بعد التفجير في اسرائيل: التعثر في البحث عن رد
تحليل: ما بعد الهجوم في تل أبيب يظهر مشكلة تعاني منها كل الاطراف التي تحاول التأقلم مع وصول حماس للحكم
بقلم "توني كارون"
18 ابريل 2006
تعبيرات الغضب و التأييد للهجوم الانتحاري الاثنين في تل أبيب كانت كلها متوقعة. و لكن من الواضح أن ردود الافعال هذه كلها تبين أن جميع الاطراف في النزاع الفلسطيني الاسرائيلي، بمن فيهم حماس نفسها، يستمرون في البحث عن رد متناسق للحقيقة الصعبة، حقيقة أن حماس الان هي التي تدير الحكومة الفلسطينية.
1- حماس: هاك ما نقول، و هاك ما نفعل.
رئيس الوزراء من حركة حماس، اسماعيل هنية، قال ان الهجوم يدخل ضمن "حق الدفاع عن النفس"، و ألقى باللائمة على اسرائيل. و لكن الحقيقة هي أن حماس حرّمت على نفسها "حق الدفاع عن النفس" هذا خلال السنة الماضية، و تشير الدلائل الى انها ستستمر في القيام بذلك لأنها تعلم ان أي حملة هجمات ارهابية ستؤدي بالضرورة الى ردود اقتصادية و عسكرية من قِبل اسرائيل و الدول المانحة مما يؤدي الى انهيار حكومة حماس نفسها. يبدو ان الحركة منقسمة على ذاتها بسبب المطالب الداخلية الناتجة عن وصولها غير المتوقع الى سدة الحكم، و لكن يبدو أن منافسيها -- مثل الجهاد الاسلامي المسؤول عن الهجوم، و تيارات حركة فتح المختلفة -- تمسكوا بخيار المقاومة لكي يُضعفوا سلطة الحكومة الجديدة باستمرارهم بالهجوم على اسرائيل. في الواقع، ان الهدف السياسي من التفجير في تل ابيب كان اضعاف حماس اضافة الى ايذاء اسرائيل. و بيانات حماس المبررة للهجوم كانت كلها في مصلحة اسرائيل و الولايات المتحدة اللتان تسعيان الى عزل حماس.
2- الرئيس محمود عباس: إدانة كالمعتاد، و لكن بدول أفعال
بعكس القادة في حركة حماس، قام الرئيس عباس بسرعة بشجب و ادانة التفجيرات "الخسيسة" و التي كانت أيضا ضد المصالح الفلسطينية، و هذا هو موقفه من سنوات أيضا. و لكن حين يأتي الأمر لإيقاف هذه الاعمال، عباس كان و ما يزال عاجزا عن تطبيق موقفه هذا حتى في الحركة التي يحكمها. تيارات في حركة فتح نفسها التي أملت الولايات المتحدة ان تربح الانتخابات، كانوا و ما زالوا يهاجمون اسرائيل بالصواريخ، و على الاقل عملية انتحارية واحدة، كجزء من حملتهم لاضعاف موقف حماس. لكن في الوقت نفسه، حماس و إن كانت قد بررت الهجوم الاخير، إلا أنها أثبتت أنها قادرة على السيطرة على جناحها العسكري. و بما أن عباس مصرّ، بتأييد من ادارة بوش، على ابقاء السيطرة السياسية على قوات الامن الفلسطينية بيده، بدل اعطاء حماس حق ادارتها، فهو بالتالي يريد أن يتحمل مسؤولية منع العمليات التي تنطلق من المناطق الفلسطينية ضد اسرائيل، الشيء الذي أثبت عجزه عن القيام به و أثبتت حماس قدرتها عليه.
3- الولايات المتحدة: توقفوا عن دعم الارهاب و إلا، آه، و إلا لن نكلمكم!
المتحدث بإسم الخارجية الامريكية "شان مكورمك" رد على الهجوم قائلا بأن تبريرات حماس أظهرت حماس "على حقيقتها"، بينما المتحدث باسم البيت الابيض "سكوت مكلكلان" وبّخ حماس على تبريرها للارهاب، "الدفاع عن او تبني الارهاب من قِبل المسؤولين في السلطة الفلسطينية سيؤدي الى نتائج وخيمة في العلاقات بين السلطة و بين الدول الداعمة للسلام في الشرق الاوسط." هذا ما قاله مكلكلان. طيب، لكن الولايات المتحدة و اسرائيل قاموا بالفعل بقطع علاقاتهم مع السلطة الفلسطينية عندما وصلت حماس الى الحكم، لذلك فليس من الواضح ما هو طبيعة التهديد الذي يوجهه لهم الان. بالفعل، اذا كانت حكومة حماس ببساطة، كما تقول اسرائيل، "كيان ارهابي" -- و دعم الارهاب هو من طبيعتها -- اذن فإن توبيخهم على بياناتهم الصحفية المؤيدة للارهاب هو اضاعة للوقت. و كون الولايات المتحدة قطعت فعلا علاقاتها مع السلطة الفلسطينية حال وصول حماس الى السلطة، لم يتبق لأميركا أي مجال للضغط على السلطة الفلسطينية -- و لكن الحقيقة هي أن حماس ما تزال موجودة، و الحقيقة هي انه اذا انهارت السلطة الفلسطينية، فإن واشنطن ستفقد سيطرتها على الموقف بالكامل و لن يكون لها "سياسة سلام" في الشرق الاوسط.
4- اسرائيل: حماس هي المسؤولة، و لكننا لن نرد على الهجوم
رئيس الوزراء الاسرائيلي المنتخب، ايهود اولمرت، حمّل حماس مسؤولية الهجوم، و لكنه لم يقم بأي عمل عسكري مضاد. قد يكون هذا جزءا من استراتيجية اسرائيلية قائمة على مبدأ "إرخِ الحبل لهم حتى يشنقوا انفسهم به" -- أي ان اسرائيل تمارس ضبط النفس لكي تظهر بمظهر الضحية و تعطي حماس الوقت الكافي لتقضي على ما تبقى من احتمال دعم اوروبي لها و تعزلها تماما عن العالم. و لكن تردد اسرائيل في الرد على حماس أيضا يعكس سياسة براغماتية عملية أيضا. بقدر ما تريد اسرائيل لحماس أن تفشل، بقدر ما يعلم قادة أجهزتها الامنية انه لا يوجد بديل فعلي لحماس -- الرئيس عباس هو طاقة تم استهلاكها و تدمير حكومة حماس يعني عمليا تدمير السلطة الفلسطينية نفسها. الفراغ الذي سينتج عن ذلك سيجبر اسرائيل على استعادة السلطة الادارية للمناطق الفلسطينية في غزة و الضفة الغربية، و هي مناطق يشوبها العنف و الفوضى. و هذا سيدمر مخططات أولمرت للانسحاب احادي الجانب و اعادة رسم الحدود بين اسرائيل و الفلسطينيين بشكل تفضله اسرائيل. لذلك فمن الافضل ان يتركوا الفلسطينيين و اقتتالاتهم الداخلية يتولون مهمة اضعاف الجانب الفلسطيني و تعجيزه عن خلق فرصة لصنع رد فلسطيني متناسق و فاعل على مخططات اولمرت. و لكن مرة أخرى، حتى لو امتنعت اسرائيل عن تدمير السلطة الفلسطينية عسكريا، فخنقها اقتصاديا قد يؤدي الى سقوطها، و هو الامر الذي من مصلحة اسرائيل تجنبه.
ترجمة بتصرف، لوجيكال
المصدر