نحن نفضل ان ننخدع
عادة نعتقد اننا شاطرين بما يكفي لنكشف كذب الاخرين. غير ان الابحاث تشير الى ان ذلك غير صحيح. الحقيقة اننا ننجح في كشف مالايزيد عن نصف الكذبات التي نتعرض لها فقط. تزداد الرغبة بالتصديق عندما تكون الكذبة قادمة من القريبين.
النتائج التي توصل اليها علماء النفس الامريكيين ادهشتهم. من خلال محاولة الاجابة على سؤال: هل اكذب انا ام لا، الذي تم طرحه على بضعة مئات من الاشخاص والذين عرض عليهم فيلم فيديو لم يتجاوز طوله الدقيقتين. حيث تقدم مجموعة مختلفة من الرجال مواقفهم تجاه موضوع مهم. بعض اصحاب المواقف في الفيلم تم اعطاءهم مسبقاً تعليمات بأن يكذبوا القسم الاخر طلب منهم ان يقولوا الحقيقة. والان على مشاهدي الفيلم الاجابة على السؤال اعلاه فيما يخص موقف كل رجل من رجال الفيلم، وهل كان يكذب ام لا.
النتائج كانت مدهشة. 53% فقط تمكن من إعطاء الجواب الصحيح، بمعنى اخر كان انه كان بالامكان إلقاء عملة معدنية والتحزر من خلالها للوصول الى نفس النتائج، قانون الصدفة.
النتائج لم تصبح افضل عندما اجاب متخصصين على نفس السؤال، حيث قام الباحثين بإعادة إجراء نفس العملية مع رجال الشرطة وعلماء النفس والقضاة، معتقدين انهم سيكونوا افضل بإكتشاف الكذاب، بإعتبار ان مهنتهم تعلمهم الشك والحذر والتمحيص قبل إصدار القرار. لقد ااظهرت التجربة، بشكل عام، انهم ليسوا افضل من الاخرين.
ومع ذلك فأن فئة صغيرة من المشاركين اظهرت مقدرة مميزة على كشف الكذب. أعضاء هذه الفئة تنتمي الى المحامين وعلماء النفس ورجال المخابرات واظهروا قدرة خاصة حيث تمكنوا من كشف 73% من حالات الكذب.
يعتقد العلماء ان نجاح هذه الفئة الصغيرة في كشف الكذب يرجع الى كون الشك قد اصبح جزء لايتجزء من شخصيتهم. عملهم جعل الشك اعمق المسارات في الدماغ وجعلهم بإستمرار في حالة توقع الاسوء ومع الوقت اصبحت لديهم خبرة كافية لرؤية الكذب. بعد المزيد من التحليل ظهر ان قدرتهم الخاصة على كشف الكذب كانت بالدرجة الرئيسية من خلال القدرة على قراءة حركات جسم الكاذب.
من هنا نرى انه " من الممكن تحسين قدراتنا على كشف الكذب والكذابين من خلال التدريب" حسب قول بروفيسور علم النفس Paul Ekman ، من جامعة كاليفورنيا الذي قام بالتجربة الى جانب الباحثين
Mark Afrank & Maureen O´Sullivan.
نتائج التجربة تتطابق مع معطيات التجارب السابقة حول نفس الموضوع. العلماء توصلوا من خلال ابحاثهم الى انه من الصعب على الاغلبية إكتشاف فيما إذا كان المحدث يقول الحقيقة ام يكذب، خصوصاً إذا كان هذا الشخص من المقربين مثل افراد العائلةاو من استطاع كسب الثقة من الاصدقاء او الشخصيات العامة.
نحن نحب ان ننخدع
ليس من الغريب ان يسري الاعتقاد بأن الاشخاص الذين يملكون علاقة مع بعضهم البعض قادرين على سبر اغوار بعضهم البعض بمايكفي، غير ان الحقيقة ان العلاقة القريبة تسئ لهذا القدرة عوضاً عن ان تحسنها. الانسان لايرغب ان يعتقد بشئ سئ عن القريبين والاقرباء مما يفتح الطريق للتغاضي عن الاشارات الغير مرغوب فيها، ونتجنب الشك الى الحد الممكن. لماذا سيكذبون علينا؟ من خلال هذه الاسئلة الكلاسيكية نقنع نفسنا بكذبتهم.
بشكل عام ينطلق المرء من حسن النية وانه ليس هناك سبباً للكذب، مما يمهد للتصديق. هذا الامر من حيث المبدأ صحيح ومفيد، بالرغم من انه قد يحمل في جوانبه بعض المشاكل. الكثير من التجارب تشير الى ان الكذب سلوك شائع اكثر مما نعتقد. عند حصر المرء في الزاوية تضطر الالغبية الى الاعتراف بأنها نادراً ماينقضي النهار بدون الكذب على الاقل مرة واحدة.
الرجال يكذبون بفخر
يوجد العديد من الانواع والدرجات للكذب، بعضها كذب ابيض لاتجلب المضرة مثل القول" ياله من ثوب جميل" في حين بعضها الاخر يذهب الى درجات بعيدة من تمويه المعلومات، او الخباثة عن وعي او حتى تمويه الحقيقة او ذكر نصفها. الكذب يستخدم للوصول الى العديد من الغايات اغلبها لإظهار النفس بشكل مغاير للواقع او نكذب من اجل تجنب المواقف المزعجة او تحمل المسؤولية.
كل شخص له تعريفه الخاص للكذب، ويضاف الى ذلك فروقات اخرى في التعريف بين الذكور والاناث. عندما تحكم المرأة على درجة جدية الكذبة تركز على قدر الضرر الذي سببته الكذبة وليس على مقدار ابتعادها عن الحقيقة. وعندما تكذب المرأة فغالباً من اجل حماية مشاعر الاخرين او من اجل حماية علاقة معينة، في حين عندما يكذب الرجل فمن اجل حماية حريته الشخصية وتصرفاته الغير مقبولة او لترسيخ هيمنته.
حسب النفسانية الامريكية Dory Hollander لايوجد اي شك بأن الرجال تكذب اكثر من النساء، بشكل عام. إدعائها هذا قامت بوضعه بناء على بحث اجرته على 60 امرأة و35 رجل. حسب ملاحظاتها تقع النساء فريسة سهلة لكذب الرجال بسبب انهم يحكمون على الرجال من خلال قيمهم النسائية. النساء اكثر حسن نية واكثر صدقا وايماناً بما يقوله الاخرين من الرجل.
خطر انكشاف الكذاب صغيرة للغاية. البروفيسور Bella DePaulo من جامعة فيرجينيا الامريكية والمهتمة بالابحاث عن الكذب، تشير معطياتها الى انه فقط كل سابع كذبة تنكشف. بمعنى آخر فأن المكسب الذي يحققه الكذب اكبر من إحتمال خطر الانكشاف.
تعلم كشف الكذبة
بالتأكيد يمكننا ان نتعلم كيف نصبح افضل بكشف الكذب. احدى الوسائل ان نتعلم كيف نثق بأحاسيسنا. لقد اظهرت التجارب ان الحس الداخلي يستطيع التفريق غالبا، بين الانسان الصادق "في حادثة معينة" وبين الانسان الذي يحاول خداعنا. في نفس الوقت نحن نجيد التغاضي عن احاسيسنا الداخلية وتجاوزها، لكوننا نرغب ان نكون لطيفين ومحبوبين، إذ ليس من اللطافة ان نتهم الاخرين بالكذب. لذلك نقوم بإبعاد شكوكنا، بالرغم اننا نصاب بالاحباط المضاعف عندما نكتشف الكذبة ونكتشف اننا كنا نشعر بها.
الاحساس بالكذبة ينشأ عندنا غالباً بفضل الإنطباع الذي ترسله " لغة جسم" الكذاب. عادة يقال ان الجسم لايكذب، وبناء عليه نرى ان السينما تستخدم هذا المفهوم الشائع للقول ان المرء يكذب من خلال تصوير إهتزاز اهدابه او حيرة نظراته او اهتزاز كفيه. الحقيقة ان الجسم يمكن ان يكشف الكذاب ولكن ليس دائماً بهذا الشكل السينمائي. من النادر ان تهتز اهداب الكذاب او تحتار نظرته، بل على العكس عادة ماينظر الكذاب بجرأة في عين ضحيته.
غير ان التأتاة تكشف الكذب خصوصا عندما تكون الكذبة متعلقة بالمشاعر. الابتسامة الهزيلة والمعوجة إشارة كلاسيكية على الكذب، بالرغم من ان الغالبية ترفض إلتقاطها. الحركة الصغيرة لليد، بدون هدف، وفترات التفكير الطويلة ايضا إشارة لاتخطئ على الكذب.
إحتراف الكذب
كما رأينا فأن المتدربين قادرين على كشف الكذاب من خلال قراءة حركة جسمه التي لم يستطع السيطرة عليها. هذه الحركات يمكن ان تكون احمرار الخدين او التلعثم او بلع الريق او التعرق او اتساع بؤبؤ العين. ايضا يمكن كشف الكذب عن طريق جهاز كشف الكذب الذي يقيس ضغط الدم والنبض والتنفس والتعرق. المشكلة مع جهاز كشف الكذب ان ردود الفعل التي تقاس يمكن ان تكون صادرة بسبب القلق او الخوف او النرفزة او الغضب لكون المرء متهم بالكذب.
ترجمة لغة الجسم معقدة للغاية، وبعض الكذابين اصبحوا اساتذة محترفين في الكذب والسيطرة على حركات جسمهم الى درجة إستحالة كشفهم تقريباً. اكثر الكذابين صعوبة في كشف كذبهم هم الذين اصبحوا يعيشون في عالمهم الكاذب وكأنه حقيقة، لقد صدقوا بنفسهم كذبتهم التي كذبوها.
للوصول الى المزيد من الروابط إضغط:
ترجمة طريف سردست
مقال ترجم عن مجلة
Illustrerad Vetenskap nr.2/2000 s.28-29
للمزيد من البحث :
The naked face
Seeing Emotion
101 lies men tell women
The truth about lying
Seeing Emotion
Seeing Emotion