بعودتي إلى كل حجج مؤيدي فلسفة الرهبنة، ارتأيت أن آخذهم واحدة فواحدة لئلا نقع ضحية بدع كنسية باطلة لاستعباد ذوي النوايا الحسنة وبعيدة في روحها كل البعد عن الكتاب المقدس.
قبل البحث فيها، أجد من الضروري التنويه بأنه لا يوجد في كامل الكتاب المقدس أي أساس لتشكيل فئة (Class) عازبة من عباد الله. ولا يوجد أي أمر أو فرض إلهي بهذا الخصوص. فالقضية هي قضية قرار شخصي. وتنظيم الرهبنة في صف من الأشخاص ليس إلا بدعة إبليسية وكنسية لا تمتّ للكتاب المقدس بصلة من أوله إلى آخره. ولا شك بأن كلمات الرسول بولس واضحة لمن يريد أن يفهمها:
"7: 9 و لكن ان لم يضبطوا انفسهم فليتزوجوا
لان التزوج اصلح من التحرق" – 1كورنثوس 7 : 9.
http://st-takla.org/pub_newtest/46_kor1.html
"4: 1 ولكن الروح يقول صريحا انه في الازمنة الاخيرة يرتد قوم عن الايمان
تابعين ارواحا مضلة وتعاليم شياطين
4: 2 في رياء اقوال كاذبة موسومة ضمائرهم
4: 3
مانعين عن الزواج وآمرين ان يمتنع عن اطعمة قد خلقها الله لتتناول بالشكر من المؤمنين وعارفي الحق" - 1تيموثاوس 4 : 1 - 3.
http://st-takla.org/pub_newtest/54_timo1.html
وعلينا أن لا ننسى بأن الله ذاته بارك الجنس والزواج منذ خلق آدم وحواء. فهو ليس إله سادي ليُحضِع عبيده للأثقال والضغوط، نفسية كانت أم جسدية. كما وأن مريم أم يسوع التي تعتبرها الكنيسة مثالاً للراهبات، فإن عزوبتها التي يجري تعليمها في الكنائس ليست إلا أكاذيب واختلاقات. فالكتاب المقدس واضح بأنها تزوجت بيوسف خطيبها بعد أن ولدت يسوع المسيح. وعملت عائلة:
"1: 25 و لم
يعرفها حتى ولدت ابنها البكر و دعا اسمه يسوع" – متى 1 : 25.
http://st-takla.org/pub_newtest/40_matt.html
التعبير في الترجمة العربية "يعرفها" يعني "العلاقة الجنسية". فيوسف إذاً عرف مريم بعد ولادة يسوع المسيح.
"6: 3 اليس هذا هو النجار ابن مريم
واخو يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان اوليست اخواته ههنا عندنا فكانوا يعثرون به" – مرقس 6 : 3.
http://st-takla.org/pub_newtest/41_mark.html
نلاحظ هنا بأنه ذكر حتى أسماء إخوة يسوع المسيح الأربعة بأسمائهم، بالإضافة إلى ذكر وجود أخوات له أيضاً.
دعونا الآن نعود إلى حجج الإخوة المؤيدين لوجود فكرة فلسفة الرهبنة في الكتاب المقدس:
اقتباس: " لكن كل واحد له موهبته الخاصة من الله " . (1 كو 7 : 7 ) .
نعم، هذه هي النقطة الرئيسية الواجب الإنتباه إليها. فالأمر ليس فرضاً شخصياً على الذات من أجل الحرمان. إنها قضية خيار إلهي ودعم وتوجيه بالروح القدس للشخص. ليس من أجل الرهبنة كمبدأ أو كهدف، وإنما كي يستخدم الله ذلك الشخص في ترويج مصالح ملكوته. وهذا لا يعني إطلاقاً أن يحبس الشخص نفسه في دير، أو الإستيقاظ باكراً من أجل "فرض" الصلاة. إن تلك العزوبة التي يعطيها الله بروحه كـ "موهبة" للبعض (كما أعطى الرسول بولس مثلاً)، كانت من أجل استخدام الوقت والطاقات للتعليم ونشر الإنجيل هنا وهناك. يعني يكون الشخص منشغلاً كل الوقت في النشاطات الروحية الإجتماعية، وليس السجن في دير.
اقتباس: " فأريد أن تكونوا بلا هم .غير المتزوج يهتم فيما للرب كيف يرضى الرب. و أما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضى امرأته" ( 1كو 7 : 32 - 33 ) .
اقتباس: " غيرالمتزوجة تهتم فى ما للرب لتكون مقدسة جسدا و روحا . و أما المتزوجة فتهتم فى ما للعالم كيف ترضى رجلها " . ( 1 كو 7 : 34 ) .
نعم! فمَن يُعطى موهبة العزوبة، أو أولئك الذين يفضلون البقاء عزاباً، يعملون ذلك لا ليصبحوا رهباناً وراهبات. إنهم يختارون ملء كل وقتهم بالنشاطات الروحية خارجاً بين الناس لتعليمهم. بينما المتزوجون مضطرون للبقاء مع العائلة وصرف الوقت معها، وإعطائها حقها من الواجبات.
اقتباس: " إذا من زوج فحسنا يفعل و من لا يزوج يفعل أحسن " ( 1 كو 7 : 38 )
طبعاً! فالذي يتمكن من الإنشغال بالروحيات (وليس بالصلوات والقراءة في الدير ليلاً نهاراً)، يتمكن من التمتع بثمر نشاطه عندما يرى آخرين ينضمون إلى االحق المسيحي للخلاص وإرضاء الخالق. بينما المتزوج سيضطر للقيام بواجباته العائلية.
اقتباس: " فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها و ألقها عنك . لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك و لا يلقى جسدك كله فى جهنم " ( مت 5 : 29 ) .
لا علاقة لقول يسوع هنا بالرهبنة، ولا حتى بالعزوبة. فعثرة العين يمكن أن تحدث للعزاب وللمتزوجين على السواء. والرغبة في الجنس الآخر ليست في الواقع خطيئة. إنها موضوعة في طبيعتنا من قِبَل الله ذاته لاستخدامها ضمن حدود مقاصده وليس لتحريق أنفسنا جنسياً.
اقتباس: " يوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات " . ( مت 19 : 12 ) .
خصوا أنفسهم: كاختيار شخصي وليس لكي ينضموا إلى صف من المعقـّدين المحصورين في الأديرة. أنها قضية فردية وليست قضية تشكيل صف مشابه من الناس.
اقتباس: " أما الشهوات الشبابية فاهرب منها " . ( 2 تى 2 : 22 ) .
الشهوات الشبابية لا تعني بالضرورة الجنسية. فيوجد السكر والعربدة. ويوجد الإفراط في الصداقات أو الرياضة أو اتباع الموضة والأزياء. يوجد أيضاً الماكياج المفرط للفتيات، أو التبهرج أكثر من اللازم، وإلى ما هنالك.
أما وجود الشهوة الجنسية في سن الشباب فهو أمر طبيعي جداً. وهو عطية إلهية. والواقع يمكن يوجد سبب لدى الشباب والصبايا أن يقلقوا إن لم يكن لديهم دوافع جنسية كافية في ذلك السن. إنها جزء من طبيعة البشر.
أما نصيحة الرسول بولس هنا، فإن كان يقصد بها الشهوة الجنسية، فهو حتماً لا يعني محاربتها. إنه يعني عدم الإستسلام بعماء لها والتخبيص هنا وهناك. إنها موجودة فينا بهدف الزواج. ولذلك لا يجب اللعب يميناً ويساراً (جنسياً أو عاطفياً). فاستخدامها يجب أن يكون مقدساً في إطار الزواج.
اقتباس: " لأن كل ما فى العالم شهوة الجسد و شهوة العيون و تعظم المعيشة " ( 1 يو 2 : 16 )
هل الزواج هو من العالم أم من الله؟
فشهوة الجسد التي يتكلم عنها يوحنا هنا تعني طبعاً الإنحراف عن القصد التي وُضعت فينا تلك الشهوة من أجله. ولا يقصد أبداً بأن الجنس والزواج يشكل جزءاً من العالم الشيطاني. كما وأن شهوة الجسد التي يتكلم عنها يوحنا هنا يمكن أن تشمل غير المجالات الجنسية أيضاً. فالزينة والتبهرج والإفراط في الطعام أو الشراب والأزياء و .. و .. الخ، كلها تشكل جزءاً من شهوة الجسد، وبالتالي جزءاً من العالم.
اقتباس: السيد المسيح قال : إن الإنسان الذى لا يبغض الكل حتى نفسه لايستطيع ان يكون له تلميذاَ
وأن من يحب الآخرين او نفسه أكثر من السيد المسيح فلايستحقه
بغض الذات لا يعني عدم الزواج. فهل المتزوجون من خدام الله إذاً لا يستحقون يسوع المسيح، ولا يمكنهم أن يكونوا تلاميذ له؟
الواقع الفعل "يبغض" (هنا)، لا يعني الكره. إنه يعني أن "يحب أقل". وبذلك نصل إلى المعنى الصائب لكلمات المسيح بضرورة وضع مصالح الملكوت بالدرجة الأولى عندما نتعرض لموقف تفضيل ذلك على أعزائنا القريبين منا.
اقتباس: مكتوب : إبليس خصمكم يجول ملتمساً من يبتلعه
يمكن للشيطان إبليس أن يستغل المجال الجنسي فينا ليجعانا نسقط. لكن ألاعيبه لا تقتصر على الأمور الجنسية. فمن الممكن أن يزرع في طريقنا ألغاماً من شتى الأنواع، مثل:
" 5: 19 واعمال الجسد ظاهرة التي هي زنى عهارة نجاسة دعارة
5: 20 عبادة الاوثان سحر عداوة خصام غيرة سخط تحزب شقاق بدعة
5: 21 حسد قتل سكر بطر و امثال هذه التي اسبق فاقول لكم عنها كما سبقت فقلت ايضا ان الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله" – غلاطية 5 : 19 – 21.
http://st-takla.org/pub_newtest/48_galat.html
إذاً لا مبرر أن نمتنع عن الزواج ظناً منا بأننا بذلك سنجعل جبهة حربنا مع إبليس أضيق. بالعكس! فحرمان أنفسنا من الجنس والزواج يمكن أن يوسع الجبهة معه أكثر.
اقتباس: ومكتوب : الروح تشتهى ضد الجسد والجسد ضد الروح
طبعاً! ولكن ذلك لا يعني إطلاقاً بأن الشهوة الجنسية وإشباعها ضمن النطاق المبارك للزواج هي ضد الروح. فما دمنا نعمل أمورنا الجسدية ضمن الحدود الإلهية، يمكننا أن ننال بركته الكاملة.
القول بأن الجسد يشتهي ضد الروح لا يعني به الجسد الحرفي. فحتى الشيطان إبليس وملائكته يمكن أن يقعوا أيضاً في خطايا مشابهة لا علاقة لها إطلاقاً بالجسد. (عـُد إلى ذكر بولس لما سمّاه "
أعمال الجسد" في غلاطية 5 : 19 – 21 لترى بأن بعضها لا علاقة له بالجسد والتي يعملها الشيطان وملائكته! مثل: النجاسة، السحر، العداوة، الخصام، الغيرة، السخط، التحزب، الشقاق، البدعة، القتل، وغيرها الكثير...)
اقتباس: ومكتوب : أعداء الإنسان أهل بيته
وما علاقة ذلك بالرهبنة أو بالعزوبة؟
فالعداء يمكن أن يحدث في العائلة بالأبناء العازبين أيضاً. ويمكن أن تحدث في الدير. ويمكن أيضاً أن تحدث بين أشخاص في احتكاك مستمر. وبالمقابل فإن البيت الزوجي يمكن أحياناً أن يكون هادئاً ومتمتعاً بالسلام أكثر.
اقتباس: يوحنا المعمدان
يوحنا المعمدان لم يكن راهباً، ولم يرسم لنا المثال أو الفرض لنكون كذلك. وهو هنا لا لنتمثل بعزوبته أو بطريقة عيشه. لقد كان يأكل الجراد والعسل البري، فهل من المفروض بنا أن نعمل ذلك؟ كان يلبس جلود الحيوانات، فهل يجب أن نلبس مثله.
إن يوحنا المعمدان وُجد ووُلد بتدخل إلهي من أجل مهمة خاصة. المهمة قام بها على أكمل وجه، وأنهاها. لقد كان نتاج روح الله القدوس وليس نتاج مدارس دينية كهنوتية كاذبة. ولا نجده شجع تلاميذه في أي مناسبة أن يسعوا لتشكيل صف الرهبنة. لقد شجع الناس على التوبة والعودة إلى الله، وليس الرهبنة. كما أنه لم يسجن نفسه في دير. لقد انطلق بحرية إلى البرية باحثاً عن الناس ليوصلهم الرسالة الإلهية. فلم يكن ناسكاً منعزلاً. ولا ننسَ بأن مهمته وطريقة حياته كانت مشابهة كثيراً للنبي إيليا الذي رمز له. إنها إعلان دينونة الله على العبادات الباطلة، وإعلان حقائق العبادة النقية.
ومن الجدير بالذكر بأن يسوع المسيح لم يختر يوحنا المعمدان ليكون أحد تلاميذه. لقد اختار آخرين ممن كانوا متزوجين، كالرسول بطرس مثلاً. وهذا يعطينا فكرة بأن الزواج لا يقدّم ولا يؤخر في قضية التفضيل الإلهي. فيمكن لله أن يختار العزاب كما المتزوجين ليقوموا بمهام معينة. لا بل يمكنه أن يجعل حتى الحجارة تعلن مقاصده:
" 3: 8 فاصنعوا اثمارا تليق بالتوبة و لا تبتدئوا تقولون في انفسكم لنا ابراهيم ابا لاني اقول لكم ان
الله قادر ان يقيم من هذه الحجارة اولادا لابراهيم" – لوقا 3 : 8.
http://st-takla.org/pub_newtest/42_luk.html
"19: 40 فاجاب وقال لهم اقول لكم انه ان سكت هؤلاء
فالحجارة تصرخ" – لوقا 19 : 40.