حوار جريء مع المنشق عن المعارضة والنظام د. عبد الرزاق عيد

أولا: الحرب في لبنان وانعكاساتها
هل الحرب الدائرة هي على لبنان أم في لبنان؟

لقد بدأت حربا في لبنان ثم أصبحت حربا على لبنان، بدأت مع طرف لبناني لتستغلها اسرائيل لتحاسب لبنان بمجموعه ، اعتبرتها اسرائيل فرصة سانحة لتصفية حساباتها مع لبنان ، ففي لبنان هناك تجربة التحدي المدني والحضاري الوحيدة التي تتصدر العالم العربي في مواجهة إسرائيل، إنها تجربة التحدي الحداثي الحضاري المدني الديمقراطي والسياسي الذي يمنح لبنان تميزه عن صحراء الديكتاتوريات العربية ، بيد أن أي معركة تحتاج إلى أسباب ، فقام حزب الله بتقديم هذه الأسباب –(أسر الجنديين)- التي أتاحت لإسرائيل تدمير لبنان تحت ذريعة الدفاع عن النفس ، لكن شراسة المعركة تستهدف لبنان لأنه يمثل التحدي المدني الحقيقي الوحيد في العالم العربي.

هل يحقق حسن نصر الله ما عجز عنه عبد الناصر ويغرق اليهود في البحر الميت؟

النصر مسألة نسبية:عبد النا صر لم يعجز عن النصر فحسب ولكنه انهزم شر هزيمة، بالتالي يمكن القول : إن المواجهة في لبنان لم تؤد إلى نتائج على غرار هزيمة حزيران 1967، لكن على أرض الواقع فإن النصر الذي تحقق عام 2000 تم انتقاصه بعودة القوات الاسرائيلية إلى الجنوب بغض النظر عن المساحة ، وهذا ما سميته الوعي الرغائبي الطفلي الذي يسكن العقل العربي الذي لم يستطيع أن يتحمل انتصارات 2000 فعادت اسرائيل وانتزعته ، إي إن الأرض التي خرجت منها عادت لتحتلها من جديد ، ،رغم أن الصمود الذي أبداه حزب الله أظهر للعالم أنه كان مستعداً لهذه المعركة، هناك إرادة عالية قوية لدى حزب الله يشير، وهو المكسب المعنوي الوحيد الذي يعيد بعض الثقة بالنفس لدى العرب، أي عندما يكون هناك إرادة قوية نكون قادرين على القتال ... لكن بالمعنى الإستراتيجي " فإنا أعدناهم من حيث أخرجناهم ".

القرار 1701 مجحف بلبنان ولكنه بواقع الأمر ترجمة سياسية تتوج الحملة العسكرية وأهدافها، وقد قبل به الجميع عملياً : لبنان والعالم العربي والعالم الخارجي ، وبالتالي (1701) إذا أخذناه كمحصلة سياسية للحرب ، فإنه يغدو بشكل مطلق لصالح إسرائيل ، لكن نحن العرب قبلناه لأنه لا يوجد خيارات أخرى أمام الجميع سواء كانت سورية أم حزب الله أم اللبنانيين.

هل تقصد أن القرار 1701 أعطى إسرائيل انتصاراً سياسياً؟

القرار 1701 هو ترجمة عملية لشبكة محصلة المعطيات التي أنتجتها الحرب ، بغض النظر عن الحديث الأخلاقي والإنساني عن حجم التخريب والتدمير والآلام للبنانيين ، فكل الحروب في رأيي غير أخلاقية وغير انسانية وهي لاتبرر في كل دعاويها (الوطنية والقومية ) موت طفل واحد عبر التاريخ ، ولن تخرج البشرية من تاريخها الهمجي ما دام ثمة حروب ، لكن ضمن منطق الوقائع الوضعية فإن ما أنزله التفوق الاسرائيلي من دمار في لبنان لم يكن حزب الله قادرا –رغم صواريخه –أن ينزله باسرائيل ولو كان قادرا لفعل وله كل الحقوق الحربية أن يفعل ذلك !

ألم ينته الوجود السوري في لبنان، فمن يحرك البيادق هناك، وهل ما يجري في لبنان يبرهن على عودة قوية للهيمنة السورية-الإيرانية على مفاصل القرار اللبناني؟

من الصعب أن نصغّر حزب الله إلى مستوى البيدق، لكن هو قوة استراتيجية مهمة أعتقد أنها على المستوى العسكري تمثل امتدادا إيرانيا أكثر من كونه تحالفا سوريا، أعتقد أن إيران لها حضور فعلي في لبنان وفي الحزب حتى على مستوى بنية الحزب التنظيمية ذاتها ، حيث مجلس الشورى للحزب يتشكل من سبعة أشخاص فيهام اثنان من الحرس الثوري إيراني ، إذاً الحزب فيه حضور إيراني في البنية التنظيمية للحزب، في حين يمكن أن نتفهمها لو كان هناك تمثيل سوري ، وذلك من منظور عربي قومي وفق المنطق البعثي ، أما التمثيل الإيراني تنظيميا داخل الحزب فتلك بدعة مذهبية وطائفية معلنة ومرفقة بطريقة استعراضية ، حيث التدخل الفظ (الفج) الإيراني يخلق القلق لدى ليس بلدان الخليج فحسب بل ولدى الجميع، فكل المسؤولين الإيرانيين يتكلمون وكأنهم أوصياء على حزب الله ، تارة يتحدثون : "لن ينزع حزب الله سلاحه "، وعندما أتى وزير خارجية ايران ( متكي) إلى لبنان بدا وكأنه يتفقد قواته على الأرض وتصرف وكأنه وزير خارجية لبنان أو مفوض فعلاً عن حزب الله، وبالتالي تصرف على هذا الأساس مبتزا الصمود المعنوي الذي حققه حزب الله الذي يجب أن تكون له مكانته المعنوية الأكبر من الطريقة المهينة التي تعاملت فيها إيران معه، كل ذلك ببساطة من أجل أن يقولوا للأمريكان: انظروا رجالنا وتعالوا فاوضونا !

شمس الواعظين من المثقفين الإيرانيين قال: حزب الله بالنسبة لنا مثل إسرائيل بالنسبة لأمريكا ، فهم يريدون أن يعطوا لأنفسهم وهم صورة القوة العظمى التي لاترضى مقاسا أقل من حجم أمريكا ، وأن حزب الله هو قوتهم التي صمدت أمام قوة اسرائيل التي هي قوة أمريكا ، فهما –حسب شمس الواعظين- متعادلان !

إنهم يعتبرون أنفسهم قوة استراتيجية أهم من إسرائيل ومعادلة لأمريكا ، حيث غمام أوهام لاهوتية وغيبية ودينية تملأ رؤوسهم ، مع أنه لم يمضِِ عليهم عشرين سنة على إنهزامهم أمام العراق وتجرع الخميني كأس السم كما سماه بعد أن قبل بالهزيمة ووقف اطلاق النار ... لذلك أعتقد أنه كان هناك شيء مهين لحزب الله في هذه الطريقة السياسية التي تصرفت فيها القيادات الإيرانية : خامنئي وأحمد نجاد ومتكي إذ الجميع يتحثون باسم الحزب حول مسألة نزع السلاح…الخ بل لم يتردد متكي بنقد البنود السبعة التي وضعتها الحكومة اللبنانية !

هل يمكن اعتبار ما يجري في لبنان في صالح التحولات الديمقراطية في سوريا ولبنان معا؟

قطعاً، حزب الله في الأخير هو حزب شمولي وتقاطعه مع سورية بنقاط مشتركة إنما يتأتى من خلال البنية الشمولية للطرفين، وإيران نظام تيوقراطي لاهوتي شمولي، وبالتالي فإن تلاقي الأطراف الثلاثة سيكون حائلا دون التحولات الديموقراطية ، وقد عبر أحد القادة الايرانيين دون مواربة عما سموه انتصارا في لبنان بوصفه "تكسيرا لأضلاع الديموقرطية الليبرالية الغربية " ، إذن فالملالي يعلنون صراحة وبوضوح أن معركتهم موجهة ضد الديموقراطية !

ما يحدث الآن معيق للتحولات الديمقراطية في سوريا وايران وفي كل منطقة الشرق الأوسط ، وهو يهدد جديا التجربة الديمقراطية في لبنان من خلال وحدة الموقف الشمولي للأطراف الثلاثة وأطماعهم الانقلابية ، أما في سورية من الصعب الحديث عن أثر ما يجري في لبنان على سورية إلا على أساس أثر ونتائج هذه الحرب على النضال الديموقراطي السوري الذي همشته ، مما خلق ودفع النظام السوري إلى زيادة ممارسته للقمع والهيمنة وإشاعة ثقافة الخوف من جديد عبرالمزيد من كم وإغلاق الأفواه ، ومحاولة السيطرة على الوضع الوطني العام باسم العودة إلى فزاعة الخطر الخارجي .

إذا كان ثمة انتصار حدث في لبنان- برأيي- فهو من خلال تلك اللحمة الوطنية الرائعة التي حققها المجتمع اللبناني، مما يطمئن إلى حد بعيد أنّ كل الذين يراهنون على انفجار حرب أهلية في لبنان ليدخلوا من خلالها للعب في الوضع اللبناني خابت آمالهم، وهذا ما يدعوا للتفاؤل فعلاً فأنا أعتبر الإنتصار الأكبر في لبنان هو انتصار الوحدة الوطنية اللبنانية.

سوريا وإيران.. من يستخدم من؟ وما هي أوراق سوريا اليوم؟

بالأول سورية استخدمت إيران ، والآن إيران هي التي تستخدم سورية بشكل صريح وعلني، وأظن أن الاستعلاء الذي مارسته ايران تجاه السياسة الخارجية اللبنانية ليس استعلاء نحو حليفها حزب الله فقط بل ونحو سورية أيضاً ، ولقد سمعنا عن استياء سوري من التجاهل الإيراني الذي من المفروض أن يتعاملوا معهم كشركاء في حين أن إيران تتعامل معهم كتابعين ! حيث لم يبق في يد النظام السوري أوراق بعد أن انتزعت ايران حتى ورقة حزب الله وخرجت من يدهم .

وعلى هذا فإن حزب الله قد لا ينزع سلاحه ولكنه لن يعود مثل ما كان عليه قبل 12تموز كقوة نافذة مؤثرة ، وأنا أعتقد أن هذه المرحلة انتهت وانتهت حالة التفرّد المميز و المتميز لحزب الله حتى ولو لم ينزع سلاحه، بوجود الجيش اللبناني وطاقم دولي يرصد ويضعه تحت مراقبة شديدة، فأنا أظن أن الموقف السوري الآن أصبح أضعف ، وذلك لكونه نظاما ديكتاتوريا عاجزا عن تفعيل نظام ديمقراطي تحرري قادر على تعبئة المجتمع ضد إسرائيل في الجولان، فهو عاجز بنيوياً على أن يقوم بتفعيل أي نضال شعبي ديمقراطي من أجل التحرير في الجولان لأنه يخشى من هذه الحركات من أن تهتم بالحرية أولا كمدخل ضروري للتحرر الوطني .

لماذا لم تفتح سورية جبهة الجولان…؟

لأنه نظام شمولي غير قادر للسماح لثلاثة أشخاص أو أكثر أن يجتمعوا وذلك حسب القوانين الاستثنائية التي تحكم البلاد ، حيث حالة الطوارئ تغطي حق لمخابرات في اعتقال خمسة إذا كانوا مجتمعين حتى في سهرة سمر ، فكيف يمكن أن تشكل نواة حركة مقاومة وحركة شعبية وحركات تحرير؟..

فإذا أراد النظام أن يفعلها فلن يكون ذلك إلا من خلال الجيش، وبالتالي فالجيش محال على التقاعد منذ اتفاقية الهدنة ، فهو منذ أكثر من ثلاثين سنة لا يفكر لا بمواجهة ولا بقتال ،إذ تحول إلى حرس جمهوري مثله مثل كل الجيوش العربية التي تحولت إلى حرس جمهوري أو حرس ملكي أو حرس أميري!

كيف تقرأ الضغوط التي تواجهها سوريا اليوم ؟ وهل ستؤدي لتغيير النظام بالمطلق أم تغيير سلوكه فقط ؟

أنا برأيي أنّ ليس ثمة تطابقا بين الأجندة الإسرائيلية والأجندة الأمريكية رغم أنه لا تتعارض المصالح الاستراتيجية بينهما ، ولكنها لا تتطابق في بعض السياسات ، حيث للولايات المتحدة الأمريكية سياساتها ومصالحها المنتشرة على مستوى قاري وعلى مستوى عالمي وكوكبي ، أما إسرائيل فلا تتجاوز سياساتها المستوى الإقليمي المحيط بها ، فإسرائيل ليس من مصلحتها تغيير النظام السوري وهي تقول ذلك صراحة ، وهذا ما فعلوه أثناء حربهم على لبنان ، فقد طمأنوا أكثر من مرة النظام السوري من خلال حديثهم أنهم لا يريدون ضرب سورية أو إضعاف النظام السوري، إسرائيل تريد النظام السوري لكونه منضبطاً ويحترم الاتفاقيات ، فقد مضى أكثر من ثلاثين سنة وهو ملتزم باتفاقيات الهدنة بدقة شديدة مع إسرائيل، لكن الولايات المتحدة الأمريكية تريد تغيير النظام ، وإذا كانت تتردد فذلك بسبب عدم توفر البديل ، ولهذا فهي تراهن على تغيير سياسات النظام من خلال نموذج (لوكربي) سوري أظن أنه هو الأحتمال الأكبر راهنيا !

ما تفسيرك لعدم فتح جبهة الجولان والتملص من ترسيم الحدود وجنسية شبعا بينما يحارب إسرائيل في جنوب لبنان، أليس الجولان أقرب وأجدى؟

من أجل من تكون ورقة شبعا ؟ إنها مفيدة للجميع ... فهي تبرر وجود حزب الله في الجنوب كقوة مسلحة ، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية تفيد النظام السوري كوسيلة للتدخل وورقة للتفاوض ، وهي من مصلحة إسرائيل أن تبقى هذه المشكلة بلا حل ، وذلك لكي يتحرش حزب الله- كل فترة- بإسرائيل من أجل أن تخرب لبنان من جديد كلما تعمّر ، إذن فالكل لهم مصلحة ببقاء مزارع شبعا جرحا مفتوحا ، فالنظام السوري يريد تفعيل حالة من عدم الاستقرار من خلال حزب الله لكي يتدخل من أجل الحل ، وإسرائيل تنتظر حزب الله -باسم شبعا- ليتحرش بها عسكرياً لتقوم هي بإعادة لبنان لنقطة الصفر من جديد !

هناك من يزعم أن حزب الله ليس ورقة سورية، بل سوريا ولبنان برمته ورقة إيرانية للتغطية على الملف النووي الإيراني دوليا وصرف النظر عنه.. والبعض يقول أنها صفقة سورية – إيرانية ، هدفها إعادة الحسابات لكلا النظامين ، ما هو موقفكم تجاه ما يحصل ؟

الأطروحة تقول: لا يعقل أن تكون الضربة الإسرائيلية للبنان بسبب خطف عسكريين ، وإنما كان هناك خطة مبيتة من أجل الضربة العسكرية التي نفذتها اسرائيل ، لكن هذا لا يعفي حزب الله من المسؤولية إن كانت إسرائيل مبيتة الضربة أو لم تكن، ففي كلتا الحالتين أعطاها عنوانا عريضا أمام المجتمع الدولي عندما تمكنت من الاستفادة من عملية حزب الله لتظهر بأنها تقاتل للدفاع عن النفس ،وإذا لم يكن حزب الله يعرف أن إسرائيل سترد بهذه الطريقة –كما أعلن أخيرا السيد حسن نصر الله - فهي كارثة ، وإذا كان يعرف وقام بعمليته فإنه يكون قد أعطاها المبرر، وهي كارثة أكبر...!

كما يقال الأيام الأخيرة كانت أيام تحمل علامات استفهام، أيام انتظار لقرارات حول استمرار المعركة. والأيام القادمة ستكون أياماً لعلامات القراءة، ما هي قراءتك للأيام المقبلة مستقبل المنطقة لشرق أوسط كبير أو واسع أو جديد ؟

السيناريو الليبي ليس بعيداً ، بل ليس بعيداً أن لا يملك النظام السوري حتى الخيار الليبي ! لكن إذا حصل هذا السيناريو ، فإن ذلك سيكون مؤسفا ومدعاة للأسى الكبير،حيث يتاح للنظام أن يحافظ على رأسه مقابل التنازل عن السيادة الوطنية، ونكون نحن –كمجتمع- خسرنا حريتنا وسيادتنا معا ، أي دون تطلعاتنا الديمقراطية ! ويكون المستفيد الوحيد اسرائيل التي تفضل على حد تعبير قادتها : شيطان تعرفه على شيطان لا تعرفه !

ثانياً: ملف النظام السوري ومعارضاته

كيف تقرأ مستقبل سوريا في ظل الضغوط المتسارعة التي شملت مختلف الملفات؟

برأيك ما هو المطلوب من سوريا كسلطة ومعارضة لإحداث التغيير دون إرهاصات تتبعها خسائر كارثية؟

أظن أن السلطة قطعت حبالها مع المجتمع وأن المعارضة السورية أعطتها فرص كثيرة وأعطت للتجربة الجديدة فرصا عديدة ، ولكن النظام عقيم واستبدادي مقيم ، بعد أن استوطنه داء تصلب الشرايين الدماغية فشلّت قدرته على استشعار رعشة الحياة الآمنة ، وأصبح عاجزا حتى عن تحسس الخطر الذي يهدد بقاءه ، ولم يحاول أن يستفيد من الكثير من الفرص لإحداث تغيير داخلي سلمي أجمعت كل القوى السورية على انتهاجه بعيدا عن العنف ، إذ غدا النظام هو الوحيد الذي يتمسك به لكونه يتوفر على جيش ومخابرات ، وكأن من سبقهم في بلدان المنظومة الشمولية لم يكن عندهم (ك –ج –ب) ، ولاقوة نووية كانت توازي قوة الغرب !

هل انتم مع رؤية الإخوان في التغيير وهو الرقم الأقوى البديل عن النظام بحسب المراقبين ما رهاناتكم على بديل آخر انتم مثلا ؟ وهل ترون نفسكم بديلا جديرا؟

لا يوجد قوة بديلة عن النظام سوى تحالف شعبي ديمقراطي ، وأنا أظن أن الإخوان يتوافقون مع كل القوى السياسية السورية حول هذا الخيار ، وتصويرهم كبديل وحيد للسلطة هي محاولة سلطوية لتصوير الصراع وكأنه بين السلطة وبين الإخوان، و أنا أعرف جيداً من خلال إطلاعي على أدبيات الإخوان ومعرفتي الشخصية بقياداتهم بأنه لا يوجد عندهم طموح للاستفراد بالسلطة في سورية ، وهم يريدون العمل في إطار كتلة تاريخية شعبية متعددة التيارات ولا يتطلعون لاحتكار السلطة ،

أجمعت مختلف فصائل المعارضة على التغيير الديمقراطي السلمي، ما الذي يعيق توحيد ممارساتها ميدانيا وفشلت أغلب محاولات لم الشمل في مؤتمر وطني عام يضم الجميع؟

هذا هو ميزان القوى، فالسلطة شمولية أمنية ولا ترى أي منطق للمعالجة إلا عبر القمع والعنف والاعتقال ، ومن ثم لا تتاح للمعارضة أي فرصة لتبرهن على وجودها الفعلي شعبياً مجتمعياً، وتحتاج إلى مناخات لممارسة هذا الدور ، أي أن تتيح- على الأقل- الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني ، فهوغير متاح ، بل هناك مزيد من التضييق ، وهناك اليوم تحذيرات وتهديدات مباشرة للقيادات الرسمية للمعارضة ، وهي ممارسات تعكس خوفهم المضاد من المجتمع !

أين ترون قوة المعارضة وما مقتلها وما أماكن قوتها وماذا يجمعها؟

قوة المعارضة تكمن في أنها تمثل إرادة العصر ، في حين أنّ النظام أصبح ينتمي إلى الماضي، وبالتالي أصبح الصراع بين المعارضة والنظام هي معركة الزمن التاريخي بين المستقبل و الماضي، من الصعب تحديد مداها الزمني ! لكن استمرار النظام وممارساته وعقليته الشمولية الاحتكارية للسلطة والمجتمع والثروة أصبحت شيئا من بقايا الماضي وعبئا على المستبل ليس الوطني فحسب بل والعالمي نظرا للتكوكب المكثف للعالم ، بينما المعارضة تمثل أفق المستقبل ، إذ أنها تمثل ما كنا نسميه (سمة العصر) ، وهي القطع مع ماضي الاستبداد والانتقال إلى مستقبل الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، مهما كانت المعوقات فهذا هو التوجه الموضوعي لمسار لتاريخ والعالم.

يرى بعضهم أن المعارضة مازالت نخبوية ولا تملك قاعدة شعبية وعجزت عن استقطاب الشارع ومتناقضة فيما بينها وتفتقر لوجود برنامج أو برامج حقيقية قابلة للتطبيق، فما سبب المسافة البعيدة بين الشارع والمعارضة وهل يعني ان النظام أقرب للناس من المعارضة؟

لأنه لا توجد حياة سياسية ، ليس هناك فضاء سياسي لكي تستطيع المعارضة أن تمارس السياسة، عندما بدأنا في تأسيس لجان إحياء المجتمع المدني كان شعارنا عودة السياسة إلى المجتمع وعودة المجتمع إلى السياسة، فلم نستطع إعادة المجتمع إلى السياسة وإن كنا استطعنا إعادة السياسة إلى المجتمع إلى حد ما ، وذلك على المستوى النظري والفكري والمستوى الثقافي ولكن لم نستطع إعادتها على مستوى الممارسة المجتمعية والفعل الشعبي .

ـ إلى أي مدى توافقون خدام بتبنيه الديمقراطية التي كان يعارضها بالأمس، وهل تتصلون به؟

أنا لا أوافقه، وكتبت أكثر من مقال طالبته فيها أن يقوم بنقد جدّي لتجربته ليس السياسية في الآونة الأخيرة وإنما تجربته السياسية كلها، بوصفه كان جزءاً لا يتجزأ من منظومة نظام شمولي قمعي معادي لمجتمعه وشعبه ، فعليه –والأمر كذلك- أن يؤسس لنقده السياسي لتجربته الساسية من خلال التأسيس النقدي النظري والفكري والثقافي عبر نقد كل التجربة ، انطلاقا من أن هذه التجربة كانت سوداء في تاريخ سورية.

ليس من مهمة لجان إحياء المجتمع المدني منح صكوك الغفران لأحد ، لأن في سورية كل تاريخ الأحزاب السياسية تاريخ أحزاب شمولية، وبالتالي فخدام مثله مثل التيار القومي والشيوعي مثل التيار الإسلامي جديدون جميعا على مشروع الديموقراطية ، وعلى الجميع –وعلينا- أن يبرهنوا أنهم يقطعون فعلاً مع ماضيهم السياسي الاستبدادي الشمولي ليس على المستوى السياسوي فحسب وإنما على المستوى الفكري والنظري والثقافي أيضاً.

الغرب يتعاطى السياسة من يملك رأس المال، بينما في الشرق يمتهن السياسة ليملأ الجيوب بالمال، ولا يوجد ثري سوري ينشط في صف المعارضة فيما لو استثنينا أكثم بركات.. فما موقفكم من استثمار المال في السياسة وإشراك رأس المال السياسي في عملية التغيير؟

أولاً: تمت عملية تهميش بل وتقويض للطبقة الوسطى اجتماعيا وسياسيا وثقافيا وقيميا .

ثانياً: القوى الطفيليلة الجديدة التي حلت محلها ، فإنها محال عليها سوسيولوجيا وتاريخيا أن تشكل قوة منقذة فاعلة للمجتمع والدولة دون التغوّل والفساد ، بل هي موضوعيا قوة شريكة للنظام الذي قوض الدولة التي ستنحل بدورها إلى سلطة عارية وغاشمة ، أي ليس هناك رجل أعمال في سورية ليس شريكا مع رجال المخابرات أو رجال السلطة الموظفين عند المخابرات، ومن ثم هناك شراكة وظيفية بين النظام وأجهزته وبين هذه القوى التي تعمل في مجال الاقتصاد والإدارة، ومع الأسف لا تجد حتى الآن حركة - كما يحدث في مصر- مثل حركة القضاة الذين يريدون على الأقل استعادة دولة القانون، حتى أنه أصبح من مصلحة رأس المال في سوريا أن يعيش في ظل غياب القانون ، مع أنه موضوعياً واقتصاديا ، فإن رأس المال المنتج يخاف غياب دولة القانون لأنه حريص على الاطمئنان على مستقبله في ظل دولة مؤسساتية ذات قضاء مستقل بعكس الوضع القائم حيث سيادة حالات الطواريء التي لا تطمأن لها لا الاستثمارت الدخلية ولا الخارجية إلا إذا كانت شريكة بالفساد ،ولهذا - مع الأسف - فإن الرأسمالية السورية هي فئة مشاركة مباشرة في اقتصاد الفساد في سورية.

ما هو موجز رؤيتكم للتغيير، أم أنكم فقط تعارضون الموجود ولا تملكون رؤية لشكل البديل عنه؟

ليس هناك إمكانية سوى الاستفادة من كل الإمكانيات المتاحة للعمل العلني ، للقطع نهائياً مع الاستبداد ومع ممكنات المراهنة على أن النظام سيتغير، وذلك لآنه برهن أنه عاجز عن أن يتغير، ومن ثم الكف عن الخوف من العالم والاندماج الفعلي في هذا المناخ الديمقراطي الدولي والكوني من أجل بلوغ المواطنة العالمية كأفق لمجتمع المواطنة المدني الديموقراطي ، والسخرية من النزعة التخوينية التي يعممها النظام لكل من يفتح حوارا مع الآخر في العالم ، وذلك لأن سجل النظام لا يمنحه أية حقوق للمنافحة على هذا المستوى ، سيما عندما يلتقي مع الاسرائيليين خلافا للدستور !

لجان إحياء المجتمع المدني كطرف في المعارضة كيف تساهمون في نشر ثقافة مضادة لثقافة التخوين الموجود عند النظام وكيف تساهمون في نشر ثقافة التوعية عند الناس؟

تنفرد المعارضة السورية عن غيرها من المعارضة الموجودة في العالم العربي أنها معارضة ذات تاريخ نضالي رفيع ، والجسم الأساسي في المعارضة ذو تاريخ نضالي مشرف ، إذ معظمهم إما أبناء معتقلات وسجون وزنازين منفردة، أو سجون وزنازين عامة تنتشر على مستوى مساحة الوطن ، حيث الحرب طالت الكثيرين حتى في لقمة العيش ، فالمعارضون في سوريا –والأمر كذلك - يتمتعون بسمعة أخلاقية تشكل حصانة حقيقة للكشف عن واقع فاضح يتمثل في أن أن النظام هو الوحيد الذي يمكن أن يكون قابلاً –أخلاقيا وضميريا- للبيع والشراء على مستوى الداخل والخارج وفي البر والجو والبحر ، وقد برهن على ذلك بجدارة خلال خمسة عقود !!!

يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أنني لست ناطقاً باسم المعارضة ، فأنا رجل "منشق" أبدا ! منشق عن السلطة ومنشق عن المعارضة ، رغم أن مشتركاتي وخياراتي مع المعارضة ، وبالتالي أنا لا أقدم نصائح لأحد، لكن مع الأسف هناك قوى في المعارضة لا تزال تراهن على النظام ولا يزال هناك أناس يشتركون مع النظام بنفس الإيديولوجية والفكر ولا يزال هناك أناس يشاركون في مؤتمرات ما يسمى بالمؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الإسلامي، الذين يتوجون النظام بوصفه القوة القومية الممثلة لإرادة المستقبل للأمة !

مع الأسف أن المعارضة لا يوجد فيها تيار ليبرالي عريق، التيار الليبرالي الذي صنع ربيع سوريا في الخمسينات قبل الانقلابات الشعبوية (الهتافية- الزجلية –الشعارية السجعية) ....

إن معظم الناس يأتون من مواقع شمولية دون أن يقدموا ممارسات نقدية فكرية ونظرية قادرة على الانتقال بهم من المرحلة الشمولية إلى المرحلة الديمقراطية !

كيف تقيمون عمل ونشاط مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية التي تتوالد كالكمأ بعد زخة ربيعية؟ وما مدى استقلاليتها وجدوى نشاطها؟

محاصرة ومخنوقة وبالتالي يحاول النظام الاستيلاء على أصوات الناس وعقولهم عبراعلام ارهابي معمم ، وأظن أن هذه مرحلة لن يتمكن النظام فيها من اشاعة الخوف لأن الناس كادوا من كثرة التخويف لا يخافون ، النظام في علاقته القمعية مع المجتمع يعبر عن حالة أزمة ، وهذه الأزمة لا بد في المحصلة أن أن تحل ، فليس قدر الشعب السوري أن يعيش تحت سلطة خارجة عن القانون وإلى الأبد !

ما طبيعة العلاقة بين المعارضة الداخلية والمعارضة الخارجية، وما سبب الشرخ بينها ؟

استطاع النظام من خلال سياسة التخوين أن يقوم بحملة واسعة لمنع هذا التواصل القائم بين المعارضة في الداخل والخارج ، ومع الأسف فإن هناك في المعارضة من ينتظر وثيقة حسن سلوك وطنية من النظام في الداخل والخارج !

كيف تفسر علاقة البيانوني مع خدام؟

هذا نوع من التحالف (السياسوي) وإذا كان هذا التحالف لا يخدم بناء مشروع مستقبلي في الخلاص من الاستبداد، فإنه يساعد في تفكيك جدار هذا الاستبداد على الأقل ، حتى ولو كان في حدود اسقاط لبنة من هذا الجدار الكتيم !

ـ ما هو سبب انتقال البيانوني من الخطاب المتشدد إلى الخطاب المعتدل؟

بدأ الأخوان الانتقال منذ عام 2000 م نحو المشروع الديموقراطي ، إذ قاموا بفعل انعطافي نحو تحولهم لأن يكونوا قوة ديمقراطية من أجل التغيير السلمي الديمقراطي تنبذالعنف وتتوسل الخيارات السلمية لتداول السلطة ، وبالتالي فإن الإخوان المسلمين أسسوا لانتقالاتهم هذه بحوارات فكرية وثقافية واسعة وجدية ، وحتى الآن أثبتوا أنهم جادون في خيارهم طريق التغيير السلمي الديمقراطي التعددي والتداولي بدون العنف.

كيف تفسر انضمام الإخوان المسلمين إلى إعلان دمشق و إلى جبهة الخلاص الوطني بنفس الوقت ؟

أعلن الإخوان المسلمون : إن إعلان دمشق لا يتناقض مع دخولهم في جبهة الخلاص الوطني ، واستندوا في إعلان دمشق على الدعوة القائلة بأن الإعلان مفتوح للجميع وعلى الجميع ، بما فيهم أهل النظام أو حزب البعث العربي ، وبالتالي فقد اعتبروا تحالفهم مع خدام يستند إلى الفقرة المعبرة عن استعداد إعلان دمشق لقبول أفراد من أهل السلطة أوحزب البعث.

ثالثا: المحور الكردي والأقليات القومية والدينية

برأيكم ما هي أبعاد الملف الكردي في سوريا، وهل له امتداد قومي أم أنه حالة حقوق إنسان مغيبة؟

إنها أبعاد وطنية، لآن الحركة القومية الكردية بمعظم تياراتها وقواها تسعى إلى حل قائم ومؤسس على مفهوم المواطنة الديمقراطية وعلى أن سورية هي وطن نهائي للجميع.

كيف تقييمون الواقع الكردي بمختلف امتداداته وتطلعاته ما له وما عليه؟

الواقع الكردي هو واقع حي ونشيط وديناميكي وحيوي جداً، وهذا يعطي الحراك الديمقراطي في سورية كل الدفع، والأكراد قوة ديناميكية احتياطية هائلة للحراك الديمقراطي في سورية.

وحتى الآن فإن الأحزاب الكردية ما لها أكثر مما عليها ،لأنها حتى الآن في برامجها تسعى للحفاظ على الثوابت الوطنية في علاقتها التاريخية مع الوطن ، وهذه مسألة في منتهى الأهمية لكل أطراف الحراك الوطني الديموقراطي العربي والكردي ، أي أن تتوحد البرامج حول الثوابت الوطنية التي تؤكد على وحدة الوطن ومبدأ التعايش على أسس المواطنة وحقوق الإنسان ، وذلك لايتناقض مع الحلم القومي الكردي أو العربي الذي يباطن الشعور الوطني ويترأرأ كطوبى وحدوية باعثة على النهوض والتقدم والطموح إلى الفعل في الحضارة والثقافة الانسانية .

بعض القوى الكردية وقعت على إعلان دمشق والبعض الآخر رفضها بالمطلق واعتبرها نسفا للقضية الكردية وانتم احد الأطراف التي بادرت لمباركته ومن الشخصيات الوطنية الخمس الذين وقعوا فرديا وشخصيا عليه ، فهل تعتقدون أنه يتضمن الحل الأمثل لهذه المعضلة، أم أنه يجب إعادة النظر فيما يخص الأكراد؟

ممكن أن إعلان دمشق لم يلبِ طموحات بعض الأخوة الأكراد ، لأن إعلان دمشق بالأصل هو إعلان مفتوح وقابل للحوار، وليس وثيقة نهائية ، كما أنه قابل للتعديل وقابل للتغيير والانفتاح على الجميع من أجل الحوار معهم واللقاء معهم، ومن حق الجميع أن يكون لهم وجهات نظرهم وتحفظاتهم ، لكن دون أن يعيق ذلك توافق الجميع !

كيف ترون مستقبل الملف الكردي في سوريا وما هي سبل وأفاق حله في المنظور القريب؟

أنا متفاءل جدا بالدور الكردي في مستقبل الحراك السياسي الديمقراطي في سورية ، لأنهم يمثلون فعالية تنويرية ديناميكية وناشطة وشجاعة ومبادرة ، وذلك بسبب هذا التسييس المتميز والمميز للشعب الكردي في تلمس هويته الوطنية والقومية وذاتيته الحضارية دون انكفاء ماضوي وتراثوي لتضييع وقتهم في مناقشات عقيمة عن الأصالة والمعاصرة والخصوصية والعمومية ...الخ

قد نسمع أصواتا منفردة تطرح طروحات متطرفة حول مجلس وطني كردستاني ودولة كردستان ...لكن في كل أوساط القوميات هناك أصوات منفردة ومتفردة في جموحاتها الحالمة ، إذ لا يزال الكثيرون من القوميين العرب الذين لايرتضون دون الوحدة العربية بديلا ، من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر ... ولكن مجموع توجهات الحراك الديمقراطي في سورية –مع ذلك- هو حراك وطني (موطنوي : دولة القانون والحقوق والحريات ) في إطار وحدة الوطن السوري ، أي عنوانه الانتقال من المطلق (القومي ) إلى (النسبي ) الوطني أكرادا وعربا .

رابعا: ملف الفساد وحقوق الإنسان

تتكرر مطالب الجميع بفتح ملفات الفساد على ارفع المستويات، وها هي ملفات بعض آل الحكم تكشف ومنها ملف نائب رئيس الجمهورية وأبنائه، بدأ مجلس الشعب بفضها، ألا تساندونه في الاستمرار قدما، وما هو الملف التالي باعتقادكم؟

يجب فتح ملف فساد مجلس الشعب قبل أن نفكر بمساندة مجلس الشعب في فتح ملفات فساد الآخرين ، النظام السياسي في سوريا كله فساد ...معمم ... وممنهج ... ومقونن... يبدأ بفساد الرأس مثل السمكة التي تعرف فسادها من خلال رأسها، وهذا ما تقوله قوانين الطبيعة، فما بالك بقوانين الاجتماع البشري الذي تم تدمير اجتماعيته بثنائية الاستبداد والفساد .

منظمات حقوق الإنسان تنتقد الانتهاكات بعلنية، وتم الإفراج عن عدد كبير من المعتقلين، على ضوء ذلك كيف تقيمون واقع حقوق الإنسان في سوريا ؟

في الواقع إن النظام السوري يلعب مع نفسه (سلطة ومعارضة) ، ورغم أنا لابد لنا من تقدير كل الجهود العاملة من أجل الدفاع عن الحريات ، ومن ثم توجيه تحية لكل نشاطات العاملين في حقل حقوق الإنسان، ولكن أنا لا أصدق أن النظام قادر على الاعتراف بأية فعاليات مستقلة عنه، ومن ثم فالأصل بمبدا الاعتقال –سوريا- هو أن من يعتقل فإنه يعتقل وفق مبدأ حالة الطوارئ ويعفى عنه وفق حالة الطوارئ، وليس ثمة محاكمات ولاقضاء ولاقوانين ، فهناك محكمة أمن الدولة تقرر وفق مبدأ الأهواء وما يتيسر، ووفق مبدأ تقديرات الأجهزة الأمنية حسب حاجاتها وتقديراتها .... الخ.

ـ في الفترة الأخيرة لوحظ تحويل السجناء السياسيين من محكمة أمن الدولة إلى المحاكم العادية هل لذلك ابعاد خطيرة أم مسألة عادية وانتقام النظام المحاكمة؟

كل القضاء مُصادر: والاختلاف بين القضاء العادي والاستثنائي هو اختلاف في الدرجة وليس في النوع، فالقضاء العادي أصبح مصادرا ومحزّبا، وبالتالي فإن مرجعية القضاء هي مرجعية حزبية وليس مرجعية قضائية ، لأن القضاء بالأصل غير مستقل وتابع لسلطة الحزب بتحزيب القضاء والقضاة وفي المآل الخضوع لسلطة الأجهزة الأمنية.

هذا نوع من التسويق والتصدير للخارج ونوع من الألاعيب التي لم تعد قابلة للتسويق والتصديق لا من قبل المجتمع السوري ولا من قبل الخارج، والذين يريدون إرسال هذه الرسائل الزائفة و يريدون تصديقها واهمون ، لأنه عملياً ما دام القضاء ليس مستقلاً يصبح أي حديث عن دوره ضحكا على الذقون.

ما هو تعريف سجين الرأي أو الضمير، وماذا قدمتم لهذا الملف من موقعكم المعارض إن استثنينا البيانات والنشرات على الانترنيت؟

كل من يعتقل بسبب آرائه ، أي كل سجين بسبب الكلمة وليس بسبب الفعل، أ ي ما دام هناك رأي يقال ولا يترتب عليه أفعال ونتائج سلبية على الأرض، وطالما أنه لا يسبب أذى ماديا فهو رأي معبر عن الضمير وهو حق مكفول عالمياً.

المعارضة كلها مطلوبة وهي قانونيا في وضع سجين الرأي، السؤال : ماذ تستطيع أن تقدم هذه المعارضة لنفسها قبل غيرها بالأخير؟ فكلها مطلوبة وكلها رهينة الاعتقال بوصفها سجينة رأي، ومعظم رموز المعارضة ملاحقون كسجناء رأي.

هل تعتقدون أن المواطن السوري يعرف حقوقه وواجباته، وما دوركم في نشر ثقافة حقوق الإنسان في البلد؟ وبعيدا عن البيانات والانترنت ماذا قدمتم ميدانيا؟

كل المناخ السياسي والثقافي العام يعتبر أنه عليه واجبات وليس له حقوق، وطالما أنه ليس هناك أحزاب ونقابات أو صحافة حرة فمن أين للمواطن السوري أن يعرف حقوقه لكي يدافع عنها؟!..

وقد تعوّد هذا المواطن أنّ هناك من يفكر عنه ومن يوجهه، وهناك من ينوب عنه في قضاياه الوطنية والقومية بل وحتى الشخصية.

أنا على المستوى الشخصي بصفتي كاتبا وباحثا منشقا لست في إطار المعارضة –كما عبرت- لكني أتقاطع وأتشارك معها ادون أن أكون منتظما في أحد أحزابها وأطرافها ، فإني بدأت انخراطي في الشأن العام لربيع دمشق من خلال خوض المعركة ضد ثقافة الخوف ،إذ كانت محاضرتي الأولى في منتدى جمال الأتاسي عن ثقافة الخوف ، ولا زلت أقاتل على جبهة تفكيك جدران الاستبداد وتبديد مناخات الخوف وتحدي مملكة الصمت سواء كانت فعاليتي على مستوى الكتابة أو على مستوى نشاطي الإعلامي (الفضائيات، الندوات، المؤتمرات).

أما على مستوى المعارضة السورية فأظن أنّ فيها أيضاً رجالا شجعانا ومقاتلين حقيقيين من أجل الحرية وفيها أناس فعلا وحقا لا يطأطئون أمام ثقافة الخوف.

في سلسلة كتبك : عن (سدنة هياكل الوهم : نقد العقل اللفقهي ) تناولت اثنين من رجال الدين ، فأخذت من مصر القرضاوي ومن سورية محمد سعيد رمضان البوطي لماذا وقع اختيارك على هذين الشخصين كنموذجين؟..

لأنهما نموذجان لهم جماهيرية كبيرة ولهم حضورهم الإعلامي والفضائي، وليس بالضرورة أن توقفي –عندهما- كان توقفا عند شخصية رجل دين محدد ، وإنما أخذت نموذجا سوريا وآخر مصريا من أجل القول أن هذا الإسلام الرسمي (الحكومي الفضائي) يشكل حالة انقطاع بل وحالة ردة عن الإسلام التنويري الممثل بمدرسة الإصلاح الإسلامي : ممثلا بمدرسة محمد عبده الذي أنجزت عنه كتابا سيصدر خلال أيام عن مركز البحوث الاستراتيجية العراقي في بيروت، برهنت في هذه السلسلة على أن ما يبدو للإسلامويين على أنه صحوة، فإنه إن كان فيه ثمة صحوة سياسوية فإن هناك غفوة معرفية وفكرية، وهم بذلك لا يختلفون عن باقي التيارات الفكرية العربية (القومية –الاشتراكية –الليبرالية)، كما أن المشروع الفكري القومي العربي مأزوم، فكذلك أيضاً المشروع الاشتراكي كما المشروع الليبرالي فإنهما مأزومان ، وكذلك الفكر الإسلامي فهو مأزوم ، إنها أزمة المشرع النهضوي العربي على كل جبهاته الفكرية والسياسية ، وعلى هذا قمت بعملية مقارنة للفكر الاسلامي الراهن مع الفكر النهضوي التنويري العربي ، فوجدت أن ممثليه اليوم إنما يمثلون حالة انتكاسية عن المشروع الفكري الذي مثله الإصلاح الإسلامي ممثلا بمدرسة محمد عبده ، ومن هذا المنظور أظهرت مدى الانكسار والردة الفكرية والمعرفية في فكر ممثلين نموذجيين للاسلام الرسمي : (القرضاوي- البوطي ) بالمقارنة مع المنظومة الفكرية التنويرية للإمام محمد عبده .

خامسا: الانتخابات الرئاسية لعام 2007م

تم الحديث في المؤتمر القطري العاشر عن إصدار قانون الأحزاب وحتى الآن لم يصدر أي شيء برأيك لماذا؟

أنا لم أراهن على مؤتمرات حزب البعث ولا على ماذا يقرون ، ولا أصدق ولا أراهن على أي قرار يصدر عنهم أو عن مؤتمراتهم ، ولا أظن أن هناك ثمة قرارات يمكن أن يراهن عليها ، لأنه ببساطة لا يعول على حزب البعث ذاته وذلك لأنه لا يحكم ، فهو لا يعدو أن يكون (صناجة النظام ) خطبا وهتافات ومسيرات وشعارات وبقايا سرقات ومنهوبات من الفتات .

وعلى هذا فإن صدور هكذا قانون أو عدم صدروه سيان ، مثلاً انتظرنا قبل فترة قانون المطبوعات فتبين أنه أكثر قبحاً وتعسفا واسترضاء لأولي الأمر من القوانين الماضية ، ولذلك إذا أرادوا قانونا للأحزاب فلن يكون أكثر من نسخة مشوهة عن الموجود المشوه من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية ، ولن يكون هدفه سوى إضفاء المزيد من المشروعية (الهيمنة) على هذه الجبهة المسخ لانتاج متناسخات من المسوخ والقرود .

يقول بعض المراقبين: إنّ المعارضة ليس لها أفق ، وإنّ النظام لن يصدر قانون الأحزاب إلا قبل شهر أو بعد شهر من نهاية ولاية الرئيس بشار الأسد ، وبالتالي سيضمن ورقة لمدة سبع سنوات قادمة ، وسيصدر قانون الأحزاب الذي يحد من قوتكم ، هل من المعقول قيام حزب البعث بإصدار قانون الأحزاب من قبله فقط ؟ ولماذا لم تعترضوا على ذلك ؟

كل ذلك مدعاة للسخرية ، لأنه يفترض عند سن قانون أن يصدر عن الهيئة التي تصدر عنها القوانين لتحقيق الحد الأدنى من الاتساق لعدم الضحك على الذات قبل الآخرين، أي أن تكون القضايا التشريعية من صلاحيات البرلمان ! لكن أي برلمان، هل هو برلمان الدمى القائم؟!..

لا يمكن القبول بأي انتخابات اليوم إلا باشراف المؤسسات الدولية ،وإلا لن يصدقنا أحد قبل أن نصدق أنفسنا ، إن إجراء أية انتخابات تشريعية كانت أم محلية أم رئاسية لايمكن النظر إليها جديا إذا لم تكن شفافة على المستوى المحلي والدولي : أي يجب أن تكون بإشراف دولي كما يحدث في كل دول العالم : من الولايات المتحدة حتى كل دول أوربا ، إذ أن الانتخابات تجري في كل دول العالم اليوم تحت مراقبة من يريد المشاركة في الرقابة ، حتى للبعثيين المعتزين بالخصوصية (الزائفة) يمكنهم مراقبة الانتخابات في الولايات المتحدة ، بدون أكاذيب فارغة عن السيادة الوطنية التي يتبجح بها لصوص العالم الثالث وليس لصوص الامبريالية ...!

ـ كيف تقيم عمل الجبهة الوطنية التقدمية؟

ليس إلا نسخة عن حزب البعث- ومع الأسف- فهم يمثلون شيطانا أخرس على واقع فاسد ومستبد ، ويقدمون لكل هذه الممارسات (القبيحة للنظام الديكتاتوري) غطاء يوحي بالتعددية والتنوع ، لكنها لعبة كاذبة وذليلة ومنافقة.

ما هي إمكانية ترشيح مسيحي أو كردي سوري وفوزه في انتخابات نزيهة حقا؟

يفترض أن يكون من حق الجميع الترشيح وبضمانة دستورية ! لكن أن ينجح ، فهذه مسألة تتعلق بإرادة المجتمع عبر التمثيل الحقيقي، ويجب على القانون أن يكفل هذا الحق لجميع المواطنين السوريين بغض النظر عن أي تباين في العرق والجنس والدين والمذهب ....

الدكتور بشار قبل بالتوريث فلماذا تعتقدون انه سيقبل بالتسليم والاستسلام لصندوق الناخب طالما أنه ليس هناك ما يجبره على ذلك؟

لا نقول أن يسلم ويستسلم لا للصندوق أو لغيره ، بل أن يجعل لنفسه شرعية ذاتية خاصة ، وذلك بأن يرشح نفسه مثل الآخرين ... فمثلاً قالت له صحفية أمريكية في مقابلة معه: أنت أتيت إلى الحكم كوريث لأبيك فرفض، وأجابها: أنه إنتخبه الشعب السوري ! إذن فلماذا لا يدخل في انتخابات ؟ أنا أعتقد أن المعارضة السورية والمجتمع السوري أعطى فرصا كبيرة لبشار الأسد كي يؤسس لنفسه شرعية ذاتية خاصة به وليست وراثية، لكن مع الأسف فإنه مُصّر حتى الآن أنه جاء عبر انتخاب الشعب السوري ، ونتمنى أن يسن قانون للانتخابات الرئاسية ، وبالتالي لا يوجد حد قانوني يمنعه مثلما لا يمنع الآخرين من حق الترشيح للانتخابات ، وليس هناك قانون انتخابي في العالم يحيل دونه وهذا الحق ، وأكبر مثال راهن اليوم هو التجديد لجورج دبليو بوش الابن ... فلنقلع عين الامبريالية الأمريكية بالديموقراطية والشرعية الدستورية والانتخابات الرئاسية ...

ما هو تعليقيك على خطاب الرئيس بشار الأسد الأخير؟

من عادتي تجنب النقاش فيما يتعلق بسياسات الرئاسة من منطلق تحييد المقام الرفيع لمنصب الرئاسة بوصفها تعبيرا عن كلية المجتمع ،لذلك أتمنى على هذا المقام أن يعبر عن هذا المفهوم الرفيع والمترفع للرئاسة التي تتعالى عن الدخول في مثل هذه الصراعات مع أطراف وأحزاب وقوى وشخصيات سياسية أو مدنية ، لأن هذا المقام يفترض بشاغله أن يكون رئيسا وممثلا للجميع ، و أن يتعالى أعلى هرم السيادة ا لرئاسية على الصراعات الجانبية وألا يكون طرفاً ضد هذا أو ذاك، وأظن أن الخطاب لا ينسجم مع هذا التصور الرفيع الذي سقته لمفهوم المقام الرئاسي.

ـ ما هو رأيك بخطاب سعد الحريري ووليد جنبلاط؟

ما كان على الرئاسة أن تضع نفسها في مواجهة أطراف سياسية وحزبية في الساحة السياسية في لبنان ، لا سيما أن النظام كان يعتبر نفسه الشقيق الأكبر للبنان، وبالتالي فإن القبول في دخول ساحة السجال مع الآخرين تعطيهم كل الحقوق المساوية كأطراف في ساحة السجال ، أي تمنح الآخرين حقوق المشروعية في الدفاع عن النفس التي تكفلها كل القوانين العالمية والدولية !

ـ التضييق على المعارضة من ملاحقة واعتقال وسجن، ومنع سفر، أي التضيق الداخلي والضغوط الأمريكية المتواصلة على الصعيد الخارجي ألا يعتبر ذلك سبب آخر لعزلة النظام في سورية؟

بالتأكيد هذه الممارسات تعكس قلق النظام وخوفه من العزلة وشعوره أنه لا يستند إلى أي تمثيل شعبي حقيقي ، وإلا لا مبرر لكي يقوم بهذه الممارسات ضد مجتمعه وشعبه، سيما أن هناك ضغوطا خارجية تمارس ضد النظام ، فمن الأولى أن تدفعه هذه الضغوط إلى الانفتاح نحو المجتمع والشعب والحركة الديمقراطية ليشاركه شعبه –على الأقل – همومه حتى ولو كانت شخصية جدا !

ـ ألا يمكن اعتبار القرضاوي والبوطي شيوخ سلطة للأنظمة التي ينتمون إليها لتبرير قبح هذه الأنظمة؟

طبعاً كلهم ليسوا سوى فقهاء للسلاطين ، وكلهم مشرعون ومضفون المشروعية على أيديولوجية السلطة، فمثلا وهو مثال للطرافة : عندما قام بعض الأصدقاء في التحضير لندوة أهلية لمناقشة كتابي ( نقد العقل الفقهي : " البوطي نموذجا ") قرر رئيس فرع الأمن السياسي منع هذا اللقاء قائلا: إنّ عبد الرزاق عيد لا يريد من هذه الندوة الحديث عن قضايا الفكر الديني عموما ، وإنما يريد تناول البوطي نقديا ، لأنه شيخ لنا ، فهم الذين يعتبرونه شيخهم ،أي شيخ سلطة....

:Asmurf:

ابن سوريا · 04-06-2007, 01:07 PM

(f)

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	من واشنطن - لقاء مع المفكر الامريكي تشارلز كابشن...التحديات الجمة التي تواجه USA	بسام الخوري	0	685	04-18-2012, 08:22 PM آخر رد: بسام الخوري
	لقاء صحفى مع احمدى نجاد (تشارلى روز)	على نور الله	0	709	09-12-2009, 04:03 PM آخر رد: على نور الله
	لقاء "مواز" مع وزارة الخارجية الامريكية	Serpico	6	1,109	04-28-2008, 04:39 PM آخر رد: Serpico
	لقاء الشرفة مع الدكتور محمد شحرور	thunder75	6	1,578	04-19-2007, 05:14 PM آخر رد: فلسطيني كنعاني
	عشرة فوارق اساسية بين عبد الرزاق عيد والطنبرجي	رحمة العاملي	5	1,107	04-11-2007, 09:30 AM آخر رد: حسان المعري