الدماغ الذكري و الدماغ الأنثوي
الدماغ الذكري و الدماغ الأنثوي هل هناك فرق؟؟
مقدمة :
تبدأ القصة مذ حل البشر (ذكوراً و إناثاً) في هذه الأرض، و كعادتنا - نحن بني البشر - فإنه من الفطري بالنسبة لنا أن نختلق المشاكل و المعضلات لنجد ما نتناقش حوله في محافلنا الآدمية، و من جملة ما تفتقت عنه قرائح البشر وأتحفتنا به أفكارهم هو ما الفرق بين ذلك و تلك، ما الفرق بين الرجل و المرأة ، ثم ما لبث أن دخل علماء الأعصاب المعمعة و قد شمروا السواعد و شحذوا الهمم و و شنفوا الآذان و المحاجر و تآلفوا و اجتمعت كلمتهم على أن يجدوا الفوارق بين الدماغين
و يحق لأدمغتنا أن تتساءل لاهثة: إلام توصل أولئك العصبيون......و محاولة الإجابة عن ذلك في السطور التالية التي أعددت مسوداتها في نيسان من عام 2002 و قد قمت بزيادتها و تنقيحها سائلاً رب العروش أن تكون عند حسن ظن قارئيها.
استهلال لا بد منه
برز في فترة من الفترات من يجادل بحماقة حول فكرة وزن الدماغ الذكري و مقارنته بنظيره الأنثوي، مدعياً أن هذا الاختلاف في الوزن دلالة أكيدة على وجود فوارق بين الجنسين. و الإجابة على ما سبق بينة واضحة و الحجة مردودة على أعقابها إذا أخذنا في الحسبان نسبة وزن الدماغ إلى وزن الجسم الذي يقطن فيه هذا الدماغ.
و في السنوات المنصرمة حديثاً بينت الأبحاث و الدراسات وجود اختلافات في التعضي الدماغي بين ذكور و إناث الكائنات البشرية، و هذا الاختلاف لم يتجل فقط على المستوى الوظيفي بل تعداه إلى المستوى التشريحي العضوي. و أؤكد ههنا بإصرار و إلحاح على أن ما سيرد من نتائج يعبر عن معلومات إحصائية و بالتالي فالنتائج تعكس لنا ملامح الاختلاف عند أغلب و ليس كل الناس. إضافة إلى كون هذه النتائج تعبر عن آراء الباحثين الذين حصلوا عليها و ما أنا إلا بجامع لهذه المعلومات من هنا و هناك.
وجهة النظر التطورية
يصر جماعة علم التطور و خاصة (Joseph R) على صحة الافتراض التالي:
في الماضي السحيق و عندما كان البشر متوحشين يقطنون الكهوف و المغارات كان الذكور و الإناث متشابهين ما عدا الاختلاف في أجهزة التناسل، و بما أن الطبيعة كلفت النساء بمتاعب الحمل و الولادة فقد ترتب على ذلك وبسبب كبر رأس الجنين أن حدثت زيادة في أقطار الحوض الأنثوي مما خلق مشكلة للنساء أثناء الركض بحثاً عن الطرائد فهذا الحوض العريض أدى إلى تباعد النواحي العلوية لعظمي الفخذ مما خفض من قدرته على تقديم دعم ميكانيكي ملائم للركض السريع مما عرض النساء لأنواع خطيرة من الكسور -تشاهد هذه الكسور حتى الآن عند النساء في القوات المسلحة بعد تدريبات شاقة- و عندها عزمت النسوة على البقاء في منازلهن و اضطر الرجال إلى الخروج لوحدهم للصيد و جلب الطعام.
و من نتائج جلوس المرأة في المنزل -بيئة صغيرة- فقد تطور لديها دافع نحو التجمع و التآلف الاجتماعي مع نسوة أخريات -جيران- و بالتأكيد فإن هذه التجمعات لم تكن صامتة بل لقد ساهمت و بشكل فعال -و واضح و صارخ- في تطور القشرة المخية المسؤولة عن القدرات الكلامية (Glass, 1993; Tanner, 1990; Joseph, 1992) إضافة إلى تطور مهارات استعمال اليدين في صنع أدوات منزلية صغيرة و اتساع الباحات الدماغية المسؤولة عن المهارات الاجتماعية العاطفية
أما الرجال المساكين فكان عليهم الاختباء طيلة النهار مترقبين في صمت و حكمة تلك الحيوانات لاصطيادها مع تطور مهارات استعمال يد واحدة وتراجع القدرات الكلامية و اتساع الباحات الدماغية القشرية المسؤولة عن المهارات الحيزية البصرية
و مع مرور الدهور و تلاحق العصور توارثت الحفيدات مورثات الجدات و توارث الأحفاد مورثات الأجداد
طرائق الاختبار
اعتمد العلماء بشكل عام على استخدام بعض الاختبارات بهدف دراسة هذه الفوارق
الاختبارات الحيزية المكانية: و تستلزم إجراء مناورات ثلاثية الأبعاد كتدوير مجسم في الهواء، تذكر و تمييز أجسام ثلاثية الأبعاد، تمييز صورة مموهة، بناء صور ثلاثية أبعاد بدءاً من ثنائية، تذكر الاتجاهات و الطرق .
الاختبارات اليدوية الدقيقة كوضع مجموعة من الدبابيس في ثقوب صغيرة متتالية و اختبارات التسديد إلى الهدف و خاصة الأهداف المتحركة اختبارات التفكير الرياضي: كحل المسائل الرياضية و القيام بالعمليات الحسابية واختبارات الطلاقة الفكرية كايجاد مجموعة من الكلمات التي تبدأ بحرف معين أو ايجاد الأخطاء العشرة بين لوحتين
نتائج الفوارق الوظيفية
من خلال الدراسات الإحصائية فقد تبين ما يلي:
• يبرع الرجال في الاختبارات الحيزية المكانية (Levy and Heller, 1992; Kimura, 1993; Joseph, 1992) فقط 25% من النساء يتخطين المعدل في هذه الاختبارات (Harris 1978) ، و لكن عند وضع ذكور الفئران في بيئة محددة و إناثها في بيئة غنية فإن نتائج الاختبارات تصبح شبه متقاربة و عند وضع الفئران في نفس البيئة تتفوق ذكورها و بالتالي فقد تم نفي دور البيئة في ظهور هذه الفوارق (Joseph and Gallagher, 1978). و هنا يجدر التنويه إلى اختلاف الطريقة التي يتبعها كل من الدماغين في في تمييز الطرق و البحث ضمن المتاهات، فالأنثى بشكل عام تعتمد على الدالات البصرية و نقاط العلام في تمييز الموقع و الوصول إلى الهدف فعلى سبيل المثال تستدل على بيت فلانة برط موقع البيت مع لوحة إعلانية معينة أو دكلن معين، و بالعكس لا يؤمن الذكور بهذه الطريقة الأنثوية في الاستدلال بل يعتمدون بشكل عام على الاتجاهات و الإحداثيات الرقمية، مثلاً إن بيت فلان من الناس يقع في الشارع الثالث من جهة اليمين.......
• تبرع النسوة في الأعمال اليدوية التي تستلزم الدقة و الصبر و المثابرة (Kimura, 1992) (لا أدر لم معظم الجراحين من الذكور)
• تبرع النسوة في اختبارات التفكير الرياضي في حال اقتصار ذلك على القيام بالعمليات الحسابية بينما يكون الرجال أكثر تفوقاً في حال وضعت تلك العمليات ضمن مسألة رياضية و يتماشى ذلك مع حقيقة تفوق الرجال في مجال الرياضيات (Benbo)
• تبرع النسوة في اختبارات الطلاقة الفكرية (Broverman et al, 1968; Harris, 1978; Levy and Heller, 1992) كما أن النسوة يعانين من الرتة بشكل أقل من الذكور (Corballis and Beale, 1983)
العوامل المؤثرة في النتائج
بشكل عام يكون أداء الرجال في هذه الاختبارات أفضل بوجود مستويات منخفضة من التستوسترون و بشكل معاكس يكون أداء النساء في هذه الاختبارات أفضل بوجود مستويات مرتفعة من التستوسترون (Kimura, 1993)
و يبدو ذلك واضحاً في الاختبارات الاستعرافية حيث وجدت علاقة بين مستوى الأداء و الدورة الطمثية حيث تكون النتائج أسوأ ما يمكن في مرحلة الطمث، بينما يتغير أداء الرجال بشكل سنوي و أفضل ما يكون أداؤهم في فصل الربيع
الذكاء
لوحظ عند إجراء اختبارات الذكاء أن نتائج الإناث تميل للتجمع بشكل كثيف في المنطقة الوسطى من السلم المعياري مع شذوذات باتجاه الذكاء فوق و تحت الطبيعي، بينما تتوزع نتائج الذكور على طول السلم المعياري وبشكل أقل كثافة مع نسبة أعلى من الذكور ذوي الذكاء فوق و تحت الطبيعي، وأستطيع ترجمة ما سبق وفق لغتنا الدارجة -تجاوزاً- بأن النساء يملكن نصف عقل و لكن الرجال إما أن يملكوا أو لا يملكوا عقلاً بالأصل.
التفوق الكلامي الأنثوي
و الآن لننطلق للتمعن في أسلوب الكلام و الإلقاء عند كل من الدماغين:
بشكل عام تهدف الأنثى عند دخولها مناظرة كلامية إلى تحريك عضلات البلعوم و اللسان واضعة نصب عينيها التكلم بأكبر عدد ممكن من الكلمات ذات الشحن العاطفي الانفعالي العالي (ربما لا أهمية للأفكار) و بأسرع تواتر متوفر متبعة أسلوب تغيير النبرة و موسيقى الكلام و حين ترغب بتوكيد فكرة فإنها و ببساطة تقوم باتباع سياسة لفظية أكثر حناناً و ذات تلون موسيقي أشد............و على الطرف الآخر نجد الذكور يجهدون مع باحاتهم الكلامية ذات القدرة المحدودة على المناورة في طرح أفكارهم ذات الطابع الأكثر علمية و المتجحفلة بحشود من التصويرات الطرزانية العارضة للعضلات -و إن كان ذلك يتم في أيامنا الحالية بشكل أكثر حضارية- و حين ينوون توكيد فكرة فإن أفضل درب إلى ذلك هو حث الحنجرة على إصدار أصوات أكثر خشونة وأكثر علواً مترافقة مع حركات إصرارية من الطرفين العلويين.........في النهاية كل يعرض ما لديه من بهرجات دماغية معتقداً أنها الأفضل للإقناع وأحياناً الايقاع........و أعتقد أن كلاً من الطرفين قد نجح في ذلك، و يثبت ذلك نظرة خاطفة إلى أحداث التاريخ البشري.
السلوك العام
الذكور أكثر عدوانية في تصرفاتهم فمنهم من يمارس سلوكاً عدائياً واضحاً عن طريق اختلاق المشاكل و الخلافات و منهم من يبحث عن طرق أكثر حضارية لتفريغ هذه الشحنات (ألعاب صبيانية-ألعاب الفيديو العنيفة-أفلام العنف-الرياضات العنيفة) أو اتباع سلوك حياتي تنافسي في ظروف لا تتطلب ذلك. و إن ظهور هذا السلوك العدائي الذكري مستقل عن مرحلة البلوغ فصغار الرئيسات تبدي ذلك منذ الأشهر الأولى من حياتها.
تميل الإناث إلى تذكر الذكريات ذات المحتوى الانفعالي العاطفي بينما يميل الذكور إلى تذكر ذكريات و وقائع رقمية أكثر منطقية -من وجهة نظر الدماغ الذكري على الأقل-
أمراض عصبية نفسية ذكرية و أخرى أنثوية
الرجال أكثر تعرضاً للإصابة بالحبسة الكلامية، عسر القراءة، عسر الكتابة، كما أن الإناث يتعلمن القراءة و الكتابة بشكل أسرع من الذكور و تكون إنجازاتهن المدرسية في مجالي القراءة و الكتابة أفضل من الذكور (Lewis and Hoover, 1983)
تميل الإناث للإصابة بالاكتئاب بنسبة أكبر من الذكور، و لذلك علاقة بعوامل هرمونية و تغيرات الظروف و الضغوط الحياتية و لكن كما بين (Hier et al, 1994) أنهن أكثر تعرضاً لاضطرابات الشريان المخي الأمامي (خاصة الصمية منها) و الاضطرابات البسيطة جداً في الدوران الدموي في هذا الشريان تعطي صورة مشابهة لتظاهرات الاكتئاب.
الذكور أكثر تعرضاً للإصابة بالاكتئاب في المراحل المبكرة من العمر (Szymanski et al, 1995)، كما أن المرضى الذكور يستلزمون استشفاء أطول و ينكسون بشكل أكبر، و قد عزي ذلك إلى دور الشدة و الرضوض النفسية التي يتعرض لها الرجال بشكل أكبر و في مراحل عمرية أصغر مقارنة مع الإناث.
و الإناث أكثر تعرضاً للإصابة بالهستيريا و متلازمة التعب المزمن حيث يصبن باضطرابات المزاج (Mollica, 1989) أكثر من الرجال بمرتين إلى ثلاث مرات.
نظرة عامة إلى اللاتناظر الدماغي
كلنا يعلم أن القشر الدماغي مخلوق و مصمم لتمييزنا عن باقي الكائنات الحية و غير الحية و لكن و تسهيلاَ على أدمغتنا فقد أرتاى بنو البشر تقسيمه اصطلاحياً إلى باحات متداخلة (لولا بروكا ما كانت باحة بروكا) و لكل باحة اختصاص تمتاز به و وظيفة تؤديها، و لعله من الواضح القول أن هناك نوع من عدم التناظر بين نصفي الكرة المخية.فلكل نصف وظائف و مهام مع التأكيد على فكرة التكامل الوظيفي والتعاون الأخاذ بين نصفي الكرة المخية.
المخ الأيسر
نجد في الأيسر باحات الكلام و اللغة (التعبير اللغوي و التفكير اللغوي و المعرفة اللغوية) الاستنتاج التحليلي و الرياضي الجوانب الزمانية و المتواترة للوعي، ومن الواضح أن المخ الأيسر يتعامل مع المعلومات الواردة و الصادرة بشكل وحدات متتالية و مترابطة زمنياً لتوليد مجموعة من النتائج ذات التناسق و التناغم الأخاذ (حركات الأصابع أثناء الكتابة و الجسم أثناء المشي و عضلات الكلام أثناء الثرثرة) و لكن بشكل آلي حكيم مستقل عن العواطف
المخ الأيمن
و على قبالة من المخ الأيسر ينشغل النصف الأيمن بالذكاء الاجتماعي-العاطفي، التيقظ غير اللغوي للمحيط، وظائف الإدراك البصري-الحيزي (تحليل العمق، الخلفية، التجسيم، تمييز الوجوه، تسديد كرة السلة، القدرة على المشي والتوجه دون أن نضيع في هذا العالم، تعلم المتاهات، العلاقة بين جسمنا و المحيط) الموسيقا، الرسم، السيطرة ثنائية الجانب على الجهاز الحوفي و الجهاز العصبي الذاتي ذو الصلة الوثيقة بالعواطف إضافة إلى دوره الواضح في التيقظ و وعي الذات (و قد ناقشت ذلك في أطروحة التخرج التي أعددتها)
و تعزى السيطرة اليمنى على العواطف إلى غنى الاتصالات العصبية التي بنت علاقات طيبة جداً مع الجهاز الحوفي المسؤول أصلاً عن العواطف عند من هم أدنى من الآدميين، و قد أخذ المخ الأيمن دور المتحدث الرسمي والمعبر عن آراء و أفكاء و تطلعات الجهاز الحوفي و لكن بشكل بشري.
و يعود إلى الأيمن فضل عظيم في إضفاء المعاني الانفعالية إلى ما يرد إلى المخ الأيسر.......فعندما نسمع مجموعة من الأصوات التي يسميها المخ الأيسر كلمات (من وجهة نظر لغوية) فإن الأيمن يفهمنا و ينقل لنا العاطفة مع هذا الكلام......فنبكي و نضحك و نقلق مبيناً مواطن التشديد و موسيقا و تناغم الكلام وتقطع النبرات و ما ترسله من حنان وألم ........إنه و ببساطة يبين لنا ليس فقط ما يشعر به المتكلم بل و يستنتج السياق الذي يتكلم فيه و الظروف المحيطة به حتى لو لم يكن هناك أي نبرات لغوية (ايماء مثلاً)
كما يتدخل في فهم بعض التراكيب اللغوية المعقدة التي تستلزم نوعاً من التخيل و التصور (زيد أقصر من عمرو، فمن هو الأطول؟)
و لكنه لا يستطيع القيام بما سبق دون الجهاز الحوفي
المخ الأيمن و الأيسر و الجنس
و المثير هنا، هو أن هذه اللاتناظرية أكثر وضوحاً في الرجال، بينما تميل أدمغة الإناث إلى تشكيل أكثر تناظراً، و بالتالي، فإن إصابة باحة الكلام عند الرجال في النصف الأيسر ستؤدي إلى خلل عصبي أشد مما هي عليه الحال عند إصابة نفس الباحة عند الإناث (سريرياً: الرجال أكثر تعرضاً للإصابة بالحبسة الكلامية، عسر القراءة، عسر الكتابة)........و قد فسر هذا التناظر الأنثوي بوجود أجسام ثفنية سميكة عندهن(Holloway et al, 1994)
الفوارق التشريحية
ميزت مجموعة من الفوارق التشريحية بين بعض الأجزاء من الجهاز العصبي المركزي و قد دعيت بالبنى ثنائية الشكلياء فهناك فوارق في كل من الجهاز الحوفي، الوطاء، القشر الدماغي، الاتصالات بين نصفي الكرة المخية، من ناحية الأنماط العصبية و تطور التغصنات و التشجرات و التشابكات (Allen and Gorski, 1992; Allen et al, 1989; Swaab and Hoffman, 1988) و قد تم بيان دور التستوسترون في تحفيز نمو البنى الدماغية بشكل ذكري، فقد وجد أن إعطاء حاصرات مستقبلات التستوسترون يؤدي إلى النمو بالاتجاه الأنثوي، و أن الإناث المصابات بالمتلازمة الكظرية التناسلية يتصرفن بطريقة أكثر صبيانية في حياتهن من حيث الميول و السلوك الاجتماعي العام و الاندماج مع الرفاق مع تحسن الأداء في الاختبارات الحيزية البصرية (Money and Ehrhardt, 1972; Reinisch, 1974)
الوطاء
الوطاء (خاصة النوى البطنية الأنسية، النوى فوق التصالب، النوى قبل البصرية ، النوى الخلالية والوصل الأمامي) و بوجود أو غياب التستوسترون في مراحل حرجة من تطور الجنين و الوليد تتحدد طبيعة الاتصالات العصبية بين نوى الوطاء و اللوزة المخية و بين خلايا هذه النوى الوطائية بحد ذاتها. فعلى سبيل المثال تكون النواة قبل البصرية (وهي ذات علاقة وثيقة بالسلوك الجنسي) أكبر بثمانية مرات عند ذكور الجرذان مقارنة مع إناث الجرذان. وعند الآدميين نجد ازدياداً في عدد الخلايا في هذه النواة منذ الولادة حتى سن الرابعة عند كلا الجنسين، و لكن العدد يتناقص بعد ذلك عند الإناث بنسبة النصف، بينما يبقى ثابتاً عند الذكور حتى سن الخمسين. أما النواة فوق التصالبية فتكون مكورة عند الذكور متطاولة عند الإناث، ولكن لا اختلاف في عدد الخلايا العصبية، و تكون هذه النواة أكبر بمرتين عند الرجال الجنوسيين (LeVay, 1992)، و قد تم إثبات أن النوى الأمامية و البطنية الأنسية للوطاء عند الرجال الجنوسيين تبدي النط الأنثوي في التعضي العصبي (من ناحية الحجم و طبيعة الوصلات العصبية) (LeVay, 1991; Swaab and Hoffman, 1990)
الاتصال بين نصفي الكرة المخية
الوصل الأمامي أكبر حجماً عند الإناث بنسبة 18% (Allen and Gorski, 1992) و هو ببساطة الرابط بين اللوزتين المخيتين و الفصين الصدغيين في الطرفين
الجسم الثفني أكثر ثخانة عند النساء و خاصة الحوية مما يؤمن اتصالاً أوسع و أكبر بين الفصين الجداريين، و على الرغم من أن ذلك يدل على قدرة أوسع على السيطرة على نصفي الكرة المخية إلا أن الدراسات الإحصائية بينت أن النساء اليمينيات أكثر استعمالاً لليد اليمنى من نظرائهن الذكور
الجهاز الحوفي
التلفيف الحزامي: يعتقد بدوره في السلوك الأمومي و العناية بالطفل و إقامة علاقات اجتماعية طويلة الأمد (Maclean, 1990) خاصة مع ملاحظة تهيج هذا التلفيف عند سماع صوت الطفل سواء بكاء أو ضحكاً كما أن تدمير التلفيف الحزامي الأمامي يؤدي إلى فقدان الإحساس بالأمومة مع اضطرابات مختلفة على صعيد العلاقات الاجتماعية (Smith, 1944; Laplane et al, 1983)
اللوزة المخية: عند إناث الرئيسات تحوي تجمعات خلوية عصبية غزيرة و كثيفة مقارنة مع الذكور مع اتصالات عصبية قوية مع اللوزة المخية المقابلة عبر الوصل الأمامي مما يدل على سهولة و شدة الاستجابة عند إثارة اللوزتين المخيتين عند الإناث، وقد تفسر هذه البنية الأنثوية بعض الجوانب الانفعالية العاطفية عندهن. أما عند الذكور فهناك اتصال قوي بين اللوزة المخية و الوطاء الأنسي عبر الخيط الانتهائي الأكبر حجماً عند الذكور مما هو عليه الوضع عند الإناث (Allen and Gorski, 1992) و قد يكون لذلك علاقة بالسلوك العدواني لبعض الذكور، بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الاختلافات في الجهاز الحوفي قد تفسر ميل الذكور إلى عدم التحدث عن مشاكلهم ومشاعرهم الخاصة (عدا الغضب و الفرح) حتى لأقرانهم، و بالعكس ميل الإناث للبحث عمن يبوحون له أو لها بمشاعرهن. و حسب آراء (Argyle and Beit-Hallahami, 1975; Batson and Ventis, 1982; Sapiro, 1990) فإن للجهاز الحوفي (خاصة الاتصالات بين اللوزة المخية و الفص الصدغي) دور هام في تعزيز التجربة و الأفكار الدينية و الغيبية، و مما يدل على ذلك هو وجود شحنة ايمانية أكثر ترسخاً عند النساء مما هي عليه الحال عند الرجال (حسب آرائهم)
القشر الدماغي
القشر المخي الأيمن أثخن من نظيره الأيسر عند الذكور، بينما تتساوى الثخانة عند الإناث
تتوضع باحة بروكا في المناطق الجبهية الأمامية عند الإناث بينما تميل للتوضع في الأماكن الجبهية الخلفية/الجدارية عند الذكور
بعض التغيرات أثناء الولادة و الإرضاع
أثناء الإرضاع و ربما بتأثير الأوكسي توسين في الوطاء و بتأثير مستقبلات بيتا في النخامة، تتطور فرط ضخامة في الخلايا المصنعة للأوكسي توسين في النوى الوطائية ذات الخلايا الكبيرة، كما يزداد التآثر و الاتصال بين التغصنات العصبية مع زوال الحواجز الدبقية (الخلايا الدبقية النجمية) التي تعزل الخلايا عن بعضها في حالة الراحة. كما نجد زيادة في التآثر بين هذه الخلايا و بين نهايات عصبية محررة للـ GABA و قد بين ذلك (Hatton and Tweedle, 1982;Theodosis, 1986). وقد وجدت تغيرات في النهايات العصبية المحررة في النخامة الخلفية، وتتمثل هذه التغيرات بزوال الخلايا الدبقية المحيطة بهذه النهايات و زيادة التآثر مع الغشاء القاعدي المحيط بالأوعية الدموية. يجدر بالذكر أن هذه التغيرات تحتاج إلى 48 ساعة لتتطور بدءاً من لحظة تحرير الأوكسي توسين.
أثناء الدورة الطمثية نجد تغيرات في مستوى الخلايا المحررة لـ GnRH و النواة المقوسة (زيادة التغليف الدبقي) (Olmos, 1989)
و للاستروجين تأثير على تعضي الاتصالات في سوية الوطاء البطني الأنسي (Frankfurt and McEwen, 1991) مع تأثيرات واضحة على إعادة توزيع مستقبلات الأوكسي توسين على سطح الخلايا العصبية (McEwen et al, 1990)
ماذا يريد الدماغ
و بشكل عام يسعى كل دماغ بشري و بشكل لاواعي إلى البحث عما يوفر له استقراراً و نشوة . فاستقرار الجهاز الحوفي الأنثوي يكون في أقصاه عند اهتمامه بالأطفال أو يتبع لهم بينما يميل الجهاز الحوفي الذكري إلى الاستقرار عند اتخاذ مواقف عدائية و الدخول في تنافس في بيئة خارجية مفتوحة
خاتمة
إن وجود فوارق بين أدمغة الإناث و الذكور من بني آدم لا يعني و لا بأي حال تفوق دماغ الذكر على دماغ الأنثى (أو العكس)، و إنما يدل على حكمة جليلة تظهر مكامن التكامل و التآلف و كيف أن لكل منهما حدود و مواطن ضعف لا تقوى و تدعم إلا بوجود الآخر سواء كان أماً أو أباً، زوجاً أو زوجة.
و أقول أخيراً إن الطباخين، الخياطين، الحلاقين، جامعي الضرائب، الاقتصاديين، السياسيين، المصلحين، رجال الدين، المخربين، المجرمين، لاعبي كرة القدم و السلة، و معد هذا المقال كلهم رجال..........و لكن الأم تبقى أولاً وأخيراً........ امرأة.
د.محمد طلال فاعل 18/1/1426
:Asmurf:
|