بداية أعرفكم بنفسي

ولدت يوم ولدت ثورة البعث
فشهدت كل هزاتها وحزاتها وتذوقت كل لذاتها
فكنت كمعترضة لم تجذبني أغاني طلائعها
ولم تغريني فتوة شبيبتها
ولم تظلني مظلة مظليها
ولم اتحد يوما باتحاد طلبتها
ففي السنة الثانية من مرحلة التعليم الثانوي أصبحت ملاحقا ومطلوبا لأفرع أمنها
و أمضيت سنين جامعتي متواريا بين اختصاصاتها متدهلزا في بعض دهاليزها حتى اجتمعت علي ثلاثة من بطاقات البحث لأقع بيد رابع فروعها الأمنية فاذهب بها عقدا من السنين سجنا , فيتكرم عليً الأب القائد بعفو شملني وبضع آلاف فخرجت إلى الحياة كيوم ولدتني أمي
حافيا عريانا مفلسا لا عمل ولا حقوق مدنية ولا تذكرة هوية ولا جواز سفر
حتى حقي في الترشح والانتخاب ممنوع علي رغم أن الأكارم لم يوفروا حادثة استفتاء أو انتخاب واحدة إلا وقاموا _جزاهم الله خيرا_ بالانتخاب بدلا مني فكانوا يأتون ويقرعون الباب علي باكرا ليطلبوا تذكرة هويتي أو بطاقة انتخابي فكنت أرد عليهم بأن مواطنتي مصادرة ولا أملك حقا بالترشح أو الانتخاب فكانوا_ أعزهم الله_ يقترعون بالنيابة عني
لم يكن سهلا علي أن ادفع بولدي حبيبي إلى منافي الطلائع والشبيبة
كما أن معايشتي الطويلة للخوف والحذر جعلتني متوسوسا من أن يصبح ابني كاتب تقارير لصالح فرع مخابرات رياض الأطفال فآثرت أن أرسله إلى روضة أطفال خاصة لأتحاشى اختراقه أمنيا و أوفر عليه بحة صوته وعقله بأناشيد الثورة والحزب والأب القائد

عاد الصبي من أول أيام دوامه بالصمدية الشريفة فراح يغني بأن الله أحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد

وليكن فالله مشمول بقانون التأميم عندنا وهو شيوع فيه لكل من يضع يده عليه حق

وتوالت السور القصار حتى صار ابني يحفظ من القرآن أكثر مما أحفظ
قصص الجان والملائكة وعذاب الآخرة و وسوسة الخناس وأناشيد التوبة حتى بدأ الطفل يعاني من إرهاق عقلي ونفسي فتحول إلى طفل مرعوب من مخابرات الله الجالسة على كتفيه والتي لا تنفك تبحبش في حنجرته وعقله

عانى الصبي ما عانى وعانينا من خيبة أملنا وخوفنا على طفلنا الذي استهلكت الروضة كل راماته بخرافاتها فما بقي لديه متسع لدروس الموسيقى والكتابة والرياضيات حتى أنهم حفظوه سورة القارعة كاملة ولم يعلموه جمع وطرح الأرقام بما يسمح له معرفة عدد آياتها


انتهت السنة الدراسية فقررنا أنا و أمه أن نبحث له عن روضة أخرى فيها متسع لغير دروس الدين

بداية لم نعثر على ضالتنا فعدنا نبحث عن روضة عقائدية بعثية يغنون فيها للأب القائد ويجمعون ويطرحون فيها الانتصارات المظفرة ويضربون فيها طفولة الطفل بعرض الرجولة فلم نجد

في اللحظة الأخيرة علمنا بوجود واحدة عرفنا أن صاحبتها امرأة مسيحية و أن مدرساتها أقل تلفلفا بالملاءات فقلنا هذا هو طلبنا فذهبنا وقابلنا المديرة المحترمة وأبلغتها أنني آثرت نقله من روضته القديمة إلى روضتها لشدة ما كان يعاني من رعب من عقاب الله ولكثرة ما أودعوا في دماغه من خرافات

هو اليوم في يوم دوامه الثالث فاسمحوا لي أن أقرأ عليكم بعضا من دروس الدين التي قرروها له وفق الكتاب المعتمد في الروضة إضافة _ لجزء عم _ ( للذين لا يعرفون جزوعما : هو جزء منتخب من القرآن يضم بعضا من السور القصيرة )

للكتاب مقدمة تبدأ بالبسملة وتتابع بنشيد مرتجل عنوانه طفلنا المسلم
وهي تقول :
طفلنا المسلم
تاجه الإيمان
وعطره الطهارة
ولباسه التقوى
وخلقه القرآن
جواهره تنير الدروب
الخير والإسلام
يومه حافل بالعطاء
منذ الصباح الباكر وحتى المساء

وفيه مقدمة ثانية بعنوان الروضة تقول :
الروضة لي بيت ثاني
ورفاقي فيها إخواني
ومربيتي أم تعطي علما حبا فيض حنان
في الروضة علم رحلات
في الروضة لعب و أغاني
هذي الروضة ما أحلاها
ساعات فيها كثواني

ليس مهما كل تلك الركاكة اللغوية فيما لو قارناها بشاعرية سليمان العيسى في روضات البعث
المهم فيما سيأتي

الدرس الأول :
عنوانه : صباح الخير
فيه صورة طفل مستيقظ يتمطمط على فراشه وهو يقول :
الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا و إليه النشور

اخرج إبني كتابه الذي تسلمه في ذات اليوم من المدرسة وطلب من أمه أن تقرأ له ما هو مكتوب فوق الصور فقرأت له التعليق ففنجر الطفل عينيه ليسأل أمه :
ماما ليش نحنا لما بنام بموت
ردت الأم بارتباك
لا .. لا .. نحن ننام
وتوجهت إلي بالسؤال
فقلت لها أن رواة الحديث " ألفوا على لسان الرسول الكريم " الكثير من التخاريف العلمية وهذا النص مأخوذ من تلك التخاريف ( على اقل تقدير لا أريد أن أوقع نبينا الذي لا ينطق عن الهوى بحرج علمي أمام زوجتي و ابني )
المهم أن الموضوع قد أشكل على الصبي فقضى ليله يصارع النعاس خوفا من أن ينكص الله بعادته في تلك الليلة فيميته ثم لا يحييه .. ولم تجدي كل وسائل التخفيف والتهوين في دفعه لنوم هنيء


ثم فقرة أدخل المرحاض وفيها صورة طفل يدخل المرحاض برجله اليسرى والتعليق بالأحمر التعريض ( ادخل برجلك اليسرى ) والدعاء يقول : اعوذ بالله من الخبث والخبائث
شرحت الأم لطفلها الفقرة بقولها : المسلم يدخل المرحاض برجله اليسرى
فسأل الطفل عن خطورة أن يدخل برجله اليمنى
فردت الأم بإضافة مفحمة أن النبي كان يدخل المرحاض برجله اليسرى وعلى المسلم تقليده
فاستهزأت من إضافتها مصححا ان البني لم يكن لمرحاضه باب فقد كان " يعملها" بالحاكورة والدخول إلى الحاكورة كان نطا وليس بالدخول بإحدى القدمين

وفي الصورة الثانية .. صورة طفل يخرج من المرحاض برجله اليمنى والتعليق بالأحمر العريض أيضا ( أخرج برجلي اليمنى )
والدعاء هو : الحمد لله الذي عافاني وتحتها كلمة غفرانك
وبعد ان أشكل الموضوع على الولد مرة أخرى شرحت له أن التعافي هنا من إنتفاخ البطن الذي يزول بقضاء الحاجة و إلا يمكن لهذا البطن أن ينفجر من تراكم الحاجات فيه

في درس النظافة من الإيمان
صورتان لطفل ينظف أسنانه وتعليق إحداها هو
أنظف أسناني بالسواك قبل كل صلاة
وتعليق الثانية أنظف أسناني بالفرشاة بعد الطعام
وكالعادة سال الولد عن السواك فرددت عليه بانه كالمقشة الصغيرة كانوا يستعملونها قديما لتكنيس بقايا الطعام من بين أسنانهم
فأكد الصبي معرفته السواك من خلال فليم شاهد فيه مروضا ينظف أسنان تمساح بما يشبه مقشة ( مكنسة ) كتلك التي يستعملها عامل النظافة في تكنيس الشارع فوافقه القول
غير أنه أردف بأنه ليس بحاجة إلى مسواك طالما أنه لا يصلي

ويتابع الكتاب بدعاء الفطور فيقول عند بدء الأكل : بسم الله , الهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار
فعلق الصغير على .. قنا عذاب النار .. بأنه لا يصح أن يقترب كثيرا من البتوغاز عند قلي البيض حذرا من أن تطير عليه ذرات ساخنة من السمن المتطاير
فرددت عليه برابو يا شطور

وهكذا دواليك حتى حملت نفسي وذهبت للقاء السيدة المديرة وسألتها عن الأغاني التي تعلمناها في صغرنا عن الثورة والبعث القائد والأب القائد
سألتها عن "السقفة " الطلائعية وعن قسمنا اليومي ببناء الوطن العربي الواحد واستعدادنا لتحرير الأرض
فكانت الإجابة أن وزارة التربية لم تعد معنية بمراقبة منهاج رياض الأطفال

فكبر سؤاال بخاطري
لمن تغني الطفولة ....؟؟؟

عزيزي احمد تشرفنا بمعرفتك


موضوع رائع ومهم جدا منذ فتره لم يسشدني موضوع في النادي كهذا الموضوع الخطير

لقد تطرقت لاهم مرحله في حياه اطفالنا وهي بدايه اختلاطهم بالعالم الخارجي وتكوين نظره خاصه



من وجهة نظري يجب ان يكون التعليم حيادي تماما ولا يدفع الطفل باتجاه معتقد او فكره معينه يجب طرح كل المعتقدات والفكر مع توضيح كل ما يختص بالفكره من ايجابيات وسلبيات ومن ثم عند نضوج هذا الطفل وبلوغه مرحله الشباب يمكن له ان يختار ما يناسب فكره وطبيعته



لا شك ان للظروف المحيطه بنا تاثير قوي على بناء شخصياتنا ولكن هل من حقنا ان نزرع في الطفل كل هذه المخاوف؟ وكل هذه التخاريف؟


ما فائده دخول الحمام بالرجل اليسرى؟ والخروج باليمنى؟


اذكر ان صديقه لي بدأ ابنها البالغ من العمر بالذهاب الى المسجد القريب مع اصدقائه ليلعب كره القدم وبعدها بفتره بدأ يحضر معهم دروس الدين ولم يكد يمضي اسبوع حتى عاد لامه وقال لها انه لن يكلمها هي او اي من اخواته لانهن كافرات يخرجن سافرات كاشفات شعرهن


جن جنون صديقتي ولكن ما الحل؟ لم يكن امامها سوا الحديث معه لساعات وساعات تحاول اعاده ابنها الى ما كان عليه

نحتاج لتغيير جذري في حياتنا وفي حساه اطفالنا


احمد :redrose:


لابنك:asmurf:

للزميل تيامت
:97:

:redrose: و بعد

يا لعمق هذه البساطة يا ذا الوطن البسيط ...

بعد نفخة تأفف من هالحال المأزوم قفز الى ذاكرتي المشهد الاخير لفيلم ايطالي قديم لا أذكر منه الا القليل عن رجل دفش و غليظ نوعا تلقي به الظروف في جزيرة هو و سيدة ارستقراطية مناخيرها في السما لكنهما يتعلقان ببعضهما في تلك العزلة عن المجتمع و قيمه .. لاحقا تراهما طائرة هليوكبتر فتقلهما .. و عندما يقتربان من الهبوط في ساحة البلدة تحسن الارستقراطية خداعه فينزل لتأمر الكابتن بالابتعاد بعد ان كانت قد وعدته ان تبقى معه لاخر العمر .. فيبدأ بكل حنق يكيل الشتائم لها .. و يلتفت فاذا زوجته المتخلفة الثرثارة تهرطق و تخانق و ترتعد بدل ان تهرع لتطمئن عليه أو ما شاكل .. هو بكل الغيظ من "اللي فوق " في الهليوكبتر و بكل القرف من "اللي عالارض" يرمي شتيمته بكل الاتجاهات:
شرموطة فوق .. و شرموطة تحت ! :mad2:

و هذا حالنا اليوم !!

عذرا على البذاءة .. و لكن على رأي مظفر:

"لست بذيئا لكنه القئ وصل الحنجرة" !

تحياتي

اقتباس:  أحمد كامل   كتب/كتبت  
للزميل تيامت
:97:

انا زميله :D

انا زميله

عفوا
صار لازم ننهم الزهرة

(f)