أحمد المسلماني
خاض السيد عبدالحكيم عامر خمس حروب انهزم فيها جميعاً، خاض حرب ١٩٤٨ ضابطاً وانهزم، وخاض حرب ١٩٥٦ قائداً وانهزم، وخاض معركة انفصال سوريا وانهزم، ثم خاض حرب اليمن وانهزم، ولم يقبل الرجل أن يغادر عالمنا قبل أن يهدينا «أمّ الهزائم» في حرب ١٩٦٧، ثم ترك المشير مدرسة كاملة في انتصار اللسان وانكسار السلاح.
حوّل المشير عامر علوم الحرب إلي مجرد ثرثرة عسكرية، وحوّل الخطط والخرائط في ميادين القتال إلي محافل ومكائد لا تليق بمقام الرجال!
كان عبدالحكيم عامر مجرد ضابط عادي لا يشي بالكثير مما يلفت الانتباه أو يثير الاهتمام، ثم كانت الثورة المجيدة التي أكلت أبناءها، وتركت مصائر الوطن في أيدي عدد من الذين لا تتجاوز قدراتهم إدارة اتحاد للطلاب أو جمعية تعاونية.
ابتعد عن الواجهة أولئك الضباط الذين كانوا يعرفون ما هو أكثر من الثورة، ممن كان لهم رأي ورؤية، وإدراك لمعالم الخريطة وحقائق الأشياء، وبقي في الواجهة من يجيدون لغو الحديث ولهو السلوك.
تولي عبدالحكيم عامر - الذي لا يعرف شيئاً عن الحرب والقتال، ولا يعرف شيئاً مهماً عن أي شيء آخر - قيادة الجيش المصري في حرب ١٩٥٦.
كان العدوان الثلاثي علي مصر في هذه الحرب مروعاً، وكانت تقوده عاصمتا القوة في العالم الحديث لندن وباريس، وكانت القاهرة خارجة للتو من جراح الثورة وآلام التحرير.
وقد أدي الوضع الدولي الجديد الذي كانت تحل فيه واشنطن وموسكو محل لندن وباريس، مضافاً إليه وسابقاً عليه موقف القيادة السياسية والمقاومة الشعبية العظيمة إلي هزيمة العدوان وتأكيد الاستقلال الوطني.
لكن حرب ١٩٥٦ قد انتهت إلي نجاح سياسي مصحوب بالفشل العسكري، وكان ذلك الفشل العسكري ذريعاً، ولم يكن عبدالحكيم عامر في أدائه يزيد علي الخطابة والدعاء!
وكان الطبيعي أن يرحل عامر غير مأسوف عليه، وأن يتولي قيادة الجيش من يعيد بناءه بعد عصور الاستعمار اللعينة، وأن يؤسس لقوة عسكرية محترمة تليق بمكانة الوطن وآمال المواطنين. لكن اللواء عبدالحكيم عامر صار مشيراً، والعسكري المتواضع الذي انهزم أصبح واحداً من مارشالات العالم الكبار!
كان بإمكان المشير عامر إذن أن يحمد الله ويشكر الظروف، ليبدأ بناء جيش وطني قوي ليستفيد من محنة ١٩٥٦.
لكن المشير راح يدير جيشاً أكبر يتمدد من القاهرة إلي دمشق بمثل ما أدار به جيش ١٩٥٦، وحكم المشير سوريا التي أصبحت تمثل دولة واحدة مع مصر منذ عام ١٩٥٨ ثم انفصلت سوريا دون أن يطلق المشير رصاصة واحدة للدفاع عن دولة الوحدة، بل إنه هو شخصياً قد جري اعتقاله وإهانته وترحيله!
كان بإمكان المشير من جديد أن يستوعب الدرس، درس الأداء العسكري غير اللائق في حرب ١٩٥٦، ثم العجز الكامل علي الإدارة العسكرية لانقسام الدولة في ١٩٦١. ولكن المارشال راح يعطينا درساً جديداً في اليمن!
مثل الأداء العسكري المصري في اليمن كارثة لا حدود لها، وبلغت خسائر جيشنا في اليمن أكبر من خسائره في حرب أكتوبر ١٩٧٣.
فشل المشير في مواجهة قبائل يمنية فقيرة في المال والسلاح الحديث، وطيلة سنوات الحرب الممتدة من عام ١٩٦٢ إلي عام ١٩٦٧ لم يحسن المشير من أداء قواته حتي وقعت الواقعة فجري سحب قواتنا من هناك إلي هنا.. فقد حلت ببلادنا أم الكوارث في يونيو ١٩٦٧.
لم يطلق المشير رصاصة ولا طائرة ولا دبابة.. لم يفعل الرجل أي شيء.. أي شيء.. وأكرر للمرة الثالثة أي شيء!
لقد تذكرت المشير عامر هذه الأيام، بينما حرب لبنان تتوالي يومياتها، وحين تابعت أداء السيد حسن نصر الله وما تضمن أداؤه من إطلاق لصواريخ وإزعاج لحيفا وإصابة لقطعة عسكرية بحرية وقتل أربعة من طاقمها، والحفاظ لأكثر من عشرة أيام من القتال علي عدم أسر أي من مقاتليه!
تذكرت في هذه الأثناء المشير عامر الذي كان يملك جيشاً وسلاحاً وقضية، ولكنه....!
لا رحم الله من أسسوا للهزيمة في هز الوطن، ولا سامح الله كل من تسببوا في وضعنا الراهن.. فيمن جعلونا مجرد شهداء في الساحات ومناضلين علي الشاشات!
إن أداء السيد حسن نصرالله لا يمثل معجزة، ولكن أداء المارشال عبدالحكيم عامر كان هو المعجزة!
العربية
*نقلا عن جريدة "المصري اليوم" المصرية
http://www.alarabiya.net/Articles/2006/07/25/26024.htm