النزول تحت الأرض
بين سليم عزوز( الناقد الفني والكاتب الصحفي) وقناة التلفزيون المصري أو " قناة الريادة الإعلامية"كما يحلو له أن يطلق عليها, حربٌ ضروس , تكاد تكون اشد " ضراسةً " من حرب بوش ضد محطة الجزيرة . لا تكاد تمر ايام ثلاثة كأقصى حد دون ان تحمل مجلة القدس العربي نسخة جديدة من مقالة : سليم عزوز يتحدى رامبو . ما هي إلا لازمة وفاتحتين وبضعة فواصل حتى يطيح عزوز بخصمه ويفوز " دائما " بالضربة الفنية القاضية . إذا استمرت الحال على هذا المنوال , أرى موظفي قناة الريادة او اغلبهم في لباسٍ ارجواني على جزيرةٍ ما نائية . أو ربما لم يعد أمامهم إتقاءً لبطشه سوى اللجوء إلى ما اعتادت احزابنا الثورية ( ما غيرها ) قديماً ان تطلق عليه مصطلح" النزول تحت الأرض" , اي إتباع اسلوب العمل السرّي إتقاءً لبطش الباطشين _ لا ادري لما تستدعي كلمة "سرّي" إلى ذهني دائماً ذلك المطار السرّي الذي بنته وزارة الدفاع المصرية إستعداداَ للحرب "كما تقول النكتة " فصار بعدها من المعتاد ان يصعد الراكب إلى سيارة الإجرة مبلّغاً سائقها عن وجهته : "المطار السرّي لو سمحت"!_
أرى مذيعات الربط وقد غاب عن مسوحهن جل مكياجهن عن رؤوسهن الشعور المستعارة. اختفت ايضاً رموشهن الطويلة وبدا بدلاً منها زغيبات شعرية فوق شفاهنّ وحول الصدغين . بعضهن يحملن مسوح جمالٍ انثوي باهت بدرجة مقبول . اخرياتٍ بدَونَ كالدكتور محمد البجيرمي . يتلفعن ملابس داكنةً وتفوح منهن رائحة عرقٍ انثوي نفّاذة, يجلن في جنح الظلام متأبطات مناشيرٍ سرية تحمل اسماء ومواعيد برامج تلفزيون الريادة ليرمينها على عجلٍ من فوق اسطح بيوت المشاهدين الغافلين . نشرات إخبارية يجري تغيير مواعيدها وفق نظامٍ عشوائي لدواعٍ أمنية . يرتدي المذيع قناعا يشبه أقنعة جماعة الألوية الحمراء ويحمل على صدره كلاشنكوفا مربوطاً بحمالة تتدلى من فوق كتفيه لتلتفّ على ظهره . " كانت هذه نشرة أخبار الظهيرة تلاها عليكم ابو الجماجم " الأسم الحركي للمذيع " من مكانٍ ما في " الجبل " ويتوعدكم بنشرةٍ أخرى من حيث لا تعلمون .
تنتهي النشرة فيتلوها فاصلٌ إعلانيّ يفتتحه الممثل محمد رضا في إطار حملة الدولة لمكافحة وباء البلهارسيا بجملته الشهيرة " طول ما احنا مدّيين ضهرنا للترعة , عمر البلهارسيا في جِتّتنا ما تِرعى ". _ هل خطر ببال الدولة المصرية بناء برك سباحة " صحيّة " , ولو بدائية , للإطفال في إطار هذه الحملة ؟_
ينتهي الفاصل , لتطلّ المذيعة الإستشهادية حنان يوسف حاسرة الوجه , وقد علت وجهها تعابيرٌ صارمة اين منها صرامة ابو عبير كلما ظهر على الشاشة معلناً إستهداف مغتصبة سديروت بصواريخ زلزال واحد ورعد اثنين المعدّل ماركة ابو ريحة ! , لتبدأ بتقديم حلقة خاصة من برنامج " الجسر " بمناسبة صدور حكم التأبيدة , والحلقة بعنوان : " صفقة البلوبيف الفاسدة في السينما المصرية" . ولمناقشة هذا الموضوع معنا في الإستديو الدكتور ف. س الإخصائي في صناعة البلوبيف الفاسد . ومن لندن معنا الدكتور علي عيسى الخبير الإستراتيجي في صراع الحضارات , وننوّه للسادة المشاهدين ان الدكتور ف.س سيحدثنا من خلف ستارة مظلّلة وسيقوم مهندسي الصوت بالتلاعب بصوته لإخفاء نبرته , وذلك لدواعي امنيّة .
تبدأ الحلقة وتأخذ المذيعة الإتصال الأول من المشاهدين : ألو . معاكي سميرة من القاهرة . ممكن اطلب اغنية : حطّ النقط على الحروف قبل ما نطلع سوا عالروف ؟ تلفت المذيعة نظرها إلى أن برنامج ما يطلبه الجمهور قد انتهى منذ فترة وهي الأن في برنامج الجسر السياسي . آه اسفة ! اصلي بقالي ساعة مستنيّة على التلفون .
ونأخذ الأن الإتصال الثاني , مين معايا ؟ ايوه , معاكي مواطن مصري , بيحب حسني مبارك , و بيكره اسرائيل . ايوه , بتحب تعلق معانا على موضوع صفقة البلوبيف الفاسدة ؟ لا , انا عاوز اعلّق على مسلسل الأخ محمد رضا , بتاع البلهارسيا . ايوه , رغم ان موضوعنا الليلة عن البلوبيف , إنما علشان خاطرك وخاطر المشاهدين , إحنا حنتلقى تعليقك . شكراً يا فندم , انا بس عاوز اقول للسادة المشاهدين واهمس في ودن الريّس : طول ما احنا دايريين للنووي جِتّتنا , عمر الإشعاع ما هيجيب آخرتنا !
|