أعمدة
43779 ‏السنة 131-العدد 2006 اكتوبر 17 ‏24 من رمضان 1427 هـ الثلاثاء


أوراق خاصة
بقلم: نـبيـل عـمــر

قيم مزدوجة‏!‏

قبل أيام شاء حظي أن أكون في شهر عقاري نموذجي‏,‏ أعمل توكيلا عاما قضائيا‏,‏ كانت الساعة قد قاربت من الواحدة ظهرا‏,‏ المكان يعمه الغضب‏,‏ غضب من الجمهور‏,‏ وغضب من الموظفين‏,‏ التكشيرة تعلو كل الوجوه‏,‏ فسألت رجل أمن ينظم دخول المواطنين إلي شبابيك الخدمة فأجاب ببساطة‏:‏ الدنيا صيام‏!‏

تعجبت في نفسي‏:‏ هل التكشيرة من واجبات الصيام؟‏!‏

دقائق وعلا صوت سيدة تستجير بمدير المكتب‏:‏ أنا هنا من طلعة النهار‏..‏ حرام عليكم من شباك لشباك‏,‏ ومن موظف إلي موظفة‏!‏

رد عليها رجل يبدو كما لو أنه رئيس عمل‏:‏ ليس ذنبنا‏,‏ أجهزة الكمبيوتر مهنجة‏..‏ قديمة من أيام الهكسوس‏,‏ وتنفع خردة‏,‏ ومجبرين نشتغل عليها‏!‏ نادي هذا الرئيس باسم موظفة وقال لها‏:‏ ماشيها واعملي لها التوكيل يدويا‏!‏ ردت موظفة محجبة بصوت عال أشبه بالصراخ‏:‏ أنا لم أصل الظهر بعد‏,‏ ولما أروح سيكون العصر أذن‏!‏

وتلكأت‏...‏

قلت لها‏:‏ قضاء حوائج الناس عبادة لا تقل أهمية بأي حال من الأحوال‏!‏

لم تلتفت‏..‏ ولم تعلق‏.‏

قبل فترة كنت في هيئة الأوقاف أسدد مبلغا‏,‏ وكان علي الصعود إلي الدور السادس‏,‏ الدنيا حر موت‏,‏ ووجدت زحاما كبيرا علي باب الأسانسير‏,‏ عشر دقائق ولم يأت‏,‏ سألت رجل الأمن فقال‏:‏ إنهم يصلون الظهر‏!‏

صعدت السلالم درجة درجة‏,‏ فلم أجد موظفا علي مكتبه‏,‏ أنهيت الإجراءات الإدارية بعد‏40‏ دقيقة من التأخير‏,‏ وسألت رجل الخزانة‏:‏ هل تجوز الصلاة من وقت الناس؟‏!‏

سألني‏:‏ ماذا تقصد؟‏!‏

قلت له‏:‏ الصلاة لها مواقيت ممتدة‏,‏ ويجب أن نؤديها خلال هذه المواقيت وليس بعد الأذان مباشرة‏,‏ إلا لمن تيسر له الأمر‏,‏ وإذا كانت للناس مصالح نقضيها أولا ثم نصلي‏!‏

قال لي بحدة‏:‏ بلاش كفر‏!‏

يقول الدكتور سيد عويس في كتابه المهم الازدواجية في التراث الديني المصري الذي يرصد فيه التناقض بين ما يدعو إليه الدين وسلوك الناس‏..‏ هذه الازدواجية ظاهرة ليست منعزلة عن غيرها من ظواهر المجتمع‏,‏ هي مجرد مثال يعكس بعض ما في الواقع الثقافي المعاصر‏,‏ الذي يبدو فيه التناقض بين ما يقال وما يعمل من سماته الأساسية‏.‏
nomar@ahram.org.eg