استغربت حين سمعت عما حصل في الكونجرس الاميركي الذي أوقف كل الامور العالقة و عقد جلسة خاصة لاصدار قرار تأييد للدولة العبرية في حربها على لبنان. وجه الغرابة هو انه في حين ان معظم الدول الغربية تؤيد اسرائيل، إلا أنه فيهم من الحياء ما يكفي لمساندة الضحايا الابرياء في لبنان على الاقل كلاميا، و هو الامر الذي لم يجد الكونجرس له ضرورة. و الغرابة ايضا لا تنبع من اعتقادي ان غير الامريكيين من الساسة يهتمون بالضحايا او يأبهون بمعاناتهم، و لكن من حقيقة ان التشريعيين في اميركا الذين يمدون اسرائيل بالسلاح وجدوا الضرورة في التعبير ايضا عن المساندة الكلامية.

و لكن اذا عُرف السبب، بطل العجب. تقول صفحة الـ BBC ان ما يزيد عن ثلاثة الاف من رؤوس الانجيليين الامريكيين توجهوا الى واشنطن لدعم شعب اللـه المختار. يقول التقرير نفسه ان هذه الكنائس الاميركية تعمل عن قرب مع مؤسسات اسرائيلية و صهيونية مختلفة في اميركا و اسرائيل، و تعمل على تمويلها و تمويل الكثير من النشاطات للتأثير على الحكومة الاميركية لصالح اسرائيل، مما يدعم مقولة السياسي المحافظ "بات بيوكانن" حين قال ان البيت الابيض هو Israeli Occupied Territory (اي منطقة خاضعة للاحتلال الاسرائيلي) و هو التعبير الذي تستعمله وسائل الاعلام الاميركية للكلام عن غزة و الضفة الغربية.

و السبب الذي يدفع الساسة الامريكيين للتعبير عن عشقهم لاسرائيل و خوفهم عليها هو -- مرة اخرى -- تأثير الناخب الاميركي في السياسة الاميركية، و يكفي ان ننعت سياسيا اميركيا بأنه يكره اسرائيل لتدمير سمعته السياسية حتى ان كان النعت زورا و بهتانا، او مجرد شك، يؤدي الى خطابات ملتهبة في الكنائس تدعو الحاضرين الى اسقاطه في الانتخابات.

بعد متابعتي لمسلسل كوميدي على محطة "ABC FAMILY"، عرضت المحطة برنامج "نادي الـ 700" الديني التبشيري. كان ذلك قبل يومين، و ظهر مقدم البرنامج، و بدل شارة الصليب او ايات الانجيل في الخلفية، ظهرت خريطة تظهر اسرائيل و لبنان و بعض الدول العربية المحيطة. و قرأ المقدم آيات من الكتاب المقدس تتحدث عن اجتماع الامم لتدمير اسرائيل، و جاء ذكر ممالك و أمم قديمة زعم المقدم ان احدها يعني لبنان، و الاخر ايران، و الثالث سوريا، الخ. و قال ان هذا التيار من اعداء اللـه، اعداء اسرائيل، يتكون اليوم من هذا التحالف الاسلامي المدعوم من الملحدين في روسيا و الصين.

انتقلت الى مشاهدة اخر الاخبار على محطة الـ CNN التي اجدها معتدلة، فهي و بالرغم من انتقادها لحزب اللـه و لومه على ما يحدث، الا انها تخصص اجزاء سخية من وقتها لعرض ما يحدث للبنان، و يقوم مراسلوها بزيارة المستشفيات في لبنان و اظهار معاناة الاطفال جراء القصف الاسرائيلي. كل هذا جعل بعض المتحدثين على قناة الـ CNN الى الزعم بأنها تدعم حزب اللـه، و هو موقف يذكرني بكلام الكثير من المعلقين العرب الذين يجدون كل من ينتقد حزب اللـه انه داعم لاسرائيل! قبيل نهاية البرنامج الاخباري، بدأ المقدم بقراءة رسائل القراء، بمن فيهم الكثير من العرب الامريكيين من الذين فروا من لبنان اثناء القصف، قائلين ان الحكومة الاميركية ترسل صواريخا الى اسرائيل في حين تستخدم اسرائيل هذه الصواريخ لقصف بلد كان فيه ما يزيد عن 5 آلاف اميركي من اصول عربية يقضون اجازة الصيف هناك. و شد انتباهي رسالة من اميركي ينتقد البرنامج لأنه يتجاهل "حقيقة" ان هذه الحرب تنبأ بها كتاب حزقيال و انها ستؤدي الى نزول المسيح لدعم اسرائيل و نهاية العالم.

في اليوم التالي، استيقظت على الخبر الاهم في الاخبار: زلة لسان بوش. ما حدث هو انه في اثناء مؤتمر صحفي، كان بوش يتحدث الى بلير في اثناء الاستراحة، و لم يلاحظ بوش ان المايكروفون غير مقفل حين قال لبلير و فمه مليء بالطعام، "Syria needs to tell Hezbollah to stop this shit." أي "على سوريا ان تقول لحزب اللـه ان يوقفوا هذا الخراء." (كناية عن هجمات حزب اللـه على اسرائيل). ثم وعد بوش بلير انه سيرسل "كوندي" (و هو اسم الدلع لكوندليزا رايس) الى الشرق الاوسط قريبا قبل ان يلاحظ بلير المايكروفون و يقفله بسرعة.

ذهبت الى العمل في ذلك الصباح، و اثناء استماعي للاخبار على الراديو، لاحظت السيارة أمامي و عليها لاصق يقول، "أميركا تقف الى جانب اسرائيل"، و على جانب اللاصق هناك لواصق عليها صليب و اسم "يسوع" بأحرف ذهبية. نظرت الى قائد السيارة و اذا به رجل ابيض عجوز من اولئك الذين ينتظرون نهاية العالم و نزول المسيح.

في العمل، كان الحديث في قسم البرمجة الذي اعمل به عن الاحداث في لبنان بين مؤيد و معارض لاسرائيل، و لاحظت ان هناك تناسبا طرديا بين تدين الشخص و تأييده لاسرائيل، فالاشخاص المعروفون بتدينهم كانوا يؤيدون اسرائيل، بينما الاشخاص الذين اعرف انهم ملحدون او لاأدريون وجدتهم اقل تأييدا او اكثر معارضة لاسرائيل. و لكن ما لفت انتباهي اكثر هو ملاحظة امرأة هندية في قسم الجودة (حيث تتعرض البرامج التي اكتبها للاختبار)، و اذا بها تسألني، "لماذا هاجموا القطارات في الهند؟" فوجئت بالسؤال و للحيظة لم أعرف عم تتحدث قبل ان اذكر انه حدث هجوم ارهابي على قطارات في الهند و لكني نسيت من كثرة الاخبار عن لبنان. قلت لها، "و ما ادراني؟ اليس ذلك مرتبط بالإقليم المتنازع عليه بين الهند و باكستان أم ان السبب هو تنازع المسلمين مع الهنود؟" لم يعجبها جوابي، حيث انني كنت في السابق قد قلت لها اني لا اعبد اي آلهة، و كان ذلك أمرا شديد الغرابة لها، و كانت قد أرتني صورة لغرفة الصلاة في بيت عائلتها، و هي غرفة تملؤها التماثيل التي يتعبدون لها، و قلت لها انها مجرد تماثيل، فقالت لي، "هذا ما يقوله المسلمون ايضا. هل تتفق معهم؟" -"نعم أعتقد اني اتفق مع المسلمين في هذه النقطة!" و لم يعجبها ذلك ايضا!