اخترقت الجموع بصعوبة
توجهت نحو صحن تلك الدار العتيقة التى تجتمع عندها افئدة أهالى البلدة
لقد اصاب خبر وفاة العمدة الجميع بصدمة كبرى
تجمع الاهالى بين مكذب لما سمع و بين حائر لما سيأتى
طوال 25 سنة مضت لم يعرف الجميع غير كلمته و حكمته و تواجده الدائم بين أهل بلده
طوال ربع قرن من الزمان تعود الجميع ان لا يشغل باله مادام العمدة سيفكر و سيقرر عوضا عن الجميع
متى سنزرع متى سنقلع متى سنسقى
ماذا نفعل عندما تمرض بهائمنا او حتى اولادنا
لم يكن احد ليجرؤ ليخالف رأى العمدة الذى أحبه الجميع و أحب الجميع
اقتربت من الجسد المسجى بالداخل
القيت نظرة اخيرة
اقترب منى احد الغفر
- الله يرحمه لا ادري ماذا سنفعل من غيره او من بعده
- ( احنيت رأسى ) انا لله انا له راجعون
- الله يرحمه و يرحمنا ياليته ترك اولادا لكنه لم يترك لنا أحدا
اجتمع رجال القرية في ظل الجدار الخلفى من الدار
جلسوا القرفصاء وأمسك أحدهم بعصا و جلس يخطط في التراب
-اننا لا نستطيع ان ندفن العمدة الاهالى ما زالت تنتظر ان يعود للحياة
لقد اصابهم الجنون
اننا كلما خرجنا به ارجعونا مرة أخرى
- يجب ان يرجعوا الى بيوتهم لقد حل الظلام و الوقت يمر و لا شئ يتغير
- وماذا سنقول لهم انهم ينتظرون عمدة جديد
- اننا من سيختار و لا ندرى من هو الاصلح لا اعرف من يستطيع ان يملأ ذلك الفراغ الكبير
القى أحدهم بحجر بحنق وقال:
- راسى سينفجر من التفكير كيف يتركنا هكذا الم يدر ان الموت حق
لم يخبرنا ابدا ماذا سنفعل بعده لقد كان يخبرنا بكل شئ و اتفه الامور لم تفته اما هذه فكيف لم يفكر بها
- لقد ظن كما ظننا انه خالد فينا ابدا
سكت الجميع وعم الصمت و اسدل الليل سكونه
وما زالت الاهالى لا تريد الرحيل
وكانها تخاطب روح العمدة الهائمة فوق المكان
لم يعد يسمع سوى الآهات و البكاء و همسات بين الحين و الآخر
هممت بالانصراف فلم يعد هناك جديد
و فجأة وجدت جماعة من الاهالى تجرى
حدثت حالة من المرج و بدأ الجميع يجرى في اتجاه محدد
سألت احدهم ماذا هناك
- لا اعرف انا وجدت الناس تجرى فتبتعتهم
خلال نصف ساعة كانت امواج من البشر تزحف الى تلك الناحية
لم استطع ان اقاوم فضولى فوضعت جلبابى في فمى و اطلقت قدمى باتجاه الاهالى
فوق سطح الدار كان هناك شخص يمسك بيديه و رق
ويشاور به من اعلى السطح
حاولت ان اتبين ملامح وجهه لكن الظلام لم يجعلنى احدد ملامح وجه هذا الشخص سألت من بجانبى
- من هذا الذى فوق السطح
- انه متولى ابن عم العمدة
جاءتنى من الخلف لكمة
- اصمتوا نريد ان نسمع ما يقوله متولى ابن عم العمدة
خيم الصمت مجددا و اصبح صوت متولى لاول مرة مسموعا للجميع
بدأ متولى يتكلم مصطنعا الحزن الشديد
- الله يرحمه كان عارفا ان هذه اللحظة قادمة هل تظنون انه لم يعمل حساب هذه اللحظة
لقد ترك لكم العمدة وصية (وحرك الورق الذى بيدييه امام الجميع)
وصية مكتوب يها ما تفعلون بعد موته
الله يرحمك يا عمدة
بدأت الاهالى تترحم و تتعالى صيحاتها اقرأ علينا يا متولى ماذا في هذه الوصية
انتظر الأهالى ان يبدأ متولى في قراءة الوصية
لكن قفز الى سطح الدار حسنين ابن عمة العمدة رجل وقور جاوز الخمسين من عمره بعكس متولى الشاب الذى تبدو حماسة الشباب في تصرفاته
همس حسنين في أذن متولى و بعدها تنحى متولى الى الخلف تاركا حسنين في الصدارة متحدثا الى جموع الاهالى التى و قفت تنتظر ما دار بينهما
تكلم حسنين بصوته الوقور
" يجب ان نذهب بالعمدة لدفنه لقد حل الليل و لم نذهب به الى الآن"
صمت الجميع و لأول مرة خرج الجثمان من ركن الدار العتيقة
الى مثواه الاخير
امتلأت الطرقات بالمشيعين
ولكن كان اكثر المشيعين يسيرون خلف متولى و كأنهم يخافون
ان يختفى فجأة بعد ان اعطاهم الأمل أو ربما ليسمعوا منه اى كلمة من الوصية
لكن حسنين كان يرد كل سائل طالبا منه الصبر حتى الصباح
تحول حديث كل القرية الى وصية العمدة الذى اصبح يحمل لقب المرحوم و بعد ان كان الجميع يرفض الكلام عن موته
اصبح كلام الناس عن الوصية وما فيها
قلت لأحدهم
بالتأكيد العمدة كتب كل الوصية لحريمه الاربعة واكيد متولى و حسنين سينالون نصيب الاسد من التركة
بادرنى بقوله:
لكننى لا اعتقد ان الوصية بها ميراث فالميراث الشرعى محدد سلفا و لن يحتاح الى وصية
ان الوصية بالتأكيد بها ماذا سنفعل بعده من يأت بعده و توجيهاته الى اهالى البلدة
الم تر كيف ان البلدة كلها في انتظار خليفة العمدة
و تعليماته له
قلت
ربما و لكن هل تعتقد ان هذا بالامر الهين
قال :
انه العمدة يا عزيزى الذى لم تات بمثل امرأة من بلدنا من قبل
ودعته قائلا
ليس الصبح ببعيد
القاك في الغد اذا
في الصباح
كان كل شئ كعادته
لا ادر لماذا تخيلت ان الشمس كانت ستغيب عن هذا اليوم حزنا لوفاة العمدة تضامنا مع اهالى القرية
نزلت الى الطرقات وجدت الجميع قد سبقنى الى بيت متولى
وكأن الاهالى تكررما فعلته بالامس امام دار العمدة امام بيت متولى
همهمات و همسات و ترحمات على العمدة و انتظار لمجهول
و تجمع بلا ترتيب و انتظار لامل قد لا يأتى
لمحت حسنين خارجا من البيت تعلوه امارات الاندهاش وخلفه متولى قد اصابه الوجوم
و كأن كل منهما تتثاقل خطواته ليجعل الاخر يواجه الجماهير أولا
ما ان رأت الاهالى متولى حتى بادرته قائلة
- اقرأ
اقرأ يا متولى كلام ابونا
طأطأ متولى راسه و رفع الوصية وقال :
جلست انا و حسنين نقرا الوصية
لكن للاسف لم نفهم ماكان يريد العمدة على وجه الدقة
ان الكلام احيانا غير واضح و احيانا الخط غير واضح
لم نفهم ماهو مكتوب تماما
ان هذه الوصية لن يفهم ما فيها و يفك طلاسمها الا العمدة نفسه
اسقط بين يدى الاهالى و كأن متولى كان ينفخ في الصور
ارتمى البعض على الارض بينما اخذ بعضهم يقلب كفيه
- معقول !!! وصية من العمدة و لا يفهمها الا العمدة
هل هذا كلام يا عالم
التقطت خيط الحديث
وقلت لحسنين ابن عمة العمدة
- يا حسنين انت اكثر من عاشر العمدة الا تعرف ما كتب
اعط الوصية لغيرك اذا ليفك طلاسمها
صاحت الاهالى
عليكم بالشيخ العباسى هو افضل من يعمل الاعمال و يفك العكوسات
و تجمعت فرقة اخرى معترضة
الشيخ العباسى !! انه دجال
عليكم بالشيخ عمران رجل مبروك
فجأة خرج من بين الاهالى أحد اقارب العمدة من بعد
- هذا بالتأكيد ملعوب من حسنين و متولى بالتأكيد الوصية واضحة لكن لا يريدان ان يعرفها احد غيرهما
اننا لن نصدق ان العمدة الذى كان مثالا لكل الاتقان و الترتيب
وتحسدنا عليه كل القرى الاخرى يترك لنا وصية لا يفك طلاسمها الا نفسه
ثارت ثائرة الاهالى و ارادوا ان يفتكوا بمتولى و حسنين
لولا ان تدارك حسنين الموقف بوقاره المعهود
- الوصية بخط العمدة ومن يريد قراءتها فليأت ليقرأها و يفهمنا
تعال انت و اقرأها لنا
صمتت الاهالى مرة أخرى و كاننا في ملعب لكرة المضرب
و اتجهت الرقاب لذلك الثائر المكذب
الذى اتجه الى مكان حسنين
وأخذ الوصية و جلس يقرأها بتأن و يقلب في الاوراق
بدأ العرق يتصبب من جبينه
و انكسرت نظراته التى كانت تفيض بالاتهام منذ قليل
وقال بعد فترة
مضبوط الكلام ليس مفهوما لكن ليس هذا لان الكلام لا يفهم لكن لان العمدة كتب الكلام باسلوب الناس الكبيرة
حتما الذى يفهم هذا الكلام لابد ان يكون عقله مثل عقل العمدة
هذا كلام كبير لكبير مثله و ليس لكم انتم يا فلاحين من لا تعرفون ان تفكوا الخط
رد حسنين بحنق
ماشاءالله ومن هذا الكبير
بادر متولى
اذا يجب ان نختار كبير
رد قريب العمدة مضيوط و الكبير يفهم و بعدين يفهمنا
سكتت الاهالى بعد ان وجدت انها رجعت الى بداية الطريق مرة اخرى انها ما
زالت تحتاج الى العمدة ليحل مكان العمدة او يشرح لها ما يريده العمدة
اى مأساة تلك
قالها احد الحاضرين
لقد تركنا اعمالنا و بيوتنا و ارضنا و بهائمنا و لا نعرف ماذا سنفعل بعد اليوم
حسنين :
اليوم سيجتمع كبار البلد ليختارو العمدة الجديد
كل ناحية تبعت احد افرادها و انشاءالله قبل ما تطلع شمس الغد يكون البلد لها كبير
- قام احد الاهالى
و كيف نضمن ان العمدة القادم سيكون مثل عمدتنا المرحوم
و اضاف آخر
و الوصية ل يجب ان يحل طلاسمها ايضا العمدة القادم
قام تالث
انا ارشح شيخ البلد كان دائما يصاحبه في حله و ترحاله
اعترض اخر
لأ شيخ الغفر رجل طويل و عريض و يخافه الجميع و العمدة كان فخورا به في كل مكان
اعترض قريب العمدة مرة اخر
و لماذا تتناسون زوج ابنته
رجل مقتدر والعمدة اعطى له ابنته اغلى ما عنده
ائتمنه عليها
بدأ متولى يضطرب و ينظر لحسنين
وقام متولى قائلا : انا الوحيد الذى وثق به العمدة و اعطانى الوصية
ايده الكثير من الاهالى
اضطربت الاصوات بين مؤيد و معترض
لم يقطع الاصوات الا صوت ناعسة زوجة العمدة الاخيرة
جاءت في دلالها المعهود
لقد تزوجها العمدة مؤخرا لتأت له بالولد
لكنها لم تحمل ابدا
كانت في البداية ترغب في ان يتزوجها متولى الفتى الذى يقاربها في السن و لكن
قلبه مال الى أخرى فاسرتها له و تزوجت من كبير القرية لتغيظه و تسكت الالسنة
طأطأ الاهالى رؤسهم اجلالا لعمدتهم
قالت ناعسة " انت يا متولى ؟؟"
هل ذهبت الاصول ؟
هل ابن البارحة يصلح ليحل محل العمدة الذى لم و لن تأت بمثله النساء
هل ترى نفسك بديلا عن عمدتنا
هذه و الله مهزلة لو قبلتم
تتبع
05-05-2007, 06:06 PM
{myadvertisements[zone_3]}
-ليلى-
عضو رائد
المشاركات: 3,167
الانضمام: Feb 2005
اذا تكلم فهو يرى نفسه في مكانة العمدة
و اذا سكت راحت الفرصة
وقبل ان يتكلم قالت "كنت اظن انك ترشح حسنين احتراما للاصول "
ارتسمت على وجه حسنين سمات الفرح و لكنه حاول ان يخفيها بداخله حتى لا تفضحه
لم يحلم ابدا بهذا المكان
لكن هذه ناعسة ترشحه امام الجميع
التقط متولى خيط الحديث
"مال الحريم ومال هذه المسائل نحن لا نريد كلام حريم ادخلى بيتك ودعى الكلام للرجال
هل نسيت الحداد على زوجك ؟"
ردت ناعسة
لم انس و لكن عندما تكون انت البديل للعمدة
فسأكون لم اوف العمدة حقه في تربته اذا لم اتكلم
بدأت و تيرة الكلام تتصاعد
و كل فريق يحاول ان يثبت وجهة نظره
و اشتبكت بعض الاهالى بالايدى
وكان الامر سيفلت من الزمام لولا
ان رفع حسنين الوصية قائلا
" اكيد العمدة كتب خليفته هنا"
كل ناحية تأخذ نسخة من الوصية و تقراها بمعرفتها
و نجتمع بعدها لنشهد على ذلك
كل ناحية تبعث لى نساخ ينسخ نسخة من الوصية
وعندها بالتأكيد سنحل المشكلة
القى حسنين كلمته ليضرب عصفورين بحجر واحد
أزاح خصوصية متولى فكل فرد الآن سيصبح بيده الوصية
و أشرك الجميع في فهم الوصية دون ان يلومه أحد في غموض الوصية
استسلم متولى و لم يجد ما يقوله بعد ان رأى الرضا في اعين الجميع فابدى موافقته
ايضا حتى لا يثير موقفه اى شبهات فيه
بينما ركبت ناعسة فوق حمارها و انطلقت باتجاه دارها بعد ان اشترطت ان تتم عملية النسخ في حديقة الدار العتيقة
ليكون هذا تكريما للمكان الذى كتبت فيه الوصية لأول مرة
انصرفت الأهالى كلها أمل في انتهاء مخاوفها خاصة بعد ان شعرت ان العمدة ما زال حاضرا بينها بوصيته التى ستكون خير معين لهم في حياتهم بعد ان كان العمدة هو معينهم في صراع حياتهم اليومى
و في الموعد المحدد ارسلت كل ناحية من القرية اثنان من ثقاتها
و ناسخ الى بيت العمدة
بدأت عملية النسخ التى استمرت اسبوعا كاملا كانت الورقة تمر بالترتيب ينسخها
الناسخ و يمررها الى من يليه
اكتملت في النهاية 5 نسخ تمثل نواحى القرية و رجالاتها
و اتفق الجميع على الاجتماع بعد اسبوع لمناقشة الوصية على ان يدبر الامر في هذا الوقت شيخ البلد
و في الميعاد المحدد توقفت جميع مظاهر الحياة في القرية حتى ليظن الزائر لأول
وهلة ان المساكن قد هجرها اصحابها بغير رجعة
وان البيوت اصبح لا يسكنها الا البهائم و الطيور التى تمرح بين ارجاء البيوت بغير رقيب
خرجت الاهالى بنسائها و اطفالها منذ شروق الشمس زاحفة نحو بيت العمدة و جلست في شكل دائرى حول الدار في انتظار حضور كبار البلدة ليدخلوا الدار
و كلما جاء شيخ ناحية استقبلته ناحيته بالدعاء و التوفيق
حتى اجتمع في صحن الدار 5 رجال بالاضافة الى متولى و حسنين و ناعسة التى اقحمت نفسها بين الرجال و لم يستطع ان يعارضها أحد حتى لا تكرهه الاهالى
التى تراها من رائحة العمدة
وخاصة انه كان يظهر لها من مظاهر الحب و الود ما لم بظهره لغيرها من نسائه او حتى بناته
جلست عند باب الدار ارقب التوتر في عين متولى
واستمع الى تعليقات الحاضرين الجانبية التى تكشف عن مدى القلق الذى يعانيه الجميع
بعد وقت ليس بالقصير جاء شيخ البلد مفتتحا الحديث :
"بسم الله الرحمن الرحيم
اليوم هو اليوم الذى انتظرناه جميعا لنعرف ماذا اراد ابونا العمدة لنا بعد موته
اليوم نستريح من همومنا و نرجع كما كنا افضل ناس و أحسن ناس لان ربنا فضلنا على كل الناس بالعمدة الذى لم تأت بمثله النساء وهو كما كان حاضرا دائما بيننا
بجسده فسيظل حاضرا دائما بكلماته
و الآن نسمع من رجال بلدنا ما اتفقوا عليه
تقدم الشيخ رضوان شيخ جامع الناحية الوسطى
قائلا :
كلكم تعرفون مدى الغموض الذى كان بالوصية و لذلك بذلنا جميعا مجهودا كبيرا
لنخرج منها بنتيجة ترضى الجميع
الوصية كلها تتكلم عن احداث حدثت للعمدة نفسه و حدثت لاجداده
و تاريخ عائلته المبارك و كيف انتهت العمودية اليه
و تتكلم عن مشاكله اليومية وخاصة عن مشاكله مع حريمه و بالاخص ناعسة
وتتكلم عن حبه لكم وحبكم له ووقوفكم بجانبه دائما في الازمات
ولم نجد سوى سطرا واحدا كتبه عن خليفته في الوصية ذكره عندما كان مريضا
منذ خمس سنوات و ظن انه سوف يموت في حينها
و كتب في الوصية
"أحسست اليوم اننى سوف اموت و عندها فكرت في اهالى بلدى
احسست اننى لابد ان اوصى بهم لأقرب الناس الى "
وكما ترون اننا الناحية الوسطى اقرب الناس لبيت العمدة
و لذلك هو كان يتكلم على أحدنا بصفتنا الأقرب
هللت الجماهير التى تنتمى للجهة الوسطى الى تفسيرشيخها
هنا اعترض متولى بحزم قائلا
هذا كلام فارغ انه يقصدنى انا بصفتى اقرب الناس اليه
انا ابن عمه وهو يقصدنى بتلك الكلمة فبعد وفاة اخوه منذ سنتين اصبحت انا الاقرب
هلل رجال الناحية الغربية التى منها متولى لكلامه
تدخلت ناعسة بسرعة قائلة
بل انت من يفسر على هواه كلام عمدتنا انه يقصد اقرب الناس
في الشكل و الخلقة انه يقصد حسنين فهو اقرب الناس اليه شبها
ارادت ناعسة ان تزيح متولى و لو بتفسير لا يرضيها هى شخصيا
ولكنه لم تكن لتترك متولى ابدا
اعجب تفسيرها بالطبع أهالى المنطقة القبلية حيث ينتمى حسنين
ووجد حسنين نفسه مرة أخرى في المقدمة
قام الشيخ غريب شيخ الجامع للمنطقة البحرية معترضا
" مع احترامنا لزوجة ابونا العمدة الا انه هذا الكلام لا يصح
انه يقصد بالتأكيد اكثر الناس قربا الى قلبه و كلنا نعلم كم كان زوج ابنته قريبا لقلبه انه يقصد ابن ناحيتنا بالتأكيد"
هلل أهالى المنطقة البحرية لكلام شيخ مسجدهم
هنا اعترضت اهالى المنطقة الشرقية على لسان شيخها الذى هو في الوقت نفسه شيخ البلدة
"بل كان يقصد اقرب الناس اليه فعلا و عملا و خلقا "
ومن غير شيخ البلد عندها
تصاعدت اصوات اهل القرية كل يعلن انه الذى فهم كلام الوصية افضل من غيره
و أن غيره يفسر على هواه من أجل مصلحته
أصبحت الوصية لأول مرو سببا في اختلاف أهل القرية
وبدلا ان تكون الوصية سبب في توحيد القلوب اصبحت اكبر سبب للخلاف بين الاحباب
مع الأيام بدأ الكلام يتزايد حول تفسير الوصية و لم يعد احد يهتم بالوصية نفسها بقدر اهتمامه بتفسير ها
فهذا يتبع التفسير الواسطى و غير يتبع الاسلوب القبلى
و الكل يدافع عن رأيه بنفس الحماسة حتى بت اتعجب ان احدهما مخطئ و ان كلهم على حق
اما ناعسة فبعد ان فشلت في تحقيق ما تريد على الوجه الأكمل بدأت في اتباع اسلوب جديد لم يخطر لأحد على بال
بدأت في دعوة أهل البلد لتقص عليهم اقوال كان يقولها العمدة لها او لغيرها في
مناسبات عدة لم يذكرها في الوصية الغامضة
لكنها تؤكد انها سمعتها منه بنفسها
ربما في جلسة صفاء و ربما في موقف او أزمة
لكنها بدأت تجذب الناس اليها
و خاصة عندما القت بحكاية قلبت الموضوع رأسا على عقب
و ناعسة هذه لم تتزوج من العمدة الا قبل موته بسنتين
و كانت تبلغ من العمر وقتها 25 عاما
وكان ابوها أحد الغفر الذين خدموا في الدار العتيقة ولم تتخيل يوما ان تكون سيدة
لهذه الدار في يوما من الايام
كان مبلغ همها ان تحظى بمتولى الذى تراه بعين الشباب مطمحا لكل فتيات القرية
و لكنه لم ينظر لها ابدا نظرة سوى نظرة الشفقة او العطف نظرا للفارق الكبير بينهما
وتمتاز ناعسة بجسد انثوى مثير يشرق وجهها بماء الشباب
شعرها اسود فاحم يحجب اول جبينها و تضع عليه غطاء ينحسر دائما بقصد او بغير قصد كاشفا عن سحره ليزيدها فتنة ودلالا
واذا انكشف شعرها زاد عينيها بريقا و ترى انفها الدقيق يعلو فمها الصغير
كانت ذات طموح كبير تقدم لها الكثير من الخطاب لكنهم لم يكونوا ابدا على قدر
طموحها التواق الى الخروج من دائرة الفقر المدقع الى دائرة العيش المترف
رآها العمدة مرة مع والدها فحركت فيه رغبة ظن ان عهدها قد ولى
و أحس انها ستعيد اليه ذلك الشباب الذى لا يعود ابدا
و ادركت هي بحسها الانثوى الذى لا يخطئ تلك النظرة
ان الفرصة لن تتكرر و انها ان تركته الآن لن تدركه ابدا
و بفتنة الانثى دخلت تلك الدار و كأن العمدة لم يكتشف النساء الا معها
فلم يعد احد يذكر امرأة العمدة الا وكانت هي المقصودة
و لم يعد أحد يذكر النساء الاخريات الا حديثا عابرا لوفاة او فرح
ولم يعد العمدة يعرف المرأة الا في حجرتها
واستطاعت بحس ابنة البلدة ان تستولى على مشاعر أهل البلدة
فدائما كانت تمد يد الاحسان الى كل محتاج و لم ترد سائلا ابدا لعطف او احسان
وعندما مات العمدة ادركت ان النعيم الذى كانت فيه قد يزول
ولم تعد كما هى في دائرة الضوء
فارادت ان يكون من يأتى صنيعتها و ان تكون هي سببا في نعمته فلا يرفع عينه
عليها ابدا
و لم تكن تطيق ان يكون متولى هو السبب في جرحها قديما سببا في خروجها من
الجنة التى دخلتها و الفتها
نامت في تلك الليلة تفكر كيف تجعل الامور في صف حسنين
وتفتق ذهنها عن تلك الفكرة التى استغلت فيها منزلتها من اهل القرية وكم كان
كلامها مصدقا عندهم و افعالها مكرمة لديهم
فالقت بمفجأة باغتت الجميع
05-08-2007, 11:30 PM
{myadvertisements[zone_3]}
-ليلى-
عضو رائد
المشاركات: 3,167
الانضمام: Feb 2005
العمدة اصبح يأتيها في منامها او حتى في يقظتها ليذكرها بامور حدثت بينهما و يرشدها الى ما يود اخباره الى اهل قريته الذين يحبهم و يريد لهم الخير
بدأ الناس يتوافدون الى حجرتها
لتخبرهم ان العمدة تراءى لها البارحة و قال ان الوصية مكتوبة
بشكل غير مفهوم لان جزءا منها لم يعثروا عليه و أن هذا الجزء هو آخر ما كتبه
من أجل قريته
وأن الجزء الذى وصلهم كتبه قبل موته بخمس سنوات و اصابه الكثير من التعديل و ان هذا التعديل قد جعل الامر يختلط على الجميع
و ان الوصية الاخيرة موجودة و من سيعثر عليها سيكون هو من يستحق ان يأتى
بعده
اثارت هذه الرؤيا متولى الذى يعلم بيقين كذبها و لكنه لم يكن يجرؤ ليقول ذلك لعدة
اسباب
اولا فسيتهمه الجميع بانه يقول ذلك ليجعل الامر لصالحه
ثانيا لا يوجد عنده حل يرضى اهالى القرية فهو ان كذب ناعسة فلن يجد ما يقوله
ليحل مشكلة اهل بلدته
ثالثا سيقتل المشاعر الجميلة التى تجيش في صدور الناس بتواجد العمدة بينهم حتى و لو برؤيا او بطيف وان لم ير تلك الرؤيا سوى ناعسة و لكنه يدرى انها احب الناس الى قلب العمدة ومن الطبيعى ان يظهر لها
ذهبت ذات يوم لاقصد مجلس ناعسة الذى تعودت ان تقص منه رؤى العمدة
اغلب من رأيتهم كانوا من رعاع القرية او من الصبيان او من العواجيز
فمن كانت له ارض ذهب لأرضه حتى لا تموت ومن كانت له حاجة ذهب لقضاء حاجته قبل ان تفوت
فقد ايقن الجميع ان العمدة قد ولى بغير رجعة و ان شيخ البلدة مازال يمسك بزمام الامور
و ان اختيار عمدة جديد قد يطول و ان الانتظار لن يأتى الا بهلاك الزرع و الارض
بدأت تحكى في تأثر
"في الليلة الماضية و بينما انا بين النوم و النعاس اذا بطيف العمدة ينادينى
يا ناعسة بلغى اهل قريتى السلام و انهم اوحشونى و اشتاق اليهم فردا فردا
يا ناعسة قولى لهم لا تنسوا اباكم
يا ناعسة قولى لهم ان لم يجدوا الوصية و يعملوا بها فسيصيبهم ضرر عظيم"
لمحت مدى التأثر الشديد في عيون الحاضرين
وبينما انا جالس استمع
دخل متولى ينظر الى الآرض بخشوع و يمشى بخطوات محسوبة
وتوجه بصوت خفيض الى حبث تجلس ناعسة قائلا:
يا ناعسة
اذا جاءك ابونا العمدة المرة القادمة فهل لك ان تسأليه اين الجزء الضائع من الوصية و اين تركه
انه بذلك يوفر علينا الوقت الكثير و الجهد الكبير و يريح افئدة اهل قريته و يتم فضله على و على اهل بلدى
هل من المعقول ان يصلنا الجزء الذى لا يهم احد و يخفى عنا الجزء الذى نحتاجه
و نسعى اليه
لمحت الصدمة في عين ناعسة فمتولى قد وضعها في موقف لا تحسد عليه امام الحاضرين
و أكمل متولى حديبثه بنفس الاستكانة و الخشوع
لماذا يظهر دائما العمدة مبشرا او منذرا من عدم العثور على الوصية بينما لا يخبر الاهالى بمكان الوصية ليعملوا ما فيها
لماذا يظهر حبه في الرؤيا فقط بينما لا يستطيع اهل القرية الاستفادة بهذا الحب الآن بعد ان مات العمدة
تنحنحت ناعسة و اعتدلت كأنها تتهيأ لكلام طويل
كلامك صحيح يا متولى
لكن ابونا العمدة له غرض اكيد كى يجعلنا نبحث عن ما يريد
انه سيجعل ظهور الوصية هو دليل رضاه عن من يختاره خلفا له
انه افضل دليل
ادركت ناعسة بسرعة ان متولى ينصب لها شركا
وان تلكأها او تسرعها سيثير شكوك أهل القرية
وأن الموضوع اذا استمر على هذه الوتيرة بلا تغيير اصاب الملل الجميع و فقد حديثها بريقه
فاستركت قائلة :
لكن عندما ياتينى العمدة المرة القادمة سأنقل له حديثك
ارادت بذلك مزيدا من الوقت للتفكير وانهاء الامر لصالح حسنين و في نفس الوقت
تقطع على متولى مزيدا من طرح افكاره التى ستثير في الحاضرين اسئلة لن تتوقف
و ادرك متولى أن اللحظة الحاسمة قد اقتربت و أن الايام القادمة سوف تشهد نهاية تلك القصة التى بدأتها و لكنه لم يعرف ابدا ماذا كانت تخبئ له ناعسة
اتفقت ناعسة مع حسنين على خطة تنجو بها من الشرك المنصوب و تجعل لكلامها
مصداقية عند الجميع
و اخبرته انها ستضع الوصية في مكان متفق عليه و تستدعى اهل القرية كالعادة
لتخبرهم بأن العمدة جاءها في المنام مبشرا بأن خليفته في القرية سوف يعثر على
الوصية اليوم و يظهر بها دليلا على صدقه
وفي تلك الاثناء سيظهر حسنين في يده الوصية ليظهرها للجميع
و يستتب الامر لها
لكن ظهرت في الافق مشكلة أكبر لها لم تعرف كيف تعالجها
ماذا ستكتب في الوصية الاخيرة لأهل القرية!!
ان الوصية السابقة لم تعد تصلح لانها كتبت و تعدلت مرارا
والوصية الاخيرة هى فقط ما يجب على أهل البدة اتباعه
فماذا سيكتب من كلام بداخلها ليكون مقنعا لاهل البلدة
ويكون على قدر ما ينتظرونه من آمال
القت ناعسة بالامر كله الى حسنين وقالت لقد فعلت كل ما يمكننى و انت لم تقدم شيئا
فهل لك ان تساعدنى في كتابة الوصية و تفعل و لو امرا واحدا لتكون اهلا لذلك الامر؟
اصابت حسنين حسرة و حيرة فخرج من عند ناعسة لا يلوى على شئ
فبعد ان كان الحلم اقرب اليه من ما يتخيل اصابته خيبة أمل لم يعمل لها حساب
رجع الى بيته وحاول ان يبعد الموضوع عن تفكيره
لكن الامر كان اعظم من ان ينساه
و كأن الافكار كانت تتسارع و تتعارك لتقف في نفس المنطقة من رأسه لتصيبه بصداع و ارق
ومازال على تلك الحال حتى انقضى من الليل نصفه وهو لم يغمض له جفن ولم يزدد الا قلقا واضطرابا
ضاقت الدنيا في ناظريه فنهض من فراشه و تزمل ببيردته و تعمم وخرج يلتمس الخلوة
كان الظلام مخيما و رقد اهل القرية جميعا و لم يبق في الشوارع الا هو
سار بلا هدى لا يعرف له طريق يبطئ تارة و يسرع تارة أخرى
فما شعر الا وهو امام بيت العمدة العتيق
و شعر بارتياح غريب يدخل اليه و كأنه ينظر للدار لأول مرة
لكن الافكار لم تلبث ان عاودته من جديد
فالتمس مكانا و اتكأ على احدى حوائط الدار الخارجية و ارسل بصره الى السماء
يراقب النجوم السابحة في الفضاء و سرح بصره في تشكيلات النجوم وكأن يرسل
افكاره الى تلك النجوم البعيدة كى لا تعود و يلقى عن كاهله تلك الهموم الثقال
واصابته لسعة برد فشد عليه عباءته وأحس بدفء لذيذ وكأنه احتسى كوبا من الشراب فاصابه نعاس وخدر
و بدأت احلامه تتراقص امام عينيه في منامه
فرأى ناعسة قد اسفرت عن محياها الجميل و بدت عيناها الكحيلتان تمشى نحوه
بخفة و رشاقة حافية القدمين على بساط من الريش
فخفق قلبه لرؤيتها وهم بالسلام عليها فرآها اعرضت اعراض العاتب
وناداها فنظرت اليه شزرا ثم انصرفت عنه
حاول اللحاق بها فلم يستطع وهم يجرى وراءها فاصطدمت رأسه بالجدار و افاق
مسح عينيه ليتبين حاله يقظة ام حلم و حمد الله ان هذا كان حلما مضى الى غير رجعة
مكث صامتا لفترة تتقاذفه الهواجس هل تعرض عنه ناعسة بعد ان كانت قد وثقت به و جعلته سبيلها
بدأ يتلو بعض الايات القرآنية ليصرف عنه الوسواس و الشيطان
وبدأ يتفكر في نهاية امره و كيف سيكون غده اذا استدعته ناعسة و هو لم يعرف ما يقول لها
وبينما هو عائد في تلك الساعة من الليل رأى ثلاثة رجال لم يعرف احدا منهم و لكن
عرف من حديثهم انهم من انصار متولى ابن عم العمدة منافسه اللدود
فاستتر وراء حجر ليعلم سبب اجتماعهم في تلك الليلة
فهم بالتأكيد يعدون العدة لكشف امر ناعسة فيخلو لهم الجو
أخذ مكانه بينما جلس الثلاثة رجال القرفصاء و بدأو في تدخين
الشيشة(النرجيلة) و ينقثون الدخان في الهواء و يلتمسون في الاحجار المتقدة
دفئا يذهب لسعة البرد
بدأ أحدهم الحديث " لم يبق الا حسنين الذى لم نسمع له حسا ان يكون عمدة
لبلدتنا انها بالله لمهزلة و لاصبحنا اضحوكة للبلاد"
تفجر الدم في عروق حسنين وهم ان يقوم ليرد هذا المتفزلك لكنه تذكر في اللحظة
الأخيرة ان الامر اعظم من رد شرف و ربما قام عليه الرجال في هذا الوقت و
ضربوه او قتلوه و لم يدر به أحد
فتماسك عل مضض مؤثرا ان يستمع الى ما تحتويه صدور هؤلاء االرجال
و سمع رفيقه الآخر يضحك
"عندها سيكون كا لخروف في يد ناعسة تفعل به ما تشاء"
انفجر مرة اخرى من الغيظ و لكنه تحامل مرة أخرى وامسك حفنة من التراب و قبض عليها باقصى قوته وقذفها مرة أخرى
و تكلم الثالث لكن كما تعلم فان متولى كان لهما بالمرصاد
وكشف خطتهما الساذجة امام الجميع و فى الايام القادمة سيظهر الحق للجميع
فاى وصية تلك التى ضاعت و ستجدها ناعسة
انها قنبلة القتها و لكنها ستنفجر في وجهها هى و ذلك الخروف
ضحكوا جميعا في صوت عال و نقثوا دخانهم
بينما كان حسنين يأكل في ملابسه من شدة الانفعال
"آه يا اولاد الكلب..."
لكن خرقت اذنه حديث عارض لاوسطهم عندما قال
"لكن ماذا اذا جاءت ناعسة بالوصية فعلا فلا يعرف خط العمدة الا القليل و يمكنها
كتابة ما تريد فهذه الناعسة ليست سهلة ابدا و ربما قلدت خطه"
فرد عليه زميله "و ربما اخذت اسلوبه ايضا فكتبت ما تريد من الوصية القديمة
"
فرد زميلها الثالث" لا اعتقد انها ستفعل ذلك فمتولى يعرف جيدا خط العمدة و االوصية القديمة معه نسخة منها "
استدرك الاول "
لكن من قال ان الوصية القديمة يجب ان تكون مختلفة"
اثارت تلك الكلمات فكرة في عقل حسنين و كأنهم نبهوه لامر لم يخطر له على بال فانطلق بسرعة نحو ناعسة
و لكنه تذكر في منتصف الطريق ان الوقت تأخر و ان الفجر قريب ولم يعد يدر ماذا يفعل و كأنه يخاف ان ينام فتطير الفكرة من عقله و لا يتذكرها وود
لو ظل سهرانا الى صباح اليوم التالى لكنه عاد سريعا يردد بينه و بين نفسه هذه الفكرة الرائعة التى لم تخطر له على بال
ارتمى حسنين على سريره وأخذ يتقلب عليه طوال الوقت و النوم اصبح املا بعيد المنال
حاول ان يرتاح قليلا و لكن الافكار كان تتراقص امامه وأخذ يتخيل فرحة ناعسة
عندا يلقى امامها بتلك الفكرة التى رآها ستنهى الموضوع تماما لصالحهما
غفلت عينه قليلا من شدة التعب و لكن مع اول شعاع للشمس لامس وجهه انتفض
من سريره كأن حية لدغته
وكأنه ارتكب جرما لا يغتفر وظن ان الوقت قد مر وهو نائم لا يدرى ما يحدث
اسرع الى شباك غرفته و نظر فاذا الصباح ما زال في اوله
و رأى الفلاحين في حركتهم اليومية يسوقون بهائهم الى الغيطان
تنفس الصعداء و ارتدى عمامته و خرج منطلقا الى بيت ناعسة ليلقى لها بالمفاجأة
و عندما وصل الى الدار العتيقة لا حظ تجمهرا حول الدار
ووجدنى اقف امام الدار مندهشا فسألنى هل من أمر جديد ؟
فقلت له : ناعسة
قال لي بلهفة و جزع : ما حل بها ؟؟
قلت : اختفت منذ ليلة البارحة و لم تظهر حتى الآن
قال : و كيف حدث هذا ؟
قلت : لاأدرى لقد بلغ شيخ البلد مأمور الناحية و سيبعث أحدا للتحقيق
الناس تقول ان هذا من فعل متولى ليخلو له الجو
ضرب حسنين كفا على كف
وجلس مستسلما على الأرض وكأنه كان يجرى بلا توقف منذ اسبوع
قلت : لا تقلق خير انشاءالله
نظر لى نظرة التائه و خلت انه طفل صغير فقد امه
بدأ حسنين يربط وجود الثلاث رجال قريبا من بيت ناعسة في المساء و تجمعهم
المريب في تلك الليلة و اختفاء ناعسة
واخذ يضرب نفسه و يقول الم تكن قادرا على الانتظار حتى تعلم ما كان ينوي فعله
هؤلاء الرجال
سمعته يكلم نفسه و يلومها و لكننى لن اتبين حروفه و كلماته
و فجأة جاء متولى و خلفه بعض رجاله
قائلا :
لا حول ولا قوة الا بالله ان هذا لشئ غريب لم يحدث ابدا في قريتنا الآمنة الله
يرحمك ياعمدة
و نظر بطرف عينه الى شيخ البلد الذى فهم الرسالة و عرف ان متولى يظهر لأهل
البلدة ان شيخ البلدة عجز عن حماية اهم نساء البلدة فما بال البقية
فرد شيخ البلد:
مالك يا متولى هل تريدنى ان ا جعل غفيرا وراء كل انسان ؟
رد متولى بسخرية واضحة
لما النسوان بتنسرق ماذا ستفعل مع البهائم
ضحك الجميع في سرهم اجلالا للموقف
وكتم شيخ البلد حنقه و غيظه من متولى و انصرف من فوره
الى بيته منبها شيخ الغفر باعلامه عند وصول مأمور المركز
انتبه الجميع الى وجود حسنين على الأرض عندما خاطبه
متولى : مالك يا حسنين ؟
رد حسنين : اقتل القتيل و امشى في جنازته
رد متولى غاضبا : متولى لا يمكن يمس حرمة فما بالك
اذا كان ارملة ابن عمى العمدة الله يرحمه
وكأن حسنين لم يجد ما يقوله فهو يعرف متولى جيدا و ليس من طبعه ان يفعل هذا
ولو سألوه لقال مثل ما قال متولى
لكن المفاجأة كانت اكبر منه كما ان وجود الرجال ليلا جعله لا يعرف اين الحقيقة
رد بصوت خفيض : اذا اين ذهبت ناعسة
قال متولى : قل لنا انت
رد حسنين :ومن اين لى ان اعرف
و قال متولى :وانا ايضا مثلك
انصرف متولى غاضبا مزمجرا ينفث غضبه و يتمتم : لم يبق الا النسوان تنسرق
و انا السارق "
احس حسنين انه تسرع بتوجيه الاتهام فجرى و راء متولى و قال له " لا تغضب
لقد فاجأنى الموقف "
و رد متولى " لكن لا يصح يا حسنين ان ....
و قبل ان يكمل جملته سمع غفيرا يجرى عليهم
"ستنا ناعسة ظهرت ستنا ناعسة ظهرت "
فاقبل عليه الجميع
و قالوا اين و كيف
قال الغفير نازلة من الجبل
راآها الواد عبد المتعال واخبرنى انها قادمة باتجاه بيتنا
ارتسمت الدهشة في عيون الجميع
و ارسل شيخ الغفر الغفير ليطمئن شيخ البد و يلغى زيارة المأمور
و انتظروا حتى تصل ناعسة
مرت ساعة قبل ان يظهر شبح ناعسة من بعيد
و اقتربت على حمارها ببطء و قد جلست منصوبة الظهر ترتدى جلبابا اسود عليه
زركشة من الذهب في اسفل الذيل تدل على مكانتها المميزة
ما ان دخلت الحمار دارها حتى اسرع اليه الحاضرين كل يبدى دهشته و ينتظر
تعليلا لما حدث
اما حسنين فيبدو ان توالى الصدمات عليه افقده اتزانه
و فقد وقاره المعهود عنه في حديثه و انطلق كالمجنون باتجاه حمار ناعسة يقوده
الى مربطه وكأنه خائف ان يكون في حلم فآثر ان يمسك الحقيقة بين يديه ويحس اثرها
اما متولى فظهر الغيظ على وجهه قائلا : امرأة تبات في الجبل وسط المطاريد
لوحدها بلا رقيب ولا حسيب
الله يرحمه نصحته كثيرا و قلت له النساء غيرها كثير تلك اللعوب
نزلت ناعسة من على حمارها ووقفت وسط الرجال
لقد جئتكم بخبر يقين
سكت الجميع و لم يعد أحد يسمع سوى صوت ناعسة الذى فجر امرا في غاية الغرابة
لم يكن يخطر لهم على بال
كانت ناعسة في الليلة الماضية تفكر ايضا في ماذا ستفعل و هى ان كانت طلبت
من حسنين التفكير بعيدا عنها فذلك ليس لانها تثق في رأيه فهى تعلم تماما انه
اضعف حيلة منها و اقل دهاء
بل كانت تخطط لامر جلل لم تكن تريد حتى ان يعرفه حسنين حتى لا يلاحظ أحد ان
حسنين لم ينفعل للامر و يفهم متولى ان الامر مدبر بينهما
فكتمت الامر و قد صدق حدسها فحسنين جعل الجميع يفهم انها غابت فعلا و ان
هناك امرا لم يكن يتوقعه أحد حتى هو نفسه
وعندما اقتربت من الجميع القت نظرة سريعة على كل الحاضرين و رأت علامات
اللهفة و الانتظار في عيونهم
و علمت ان خطتها لم يعد ينقصها سوى ان تكون خطوات قليلة
عاجلها متولى باستياء واضح
الم يعد لك كبير تحترمينه
اي كنت تباتين تلك الليلة
06-04-2007, 10:23 PM
{myadvertisements[zone_3]}
wmaklad
عضو مشارك
المشاركات: 27
الانضمام: Oct 2004
اشارت ناعسة بيديها و كأن هناك جنيا فد تلبسها و بدأت ترتعش
قالت: دعانى و لبيته
ضرب متولى كفا على كف و قال و تعترفين ايضا بكل بساطة و نحن الذين اعتقدنا
ان ضررا قد اصابك
استمرت ناعسة في الكلام و كأنها لا تسمع صوتا حولها
لقد رأيته و جلست معه
لقد رأيت العمدة و جلست معه فوق الجبل
العمدة ما زال مهتما لامرنا
العمدة لا يمكن ان يتركنا ابدا
العمدة لم يمنعه عنكم حتى الموت
نظرت الى حسنين فوجدته فاغرا فاه كالابله ينظر لناعسة بلا تركيز
اما متولى فقال:
لقد جنت المرأة لا حول و لا قوة الا بالله
لقد دفناه بايدينا و أكله الدود
اي عمدة تتكلمين عنه؟
استمرت ناعسة مرة أخرى وكأن أحدا لم يتكلم
ربنا قادر على كل شئ
لا تكفروا بقدرة الله
قال متولى :
ونعم بالله لكن لماذا يظهر العمدة في الجبل لماذا لم يظهر لنا هنا في قريتنا؟!!
ردت ناعسة و هى ترتعش في حركة مصطنعة فيها حالة من التجلى
حكمة لا يعرفها سواه
رفعت يديها و حركت وجهها يمنا و يسارا
ثم نظرت بنظرة كلها استعطاف لاهل القرية الذين بدأوا يتدافعون تباعا نحو البيت
العتيق ليشهدوا عودة ناعسة وما ستقوله اهم
"طالما صدقناه وهو موجود فلماذا نشكك ا في حكمته الآن
هل تشكك في حكمته يا متولى ؟
هل تريد ان تقول لاهل بلدتنا انك اكثر حكمة منه و أقدر على معرفة بالأفضل من العمدة ؟"
طأطأ متولى رأسه متمتما
تبا لك من امرأة لا تيأس
قالت ناعسة في استعلاء
ماذا تقول؟
رد متولى : لاشئ اقول لا اعتراض على حكمة العمدة
قالها و نظر الى عيون الحاضرين وكأنه خائف ان يتهموه بانه يقلل من شأن عمدتهم
فيفقد شعبيته التى اكتسبها
عادت ناعسة الى وضعها الأول و بدت اكثر رباطة جأش
وكأنها كسبت اول جولة بينها و بين متولى
بينما سكت متولى اقرارا منه بالهزيمة منتظرا ما تسفر عنه بقية الأحداث
لقد جائنى في المنام و قال اصعدى الى الجبل و انتظرينى في اعلاه و سآتى لآخذك
و لبيت دعوته و اذا بى ارانى في مكان كله اخضر في اخضر
و الناس تلبس ابيض في ابيض
و طيور و بحور
هلل الحاضرين من الرجال و النساء من أهل القرية
هذه بالتأكيد الجنة يا سلام يا عمدة أكيد
وهل ينالها غيره !!
كان أهل البلدة دائما في حالة افتقاد للعمدة وكانوا مستعدين لتصديق اى شئ عنه
حتى و لو بدا ضربا من الجنون او الخيال
لكن افتقادهم الشديد له وحبهم لشخصه
جعلهم لا يفكرون بقدر ما يحلمون و يأملون
نظرت ناعسة بعين الخبير لأهل القرية فوجدت انهم اصبحوا في حالة تسمح لها
بالدخول الى ما تريد
فاستانفت حديثها المقطوع:
: وهناك رأيت و سمعت من عمدتنا أحلى الكلام و أمرنى ان ابلغكم
و اعطانى الوصية بيديه ورفعتها اما الجميع
لأول مرة ينتبه حسنين ان الأمر قد انتهى و انه يجب ان يظهر في الصورة
فلا بد ان الامر قد حسم له في الوصية
فضحك متولى بلغة المكذب :
و طبعا ستقولى لنا حسنين
اشاحت ناعسة براحتها و كأنها تسكت متولى
و قالت
كما قال لى عنك العمدة انك دائما متسرع لا تسمع ما يقال ترمى بالنتائج قبل ان تسمع الحقائق
لقد صدقت كل كلمة قالها عنك العمدة
قال لى متولى رجل شهم لكنه مازال شابا ارعنا لم يتعلم من الحياة
اسمع يا متولى
لم يختر العمدة حسنين
القت المفاجأة فذهل كل الحاضرين اما متولى فكأن الطير حط على رأسه
اما حسنين
فكان ينظر الى الموضوع وكأنه حلم جديد
و اعتقد انه ما زال داخل حلمه القديم عندما اقبلت اليه ناعسة ثم تركته غاضبة
لكنه في هذه المرة لم يجد من يفيقه من حلمه
اما اهالى البلدة فقد تعالت صيحاتهم
و بدأ الجميع يستغرب ما حدث و يطالب ناعسة بأن تلقى ما في جعبتها
و تعطيهم الوصية الجديدة ليقرؤوها كاملة
وكانت ناعسة فد اعدت لكل هذا
و وقفت تقول
هاهى الوصية فاقرؤوها
و أعطت الوصية لمتولى وهى تنظر له بعين المنتصر
ليقرأها امام الجميع
ويعلن ارادة العمدة
نترك متولى يقرأ الوصية و نذهب لنرى اين كانت ناعسة تبيت ليلتها تلك
ترك حسنين ناعسة و قد عزمت ان تجد حلا لمواضيع الوصية فتذكرت في ليلتها
قريبا لها من جهة والدها مشهود له بالحكمة و سعة الاطلاع و نفاذ البصيرة
كانت ترتاح الى ارائه و دائما ماكانت تلجأ عليه عندما تحتاج الى مشورة بعيدا عن العمدة
وكان ضمن الذين نسخت اليهم الوصية القديمة و استعانوا به ضمن المفسرين و المحققين في امر الوصية وما يريده العمدة
فخرجت متخفية في تلك الليلة في ثوب الرجال و عقدت العزم على الذهاب اليه
و عندما استقبلها في بيته و قصت عليه قصتها و من خوفها من ذهاب الامر الى متولى و ضياع امرها حين ذاك
اعتدل في جلسته و مشط لحيته باصابعه
وقال لها : ليس الأمر بالهين و لكن أرى امرا ان استطعتيه كان خير عون لك في امرك
قالت : (وقد اضطربت اضطرابا شديدا و علت خفقات قلبها)
وماهو ذاك الامر ؟
قال : لا ينبغى ان تركنى الى حسنين فالكل سيفهم ان الامر مدبر بل يجب ان يكون الأمر مفاجئة للجميع
قالت : و كيف ذلك ومن من الرجال يصلح و الكل يريد الأمر لنفسه ولو استطاع
ان يقتل غيره لفعل
ذهب ببصره بعيدا و كانه ينتقى الكلمات المناسبة
ثم وقف ووضع يديه خلف ظهره و تمشى جيئة و ذهابا كنمر جائع محبوس بداخل قفص
قال : هل تذكرين مختار ذلك الشاب الذى ارسلته لك اجيرا ليقيم لك الحائط الغربى
قالت : نعم نعم اذكره وفد اثنيت عليه ساعتها لما توستمه فيه من الامانة في العمل و حسن الأخلاق
قال : انه شاب يتيم جار عليه الزمان لكنه يمكنه ان يكون طوع بنانك و تحت تصرفك
قالت : (وقد عظم اضطرابها ) ماذا تقصد من وراء قولك هذا ؟
قال:
بنيتى ان القائد العظيم يجب ان يخاطر ليكسب المعركة ولو فعل الجميع ما ينبغى
فعله لما تميز أحد و لاصبح الناس سواسية
قالت : لم افهم ما تريد أرجوك لا تتركنى فريسة للافكار الق ما تريد
قال : سيكون مختار هو العمدة الجديد قالها و نظر مباشرة الى وجه ناعسة الذى
بدا عليه الانزعاج كسحابة ليل تحجب صفحة القمر
قالت: و كيف هذا و لو قبلت انا بذلك فهل سيقبل اهل القرية ان يكون ذلك الشاب الفقير الذى لا ارض له و لامال و لا جاه
هو العمدة بينما لا يكون عمدتهم من اعيان القرية
ان هذا امر غير صائب و ارى ان الحكمة قد جانبتك في رأيك هذا
تبسم الرجل وقال :
بل الحكمة كل الحكمة فيما قلت
فهذا الشاب سيكون طوع امرك لانه بدونك لن يستطيع أخذ رأى ولا مشورة لانه لا خبرة له في الحياة في تلك الامور
كما انك ستفاجئين الجميع بأمر لا يتوقعونه فتأخذهم المفاجأة عن التفكير و يعتقدون
ان الأمر لفرط غرابته هو امر ينطوى على حكمة خافية عليهم و انت تعلمين ان النفس البشرية تحب كل غريب و تسعد بكل ممنوع
اعجب الكلام ناعسة و لكن الخوف من غرابة الأمر لم يفارقها
ولا حظ الشيخ ذلك فتابع قوله
اما عن الوصية فامرها يسير
كما يقول المثل " من ذقنه افتله "
انتبهت ناعسة الى امر الوصية وكانت المفاجأة انستها الأمر الذى جاءت من أجله
وهو ماذا تكتب في الوصية
فسالته : وماذا نقصد ؟
قال : نكتب الوصية الجديدة من القديمة صفحة من هنا على صفحة من هنا و نضيف بين السطور ما نريد من أهل قريتنا
قالت : وماذا فعلنا اذا سيكتشف اهالى القرية اننا نسخنا القديم و لم نات بجديد فما فضل الوصية الجديدة اذا عندها ؟
قال : لم تفتنى هذا سنقول ان العمدة لم يكن ليغير ما يريد
كما اننا سنملأها بنفس القصص و الحكايات القديمة التى رواها العمدة ونكتب ما ينتظر اهل القرية من خير على يد عمدتهم الجديد فنملأ قلوبهم بالأمل و بحجم احلامهم و آمالهم الجديدة مما سنضعه في الوصية سيكون تمسكهم بهذا العمدة الجديد و حرصهم عليه
وذهب و احضر نسخته من الوصية القديمة و فردها وقال انظرى الى هذه القصة
نضعها هنا و تلك الكلمات نضيفها هكذا فيتجمع لدينا الوصية الجديدة و نكتبها باسلوب وخط جديد
انفرجت اسارير ناعسة و لم تكن تتخيل ان الأمر سيكون بهذه البساطة
و راقبته وهو يضع مخطوطته الأولى
ثم تذكرت مختار وأمره فقالت : وكيف سنضع مختارا في الوصية
اجابها بثقة: هذا امر يسير نكتب صفات لا تنطبق الا عليه
و ان العمدة يريده ذوبسطة في الجسم وانه يأتى اليهم يحمل الوصية نازلا من الجبل
في ساعة معينة وهو يرتجف من الأمانة التى وضعت في عنقه
وفي الساعة المتفق عليها سابعث لك مختارا
و سيبدو الأمر كله امرا خارقا للمألوف
لم تخف ناعسة اعجابها بحسن تدبير الشيخ
ووعدته ان الأمر اذا تم كا اراد سيكون له شأن كبير
اما الشيخ فقد طلب منه ان تبيت تلك الليلة حتى يستكملا معا شكل الوصية على ان
يلتقيا بمختار في الصباح و يلقناه دوره
وان تخبر اهل قريتها بما اتفقا اليه و تشوقهم الى العمدة الجديد
و تمهد الى ظهوره فيقع في نفوسهم موقعا جليلا و يكون ظهوره رحمة لهم و خلاصا واملا في غد افضل
و في الصباح الباكر كان مختار قد حضر الى بيت الشيخ
و نظرت اليه ناعسة فوجدته شابا طويلا قويا ممتلئ العضلات
يرتدى جلبابا قد شمر عن ساعديه و تبرق عيناه ببريق الذكاء
تفدم نحوهما وهو يتجه ببصره الى الأرض
قال له الشيخ :
اجلس يا مختار انت تعرف طبعا ستك ناعسة
قال مختار :
طبعا طبعا ومن منا لا يعرف زوجة ابينا العمدة اشرف نساء قريتنا و اطولهم يدا
قال الشيخ :
لقد اتتك اليوم طالبة خدمة و قد رشحتك انت لها و ارجو ان اكون قد وفقت في اختيارى لك
انتفض مختار من مكانه قائلا:
انت تعرف انك لو طلبت رقبتى لما تأخرت عليك
ضحك الشيخ قائلا :
نحن فعلا نحتاج رقبتك
احمر وجه مختار و نظر الى الشيخ قائلا ماذا تقصد بالضبط
قال الشيخ :
لقد اختارك العمدة لتكون خليفته
رد مختار :
هل جئتما بى لكى تضحكا منى ؟
قال الشيخ :
الم تقل لى انك لن تخذلنا ؟
رد مختار :
لكنك تقول كلاما لا يصدق
رد الشيخ :
ان هذا اختيار العمدة و قد اختارك بنفسه و ارسل ستك ناعسة لاخبارك بهذا
بدأ مختار يرى معالم الجدية في وجوههما
و تكلمت ناعسة:
العمدة هو من اختار و نحن لا نملك مناقشة القرار
قال مختار :
لكننى لا اعرف اي شئ عن العمودية
ردت ناعسة :
سأكون انا خير عون لك بمالى و ارائى
و اكمل الشيخ:
و انا ساكون معك دائنا برأييى و مشورتى
نظر الشيخ الى ناعسة فوجدها قلقة يبدو عليها الخوف الشديد
فقال لها لا تخافى فقط افعلى ما اتفقنا عليه و سيكون الأمر لك
كما اردت و شد علي يديها
و امرها بالنزول و الرجوع الى القرية من طريق الجبل كما اوضحت في البداية
و نرجع الآن الى متولى و هو يقرأ الوصية التى أخذتها ناعسة معها من الشيخ
بدأ متولى يقرأ الوصية و هو يرتعش و يحاول أن يظهر رباطة الجأش أمام
الحضور الذين خيم عليهم الصمت
كان السرور البادى على وجوههم يزيده خوفا فهم سينفذون ما جاءت به الوصية حتما
و انتبه الى ما فعلته به ناعسة بأن جعلته يقرأ الوصية حتى ليبدو انه يقر بكل ما جاء فيها
ولم ينتبه لهذا في البداية لانها فاجأته لكنه ادرك انه تورط في القراءة وهذا سيعطى بالتأكيد مصداقية أكثر لما سيأتى بها
لكن لم يكن ليستطيع ان يتراجع
بدأ يقرأ و يقرأ الوصية التى كانت تكرارا لما سمعه الناس و لم يفهموه سابقا و الكل في انتظار الجديد حتى وصل الى هذا المقطع فتوقف عندما قرأه
و بدأ يقرؤه في سره من فرط لهفته ليعرف ما يصل اليه في النهاية
فثارت ثورة الحاضرين و نبهوه انهم شركاء معه
فقال بأعلى صوته "شخرم بخرم "
ثارت ثورة الأهالى ما ذا تقول يا رجل ؟
فقال :"شخرم بخرم "هذا هو المكتوب و نظر الى ناعسة التى
لوت شفتها السفلى الى الاسفل و رفعت كتفيها وكأنها تنكر رؤيتها سابقا لمحتوى الوصية
فأعاد القراءة طالبا من الاهالى الانتظار حتى ينتهى من النص
:شخرم بخرم - هذه الوصية لا ريب فيها ارشاد لآهل قريتنا المخلصين
اهل قريتنا الذين طالما كانوا عونا لى و كنت لهم بمثابة الاب الناصح الأمين
اذا وصلتكم وصيتى هذه فاعلموا انكم في بالى دائما حتى لو كنتم لى غير مدركين
اوصيكم يا اهلى و ناسى و احبابى بان تفعلوا ما جاءكم منى في هذه الوصية وما
سيقوله لكم عمدتكم الجديد
و علامة ظهوره تاتيكم و انتم لهذه الوصية تسمعون
تنحنحت ناعسة و اعادت وضع غطاء راسها و ألقته خلف ظهرها
كانت هذه علامة اتفقت عليها مع مختار عندما يراها يتجه الى أهل البلدة بيده بقية الوصية التى اعطاها له الشيخ
كان مختار في قرارة نفسه مصدقا انه فعلا العمدة الجديد و انه مختار فعلا من قبل العمدة القديمة
لذلك كانت سيطرة الموضوع عليه تظهره في حالة خوف شديد و من يراه يحسبه ان به حمى من شدة ارتجافه و ارتعاده
تحرك في اتجاه الحاضرين بينما كان متولى يتابع قراءة الوصية
"يحمل كتابى لكم فاقبلوا عمدتكم طائعين
انه رجل طويل يتيم يرتدى لباسا اصفر فاقع لونه يسر الناظرين
لا يعمل في الزرع ولا في سقاية الارض ولا يحرث كما تحرثون
لم يكد يكمل متولى يكمل جملته حتى صرخ أحد الحاضرين في فزع انظروا انظروا
اتجه الجميع و قد علاهم الهلع الى مصدر الصوت فوجدوا حمارا يجرى باتجاههم
يحمل رجلا عليه حلة صفراء رائعة اللون و التطريز لم يعهد أهل البلدة مثلها من قبل كانت قد جاءت هدية للعمدة من أحد الوجهاء قبل موته بفترة وجيزة
فايقنوا في نفوسهم انه عمدتهم الجديد
و نظرت ناعسة الى وجوه الأهالى فوجدت الحيلة قد انطلت عليهم
وان مختارا قد احكم تطبيق ما طلبته منه
و زاد سرورها عندما اندفع بعض البسطاء الى مختار يقبلون يديه كما كانوا يفعلون
مع العمدة القديم تبركا
سيطر جو غريب من الدهشة و التعجب و الترقب على بقية الحاضرين
و انتظروا وصول مختار الى مكانهم
الذى دخل ووقف بجانب متولى و ناعسة
وتوجه مباشرة الى اهالى القرية
هل تعرفوننى؟
قالوا نعم نعرفك انت مختار بن الحاج طلبة الله يرحمه
قال وهو يرتجف
هل تعلمون عنى كذباا ؟
قالوا على قلب رجل واحد
بل أخ كريم وابن شيخ كريم
وانا من الآن عمدتكم الجديد وهذه هى بقية الوصية التى ينبغى ان تكونوا تملكون نصفها الأول
أخذ متولى الوصية و طابقها مع الجزء الذى معه
فوجدا التطابق تاما وهلل الحاضرون
وباركوا لمختار
اما متولى فقد عاجله بسؤال اسكت الجميع
وما هى الشخر بخرم تلك التى كانت بداية الكلام؟
تذكر الأهالى هذه الكلمات غير المفهومة و توجهوا الى مختار
في لهفة شديدة يسألونه:
نعم نعم ماذا عن الشخرم بخرم
طأطأت ناعسة برأسها ففهم مختار ان لا يتورط في رد الآن
كانت هذه العلامة المتفق عليها عندما تطلب منه السكوت
وكان الشيخ قد لقنه جملة يقولها عندم يطلب منه السكوت
قال مختار : كل شئ بأوان كل شئ بأوان
لا تستعجلوا الأمر الآن
و سيظهر كل شئ فى وقته و يــبان
وجد متولى ان هذه فرصته الأخيرة للنيل من مختار
كان متولى يعلم في قرارة نفسه ان الأمر خدعة كبيرة وأن ناعسة وراء كل هذا
الأمر و لكنه لم يكن يعرف كيف يظهر امرها
خاصة انه اول من جاء بأمر هذه الوصية التى انقلبت عليه
اما ناعسة فلم يكن ينغص عليها فرحتها سوى حسنين الذى كان ينظر لها متبسما
بين الحين و الآخر و كأنه يقول لها
افعلى ما تشائين فانا اعلم سرك
لكنها كانت تعلم انه لو تكلم لكان اول الخاسرين
فلم تدر ما تفعل معه فأجلت امره الى ما بعد ان تنتهى من امر مختار و يستتب له الأمر
اما متولى فقال في حزم بالغ :
حتى تفهمنا الشخرم بخرم فلن نصدقك
انا متأكد ان العمدة وضعها لامر عظيم و عجزك عن تفسيرها يضعك في محل شك كبير
انقسم اهالى البلدة مرة أخرى قسم يقول ان ما يقوله متولى صحيح
وقسم ذو اغلبية يرى ان مختار جاء كما جاءت الوصية
وانه سيفسر عندما يأتى الآوان
تكلمت ناعسة لتنهى حالة الفوضى الى عمت الأهالى
قائلة :
ماذا تريدون اكثر من هذا الا تستحون ان يغضب عليكم العمدة
فيأمر مختار بالاختفاء و يترككم بلا معين
اعطوه وقته وعندما يحين الوقت سيكشف المستور
قال متولى :
حنى هذه اللحظة لا سمع و لاطاعة
و انصرف و ذهب وراءه حسنين يهمس له و يكلمه
وناعسة لا تعرف كيف تخفى ضربات قلبها المتسارعة التى لو
سكت الاهالى عن النقاش لسمعوها بكل وضوح
و عزمت ان لا تبيت ليلتها قبل ان تعود للشيخ و تلومه على وضعه هذه الكلمات
التى افسدت عليها خطتها بعد ان كاد الامر يتم حسب ما خططت و دبرت
انقسم الأمر الى ثلاث شعب
ذهب مختار الى مقره الجديد في بيت العمدة العتيق
و ذهب متولى و حسنين ومن والاهما الى دار حسنين
و ذهبت ناعسة في الخفاء الى دار الشيخ لتسأله عن مخرج لتلك الورطة التى لم تكن تضعها في الحسبان
و نبدأ بحسنين ومتولى الذان جمعتهما الهزيمة مرة أخري بل و انضم اليهم جميع
المتنافسين الذين اصبحوا خارج المنافسة في لمح البصر
جلسوا حول مائدة مستديرة في منزل حسنين
وهو منزل ريفي و اسع
تعلو جدران الحجرة بعض الأيات القرآنية
و تكتسى الارض ببعض الفرش البسيطة
ارتسمت على وجوههم الكآبة و غلب عليهم عدم التصديق فساد الصمت و بين كل
حين و آخر يخرج من يضرب كفا بكف
ويستغرب ان تنتهى الامور الى ما هى عليه الآن يكون مختار هو العمدة
اما متولى فقد قطب حاجبيه و بدا عليه التوتر و أخذ يحرك رجله اليسرى في حركة
اهتزازية سريعة تنم عن عمق توتره و سيطرة الموضوع على تفكيره
ثم نهض مسرعا كمن تذكر شيئا مهما
ثم جلس مرة أخرى و كأن فكرة واتته ثم اكتشف انها لم تكن في مكانها الصحيح
ناداه حسنين :
ليس هكذا يا متولى لقد اصبتنا جميعا بالتوتر
نظر اليه متولى ثم ابتسم ابتسامة شاحبة
و قال : ها انا قد جلست ارنا ماذا ستفعل ؟
تكلم شيخ البلد :
انا لا اصدق ان العمدة يختار مختارا و يتركنا نحن اسياد البلد
و يعرفنا الصغير و الكبير
اشاح متولى بيده فى وجه شيخ البلد
اى عمدة هذا هل تصدق انت ايضا قول ناعسة لقد لعبت بكم جميعا تلك الحية
اننى اشك اساسا ان العمدة يعرف هذا المختار
فكيف تصدقون ان يختار انسانا لم يعامله يوما
لو كان اختارك انت يا شيخ البلد بالرغم ما بك من سذاجة لكان الامر اهون علينا
قاطعه شيخ البلد :
فلتختر الفاظك يا متولى
رد متولى : ما دمت تصدق ناعسة التى لعبت بشيبك ماذا عسانى ان أقول
رد شيخ البلد : لكن كما رأيت هذا ما كان في الوصية
رد متولى مستهزئا
الوصية !!!
ثم سكت و واطبق شفتيه و أطرق برأسه الى الأرض
وهزها جيئة وذهابا
قال حسنين :
وهل سنترك الامر يخرج من بين ايدينا
اننا اذا تركنا الامر عظم امره و كبر و لن نسنطيع بعد ذلك ان نمنعه
رد شيخ البلد:
و ماذا سنقول للاهالى بعد ان كنا اول من وعدهم بالعمدة المنتظر و قلنا لهم ان
اماراته في الوصية و ان على يديه سوف ياتى الفتح القريب و الخير العميم
اننا من مهد لذلك الامر فكيف سننكره الآن
رد متولى :
لكننا كنا نعنى ان العمدة من بيننا لا من خارجنا
لكن لا بأس انا اعلم من قال له هذا انها ناعسة فهذا المختار لم يسمع يوما عن الوصية او حتى عن العمدة الا نذرا بسيطا
انه يسكن خارج البلدة و قلما سمع عن ما نقول من انباء
ان الامر خدعة ولن يفل الحديد الا الحديد
رد حسنين وقد ايقظ متولى بعضا من حماسته
و كيف ستفعل هذا ؟
رد متولى:
الم تكن الوصية هى سبب علوه علينا
فستكون ايضا سببا لانكشاف امره
رد حسنين في لهفة :
و كيف هذا ؟؟
قال متولى و قد بدأت الفكرة تختمر في رأسه
الم نعجز جميعا عن فهم الوصية و قلنا ان من سيحلها لنا هو العمدة الجديد
قالوا قي صوت واحد
نعم نعم
قال : الم تلاحظوا كيف ارتبكت ناعسة عندما سالناه عن الشخرم بخرم
قالوا وهم لا يعرفون الى ماذا يرمى متولى :
نعم و لكنه و عد بالرد
قال :
اذا كان هذا حاله مع الوصية الجديدة
سنلاحقه بالاسئلة عن الوصية القديمة فهذه لم يات بها ولا يعرف ماذا بها
و عندما ترى الأهالى انه لا يعرف شيئا سيفتضح امره
قال حسنين:
ومن سيصدق عندها اذا كنا لا نعرف وهو لا يعرف
فما فضلنا عليه عندها
رد متولى :
وما حاجتنا اليه اذا كنا نعرف
اننا سنجعله يقر بجهله فقط
قال شيخ البلد:
لكن هذا الامر يجب ان يكون مدروسا حتى يكون الامر حاسما فنحتاج الى من قرأ الوصية القديمة و خبرها ليساعدنا في هذا
ضحك متولى ضحكة الواثق من نقسه وقال : هل تظنونى غابت عنى هذه الفكرة
هل تذكرون الشيخ الذى يسكن بجوار الجبل
الذى اعطيناه نسخة ليساعدنا في فك طلاسمها و كان خير عون لنا
قال شيخ البلد :
نعم ان خير من يساعدنا
عاد الامل ليحلق فوق رؤؤس الجميع
وارتسمت البسمة على وجه متولى و كأنه يرى المستقبل امام ناظريه
وبدا و كأنه يتخيل مختار وهو يبدو في ورطة امام الاهالى و هو يلقى عليه الاسئلة دون ان يستطيع لها ردا
ثم زاد امله و تصور الأهالى تختاره عوضا عنه
لكن سرعان ما افاق عندما قدم اليه حسنين كوبا من الشاى
فانتبه وعاد الى ماهو فيه
اتفق الجميع على ما قاله متولى و اتفقوا ايضا ان يرسلوا متولى الى الشيخ وهم لا يعرفون ان ناعسة قد سبقتهم في نفس الوقت الى الشيخ
وذهب متولى في نفس الوقت الذى وصلت به ناعسة عند الشيخ
و لكنه لم يعرفها فكانت تلبس ملابس الرجال كما سبق
لكنها عرفته
فاسرعت بالاختباء منه
فاثارت حركتها ريبته وخاصة انها كانت ملثمة على غير العادة
و لم يرتح متولى لوجود اللثام
فاسرعت تبتعد عن الدار
فحاول اللحاق بها ظانا منه ان هذا الشخص لص يريد الاذى بالشيخ
وهو احوج اليه الآن من قوت يومه
تحققت ناعسة انها ستقع في ورطة
تذكرت مكانا في داخل الجدار فالتفت حول الدار بحيث لا يراها متولى مباشرة
و لجأت الى كوة داخل حائط لسابق خبرتها في خبايا المكان
و التصقت في الحائط بحيث لا يراها احد الا اذا امعن التدقيق
اما متولى فظن ان اللص ابتعد و لم يشغل باله بمتابعته وظن انه بذلك قد قام بمهمته تجاه اللص و لم تبق الا مهمته الاصلية التى جاء من أجلها
وقف متولى و عدل من هيأته و اعاد التتميم على ملابسه
و اعاد اصلاح عمامته تهيبا للقاء الشيخ الجليل
و اصتنع ملامح الحزم في وجههه ثم تنحنح و طرق الباب
فاستقبله الشيخ على أحسن وجه
وبعد ان انتهيا من كلام الشوق و الترحاب و اللوم على عدم السؤال و التعلل
بمشاغل الحياة
سكت متولى و اطرق برأسه فعلم الشيخ ان متولى اتى لأمر كبير
فسكت هو الآخر و ان كان رجح عنده انه لأمر مختار و خاف ان يكون متولى قد علم بأمر ناعسة و مختار و صلته بالموضوع فجاء
محذرا او يحمل رسالة بها لوم و تهديد باسلوبه المعروف
لكنه يخبرته الكبيرة بالامور لم يبد على ملامح وجهه اي انفعال بل ارتسمت عليه
امارات الدهشة و الانتظار لما سيقوله متولى حتى لا يلاحظ متولى عليه اى تغير
اما متولى لاستحيائه من الشيخ فكان متحيرا من اين يبدأ
لكنه قبض على معصم الشيخ
وقال : هل عرفت بأمر مختار العمدة الجديد
و بخبرة السنين كانت امارات الدهشة تكسو وجه الشيخ وكأن الخبر يسمعه لأول مرة
رد الشيخ : اي مختار تقصد و كيف اصبح عمدة
بدأ متولى يقص على الشيخ القصة من البداية
و الشيخ طوال الوقت ينصت في اهتمام و يبدى ملاحظاته بين الحين و الآخر و
يلقى بكلمة صغيرة مرة استغرابا و مرة استنكارا
ومرة تأييدا لمتولى
اما ناعسة فقد عادت بعد ان تأكدت من دخول متولى الدار و اصابها الفزع و
الخوف على الرغم من شدة ثقتها بالشيخ الا ان زيارة متولى اصابتها بخوف شديد
زاد ت من مخاوفها التى جاءت بها
فاحتالت حتى تقترب من مجلس الشيخ و متولى لتسمع الحديث الدائر بينهما
وجلست بالقرب من النافذة ولو سكت متولى لسمع انفاسها المتصاعدة تلهث كانها
كانت تجرى بلا توقف منذ الصباح
انتهى متولى من قصته الى مختار و ناعسة و شكه الكبير في ان الأمر خدعة كبرى
و مدبر تدبيرا محكما
و انهم بحاجة الى خبرة الشيخ لاختبار مختار في امر الوصية القديمة التى لم
يفهمها احد و هم كانوا في انتظار العمدة الجديد من اجل ذلك و بحثوا بجد عن
اماراته و دلالالته
وقال له انها احتوت على امر لم يروه في الوصية القديمة وهو الشخرم بخرم
ضحك الشيخ مبديا علامات التعجب الشديد وتساءل : وما هو الشخرم بخرم
ارهفت ناعسة الحس و حاولت اسكات اصوات بعض الدواجن التى كانت حولها
والتى كانت اصواتها احيانا تعوق وضوح حديث الرجلين
قال متولى وقداعجبه استنكار الشيخ لهذا الأمر: لا ندرى الوصية القديمة لم تحو
اي الفاظ مثلها
والوصية الجديدة المفروض انها تفسر لنا ما خفى علينا فهمه قديما لا ان تأتى
بمشكلات جديدة تضيف غموضا الى غموض فهل ننتظر وصية اخرى لتفسر لنا ما
اخفى علينا فهمه في الوصية الحالية و ندخل دائما في تفسيرات لا تنتهى
هل هذا يليق يا شيخنا بحكمة العمدة الا يدعو هذا للشك في امر مختار؟
مشط الشيخ لحيته باصابعه وكانت هذه عادته عندما يفكر بعمق او يشغل امرا باله
ثم نظر الى متولى وقال : دعنى اجلس معه اولا و اتناقش و اعرف ما يريد هذا
صاحب الشخرم و عندها سيبدو لنا الأمر و ينكشف
لكننى لن افعل مثل فعلك و اكتسب عداء اهل البلدة الذين ينتظرون العمدة منذ فترة
فلا تلومننى اذا رايتنى اعامله كعمدة
لاننى لا اعرف ما بداخله حتى اقابله
ارتاحت ناعسة لكلام الشيخ
فقد اظهر لمتولى حسن النية و في نفس الوقت استراح متولى لكلام الشيخ
بدون ان يعده ان يكون معه او عليه
و انتظرت حنى انصرف متولى بعد ان وعده الشيخ ان يكون عنده في صباح اليوم
التالى ليعطى نفسه فرصة للاطلاع على بعض ما كتب في الوصية القديمة و يكون
مستعدا للمواجهة
طرقت باب الشيخ باستعجال خائفة ان يراها أحد
فتح الشيخ الباب فاسرعت باغلاقه و دخلت وجلست لتعطى جسمها راحة كان
ينتظرها منذ الصباح
اما الشيخ فاستغرب وصولها بعد متولى بفترة وجيزة
فسألها ما الخبر؟
ثم تابع قوله كأنه يفاجئها : متولى كان عندى منذ دقائق ولو عجلت قليلا لرأيته
ابتسمت له و كأنها تعرف ما يقوله
فتعجب لامرها
فقالت له لقد سمعت حواركما وقصت عليه قصتها مع متولى
فقال لها الشيخ : لقد احسنت التصرف اذ اتيت الى الساعة لانى لم اكن ادر كيف
سافعل غدا اذا لم اوصل رسالتى لمختار و الا لانكشف الامر و هو كما تعلمين لا
خبرة له في شئ و يعتمد علينا في كل اموره القادمة فكيف به اذا رآنى غدا احاوره
و اناقشه بدون سابق انذار
قالت ناعسة : وماهى تلك الشخرم التى يستخدمها متولى لاثارة حفائظ اهل البلدة
ضد مختار الم نكن في غنى عنها
ارسل الشيخ نظره و كاته يحدث نفسه و يحاورها و يسبر اغورها
ثم قال في ثقة اراحت ناعسة : الم تتركى لى الامر اننى بهذه الكلمة المبهمة
اجعل لمختار سبقا جديدا فكلام العمدة الجديد يجب ان يكون مميزا وهذه الشخرم
ستجعل الناس ينصرفون عن الموضوع الاساسى و تلفت انظارهم الى الشخرم بخرم
فيصبح كل حديث القرية عنها و ينسوا الامر الاصلى
وعندما يستتب الامر لنا نقول اى قول عنها وعندها لا يكون هناك عائق ويرتاح الناس و تسكت الالسنة
بينما نكون نحن قد اعفينا انفسنا من مسائل اكثر تعقيدا فمتولى و حسنين و شيخ البلد كانوا سيبحثون عن موضوع آخر قد يستعصى علينا ايضاحه
وهم كما تعلمين لن يستسلموا بسهولة
وهاهو متولى قد وقع في الفخ و سيبدو انه اقر بكل شئ الا بالشخرم فاذا انفكت
عقدة الشخرم لم يجد ما يقوله ولو قال لاصبح رمية سهم بلا هدف لن يلتفت احد لها بعدها لادراكهم انه ينقب عن ثغرة وحسب الا ليكون هو العمدة و لا يخفى على اهل
البلدة انه يسعى لذلك و ان كان يستتر وراء الحق وارادة العمدة
ارتسمت علامات الفرحة وعلى ناعسة و ابدت ارتياحها الى تلك الفكرة و اقرت له ببراعة التدبير و احكام الامر
و قال لها الشيخ :
ان الامر بيدك الآن يجب ان ياتينى مختار الليلة باى شكل دون ان يراه أحد وهذا دورك
والا لفسد الامر كله
تذكرت ناعسة مختار ووجوده بين اهل البلدة
ولم تدر كيف تقابله او تبعث اليه
وخافت ان يخطئ بكلمة او أخرى تخرج منه بدون قصد
فاستفسرت من الشيخ :
انى اخاف ان يفضحنا مختار يا شيخ
رد الشيخ مبتسما لاتقلقى فقد لقنته كلمات لا يخرج عنها
وهو مصدق تماما ان الامر جاء من العمدة لذلك لا خوف منه
فقط دبرى الامر الليلة
ودعت ناعسة الشيخ وقد انصرفت وكأنها القت من على كتفيها حمل ثقيل و استبدلته باجنحة من الفرحة و الأمل
وأخذت تتخيل نفسها و قد جلست مكان العمدة تلقى بالامر و يطيعها اكبر الرجال
فيزيدها ذلك شوقا و طمعا الى اتمام الامر على احسن وجه
وكانت ناعسة قد جعلت احد خدامها الذين تثق بهم مع مختار كى يكون لها عينا و يكون لها مرسالا لمثل هذه الامور
وعندما دخلت دارها رأت مجلس العمدة قد امتلأ بالمهنئين و رأت مختارا يجلس في
وسط القاعة يتلقى التهانى و يستمع الى دعوات اهالى القرية بطول العمرو بالولد
فاثارت انتباهها ان مختار لم يتزوج بعد وربما تأتى امرأة تنافسها فيه ولم تكن فكرت
في هذا الامر من قبل لانشغالها بما هو اهم
وهو اتمام الخطة كما رسمها الشيخ و تصديق الأهالى لها
فخافت ان تفسد عليها الأمر وودت لو انها تذكرت هذا الأمر عند الشيخ و استشارته فيه
و ارسلت خادمها برسالة الى مختار ليصرف الأهالى
وكانت قد اعدت مكانا له في احدى الغرف االملحقة بالقاعة الرئيسة
لان العمدة كان يبيت في دور نسائه بالترتيب
ام مختار فكان امره جديدا عليهم
و لم تكن ناعسة تستطيع ان تدبر شيئا قبل ان تتم خطتها حنى لا يبدو الامر معدا سابقا
و اصبحت في حيرة دائمة فهى ما ان يبدو لها ان امر قد بدأت تنحل عقده حتى تظهر لها مشكلة تنغص عليها فرحتها من جديد
وودت انها لم تدخل هذا الامر و تركته من البداية
لكنها عادت و استجمعت عزيمتها و بدت وكأنها تكلم عزيمتها و تشجعها على الاستمرار
لكنها فوجئت بطرق عنيف على بابها افسد عليها لحظة الصفاء و التصالح
ففزعت الى الباب و نسيت ان ترتدى حتى غطاء شعرها ووجدت خادمها
يخبرها بامر ادهشها و لم تعمل له حساب
قال لها سيدتى
لقد اخبرت سيدى مختارا بالحضور اليك لكن حسنين قال له انه أعد له مكانا يليق به
كعمدة جديد حتى يتم الانتهاء من اعداد مكان جديد له وخاصة انه لا يليق ان يبيت
وسط حريم العمدة القديم
وهو سيذهب معه ليبيت ليلته هناك
صرخت ناعسة في وجه الخادم وقالت : ويحك و كيف تركته يذهب
استغرب الخادم حدتها عليه فأجفل و تراجع قائلا : عفوا سيدتى و هل على الرسول الا البلاغ لقد اوصلت له رسالتك
اامرينى و انا افعل ان شئت شيئا آخر
انتبهت ناعسة انها منفعلة بشكل لا يليق و ان الخادم لا لوم عليه اذ ابلغ رسالتها كما هى
فامرته بالانصراف على ان لا يغيب عن ناظريها اذا احتاجته في اى ساعة و اعطته بعض النقود لارضائه لا نفعالها عليه
فانصرف الخادم داعيا لها بطول العمر
ووقف قريبا من الباب في انتظار ما يجد من امور
اما ناعسة فأهمها ذلك الامر من عدة نواحى
فمن ناحية اصبح مختارا بعيدا عن مراقبتها وهى لا تأمن ان يكون الامر برمته خدعة من متولى لاستدراج مختار
ومن ناحية اخرى لن يذهب للشيخ الليلة كما طلبه وفي هذا خطر عظيم
ومن ناحية ثالثة لا تعرف الى مدى يطول مكوثه في تلك الدار
وبدأت العقد تتجمع من جديد وهى تلوم نفسها تارة على الأمر و دخولها فيه
و تمنى نفسها تارة بأنه قطعت شوطا كبير و لا يصح التراجع الآن
و مابين ذلك و ذلك امضت ناعسة ليلتها لا يغفل لها جفن
اما مختار فلم يكن في افضل حال
فقد استقبله حسنين في داره احسن استقبال وجاء متولى يظهر الود و الترحاب
و بدأو في الحديث معه في امور شتى
ولكن مختار بحكم انعزاله و قلة خبراته في الحياة و بساطة علمه
لم يستطع ان يجاريهم في حديثهم
و تذكر كلمات الشيخ له بان لا يتورط في حديث مع اى مخلوق
وان يكون رده ابسط الكلمات
فتفنن في الهروب من اسئلة متولى التى كانت تحاول سبر اغواره و معرفة ما جاء
به مختار باسلوب رقيق و لطيف لا يثير احدا
و احس مختار ان القوم يدبرون له شيئا لكنه لم يكن ليبد غير الرضا و الابتسام
اما حسنين فقد فاجأه بسؤال
لماذا لا تحول جلوسك هنا بدلا من الدار العتيقة
اننا اصبحنا منذ وفاة العمدة لا نجتمع الا هنا
فانت تعرف ان الدار العتيقة ليس بها الا النساء و الخدم و لا يليق بنا ان نجتمع
هناك كما تعلم في اى وقت
قال مختار : لكن القاعة واسعة هناك و منفصلة عن الغرف
رد حسنين : لا أخفيك قولا ان هذا لن يسر رجال القرية
ان يتردد الرجال على مكان حريم العمدة ولا رقيب على الداخل و الخارج
لم يجد مختار ردا فكلام حسنين هو الاصح من هذه الزاوية
ثم استدرك فقال له دعنى ابحث في الموضوع
التقط متولى كلمته بسرعة قائلا : تبحث مع من؟؟ الست انت العمدة ؟؟
اضطرب متولى: نعم نعم !!لكن تحويل اتجاه الناس من بيت الى بيت يحتاج الى استشارة العمدة القديم نفسه
انفرجت اسارير متولى:
اذا بدأ مختار يتكلم و سأله
و كيف ستكلم المرحوم ؟
احمر وجه مختار وبداللجميع انه يعانى ونظروا الى بعضهم البعض
وكأنهم يشهدون بعضهم على ما يحدث امامهم
قال مختار : هو من ياتى و لا أعرف له وقتا
ثم نظر الى اعين الحاضرين فوجد بها استخفافا بامره فاخذته الحمية وكأنه يريد
يثبت لللاخرين انه يليق بهذا المقام
فقال في حزم مصطنع وقلبه يكاد يتوقف من شدة الخوف
لكن حتى هذه اللحظة سامكث هنا
قالها و سكت و كأنه ينتظر ان يحدث لما قاله دويا او تضربه صاعقة انتقاما لما فعله
دون استشارة من العمدة القديم لكن لم يحدث شيئا فتأمل في نفسه و نظر الى الآخرين
فلم يجد شيئا قد حدث
فاعجبه ما قاله وانه لاول مرة يتخذ قرارا بصفته العمدة لن يجادله أحد فيه فاحس
زهوا بنفسه بدا على وجهه الذى تورد و بدت عليه فرحة بلهاء
نظر متولى بخبث الى حسنين:
الم اقل لك ان مختار رجل يعتمد عليه
وغمز بعينه
اما مختار فلم يشأ ان يتورط في حديثه اكثر من ذلك فقام قائلا اننى متعب اللية و اود ان اذهب للراحة فهل تسمحون
ادرك الجميع غرضه
لكنهم كانوا قد حققوا ما ارادوه فلم يجدوا مانعا من ذلك
فقالوا له : طبعا طبعا تفضل فالايام القادمة كثيرة
ابتلع مختار ريقه عندما سمع ذلك و ادرك انه محصور كأسد اسير يحاوطه
الصيادون بالحراب من كل ناحية لا يعرف من اين المخرج و لا سبيل الهروب
فذهب الى حجرته لا يعرف ماذا سيسفر عنه الغد
ونام بعمق شديد من شدة الارهاق و التفكير
وما ان اشرق الصباح كانت ناعسة عند بيت الشيخ تحاول ان تخبره لكنها لم تجده
فادركت انها تأخرت و ان الشيخ لا بد ان يكو الآن في دار حسنين و لم تدر لماذا
نزل الشيخ بهذه السرعة
ولم تدر ان متولى كان قد ارسل له في صلاة الفجر من يات به ليصلى بهم في
مسجدهم ليضمن وجوده
اما الشيخ فقد علم بعد الصلاة ما حدث
وعلم بتحويل مختار اتجاه الناس من البيت العتيق الى بيت حسنين بالرغم من بعده
عن الناس ووجوده في اطراف البلدة
و ادرك بحسه و خبرته ان الامور لا تسير في الاتجاه المرسوم