عيب
عيب !
في كل مرة يسمع الأردنيون ان هدية متفجرة عبرت حدود بلادهم من «دولة مجاورة» وان الإرهابيين الذين إستهدفوهم وإستهدفوا مؤسساتهم وأطفالهم وأعناقهم وأرزاقهم فروا للإحتماء بهذه «الدولة المجاورة» يعرفون ان المقصود هو «الشقيقة العزيزة» سورية وأن تجنب الدوائر الاردنية الرسمية تسمية الاشياء بأسمائها سببه التمسك بحسن الجوار وإحتمال تجاوزات الشقيق لعل وعسى ان يوقف تجاوزاته .
كل الاردنيين يعرفون ان نظام دمشق الذي بينه وبين الشعب السوري، العظيم والحبيب والمغلوب على أمره، ما صنع الحداد، مصاب بعقدة النفوذ الإقليمي وبمرض إنفصام الشخصية والشعور بأنه الشقيق الأكبر في هذه المنطقة الذي له الحق في إملاء إرادته على أشقائه الصغار والمقصود هنا هو لبنان وفلسطين والأردن .. وفي بعض الأحيان العراق أيضا .
لم يمض إسبوع خلال العقد الأخير من الاعوام إلا وتعبر حدود «القطر الشقيق» نحو الحدود الاردنية هدية متفجرة ومسمومة فالنظام في دمشق وبخاصة في الأعوام الأخيرة يواصل السعي للإثبات للإسرائيليين وللأمريكيين وللغرب وللشرق أنه هو الرقم الأساسي والصعب في هذه المنطقة وأنه لا حرب ولا سلام بدونه، هذا مع ان كل حروبه كانت هزائم حتى بما في ذلك حرب تشرين الأول (اكتوبر) المعروفة، وأنه هو صمام الأمان وفي الوقت نفسه القادر على إقحام هذا الجزء من الشرق الأوسط في الفوضى والحروب الأهلية إن هو أراد .
لقد ساهم هذا النظام في إشعال نار الفتنة والحرب الأهلية في لبنان في منتصف عقد سبعينات القرن الماضي ثم قدم نفسه كمخلص في فترة لاحقة ولقد أذاق منظمة التحرير وأفتعل كل الإنشقاقات التي ضربتها وضربت كل فصيل من فصائلها من أجل وضع الرقم الفلسطيني في جيبه الى جانب الرقم اللبناني، هذا قبل ان ينتفض شعب لبنان إنتفاضته الأخيرة، ولقد بقي يحاول إضعاف الأردن من أجل ان يقدم نفسه، أي نظام دمشق، للإسرائيليين والأميركيين ولأوروبا والغرب كله على أنه وكيل هذه المنطقة وأنه المفاوض الوحيد بإسم كل دولها وأن من يريد الحل الدائم والمستمر فإن عليه ألا يذهب إلا إليه .. والعبرة في جبهة الجولان الصامتة صمت أهل القبور .
هناك تاريخ موجع ومؤلم طويل مع هذا النظام، ولذلك فإنه غير مستغرب ان تصل النشوة بالرئيس السوري، بعد ان سمع ما سمعه من أحزاب البطالة السياسية ولقمة الخبز المغمسة بإنتقاص الكرامة وبالذل، من هتافات وأهازيج وزغاريد، أن يستهدف الشعب الأردني بالكلام الجارح و«النكات» والإستهزاء بشعار : «الاردن أولا» الذي رفعه الأردنيون وهم يتمسكون بالعروبة التي ذبحها المزايدون من الوريد الى الوريد بسكين الطائفية .
إنه غير مستغرب ان يقول الرئيس السوري ما قاله .. إن المستغرب هو ان يقف أردنيو جــواز السفر فقط ويواجهوا شتائم الرئيس بشار للأردن بالزغاريد والهتاف وبالتصفيق المتواصل حتى أحمرت أكفهم !! .
غير مستغرب ان يقول رجل يشعر بالعجز وبعدم القدرة على المحافظة على «ملك» وصل إليه ما قاله ولكن المــســتغرب ان يسـمع أردنيو جواز السفر ما سمعوه وان يشاركوا أحزاب البطالة السياسية، التي كانت أتخمت صدام حسين مراجل وتخــلـت عنه يوم دخـل «العلوج» بغداد،دبكة هز الأرداف ومهرجانات النفاق وزغاريد الإستخذاء التي وصل صداها الى نزلاء سجن المزة من أبناء الشعب السوري الشرفاء .
لو أن لدى هؤلاء الذين سمعوا شتم شعبهم بآذانهم وقابلوا شاتمه بالتصفيق الحار والهتاف والزغاريد، قطرة من ماء الوجه وذرة من الحياء لعادوا من عاصمة الامويين التي طال ليلها، وهم يخبئون وجوههم بأيديهم خجلا إذ ليس أكبر من هذا العار عارا .. إنه عيب ان يعود هؤلاء الى بلد «الأردن أولا» ليواجهوا الشعب الذي يرفع هذا الشعار بكل فخر وإعتزاز .
صالح القلاب