{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
إسلام، فاشيّة وخلطٌ رخيص "للحابل بالنابل"
ابن سوريا غير متصل
يا حيف .. أخ ويا حيف
*****

المشاركات: 8,151
الانضمام: Dec 2001
مشاركة: #1
إسلام، فاشيّة وخلطٌ رخيص "للحابل بالنابل"
هذا مقال رائع وعميق في فترة موجات السطحية والتسطيح السائدة هذه الأيام.
مقال خاص بدورية اللوموند الديبلوماتيك لهذا الشهر.
أترككم مع قراءة ممتعة.
(f)


إسلام، فاشيّة وخلطٌ رخيص \"للحابل بالنابل\"

ستيفان دوران

إطار أيديولوجي "للحرب العالمية الثالثة"

في حين تغرق الولايات المتحدة في وحول العراق وينغمس هذا البلد في حربٍ أهليّة، تستمرّ إدارة بوش بتبرير تدخلها في الشرق الأوسط بحجة مناهضة "الفاشيّة الإسلاميّة". ويسمح هذا الإطار الأيديولوجي بتصنيفٍ في خانةٍ واحدة لحركاتٍ شديدة الاختلاف: من القاعدة إلى حزب الله إلى الإخوان المسلمين.


"إنّهم يتصرّفون وفق مفاهيمٍ فظّة، فظّة كالأسنان المجوّفة. القانون، السلطة، السيّد، العالم، التمرّد، الإيمان. ويتوصّلون هكذا إلى مزيجٍ مضحكٍ وإلى ثنائيّات مختصَرة: القانون والمتمرِّد، السلطة والملاك". وهم بذلك "يحطّمون العمل" الذي يقضي بـ"تشكيل" مفاهيمٍ دقيقة التمفصل أو متمايزة للتخلّص من المفاهيم الثنائيّة الفارغة". هذا ما قاله جيل دولوز عام 1977، للتنديد بما يُسمّيه بـ"التفكير المعدوم" لهؤلاء "الفلاسفة الجدد" الذين "يقتاتون من الجثث" بحسب قوله [1].

فما من مدعاةٍ إذاً للعجب في أنّ هؤلاء "المفكّرين المعدومين"، الذين لم يعودوا "جدَداً" في شيء ولم يصبحوا أبداً "فلاسفة"، قد أصبحوا بعد ثلاثين عاماً روّاداً في نشر مبدأ "الفاشيّة الإسلاميّة" الفارغ، في فرنسا، على قاعدة "الخلط الفظّ"، الذي يتعارض، وفق "ثنائيّة مختزلة"، مع "الحضارة اليهوديّة المسيحيّة".

بإمكاننا الاكتفاء بالتهكّم لو لم يتمّ استخدام مفهوم "الفاشيّة الإسلاميّة" هذا علناً من قبل الرئيس جورج والكر بوش، في مؤتمر صحافيّ في 7 آب/أغسطس 2006، ثمّ في خطاباتٍ رسميّة أميركيّة أخرى، تمّ فيها جمع حركات مختلفة جداً، الواحدة عن الأخرى (القاعدة، الإخوان المسلمون، حماس وحزب الله)، واعتبارها خليفة النازيّة والشيوعيّة. إنّ إعادة توصيف "الحرب على الإرهاب" بـ"حربٍ على الفاشيّة الإسلاميّة"، وبالتالي إدراج الحركات الأصوليّة المُسلمة ضمن سلالة الأنظمة التي كانت تدعى في القرن العشرين، دون تمييز، شموليّة وديكتاتوريّة، ليست مبادرة ساذجة. فهي تهدف إلى إعادة تشريع السياسات الداعية إلى الحرب، بالارتكاز مجدّداً على الخلط وعل اللعب القديمة التي لا تزال فعّالة في سياق "سياسة الخوف".

الصحافيّ ستيفن شوارتز [2]، التروتسكي السابق الذي ارتدّ إلى حركة المحافظين الجدد، يدّعي بشدّة أبوّته لتعبير "الإسلام الفاشيّ" الجديد، وذلك من خلال جريدة ويليام كريستول الأسبوعيّة The Weekly Standard، وقد كتب شوارتز، تحت اسمه المستعار سليمان أحمد الكوسوفي، مقالةً نقدية يكشف ضمنها عن "لوبي وهّابي" يخطّط للتآمر داخل الجامعات الأميركيّة. وهو الذي يكتب دوريّاً في موقع الانترنيت المثير للشبهات Front Page magazine بإدارة دافيد هوروفيتز، والمُعجَب بالكتابات العنصريّة لأوريانا فالاّتشي.

لكنّ بما أنّ شوارتز لم يستخدم هذا التعبير للمرّة الأولى إلاّ في العام 2001، فليس هو إذاً من اخترع هذا التعبير، إنّما المؤرّخ ماليز روثفين في العام 1990، في جريدة The Independent البريطانيّة [3]. وقام كريستوفر هيتشنز بترويج هذا التعبير في الولايات المتحدة. وهو صحافيٌّ لامع، كان يساريّاً متطرّفاً، ثمّ التحق بحرب الرئيس بوش ضدّ العراق. لكنّ الفضل في وصول هذا التعبير إلى أحد خطابات الرئيس الرسميّة عائدٌ على الأرجح إلى المُستشرق برنارد لويس [4]، مستشار البيت الأبيض الذي ينمّي عدائيّةً تجاه الإسلام لا حدود لها. وفي الواقع، يعتبر شوارتز نفسه أحد تلامذة برنارد لويس.


حركات فوق الدول القوميّة

وإذا ما ارتكزنا إلى التعريفات النظريّة التقليديّة التي وضعها أبرز خبراء الفاشيّة، سواء كانت تلك العائدة إلى حنّة أردنت أو رينزو دي فيليس أو ستانلي باين أو روبرت باكستن، نجد أنّ أيّاً من الحركات الإسلامية التي جمعها الرئيس جورج بوش تحت عبارة "الفاشيّة الإسلامية"، لا تنطبق عليها تلك المعايير. وليس المقصود هنا أنّ الدّين لا ينمزج مع الفاشيّة. فإن كان باين يعتبر أنّ الفاشيّة بحاجة إلى حيّز علمانيّ لكي تنتشر [5]، فباكستون وغيره يجيبونه أنّ ذلك صحيحٌ فقط في الحالة الأوروبية. إذ من الممكن جداً قيام فاشيّة مُسلمة أو مسيحيّة أو هندوسيّة أو يهوديّة. فما من دينٍ مُغلَق بوجهها.

لكنّ الحركات التي أشارت إليها إدارة بوش لا تدخل قطعاً في تلك الفئة. ويجب فهم الحركات الإسلامية كظاهرةٍ حديثة جديدة ومختلفة. صحيحٌ أنّه يمكن العثور على بعض عناصر الفاشيّة التقليديّة داخل الحركات الأصوليّة المُسلِمة: الطابع شبه العسكريّ، الشعور بالإهانة والتبعيّة العمياء للقائد الذي يتمتّع بالكاريزما (لكنْ ضمن مقياسٍ نسبيّ جداً وغير قابلٍ للمقارنة مع ظاهرة تعبّد الفوهرر أو الدوتشه). لكنّ كافّة الأبعاد الأخرى (القوميّة التوسعيّة، "الاندماج التضامني" corporatisme، البيروقراطيّة، الاهتمام المفرط باللياقة البدنيّة،...) الأساسيّة بشكل قطعيّ للفاشيّة، غائبةٌ بالكامل.

إنّ الحركات الإسلامويّة خارجة عن نطاق الدول القوميّة، وهي بالتالي بعيدة جداً عن "القوميّة الكاملة" التي ميّزت الأنظمة الفاشيّة الأوروبية في الثلاثينات. فالفاشيّة كانت بطبيعتها إمبرياليّة وتوسّعية. ولو أنّ بعض خلايا القاعدة تعمل في دولٍ عديدة وأنّ بعض الحركات الإسلامويّة تحلم باستعادة الأندلس أو صقلية وبإقامة الخلافة من جديد، ولكنّ تبقى ماهيّة تنظيمات كحماس وحزب الله، مهما انتقدنا توجّهاتهما الدينيّة أو بعض عملياتهما العسكريّة (مثل عملياتهما ضد المدنيين)، أنّها حركات تقاوم احتلالاً.

أمّا نظام طالبان فإنّه يماثل أكثر، بحكم استبداديته الدينيّة، أنظمة التيوقراطية الظلامية في القرون الوسطى من الأنظمة الفاشيّة التي ظهرت في البلاد الصناعية بعد الحرب العالمية الأولى.

كما أنّ بُعْدَ "الاندماج التضامني" - أي العلاقة الشبه انصهاريّة بين الدولة والشركات ونقابات المهن - المُلازم لصلب الفاشيّة، غير موجود أصلاً في الظروف الإسلاميّة (ولا يمكن بأيّ شكل مقارنته مع العلاقة الموجودة في إيران بين تجّار البازار (السوق) وبين النظام هناك). إضافةً إلى ذلك، لا يمكننا الحديث أن الحركات الإسلاميّة مدعومة عموماً من قبل مجموعات صناعية-عسكرية في بلدٍ ما، حتّى ولو أوحَى إلينا العكس، في إيران أيضاً، الترابط بين الدولة الدينيّة وبين الصناعة العسكريّة القويّة الشأن. إذ أنّ هذا الترابط موجود أيضاً في دولٍ لا يمكننا وصفها "بالفاشيّة"، كالولايات المتحدة وفرنسا واليابان.

إنّ وجود "دولة مجيّشة"، يشكّل شرطاً ضرورياً لممارسة سلطة ذات طابع فاشيّ. في حين أنّ المجموعات الإسلاميّة المُستهدَفة هي في غالب الأحيان تنظيمات غير حكوميّة، بعيدة عن السلطة في بلادها، أو عرضة للاضطهاد من قبلها. من ناحية أخرى، ومع كلّ ما في ذلك من مفارقة في الظاهر نسبةً لحركات تنتظم إيديولوجياً حول الدين، فإنّ الأبعاد الأيديولوجيّة تبدو في غالب الأحيان ثانويّة لدى التنظيمات الإسلامية، في حين شدّد ريمون أرون على "الحيّز الجنونيّ" للأيديولوجية في أيّ منظومة شموليّة، إذ أنّها ترتكز بحسب قوله على "أولويّة الأيديولوجيا [6]".

الحركات الإسلاميّة تستخدم الدين كوسيلة وكإيديولوجيا، ولكنّها لا تذهب إلى الرغبة في خلق "إنسانٍ جديد" كما كان الحال في أوروبا. فالأمر أكثر منه تقاليد بالية دينية أو اجتماعية من إيديولوجيا شاملة ومتناسقة. أضف إلى ذلك أن النجاح الشعبي لبعض هذه الحركات ينتج عن عوامل ليست إيديولوجيّة. مثال ذلك أنّ التصويت لحماس لا يدلّ على إجماع الشعب الفلسطيني على الإيديولوجيا الدينية لهذه الحركة، بل ينتج عن تصويت احتجاجي عقابي ضد فساد حركة فتح. كما أنّ كثيرين في لبنان يدعمون حزب الله دون تبنّي خطابه الإسلامي. والمثقفون الذين يدعمون هذه الحركات يفعلون ذلك بالرغم من إيديولوجياتها لا لأنّهم إسلاميّون. أمّا الفاشيّة والنازية، فإنّها قد جذبَت وقتها آلاف المثقّفين، كإيديولوجيا، من بينهم الأكثر بروزاً في جيلهم.

ولا يمكن لتنظيم القاعدة أنّ يدّعي أنّ له دعماً من هذا القبيل، إلاّ في حالاتٍ نادرة، وخطابه، المختزل بشكلٍ كبير، يذكّر بعقائد الظواهر الطائفيّة الصغيرة القديمة أكثر من عقيدة الأنظمة الفاشيّة الأوروبية.

فقد كانت الفاشيّة والنازية حركتيْن شعبيّتين جماعيّتيْن، مرتكزتيْن على تسييس الجماهير والحصول على تأييدها، في حين أنّ الحركات الإسلاميّة، وبالرغم من كلّ العناصر المؤاتية مثل الأزمة الاقتصادية والإهانة الجماعية، تصطدم في أغلب البلاد المسلمة بمجتمعات مدنية غيورة على حرياتها، وهي إذاً لا تحظى بتأييدٍ شعبي ولا تتوصّل سوى إلى جذب شريحةٍ محدودةٍ جداً من المُسلمين. وهكذا فإن أعداد من يدعمون الحركات الأصولية الإسلامية في شمال إفريقيا لا تتخطّى أعداد من يساندون في أوروبا تنظيمات اليمين المتطرّف. وهناك في كلّ الدول المسلمة، مجتمعات مدنيّة ذات حيويّة عظيمة، لا تمارس الطقوس الدينيّة بشكلٍ ملتزم، مناهضة للأنظمة الشمولية، ترزح تحت ديكتاتوريات أغلبها تابعةٌ للولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، وكما كتبه روبرت باكستن: "فإنّ ما يمنعنا، بشكلٍ أساسيّ، من الاستسلام إلى نزعة وصم الحركات الإسلامية الأصوليّة بصفة الفاشيّّة، ومن بيتها تنظيم القاعدة وحركة طالبان، هو كونها لم تنتج عن ردّة فعلٍ ضدّ أنظمة ديمقراطيّة معطّلة. إذ أن ّ وحدتها عضويّة أكثر منها ميكانيكيّة، استعادةً للتمييز الشهير العائد إلى إميل دوركهايم [7]. والأكثر من ذلك، لأنّ هذه الحركات لا تستطيع "نبذ مؤسّسات الحريّة"، كونها لم تحظَ أبداً بهكذا مؤسّسات [8]". ويمكننا ذكر عناصر عديدة أخرى تسمح بدحض هذه المقارنة مع الفاشيّة: فليس هناك احتكار للإعلام (إذ حتى في إيران وفي العربية السعودية، ومع كل الرقابة الصارمة للسلطات الدينية، يوجد هناك ثغرات تسمج بدخول نسيم بعض الحرية)، وليس هناك داروينيّة اجتماعيّة، وليس هناك اقتصاد كلّه موجَّه ولا تخطيط تجييشي لكلّ الصناعة، وليس هناك حتّى احتكارٌ للسلاح...

لا شكّ أن وضع جمهوريّة إيران الإسلامية أكثر جدلاً. فبإمكان السيّد محمود أحمدي نجاد الاعتماد على "دولة مجيّشة"، وهو يتحكّم بشكلٍ وثيق بوسائل الإعلام عبر وزارة للثقافة والتوجّه الإسلامي، وهو يجنّد اقتصاده - الخاضع للتخطيط- ومجموعاته الصناعيّة العسكريّة الضخمة. ولكن هل يمكننا حتّى في هذه الحالة الحديث عن فاشيّة إسلاميّة؟ ليس فعلاً، لأنّ السلطات المضادة ما زالت عديدة والمجتمع المدني متيقّظ. ويجب على الرئيس الإيراني أن يجد صيغة توافقية مع المجلس التشريعي، وقد استلزمه الأمر عدّة أشهر كي يحصل على تثبيت تسمية بعض الوزراء. فضلاً عن ذلك، رجل الدولة الإيرانيّة الأول، "المُرشد الأعلى"، آية الله علي خامنئي، قد أخضع قرارات حكومة السيّد أحمدي نجاد إلى رقابة "مجلس تشخيص مصلحة النظام"، الذي يرأسه السيّد هاشمي رفسنجاني، وهو نفسه المُرشّح الذي هزمه السيّد أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسيّة.

كما أنّ السيّد أحمدي نجاد مُلزمٌ أيضاً أن يناور مع "الإصلاحي" محمّد خاتمي، الذي لا يزال يُحافظ على شعبيّة لا يُستهان بها. وهكذا يذهب كاتب الافتتاحيات تزفي باريل في صحيفة هآرتز إلى أنّ مُهاترات الرئيس الإيرانيّ، المُعادية لإسرائيل، "تجد في الواقع تفسيراً لها في النزاعات الأيديولوجية وفي موازين القوى داخل الجمهوريّة الإسلاميّة [9]". أخيراً، يجد السيّد أحمدي نجاد "الشعبويّ" صعوبةً كبيرةً في جذب النّخب، وجزءٌ كبيرٌ من المجتمع المدنيّ الإيرانيّ مُصمّمٌ على مواجهة هيمنة المُحافظين المتطرّفين.

وهكذا فإن كان تعبير "الفاشيّة الإسلاميّة" فعلاً لا معنى له، فإنّ لا يعني بأنّ ليس هناك تأثيرات فاشيّة ضمن الإطار الإسلاميّ. فالعالمان العربيّ والإسلامي يُحصيا عدداً كبيراً من الديكتاتوريّات ومن الأنظمة المُتسلّطة التي يمكن اعتبارها قريبة من الفاشيّة. وغالبيّة تلك الأنظمة حليفة وفيّة للولايات المتحدة في "حربها على الإرهاب". فمن الغريب مثلاً ألاّ تتعرّض الانتقادات الأميركيّة للديكتاتوريّات الأذربيجانيّة والأوزبكيّة والكازاخستانيّة والتركمانستانيّة، مع العلم أنّ الطابع نصف الفاشيّ لتلك الأنظمة، واضحٌ ناصعٌ للعيان. كما أنّ للسلطة الملكيّة السعوديّة هالة القداسة في واشنطن، رغم أصوليتها الدينية، ورغم دعمها لبعض الحركات الإسلامية الجهادية . ودعم السياسة الأميركيّة الخارجيّة قد أصبح عُذراً عن كافّة الانحرافات الإستبداديّة وشبه الفاشيّة. وهكذا لم تُثِر دعوة العقيد معمّر القذّافي، بمناسبة الاحتفال بالذكرى السابعة الثلاثين لوصوله الى السلطة، إلى قتل معارضيه، أيّة أصداءً كثيرة في الغرب [10].

ولكن هل كان تعبير "فاشيّ" مُبرَّراً في ما يتعلّق بديكتاتوريّة الرئيس صدام حسين وبعثيّيه ومخابراته؟ على الأغلب نعم. فقد كان نظامه نظاماً قوميّاً متطرّفاً، يرتكز على التعبّد المُفرَط للقائد، لا يميّز بين الحيّز العام والخاص، إضافة إلى كونه توسّعياً. وكان إدوارد سعيد قد حذّر حكّام الخليج العربي، خلال محاضرة ألقاها في الكويت في العام 1987، قائلاً: "من خلال استمراركم بدعم صدّام حسين ماليّاً، إنّكم تتواطئون مع هذه الفاشيّة العربيّة التي ستقعون ضحيّتها في نهاية المطاف". لكنّ القادة الكويتيّين لن يفهموا ذلك إلاّ في 2 آب/أغسطس 1990، بعد تعرّض بلدهم للاجتياح.


حلفاء واشنطن السابقون

يُطالعنا الرياء، بصورةٍ أوضح، إذا ما فكّرنا بأنّ الذين يُطلق عليهم اليوم اسم "الإسلاميّين الفاشيّين"، خصوصاً المُحاربين الأفغان، كانت واشنطن قد وصفتْهم، خلال حربهم ضدّ السوفيات، بأنّهم "النظراء الأخلاقيّون" للآباء المؤسّسين للولايات المتحدة [11]. وكذلك حظيَ الأخوان المسلمون أيضاً بمساعدات وفيرة من قبل أجهزة المخابرات البريطانيّة والأميركيّة. كما سهّلت الحكومة الإسرائيليّة وجود الإخوان المسلمين في فلسطين، (قبل ولادة "حماس")، بهدف عرقلة سلطة "فتح" ومنظّمة التحرير الفلسطينيّة.

بإمكاننا ومن واجبنا، توجيه الانتقاد الحازم إلى بعض الحركات الظلامية والمتعصّبة في العالم الإسلامي، التي تلجأ إلى الإرهاب، لكنْ دون اللّجوء إلى تعابير تحريضيّة وبالية "كالنازيّة الإسلاميّة" و"الإسلاميّة الفاشيّة"، التي تدمغ شعوباً بأكملها من خلال إرساء علاقة مباشرة بين دينها وبين الأحزاب المتطرّفة التي استخدمت هذا الدين لتحقيق أهداف سياسيّة. ولا يعني أبداً رفض المفاهيم التدليسيّة كـ"الإسلامية الفاشيّة" أنّه يجب الامتناع عن انتقاد جرائم بعض الإسلاميّين ونظرتهم للعالم. فهنالك الكثير من المثقّفين العرب الذين لم يمتنعوا عن ذلك. والمثقّف الباكستانيّ اللاّمع، إقبال أحمد، قد برهن عن شجاعة استثنائيّة من خلال دفاعه عن سلمان رشدي أمام جموعٍ باكستانيّة غاضبة، حين هددته فتوى إيرانية بالقتل؟

كافة هذه الاعتبارات، حول التعريف الصحيح للفاشيّة، ليست ذات أهمية بالنسبة للجاكسونيّين [12] وللمُحافظين الجدد الذين يسيطرون على سياسة الولايات المتحدة الخارجية، والذين يستخدمون تعبير "الفاشيّة الإسلامية" لمنفعتهم على صعيد التعبئة النفسيّة وكونه يساعد على زرع الخوف في النفوس. إذ هنا يكمن الخطر الأساسيّ. فمن خلال التأكيد على الفكرة القائلة بأنّ الغرب يحارب نوعاً جديداً من الفاشيّة وديكتاتوريّين شبيهين بهتلر، يتمّ تحضير الرأي العام لتقبّل فكرة أنّ الحرب يمكنها وعليها أن تكون "وقائيّة"؛ وأنّ الردّ على "الخطر الفاشيّ" يجب أن يكون كثيفاً؛ وأنّه بالتالي مُبرَّرٌ مهما كان عدد الأرواح التي تسقط من نتيجته. فقد سمعنا المحافظين الجدد يردّون على الانتقادات التي تناولت إسقاط طائرات الـF 16 الاسرائيلية مئات القنابل العنقودية على الأحياء المدنيّة اللبنانية ذات الكثافة السكّانية العالية بالقول: "مثلها، لقد قصف الحلفاء مدينة دريسدن".

ليس هذا الإصرار على وصم الخصم بالنازيّة بالأمر الجديد. فوسائل الإعلام تكتشف مرحليّاً "رايخاً رابعاً" و"فوهرراً جديداً". وقد تمّت تباعاً مقارنة كلٍّ من جمال عبد الناصر وياسر عرفات والسيّد صدام حسين وسلوبودان ميلوزيفيتش، واليوم محمود أحمدي نجاد، بهتلر. كما أُطلق على ناصر لقب "هتلر النيل"، كان مناحيم بيغين يسمّي عرفات بـ"الهتلر العربيّ".

واليوم، يقدّم الرئيس الإيراني وخطاباته الهجائيّة التحرفية، أرضاً خصبة للتلاعبات من قبل وسائل الإعلام. هكذا، أطلق المحافظ الجديد الإيراني أمير طاهري، المعاون السابق للشاه، "خبراً" مفاده أنّ إيران تستعدّ لجعل اليهود الإيرانيّين يضعون على صدورهم نجمةً صفراء. وقد تصدّر هذا الخبر، بالرغم من كونه مغلوطاً، جريدة The National Post الكنديّة التي أسّسها كونراد بلاك، بعنوانٍ عريض كان: "الرّايخ الرابع". لكن لم يغيّر إنكار اليهود الإيرانيّين نفسهم والصحافة بأكملها لهذا الخبر شيئاً في المسألة. فقد نجحت هذه "الضربة الإعلاميّة" وبات مئات الآلاف من الكنديّين والأميركيّين على اقتناعٍ بأنّ اليهود الإيرانيّين يضعون نجمةً صفراء. الأمر الذي سيكون بالتأكيد ذا منفعة كبيرة، في حال قرّرت أميركا خوض حربٍ وقائيّة جديدة ضدّ إيران...

القاسم المشترك بين مُستخدمي تعبير "الإسلام الفاشيّ" هو رغبتهم في القتال ومتابعة الأعمال العسكرية الوقائيّة التي يتم القيام بها باسم "الحرب العالميّة على الإرهاب". وعلى مرّ السنين، روّج المؤرّخ البريطاني برنارد لويس شعبياً المفهوم الذي يقضي بأنّ العرب و"الشرقيّين" لا يستوعبون سوى القوّة. وهو مفهومٌ شاركه فيه أيضاً الجنرالان الفرنسيّان جاك ماسو ومارسيل بيجار، ووضعاه قيد التطبيق في الجزائر، ونعلم مدى النجاح الذي ترتّب عن ذلك. وكان من الأفضل للويس أن يستوحي من كلام حنّة أردنت التي كتبتْ: "بالرّغم من كافّة الآمال المعاكسة، يبدو أنّ هنالك حجّةً واحدة لا يقدر العرب بالضبط على فهمها: ألا وهي القوة [13]".

يسمح جمع عشرات الحركات المتشعّبة جداً، المتحاربة في ما بينها أغلب الأحيان، والتي تلاحق أهدافاً مختلفة جداً، تحت رايةٍ واحدة هي راية "الإسلاميّين الفاشيّين"، بتجذير الخرافة حول تآمر إسلاميّ عالميّ، وبالتالي حجب المسائل الجغرافية السياسيّة والمحض دنيويّة، والتوقّف عن ذكر الأسباب التي أدّت إلى نشوء غالبيّة تلك الحركات، خصوصاً الاحتلالات العسكريّة والصراعات الإقليميّة، والحاجة إلى قرارات عادلة حولها تسمح بتجفيف التربة التي ينمو فيها الإرهاب المعاصر.

فمن السهل تقليد المواقف "التشرتشيليّة" كالسعادين وكذلك اتّهام كل من يعارض هذه الحروب العبثية والغير منتجة، بأنّه من أنصار معاهدة "ميونخ" مع النازية. وبدل اعتبارهم أشخاصاً ثاقبي الرؤية، يتمّ وصفهم بـ"الحمقى النافعين"، بمثابة تجسيدات عصريّة لـ "ادوار دالاديه ونيفيل شامبرلاين" وهما يوقّعان في العام 1938 هذه الاتفاقية مع هتلر. ولكن كما قال بول فاليري: "ما من شيءٍ أسوأ من دروس التاريخ المزعومة، عندما يتمّ فهمها وتفسيرها بشكل خاطئ".





* باحث





[1] نصّ منشور في الأساس كمُلحق للعدد 24 من مجلة Minuit التي تصدر كلّ شهرين، باريس، أيار/مايو 1977.

[2] مراجعة مقاله الصادر في 17 آب/أغسطس 2006 بعنوان: "ما هو الإسلام الفاشي؟"

[3] في 8 أيلول/سبتمبر 1990: "الاستبداد الحكومي، بل الإسلام الفاشي، هو القاعدة لا الشذوذ من المغرب حتّى باكستان".

[4] إقرأ: آلان غريش، برنارد لويس و"جينة الاسلام"، لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية، آب/أغسطس 2005، http://www.mondiploar.com/article235.html

[5] لأنه بنظره "الفاشية الدينية تحدّ بلا مفرّ من صلاحيات قائدها، ليس فقط بسبب السلطة المضادة الثقافية التي يتمتع بها رجل الدين، إنما أيضاً من جرّاء التعاليم والقيم التي ينشرها الدين التقليدي".

[6] (6) Raymond Aron, Démocratie et totalitarisme, Gallimard, Paris, 1965

[7] بشكل مبسّط، إن نظرية دوركهايم تخلق تعارضاً بين "التضامن العضوي" الذي يتميّز بالمفاضلة وبالوعي الجماعي الضعيف، وبين "التضامن الآلي" الذي يتميّز بالتشابه وبالوعي الجماعي القوي.

[8] Robert O. Paxtion, Le fascisme en action, Seuil, Paris, 2004, p 345.

[9] أعادت مجلة Courrier International نشر هذا المقال في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2005، تحت عنوان “Cause toujours Ahmadinejad”، "قل ما تشاء يا أحمدي نجاد".

[10] برقية من وكالة رويترز في 31 آب/أغسطس 2006. في أيام أخرى، كان هذا الخبر ليتصدّر أهمّ الصحف الأميركية.

[11] للاطلاع على رؤية شاملة لتلك العلاقات الخطيرة، خصوصاً في جنوب شرق آسيا، مراجعة كتاب البروفيسور في جامعة كولومبيا محمود مامداني بعنوان , Good Muslim, Bad Muslim, America, the Cold War and the roots of terror (Three Leaves Publishing, New York, 2004)

[12] يُطلق والتر راسل ميد لقب الجاكسونيين، تيمّناً بالرئيس أندرو جاكسن (بين العامين 1829 و1837)، على القوميين المتطرّفين الذين لا يتردّدون عن التدخّل في الخارج، لكنهم خلافاً للمحافظين الجدد، لا يبحثون عن الالتزام في "بناء الوطن". ويمكن إطلاق هذه الصفة على كل ديك تشيني ودونالد رامسفلد.

[13] Hannah Arendt, “ Peace or Armistice in the Near East” ”, in Review of Politics, Notre Dame, Indiana, janvier 1950



للمزيد من المراجع Larence WRIGHT: The Looming Tower. Al-Qaeda and the Road to 9/11. Allen Lane - Penguin Books, London, 2006, 469 pages, 20 pounds. تحقيق حول المسيرة الطويلة لتنظيم القاعدة نحو 11 أيلول/سبتمبر قام به صحافي في New Yorker، بانياً على لقاءات غير منشورة ومثيرة مع أناس قريبين من النواة الرئيسة لقيادة التنظيم. ويظهر المؤلف التكامل بين القائد ذو الكاريسما، السيد أسامة بن لادن وبين المنظّم السيد أيمن الظواهري.

Jean-Pierre FILIU : Les Frontieres du Jihad, Fayard, Paris, 2006, 358 pages, 20 euros. الجهاد وأوجهه المختلفة، من الرحم الأفغاني وحتى ساحات بوسنيا والشيشان وكشمير، مع إضاءة خاصة وغير مسبقة حول العراق والحرب هناك بين "الأنواع الثلاثة من الجهاد".

Ali LAIDFI : Retour de Flamme. Comment la Mondialisation a accouché du Terrorisme. Calmann-Levy, Paris 2006, 244 pages, 17 euros. كيف يصبح الدين هو الملجأ الوحيد أمام صعود وتثبيت القوة المهيمنة الأمريكية والعولمة دون كوابح.

11-20-2006, 11:20 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
عبـــاد غير متصل
عضو فعّال
***

المشاركات: 156
الانضمام: Feb 2003
مشاركة: #2
إسلام، فاشيّة وخلطٌ رخيص "للحابل بالنابل"
(f) لطارق (f)(f) لستيفان دوران
11-21-2006, 12:00 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
ابن سوريا غير متصل
يا حيف .. أخ ويا حيف
*****

المشاركات: 8,151
الانضمام: Dec 2001
مشاركة: #3
إسلام، فاشيّة وخلطٌ رخيص "للحابل بالنابل"
تسلم عزيزي "عبــاد"

(f)
11-22-2006, 02:08 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
نبيل حاجي نائف غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 620
الانضمام: Mar 2006
مشاركة: #4
إسلام، فاشيّة وخلطٌ رخيص "للحابل بالنابل"

مقال دسم

شكراً يا طارق

تحياتي
11-22-2006, 08:14 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  ماهي الثورة ؟ اسلام السلفية أم إسلام الحداثة يسرى عبد السلام 0 1,442 04-07-2011, 07:00 PM
آخر رد: يسرى عبد السلام
  "هي دي مصر ياعبلة " طيف 8 3,067 03-06-2011, 09:37 PM
آخر رد: طيف
  ماهو مضمون مفهوم " الحضارة"؟ طريف سردست 15 8,577 06-30-2009, 03:51 AM
آخر رد: tornado
  ومازالت مصر بالمقدمة : أوباما يختار "عالماً مصرياً بارزاً" ضمن مجلسه الاستشاري ابن نجد 63 16,029 05-13-2009, 08:21 PM
آخر رد: السلام الروحي
  اهتمام أمريكي بتعيين "أوباما السعودي" إماماً للحرم المكي ابن نجد 13 4,637 05-05-2009, 05:54 PM
آخر رد: السلام الروحي

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS