عجبٌ هو الحال المثقفين العرب الذين ما فتئوا دائما أن يواجهوا الليبرالية والليبراليين ويتهمونهم دائما بالخيانة والعبودية وأنهم أبواق للغرب، ويتهمونهم دائما وأبدا بالإساءة للإسلام والمسلمين، لكن هؤلاء المفكرين من القومجين والثرثارين لا ينظرون إلى الحقائق إلاّ بمنظار صناعة قومية وكل صورة يقربها لهم تبدوا لهم خائنة عميلة.

وكم أستغرب من هؤلاء الكتاب عندما يدافعون عن أخطائهم ويحاولون جاهدين إيجاد المبررات لكل أعمالهم، وأنا أسألهم هل المطالبة بالحرية والديمقراطية عمالة للغرب؟ هل المطالبة بتحسين حال المواطن العربي والرقي به وبدخله خيانة؟ هل الاعتراف بأن الجماعات الإسلامية والعبارات الإرهابية والشعارات التي يهتفون بها دائما أنها سبب لنشوء وولادة وخلق للفكر الإرهابي المتعفن يعتبر عمالة؟ هل الاعتراف بأن حكم طالبان أدى إلى تجهيل الأفغان اعتراف كافر؟ هل الاعتراف بأن مناهج التدريس الدينية في السعودية تحث على الإرهاب والعنف خطيئة؟ هل الاعتراف بأن الخلافة الإسلامية هي بحد ذاتها فسادُ مطلق؟ لماذا يعتبر هؤلاء القومجيين العفلقيين أن الاعتراف بأخطائنا التي ارتكبناها "نحن العرب" على مر التاريخ جريمة نعاقب عليها بتهمة الخيانة؟!

أليس القوميجيون هم أنفسهم سبب مصائبنا؟ هم انفسهم اليوم يدافعون عن الجماعات الإسلامية وهم أنفسهم الذين زجوا بهم في السجون! أليس نظام عبد الناصر والسادات هو من زج بالإسلاميين في السجون، أم أنهم يسيرون على خطى المثل الشعبي "الفاضي يعمل قاضي".
أليس حال القومجيون كحال الكلب الضال الذي لا يعرف بأي فريسة يبدأ، أليس هم أنفسهم كانوا ومازالوا لاعقين مقبلين لأقدام سادتهم ليعلوا من شأنهم؟ أليس هم الذين يدافعون عن هذه الأنظمة البائسة وفي نفس الوقت هم الذين يتهمونها بالعمالة لأمريكا وإسرائيل! فما هذا التناقض والتخبط الفكري؟! ألم يكن الفكر القومي هو سبب ضياع فلسطين في ستة أيام من الهزيمة الدامية؟ ألم يُشبِعُنا الفكر القومي بالشعارات الهافتة التي سمعها الأصم من شدة وقوة معانيها التي أوهمتنا بانتصارات دونكي شوت؟! ألم يكن الفكر القومي العفلقي هو سبب ضياع العراق في مدة لم تتجاوز العشرين يوما؟ والله مدينة جنّين التي لا تتجاوز مساحتها حارة من حارات بغداد صمدت أكثر من بغداد والعراق والجيش الجمهوري الذي شُبِه لنا بالجيش الكاسر، الذي يأكل الزلط ويبدو فعلا أنه كان كاسراً على شعبه وآكلٌ للزلط بعد الهزيمة!.

ليست الليبرالية من أفقرت شعوبنا العربية، حتى أنه لم يثبت تاريخيا أن الحرية كان مصيبة على بني البشر، فلو كانت كذلك لأفقرت الأوروبيين والأمريكيين والأستراليين وكل الدول العظيمة الليبرالية، وأنا أسألكم بالله عليكم أعطوني اسم زعيم عربي واحد ليبرالي علماني؟!!، إني أشفق على الليبراليين لقلة عددهم في الوطن العربي والإسلامي وأحزن لقلة عدد أقلامهم، الذين أغلبهم يخشون من أن يتهموا بالخيانة كما اتهم أصدقائهم ممن تجرؤا وقالوا كلمة الحق، أو أجبروا على الرحيل من ديارهم التي يدافعون عنها.

وأنا أسأل هؤلاء القومجيين العفلقيين: أليست الليبرالية هي التي نادت بالحرية الشخصية وترفض أن يكون هناك أي رقيب على أفراد الشعب، فلماذا تحاولون دائما مهاجمتنا وإغلاق أفواهنا عن قول الحقيقة، هل طالب يوما ليبراليا واحدا بعدم إعطاء الحرية لأيٍ من الجماعات وخاصة الجماعات الإسلامية الذين يعتبرون الحرية عدوهم اللدود.
أنا أعترف أنه لم ينفذ إلا القليل من مطالب الليبراليين في الوطن العربي لأن المطالبة بالحرية المطلقة تشكل عناءً وخطراً على الزعماء الذين أغلبيتهم من القومجيين العفلقيين المتعفنين.

إذاً أنا أسألكم الآن، لماذا هذا العداء والكره لليبراليين؟ لماذا هذا الحقد البائس على الليبراليين؟ نحن نمد يد الخير للجميع فلماذا هذا الإجحاف بحقنا، الحقيقة أنه لم يثبت تاريخيا أن ليبرالياً واحداً قاد هذه الأمة وآل بها على ما هي عليه الآن من فقر وتعاسة وانحطاط ومسخ كما آل بها القومجيون!
بالله عليكم يا قومجيين كفاكم ثرثرة وتوزيعا للاتهامات هنا وهناك ظنناً منكم أنكم ستفوزون بالبراءة، فلن يصدر فيكم حكم البراءة، فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة وما نحن إلا في منتصف الخطوة الأولى، إن التاريخ لن يغفر لكم وستبقى أعمالكم وصمت عار في وجوهكم إلى أبد الآبدين.