يبدو ان وليد جنبلاط محق بالعودة الى "وصفة" الشهيد سمير قصير، ولو معدّلة. ما يحصل في دمشق يظهر، بوجه قاطع، انه لم يعد بالامكان تحصين لبنان السيد والحر والمستقل في ظل هذه الادارة السورية القائمة على ما يسميه النائب باسم السبع "الايديولوجيا الأمنية".

القرار القضائي الصادر بحق المعارض السوري فائق أسعد لتقديمه هاتفيا التعازي الى النائب الياس عطا الله باستشهاد الوزير بيار الجميل، أخطر بكثير من "الثوابت العدائية" التي جدّدها وزير الخارجية السوري وليد المعلم في المؤتمر الصحافي ـ غير المسبوق بطبيعته السجالية ـ مع نظيره البلجيكي الذي كان قبل ان يطأ مكاتب المسيطرين على سوريا، يحسب ان ثمة مغالاة "شيراكية" في تحديد موقع بشار الأسد السلبي في مواجهة "العالم الحديث".

"القرار الاغتيالي"

يورد قاضي الإحالة في دمشق المستشار نوري المسرب في قراره الحيثية الخطرة الآتية: "يتبين لنا من خلال التحقيقات في هذه القضية إقدام المدعى عليه فائق أسعد على الاتصال بجهات معادية للقطر في لبنان ومنها جماعة 14 آذار، وهو يعلم أن أفكار ومنهج تلك الجماعة يتوافق مع النهج الأمريكي والصهيوني المعادي للنهج السياسي الوطني والقومي التي تنتهجه الحكومة السورية. وقد تأكد ذلك باعترافات المدعى عليه في التحقيق الفوري معه بأنه قام بالاتصال بالمدعو الياس عطا الله في لبنان معزياً بوفاة الوزير بيار جميل، وأثناء الحديث معه أفاد بأنه مع نهج واتجاه 14 آذار، وإنهم يعيشون في سورية حالة حصار واستبداد، وهذا يشكل الجنايات المشار إليها بالقرار المذكور".

مستتبعات سياسية

هذا القرار "القضائي" الذي يشرح نفسه بنفسه، لا يمكن أن يكون بلا ترجمة سياسية لبنانية لأنه من السياسة أتى والى السياسة يعود. والترجمة السياسية تطرح تحديات حقيقية على قوى الرابع عشر من آذار، في ظل المساعي الآيلة الى ابتداع حل للأزمة الحالية قوامها "لا غالب ولا مغلوب".

وفي هذا السياق، كيف يمكن لهذه القوى السيادية أن تقدم "الثلث المعطل" الى قوى الحركة الانقلابية التي لا تنفك تعرب عن اعتزازها بصلاتها التحالفية مع النظام السوري، ولا يتوقف رموزها عن التوجه الى دمشق لعقد اجتماعات تنسيقية؟ أكثر من ذلك، كيف يمكنها ان تضع قوى الأكثرية المؤلفة، وفق التعبير الدمشقي، من "المدعو" وليس من "النائب"، تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي في عهدة هذا "الثلث" المدعوم من رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، طالما أن القوى التي ستشكله ترتبط ارتباطا اندماجيا بنظام يرفع الى مرتبة الجناية مجرد تقديم التعازي بشهيد مطلوب لبنانيا كشف قتلته واقتيادهم الى المحاكمة؟

العداء الثابت

ولا تستطيع القوى الموالية للنظام السوري أن تتحجج بأن الموقف السوري يعود الى الموقف الذي اتخذته قوى 14 آذار مسبقا، على اعتبار ان الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله يدركان، بشكل لا لبس فيه، أن القوى السيادية سبق لها على طاولة الحوار ان وافقت على ارساء علاقات مميزة مع سوريا، على الرغم من الشبهة بتورطها بالاغتيالات الحاصلة في لبنان وفي مقدمها اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كما أنها سبق لها وغطت سياسيا زيارة الرئيس فؤاد السنيورة الى دمشق، بعيد تشكيل الحكومة، وأنها أبعدت، قبيل حرب تموز الأخيرة النظام السوري عن مرمى الحملات الاعلامية الى أن أطل الأسد ليصف قوى الرابع عشر من آذار بالمنتج الاسرائيلي مقدما على مذبح تأكيداته محاولة اغتيال المقدم سمير شحادة واغتيال الوزير الشهيد بيار الجميل.

معلومات جنبلاط وحياة حمادة

على اي حال، لا ينفصل هذا "العدوان القضائي" الموقع من النظام السوري عن العدوان السوري المستمر على لبنان، وفي هذا السياق يكشف وليد جنبلاط مجموعة من الوقائع الثابتة له ومن بينها:

أولا، أن هناك تدريبات عسكرية تجري لمواطنين دروز معارضين لـ"الحزب التقدمي الاشتراكي" في ايران كما في الجنوب اللبناني، على استعمال السلاح والمتفجرات.

ثانيا، أن النظام السوري قرر مجددا تصفية الوزير مروان حمادة، اعتقادا منه ان مواقف جنبلاط ضد "حزب الله" والفريق السوري في لبنان سببها تحريض حمادة وليس اقتناع جنبلاط الذي يملك ما يكفي من أدلة واضحة عن المخطط الايراني ـ السوري الخطر على لبنان وبنيه.

وجنبلاط العائد من واشنطن ونيويورك الى فترة راحة عائلية، هو بالقناعة التي كان عليها قبل ذهابه، بحيث لا يرى مجالا لأي مصالحة مع هذا النظام السوري، طالما أنه مصر على "سلوكية الجبناء" اي الاغتيال والتهديد والارهاب، وطالما على رأسه شخص "ثبت أنه صاحب شخصية واهنة وركيكة".

وحدة 14 آذار ومهمتا بري

يبدي جنبلاط، في لقاءاته الخاصة، إرتياحا عميقا الى مواقف كل قوى الرابع عشر من آذار ولا سيما منها مواقف الرئيس الاعلى لـ"حزب الكتائب" امين الجميل ورئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع، مثمنا الوقفة الثابتة لرئيس كتلة "المستقبل" النائب سعد الحريري.

وتدرك هذه الشخصية التي تتمتع "بفائض من الشجاعة" أن الرئيس نبيه بري يتولى حاليا مهمتين متكاملتين، الاولى لمصلحة النظام السوري وتقوم على منع تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي، والثانية لمصلحة "حزب الله" الذي يريد ان يسيطر على القرار الوطني من خلال أخذ "حق النقض" في لبنان.

الصمود واللوبي الصهيوني
ولا يتراجع وليد جنبلاط عن تقديم النصيحة بالصمود في مواجهة المخطط السوري ـ الايراني، ليس ليقينه ان الآتي من الأيام يحمل الفرج للصابرين فحسب، بل اعتقادا منه أن المطلوب تقديمه حاليا لا يساوي شعرة من لبنان المدعوة قوى الرابع عشر من آذار الى الانجرار في مؤامرة إنهائه، من خلال التفريط بالمحكمة ذات الطابع الدولي ومن خلال تقديم السلطة الى النظام السوري بواسطة قوى المحور السوري ـ الايراني.

وليس في موقف وليد جنبلاط أي استقواء بالخارج. العكس يبدو صحيحا، فالنظام السوري هو الذي يستقوي حتى الساعة على اللبنانيين بمسألتين مهمتين، أولاهما عدم وجود ضغط دولي حقيقي عليه، وثانيتهما أن "ايباك" الصهيونية تعمل في الولايات المتحدة الاميركية لمصلحة النظام السوري، فهي كانت في العام 2005 ضد الخروج السوري من لبنان، وهي حاليا تقف الى جانب تجنيب هذا النظام مخاطر الضغط الفاعل عليه للالتزام بمقتضيات الشرعية الدولية.

توازي الخطين

على اي حال، بين ما يقوله جنبلاط المتفاهم كليا مع كل قوى الرابع عشر من آذار من جهة اولى، وبين ما يقوم به النظام السوري من عدوان متعدد الجبهات ضد السياديين اللبنانيين بالتنسيق مع طروحات القوى المتباهية بالتحالف معه، يثبت ان لبنان لا يزال يمر بفترة اللاحل، لأن الحل يستحيل ان يقوم على معادلة الخطين المتوازيين، واحدهما سيادي ـ مستشهد وثانيهما استتباعي ـ اغتيالي.

فارس خشّان

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	سوريا والاستهداف الأمريكي / لاتخشوا على سوريا إلا من معارضي الخارج	عادل نايف البعيني	30	5,775	06-08-2012, 04:43 PM آخر رد: إسم مستعار
	دعوة الأعضال للتصويت في مسابقة أفضل المدونات العربية	زيني عبّاس	0	561	04-03-2012, 01:45 PM آخر رد: زيني عبّاس
	الحرس الوطني السعودي في البحرين احتلال ام ماذا؟	طريف سردست	37	11,308	03-19-2011, 12:45 AM آخر رد: طريف سردست
	بعد اختطاف مسلمة أخرى من طرف عصابات شنودة..دعوة لمواجهة المد القبطي الصليبي	محمد جربوعة	3	1,746	09-08-2010, 04:14 PM آخر رد: Man Kind
	بعد اختطاف مسلمة أخرى من طرف عصابات شنودة..دعوة لمواجهة المد القبطي الصليب	jafar_ali60	3	1,505	07-31-2010, 06:39 PM آخر رد: بهجت