"عواميد" الشرق الأوسط...
من الجرائد التي أقرأها يوميا "على الأنترنت" جريدة الشرق الأوسط , يعجبني لون ورقها "خلفيتها" المخضر و "المكس" المختار من كتابها الذين ينتشرون بشكل أفقي من اليمين الى اليسار ,يمكنك أن تقرأ عبد الرحمن الراشد و مأمون فندي بجانب بثينة شعبان , و فهمي هويدي الى جوار صالح القلاب ,الشرق الأوسط قريبة في رأيها من الموقف الرسمي السعودي , تروج له بطريقة هادئة و بدون جلبه مثيرة للغبار,و هي ككل الجرائد تعتمد على كتاب العمود لتروج لنفسها , و هو اسلوب جيد تعتمده الجرائد لتمرير ما تريد من أخبار بواسطة كتاب "عمود" مختارين بعناية و معروفين بقدرتهم على جذب القراء.
ثلاث كتاب أعمدة تستكتبهم الشرق الأوسط بشكل يومي تقريبا , يكتبون موضوعات متقاربة , يتداخل فيها السياسي بالإجتماعي بالثقافي بالشخصي , و هذه الطريقة "التسويقيه" في الكتابة ذات فعالية جيدة و مردود عالي في جذب القارىء, و إذا قيض لها كاتب "حربوق" , يحسن إصطياد العبارة و سبك الموضوع , لن يلبث أن يتحول الى "جوكر" عمود تتراكض الصحف لمنحه عامودا من أعمدتها ,الكتاب الثلاثة الذين يحتلون أعمدة ثلاثة في الشرق الأوسط هم : أنيس منصور , و سمير عطا الله, مشعل السديري.
تستطيع أن تلمح تنافس بين الثلاثي المذكور , تنافس على الموضوع و على جودة السبك , و تنافس أكبر على إبراز الذات في المقال المكتوب , أنيس منصور مصري خريج فلسفة يؤمن بسياسة الدهشة يحب أن يثير إستغراب القارىء و ريبته أحيانا ,و يحرص على أن يظل هذا القارىء رافعا حاجبية أطول فترة ممكنة , حتى أصبحت إثارة الدهشة هدفا بذاته لأنيس منصور , مرواغ و مداهن يحرص أن تكون أرائه قريبة من الرأي "الرسمي" , ذو حديث جذاب و مفردة ماكرة , يتحدث بود ظاهر عن الآخرين و يجد لنفسه مكانا , كاتب عمود نموذجي تقرأه و أنت مطمئن و فجأة تجد نفسك حيث يقودك , يعرف متى يكون سطحيا و يعرف متى يغوص عميقا , و من حسناته أنه قل أن "يغمق".
سمير عطا الله لبناني يمثل دور الرحالة بإجاده كبيره , يتجول في الجغرافيا و يتحدث عن التاريخ , صحفي متجول يكتب "بالقطعة" , يلقي سرديات حكائية يضمنها مواقف يحرص على أن تكون إنسانية الطابع لا يجد غضاضة في ذكر الأسماء و الألقاب و التواريخ و لا ينسى أن يجد لنفسه مكانا بمحاذاة الصدارة ,يحاول أن يكون دافئا و قريبا من القارىء , يتقصد التواضع دون أن يبدو متواضع حقيقي , تفر من عموده كلمات تنبىء بإعتداده و ثقته بنفسه , لا يريد أن يبدو فجا في طريقة مساندته "للرسميين" , و لكنه حريص أن يضمن معظم ما يكتب موقفا مؤديا , و هو اقل حرفنه من أنيس منصور في طريقة عرض أفكار السلطات , فقد تجدها أحيانا عند عطا الله مفلوشة بدون غلافها الملون حتى .
مشعل السديري سعودي , يحرص على أن يبقى بالقرب من زميليه , محاولا أن يبذل جهدا أكبر ليتجاوزهما مستخدما ألفاظا من العامية السعودية يعتقد أنها مفيدة لكسب المزيد من الجمهور السعودي , يكتب عن نفسه و عن الآخرين متصنعا الحكمة , أكثر ما يكبته ينتهي كما تنتهي نكته سبق و سمعتها , و لكنك تنصت أحتراما لمن يلقيها , يكشف نفسه و ما يريد أن يقوله منذ السطر الأول , فيفقد القارىء حماسته , فيتابع من باب المتابعه ,يحاول جاهدا أن يبدو أكثر عمقا من زميليه و كلما تقصد التعمق بدا أكثر سطحية , ما يمتلكة من مخزون أدبي يبقيه على مبعده غير قليلة من بلوغهما ,ينافح عن السلطة بطريقته الخاصه و قد يتحول الى خطيب في مرات كثيره , حكاياته الإجتماعية المطعمة باللهجة العامية لا تبدو بالواقعية التي يتحدث عنها , و ما يضيفه مشعل عليها أول ما يطفو الى السطح .
أقرأ الشرق الأوسط و أول مكان أذهب أليه هؤلاء الثلاثة .
|