم يتجاوزه غير باقر الصدر وتحديدا في التفسير الموضوعي للقرآن
ولكن ماتوقفت عند في مداخلتك هو ذكرك للجويني بوصفه مجددا؟
حيث تقول ان الشاطبي هو مثل

Arrayأبو المعالي الجويني سمح لنفسه أن يجدد في المفاهيم ويضيف عليها بتحفيز عقلي وربما سياسي مشحون بهموم العصـر الذي يعيش فيه [/quote]
فهلا زودتنا رجاءا بفكره عن تجديد الجويني؟ حيث ان فكرتي عنه انه اشعري تقليدي لاغير؟
واهلا بك ان كنت جديد وان كنت قديما فانني ادعوك مجددا لزيارة

http://www.damascusschool.com/

عزيزي د: رائق النقري دمت طيباً وشكراً على الدعوة لموقعك الشخصي ..

أما بالنسبة لعضويتي فهي فعلاً جديدة لكني من قراء هذا النادي يعني من (الجمهور)

الإمام الجويني أكان أشعرياً أم لا فإن حديثي هو عن فكرة التأويل وإعادة التاصيل في تاريخ الفقه السني السياسي فإمام الحرمين ذكرت أنه مجدداً داخل المنطق السني الأشعري حيث أنه كتب رسالة هي عبارة عن إجابة لسؤال مطروح هو من ابتدأ بطرحه وطبيعة هذا السؤال سياسية وأركلوجية تقوم على عقل بياني مهمته النفوذ إلى أقصى إمكانات النص الأفهومية وإعادة استثمارها بما ينسجم والاساسات العقلية الأيدلوجية عنده .

كان السؤال هو: ماذا لو أطبق الفساد على الأرض وغاب عن الأمة والسلطان علماء الشريعة والدين والقرآن كيف يعيش الناس (المسلمون) متمسكين بدينهم متعايشين مع واقعهم ؟
فأجاب بكتابه الغياثي ( غياث الأمم في التياث الظلم ) عن هذا السؤال بمجموعة من القواعد التي تكفل باستمرار المعاش فهو يقبم الكتاب على ثلاثة أركان الركن الثاني والثالث هو عن هذا السؤال في تقدير خلو الزمان عن الأئمة وولاة الأمة وفي تقدير انقراض حملة الشريعة كما يقول وهو بهذا المنطق التجديدي في طرح السؤال والإجابة عليه يطرح إشكالية صيرورة المعرفة والفكر وتاريخية التشريع .


تحياتي لك ..

:redrose:

شكرا جزيلا لك ايها الصديق شريف
نعم للجويني ذلك ولكنه يبقى من فقهاء السلاطين اولا .. وهو لايرقى -بنظري على الاقل او حتى الان- - الى الغزالي والماوردي
فالاحكام السلطانيه تتضمن قدرة على المماحكة لم ارى مثلها الا في كتب الدفاع غن المادية التاريخيه والديالكتيكيه .زقدره على التسلط النظري المدهش

وممافهمته من الجويني وهو في خدمة نظام الملك الذي استخدم الغزالي ايضا يبيج له ان ان يكون الامام

من عامة الناس
Arrayحيث : أن الإمامة زعامة ، تتعلق بالخاصة والعامة ، في مهمات الدين والدنيا .
و حيث : يرجح إثبات الإمامة بمبايعة رجل واحد من أهل الحل والعقد ، طالما حصلت له الطاعة والشوكة . [/quote]
وهو كلام جميل وحيوي الان الا انه في ذلك الوقت كان يستخدم لمعادات أل البيت وشيعتهم كماهو معروف بل والتخلص من اسر من عادات وتقاليد ابو بكر وعمر التي لم يكن احاب الشوكه والسلطان لهم مصلحه فيها

ومن ذلك يفتي ان مفتي السلطان له الاولوبه حتى على ابةو بكر وعمر


وفي المرجع الذي دللتني اليه يقول
597Array – ومما يتعينّ ذكرُه أَن من وجَد في زمانه مفتياً تعيّن عليه تقليدُه, وليس له أَن يرقَى إلى مذاهب الصحابة.
وبيان ذلك أَنه إِذا ثبت مذهبُ أَبي بكر الصديق رضي الله عنه في واقعةٍ, وفتوى مفتي الزمان خالفت مذهبَه فليس للعامِّي المقلِّد أَن يُؤْثر تقديمَ مذهبِ أَبي بكر الصدّيق من حيث إنه في عقده أفضلُ الخليقة بعد المرسلين عليهم السلام, فإن الصحابةَ وإن كانوا صدورَ الدين, وأَعلامَ المسلمين, ومفاتيحَ الهدى, ومصابيحَ الدجى, فما كانوا يقدّمون تمهيدَ الأبواب وتقديم الأَسباب للوقائع قبل وقوعها. وقد كفانا البحثَ عن مذاهبهم الباحثون, والأَئمة المعتنون بنخل مذاهب الماضين، فمن ظهر له وجوبُ اتباع مذهب الشافعي رضي الله عنه لم يكن له أَن يُؤْثرَ مذهبَ أَبي بكر رضي الله عنه على مذهب الشافعي, وهذا مُتَّفّقٌ عليه؛ إذ لولا ذلك لتعين تقديمُ مذهبِ أَبي بكرٍ على مذهبه في كل مسأَلة نُقل مذهبُه فيها, ثم مذهبُ عمرَ, ثم هكذا على حسب ترتيبهم في المناقب والمراتب.[/quote]

بالتاكيد له اسلوب قوي ولكن الاقوى منه الى الان هو نظام الملك اي مايعادل الرئيس حسني مبارك وامير قطر وكل السلاطين بشرط الذكوره؟؟

شكرا مرة اخرى على فتح الموضوع واهلا بك وسهلا على الاقل في المداخلة الاولى .. لان دخول الحمام ليس كالخروج منه:109:

الصديق العزيز شريف
بوصفنا نتحدث عن المصالح والشاطبي هل لك ..او اي من القراء يتزيدنا لمحه عن قياس المصالح ؟
اي عندما نقول مجلبة المصالح ودرء المفاسد ماهي سلم الاولويات وكيف نزنها؟ من تحث عن ذلك؟
هنا التحدي الحقيقي
اما ان حفظ الحياة والعقل والدين والمال والنسل ..الخ بوصفها مقاصد فهذا لايصمد امام مايسمى حديثا يقول امرت ان اقاتل .. الخ فمن امر بالقتال لاجبار الاخرين على قول ما لايؤمنون به هو ضد العقل وضد الدين وضد النسل ومضيعة للمال ؟ كيف نستعمل هذا الميزان في قراءة نص الجويني الذي يجيز فيه مزلاة امير لكونه صاحب الشكوكه والسلطان ويشترط ان يؤيده واحد فقط ؟؟ ومن يكن قويا يجبر اي واحد مثلي فقير لله ولادعيائه

Array

فإن كل عصر من طبيعته أن يقترح خطاباً يعيش همومه بأدواته المعقولة ومنهجياته الحديثة .
[/quote]

كلام دقيق ، و صحيح ، ولا شك فيه . :thumbup:

:Asmurf: