لا تتجاوز في 2 المائة من الدخل المصري .. وتنشط الاقتصاد الأمريكي .. خبراء مصريون يؤكدون أنّ قطع المعونة الأمريكية لمصر يضرّ بواشنطن أولاً

القاهرة -
اعتبر خبراء اقتصاديون وسياسيون، أنّ موافقة الكونجرس الأمريكي على تمديد المعونة الأمريكية لمصر ( 8,1 مليار دولار) هذا العام، على الرغم من الجدل الحاد والتهديدات من جانب نواب في الكونجرس بقطعها أو تخفيضها، احتجاجاً على قمع قوات الأمن مظاهرات مناصرة القضاة بشدة؛ مؤشراً جديدا على أنّ قطع المعونة أصبح يضر بالولايات المتحدة لا مصر، بسبب العائد الكبير الذي تحصل عليه الأخيرة، من وراء المعونات في صورة دعم مصري لمصالحها الإقليمية.

وفي المقابل؛ رأى خبراء سياسيون أنّ استمرار تلك المعونة، وتأكيد إدارة الرئيس بوش أنها لن تقطعها، أو تضغط على مصر لأسباب داخلية تتعلق بالإصلاح أو الديمقراطية؛ يأتي بمثابة تأكيد أمريكي لتخليها عن فكرة فرض الديمقراطية على مصر ودول عربية أخرى، بعدما أظهرت الانتخابات أن تسريع الإصلاحات، يأتي بالتيار الإسلامي الذي تخشى واشنطن من أن يهدِّد مصالحها في المنطقة.

ويقول الخبراء، في سياق حالة الجدل الذي سادت أوساط البرلمان والسياسيين والاقتصاديين بشأن تجديد المعونة السنوية؛ إنّ مصر لم تعد تستفيد بصفة ملموسة من هذه المعونة، خصوصاً الجانب الاقتصادي منها الذي تقلص من 815 مليون دولار عام 1975 إلى 495 مليون دولار هذا العام فقط، وطلبت مصر خفضها بنسبة 5 في المائة سنوياً، أي بواقع 40 مليون دولار، فضلاً عن أنّ قيمة هذا المبلغ الشرائية إجمالياً أصبحت ضعيفة، ولا تصلح لشراء سوي 20 في المائة مما كانت تشتريه مصر بها عام 1982.

وظهرت هذا العام، أصوات شبه رسمية، غير مبالية بخفض المعونة أو ساعية لتأكيد أنّ واشنطن وليست القاهرة هي الأكثر حاجة لاستمرار هذه المعونة، بالنظر لفوائدها الكثيرة للمصالح الأمريكية، وسط تقديرات تتحدث عن أنّ مصر يمكنها الاستغناء عنها، خصوصاً أ ن 70 في المائة من المعونة الاقتصادية، يعود على الشعب الأمريكي بالنفع، حيث تستفيد أكثر من ألفي شركة صغيرة ومتوسطة أمريكية، من هذه المعونات في تصريف منتجاتها بأسعار مبالغ فيها، بجانب قيام نحو مائتي شركة أمريكية أخرى بتنفيذ هذه المشروعات، والإشراف عليها بمبالغ باهظة لأتعاب وأجور مستشاريها.

وبالمقابل تؤكد المصادر المصرية أنّ المعونة العسكرية الأمريكية (1.3 مليار) التي طالب نواب الكونجرس بخفضها أيضا بمقدار 40 مليون دولار سنوياً، ولكنها بقيت كما هي؛ يمكن تعويضها أيضاً بشراء أسلحة من دول أخرى مثل الصين وروسيا، خصوصاً أنّ مصر تنوِّع مصادر السلاح. ولفتت تلك المصادر الانتباه إلى أنّ واشنطن ستكون هي المتضرر الأكبر من قطع هذه المعونة العسكرية، لأنه لو حدث هذا فسوف تتخلص مصر من الضغوط التي تطلب منها خدمات إقليمية مقابلة في فلسطين والعراق وغيرها، كما قد تحلّ محلها معونات عسكرية أخرى بشروط أفضل من روسيا والصين.

وظهرت أصوات معارضة كثيرة في الكونجرس الأمريكي، تطالب بربط المعونات بالديمقراطية، وتقليص المعونة في أعقاب الاعتداءات الأمنية على مناصري القضاة، بيد أنّ لجنة المخصصات بمجلس النواب الأمريكي، رفضت ذلك بطلب من إدارة بوش، ووافقت على استمرار المعونة بدون نقص، لأنّ مصر "حليف قوي للولايات المتحدة"، بل وحذّرت من أنّ قطع المساعدات العسكرية (التي تشتري بها مصر سلاح أمريكي) سيدفع مصر للشراء من دول أُخرى والبعد عن الولايات المتحدة.



أين تنفق مصر المعونة الاقتصادية؟

وفي أتون هذا الجدل؛ أكّد مصدر اقتصادي مصري مسؤول، بوزارة التعاون الدولي، لمجلة /المصور/ الحكومية، في عددها الأخير، أنّ مبلغ المعونة الأمريكية لا يتجاوز 2 المائة، من إجمالي الدخل القومي المصري، فيما كشف تقرير لوزارة التعاون الدولي، النقاب عن أنّ إجمالي المعونات الأمريكية، منذ عام 1975 حتى الآن وصل إلى 50 مليار دولار، منها 26.7 مليار دولار، مصنفة على أنها مساعدات اقتصادية، بواقع 815 مليون دولار سنوياً، وتم الاتفاق على خفضها منذ بداية عام 1998، بواقع 40 مليون دولار سنويا وبنسبة 5 في المائة سنوياً من هذا المبلغ، لتصل إلى 50 في المائة من قيمتها في نهاية عام 2008، حيث بلغت في العام الحالي 495 مليون دولار فقط، في ما ستنخفض في العام القادم إلى 455 مليون دولار.

وتؤكد وزارة التعاون الدولي، أنّ المعونات الاقتصادية الأمريكية ساهمت في مشروعات البنية الأساسية، من مياه شرب، ومشروعات صرف صحي، وطرق، وكهرباء للمناطق المحرومة، وبواقع 70 في المائة من هذه المعونات منها 40 في المائة لمشروعات الطاقة وحدها، و30 في المائة لمياه الشرب والصرف الصحي.

وتتوزّع المنح الاقتصادية الأمريكية الحالية على ثلاثة برامج أساسية، أولّها برنامج التحويلات النقدية بإجمالي 200 مليون دولار أمريكي، ويُستخدم أساساً في تمويل شراء محصول القمح الأمريكي، أو متطلبات المشروعات التنموية، ومراكز البحوث الزراعية واحتياجات المستشفيات.

ويخصص البرنامج الثاني، للاستيراد السلعي، بإجمالي اعتمادات سنوية تبلغ 195 مليون دولار، وقد كان هذا البرنامج مخصصاً في البداية لتمويل احتياجات القطاع العام، ولكن بداية من عام 1992 تحوّل إلى تمويل احتياجات القطاع الخاص المصري، من السلع والمنتجات الأمريكية، حيث تولي 31 مصرفاً عاماً وخاصاً، منح هذه القروض للقطاع الخاص. ويشير الخبراء إلى أنّ هذا البرنامج مشروط بضرورة شراء السلع من المنتجات الأمريكية، وضرورة شحنها أيضاً على بواخر وسفن أمريكية، ما يعود بالفائدة على الجانب المانح، بل يُقال إنّ كل 7 دولارات من المساعدات الأمريكية، تعود منها 6 دولارات إلى الولايات المتحدة.

أما البرنامج الثالث، من المعونة الاقتصادية الأمريكية؛ فهو يسمى برنامج المشروعات، وقد بلغت مخصصاته هذا العام 100 مليون دولار، وقد طلبت مصر أن يتم خفضه إلى 40 مليون دولار.

والجديد هو حصول الجمعيات الأهلية، على 15 مليون دولار نقداً من المعونة مخصصة لدعم "المجتمع المدني" ومنظماته، وخاصة العاملة منها في المجالات الاجتماعية والاقتصادية. وقد طلبت مصر زيادة هذه المخصصات إلى 35 مليون دولار، بعد أن أثبتت بعض الجمعيات نجاحاً ملحوظاً في هذه المجالات، خاصة في الصحة والتعليم.

وقد تم التوسع في تمويل المنظمات لتمتد إلى تلك التي تعمل في مجالات الحكم والديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي حصلت في العام الأخير على 6 ملايين دولار للمساعدة في التسجيل في الجداول الانتخابية، ومراقبة الانتخابات، ونشر ثقافة حقوق الإنسان.



كيف تستفيد الولايات المتحدة من معونة مصر؟

وفق دراسة تقع في 40 صفحة، قدّمها مكتب "محاسبة الإنفاق الحكومي" التابع للكونجرس الأمريكي، بشأن طبيعية وكيفية صرف مصر للمعونة؛ أكد مسؤولون أمريكيون وعدد من الخبراء الذين تمت استشارتهم أثناء التحضير لهذه الدراسة، أنّ المساعدات لمصر "تساعد في تعزيز الأهداف الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة".

وقد نشرت مصادر إعلامية عدة، ملخصاً لهذا التقرير، الذي اكتفي بالتركيز على المساعدات العسكرية، لكونها تمثل الحيز الأكبر في حجم المساعدات الأمريكية، وأوضح أنّ من أبرز المصالح الأمريكية نتيجة هذه المساعدات، هي أنّ مصر تسمح للطائرات العسكرية الأمريكية باستخدام أجوائها العسكرية، وخلال الفترة من 2001- 2005 عبرت 36553 طائرة عسكرية الأجواء المصرية.


كما منحت مصر موافقات على وجه السرعة، لعدد 861 بارجة حربية أمريكية لعبور قناة السويس، خلال الفترة نفسها، وقامت بتوفير الحماية الأمنية اللازمة لعبور تلك البوارج، ونشرت حوالي 800 جندي وعسكري من قواتها، في منطقة دارفور غربي السودان عام 2004.

كما قامت مصر، بحسب التقرير؛ بتدريب 250 عنصراً في الشرطة العراقية، و25 دبلوماسياً عراقياً، خلال عام 2004. وأقامت مصر مستشفى عسكرياً، وأرسلت أطباء إلى قاعدة بغرام العسكرية في أفغانستان، بين عامي 2003 و2005، حيث تلقى حوالي أكثر من 100 ألف مصاب الرعاية الصحية.

كذلك أوضح التقرير؛ كيف تنفق المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر في شراء معدات عسكرية بالأرقام، إذ أكد أنّ الولايات المتحدة قدّمت لمصر حوالي 7.3 مليار دولار بين عامي 1999 و2005، في إطار برنامج مساعدات التمويل العسكري الأجنبي، وأنّ مصر أنفقت خلال الفترة نفسها حوالي نصف المبلغ، أي 3.8 مليار دولار لشراء معدات عسكرية ثقيلة.

وأشار التقرير إلى أن مصر، أنفقت المبلغ في شراء طائرات حربية، بنسبة 14 في المائة من المبلغ الإجمالي، ودبابات وصواريخ بنسبة 9 في المائة من المبلغ، ومركبات عسكرية بنسبة 19 في المائة، غير البواخر والصواريخ ومعدات الاتصال ومعدات وقاية للحماية من الغازات الكيماوية والبيولوجية وغيرها.

ومع أنّ التقرير الأمريكي ركّز على الخدمات المصرية المباشرة للولايات المتحدة، والمتعلقة بالتسهيلات؛ فإنه لم يتطرّق إلى أمور أخرى أفصح عنها مسؤولو إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، خلال مناقشات الكونجرس، تتعلق بدور هام يساند المصالح الأمريكية الإقليمية ضمناً، مثل الدور المصري في فلسطين والعراق ودارفور، وحتى في ما يتعلق بالأزمة النووية الإيرانية.

يُذكر أنّ المساعدات الأمريكية لمصر بدأت منذ عهد الملك فاروق، إبان الحكم الملكي، إلاّ أنّ برنامج المعونات التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، بدأ رسمياً بتأسيس هيئة المعونة الأمريكية عام 1952 واستمر إلى مصر حتى عام 1967 وحينما توقفت هذه المعونات على أثر الخلافات المصرية الأمريكية بشأن الاحتلال الإسرائيلي، وعاد ليستأنف من جديد في عام 1974 بمبلغ 265 مليون دولار أمريكي، استخدمت في "تطهير" قناة السويس.

ومنذ عام 1975 بعد توقيع الرئيس السادات اتفاق فض الاشتباك الثاني بين القوات المصرية والإسرائيلية في سيناء، والذي فتح الطريق لتوقيع اتفاقية السلام بين الدولتين في كامب ديفيد عام 1978؛ انتظمت المعونة الأمريكية لمصر.

وقد أعلن الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت، جيمي كارتر، عن تقديم معونة اقتصادية وأخرى عسكرية سنوية، لكل من مصر والدولة العبرية، تحوّلت منذ عام 1982 إلى منح غير مستردة، بواقع 3 مليارات دولار للجانب الإسرائيلي، و2.1 مليار دولار لمصر، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية.

وتمثل المعونات الأمريكية لمصر 57 في المائة، من إجمالي ما تحصل عليه من معونات ومنح دولية، سواء من الاتحاد الأوروبي، واليابان، وغيرها من الدول ...