اللا يقين ....
حفل ميكانيك نيوتن بالكثير من النتائج ذات الطبيعة الحاسمة التي لا تقبل الشك, و قررت قوانينه بشكل قطعي سلوك المادة و شكلت دستو رلها لا يمكن أنتهاكه أبدا, و كان أصراره على مرجعية الأثير المطلقه حكم نهائي بحتمية الأمور و صرامة نتيجتها التي لا تقبل الشك.تعامل الجميع مع هذا الأستناج كحقيقه نهائية لا سبيل الى مراجعتها الى أن واجه العالم معضلة فيزيائية سميت مشكلة الجسم الأسود أو "التجويف",و قد وقفت الفيزياء الكلاسيكية التي مثلها قانون "رايلي - جينز" عاجزة أمام تفسيره تفسيرا مقبولا.فكان لا مناص من خلق مفهوم جديد على يد "بلانك" أطلق عليه مفهوم الكم و هو يعني أن الأشعاعات المنبعثة من جسم أسود ساخن تنطلق على شكل كميات "منفصلة"محدده و تأخذ قيما معينه لا يمكن أن تأخذ قيما غيرها و قد غير هذا النمط في التفسير مفهوم الأستمرارية الذي كان يشكل احدى بديهيات فيزياء نيوتن.
إذا أردت أن تملأ كأسا من المياه فإنك تشاهد مستوى الماء يرتفع ماسحا جميع جميع النقاط على جدار الكأس الداخلي و اذا وضعت مسطرة مدرجة على جدار الكأس ستعرف بالضبط أرتفاع الماء الذي يمكن أن يأخذ اي قيمة مسجلة على المسطرة.تخيل الآن أن الماء سيرتفع من القيمة واحد الى القيمة أثنان دون المرور بالقيم التي تفصل بينهما تبدو فكرة غريبة و غير منطقية ولكن هكذا بالضبط يتزايد الأشعاع الهرومغناطيسي ولتعميق فكرة الأنقطاع التي يتصف بها الكم فأنك عندما ترمي حجر نرد بستة وجوه فأن النتيجة المتوقعة هي أحدى الأرقام من واحد الى سته و لا يمكن أن تحصل على قيمة ثلاثة و نصف أو خمسة و ربع مثلا أو اية قيمة تقع بين اي رقمين متتاليين و هذا يرجع الى طبيعة حجر النرد.و كذلك الأشعاع الكهروي مغناطيسي "كما يقرر بلانك" الذي هو مقدار "كمي" من الطاقة لا يأخذ ألا قيم محددة أو مضاعفاتها و هوقادر على الأنتقال في الخلاء بطول و تردد يحددان مجاله.
فكرة بلانك الكمية استخدمها اينشتين في تفسير الظاهرة الكهروضوئية فقد لوحظ أنه عند سقوط اشعة كهرومغناطيسية على بعض المعادن فأن بعض الكترونات هذه المعادن تنفصل عنه متطايرة في ارجاء المكان. وقال أن الأشعاع يتكاثف في نقطه صغيرة ذات كتلة تساوي الصفر و طاقة تساوي تردد هذا الأشعاع مضروبا بالثابت الذي اكتشفه بلانك و قال أن الطاقه هو من مضاعفاته.و سميت هذه النقطة بالفوتون. و عندما يسقط الفوتون على سطح المعدن فأن أحد الألكترونات تقوم بأمتصاصة و اكتساب طاقته فيستخدمها للأبتعاد طائرا عن سطح المعدن. هاتين الفكرتين فكرة بلانك القائلة بأن الأشعاع ينطلق على شكل موجة و فكرة اينشتين القائلة بأن الأشعاع طاقة مركزه بخواص جسمية قادت الى فكره ثالثة قال بها "دي بروي" و مفادها أن الأشعاع الكهرومغناطيسي ذو طبيعتين موجية و جسمية ووسع مفهومة الى أن جميع الأجسام دون الذرية لها طبيعتين مادية و موجية و قد ايدت التجارب و المشاهدات هذا الرأي بشكل لا يقبل الشك.
نظرية دي بروي القائلة بأن الأجسام دون الذرية تسير بمواكبة موجات سميت الأمواج المادية نشأ عنها اضطراب كبير و عدم دقة في تعيين مواصفات الجسيم المادي "موضعه و كمية حركته" و ذلك ناتج عن طبيعة الأمواج التي ترافق هذا الجسيم فاذا استطعنا تحديد طول الموجه بشكل دقيق فيمكن عندها تحديد كمية حركته بشكل دقيق ايضا و ذلك حسب القانون الذي يعطي كمية حركة الحسيم بحاصل ضرب ثابت بلانك بطول الموجه.و لكن لمعرفة طول الموجه بشكل دقيق يستلزم أن تكون هذه الموجه ذات تواتر منتظم و تكرار دوري متناسق و هذا الشكل لا يتوفر ألا بالموجات ذات الطول و لكن عندها سيضيع موضع الجسيم من ايدينا فيمكن أن يكون في اي مكان على طول الموجه و هو كما ذكرنا كبير جدا بالنسبه الى حجم الجسيم.و في المقابل اذا كانت الموجه التي تمثل الجسيم ضيقه بما فيه الكفاية لتحديد مكان الجسم بدقة فأن حساب طول هذه الموجه عسير جدا لعدم أنتظام تكرارها الدوري.
سنقع هنا في "حيص بيص" فلا نستطيع أن نحدد مواصفات الجسيم بشكل كامل لأن تحديد احدى الصفات سيحتم ضياع تحديد الصفة الثانية و في حال أردنا تحديد الصفة الثانية بدقه ستضيع من أيدينا القيمة الدقيقه للصفة الأولى يدعى هذا المبدأ "مبدأ عدم اليقين" أو الأرتياب و قد وضعة "هيسنبرغ" كأحدى مسلمات الميكانيك الكمي. و لكن لحسن الحظ لدينا مؤشر لعدم اليقين يقول أن حاصل ضرب عدم اليقين بمكان الجسيم مع عدم اليقين في كمية حركته هو ا كبر حتما من ثابت بلانك.و من الملاحظ هنا أن ثابت بلانك يلعب دورا حاسما في توصيف العالم دون الذري و كأن هذا الرقم احد "أقدار" هذه الجسيمات المتناهية في الصغر.
يعتقد البعض أن السبب في ظهور عدم اليقين في يعض القياسات المترافقه هو أجهزة القياس نفسها التي يكون لها دور في تشويش قدسية الحركة الجسيمية .أجهزة القياس تسبب بعض الإضطراب فعلا في حركة و مكان الألكترون و لكن لا يقينية القياس ناشئة اساسا من فرض دي بروي بثنائية الوجود للجسيم المتمثلة بالشكل المادي و الشكل الموجي.و بالتالي فأن المعرفة اليقينية غير متوافرة على الأقل في هذا العلم المتناهي في الصغر.بيد ان كل ما هو موجود حولنا و حتى نحن أنفسنا مصنوعين من جسيمات من هذا النوع و ينطبق عليها ما ينطبق على الجسيمات الأخرى من ثنائية الجسيم/الموجه و كذلك من لا يقينية المعرفة.
مبدأ اللاتعيين كان السب الرئيسي في ضرب مذهب الحتمية الذي أرساه ميكانيك نيوتن.و بالتالي فقد غير الطريقة التي ننظر فيها الى العالم بعد أن أدعى لابلاس بأنه اذا عرفت جميع المعطيات عن نظام في الوقت الحاضر فيمكن معرفة ما سيكون علية هذا النظام في المستقبل و لو كان هذا النظان نظام الكون.و يبدو من مبدأعدم اليقين بأن معرفة كل شيء عن النظام الحالي أمر غير متيسر ليس لقصور أدوات القياس و لكن لطبيعة النظام نفسة الذي لا يسمح لك أن تعرف عنه ألا شيئا واحد كل مرة .و كل أدعاء بمعرفة الحالة التالية للنظام هو أدعاء غير صحيح.
بني على هذا النوع المنقوص من المعرفة ميكانيك الكم الذي لا يعطي نتيجة نهائية و قطعية عن حالة النظام "الجسيمي" الذي يدرسو بل يعطي قيمة أحتمالية لما يمكن ان يكون علية هذا النظام.و ليس هناك سبب لأن لا يأخذ النظام المدروس وضعا غير الوضع الأحتمالي الناتج.زادت الأمر عبثية و باتت الأنظمة موضع الدراسة خاضعة لقانون أحتمال عشوائي يعطيك نتائج غير يقينية فاضفى على الواقع أرتياب بما ستكون علية الخطوة التالية.الأمر الذي يقودنا الى الأعتقاد أن المتحكم بهذا النظام رامي نرد ليس لدية فرق بين "الشيش بيش" و "الهباهب".
مراجع:
1-الأسس الفلسفية للفيزياء ...رودلف كارناب ترجمة د-السيد نفادي.....دار الثقافة الجديدة 1990
2-مع القفزة الكمومية تأليف فريد آلان وولف ترجمة أدهم السمان ....طلاس للدراسات و النشر 1994
3-مقدمة في الفيزياء الحديثة تأليف الدكتور فخري أسماعيل حسن دار المريخ للنشر 1997
4-
http://www.pa.msu.edu/courses/1997spring...index.html