[CENTER] [SIZE=5]رغيف الأسى

شعر/التجاني بولعوالي
شاعر وكاتب مغربي مقيم بهولندا
tijanib@yahoo.com

هل أتاك حديث الحشود التي اعتصمت برغيف الأسى
كلما نسجت خيط أمنية صادرته العناكب
ما عاد في وطني شجر الحلم يزهر،
يطلق رائحة النار؛
تغشى خيام الصعاليك قد دفنت كل أسيافهمْ
فتقاعس خيل الأمير المزيف
نامت على جسد النغم البضّ كل المراكب
لا شأن للحاكمين بريح الشَِّمال الرجيمة
تحمل للطين نخب المنى
وحدها زغردات الجنوب تواسي الخرائب
تستنهض الفارس الأطلسي
غير أن سنابك أفراس وهران دجنها الدف
فانبجس الدم يُلهم عشب القبائل خضرتهُ
ويعير المدينة عرسا بهيا
ولما الزفاف، يزف إلى جدثٍ بالنوى نجلها الغائب
**********
شيّع أنت يا وطني،
فيمينك رجس على جبهة الريف طير أبابيل ترجمه
ويسارك نار تأجج، لكن يمغنطها وهج التاج
تغدو إلى سلم البذخ راكضة
وملائكة الأفق تعجب من وله الطين
لا يتغافى هواه الريان
فبوركت أيتها الأرض،
وحدك تندلعين صهيلا وقمحا
وحراس مجد الفراعنة المطمئنين
يكتنزون سنابل أعوامك الأربعين
وأفواج شعبك تنزح نحو الضباب
لتقطف فاكهة الثلج والسرطان
وبعد سنون الجفاء
ترفرف آيبة لترى وطنا،
ضيعوه بحورية وكمان
وبضع شيوخ يعلبها البرلمان
يروضها وفق إيقاع مأتمه
كي تُشيع عبر مرايا المُتَلْفَزِ
طقس جنازة شعب يهاب صدى الصولجان
وها المدركون الحكاية يلفظهم ولع الجامعات
ليمتهنوا الموت بين جوانح عاصمة الكرم الحاتمي
يدقوا طبول التحدي
ويمتشقوا صديد المناجل يغتالها
كبرياء الحقول المُعَوْلَمِ تاريخها
غير أن العساكر سرعان ما جنحتْ
لبهاء البنادق تجتث أجنحة الردة المعلنهْ
وتصادر ألوية النصر بالكلمات المدجنهْ

عزيزي / التجاني :97:
عندما زرت موقعك كنت أتمني أن أري دراساتك النقدية منشورة فيه كي أتعرف عليك أكثر ولكن وجدت بعض المقالات التي لم أتمكن منها من التعرف علي هويتك النقدية الحقيقية
واسمح لي أرحب بك في هذه الساحة الجميلة ( ساحة الأدب ) في نادي الفكر العربي وأرجو أن تستمر معنا فيها شاعرا وناقدا

سوف أتعرض للقصيدة ببعض الإشارات
تبدأ القصيدة بالتناص مع الآيات القرآنية التي تبدأ بعبارة ( هل أتاك ) مثل ( هل أتاك حديث الغاشية ) سورة الغاشية وكذلك ( هل أتاك حديث الجنود ) سورة البروج ( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين ) سورة الذاريات ( هل أتاك حديث موسي ) سورة النازعات
( هل أتاك حديث الحشود التي اعتصمت برغيف الأسي )
وكأن الشاعر بهذا التناص يمهد القارئ للتفاعل مع القصيدة علي مستويات :
الأول : هو أن القصيدة نوع السردية التي سوف تقص حكاية ما
الثاني : أن توسل القصيدة بالتناص مع المقدس تخلع علي القصة التي تحكيها القصيدة نوع من الحقيقة الصادقة التي لا تقبل التكذيب
الثالث : أن أقرب تناص هو مع آية ( هل أتاك حديث الجنود ) لوحدة الشبه بينها وبين ( هل أتاك حديث الحشود ) مع ما في المعني من قلب للمتحدث عنه فالقرآن يتحدث عن الطغاة والسطر الشعري يتحدث عن البؤساء , القرآن يتحدث عن كل من تجبر وتحكم والسطر الشعري يتحدث عمن أضطهد وظلم وفي نفس الوقت فإن الإشارة المضمرة في التناص تنادي بأن الأمور سوف تنقلب فكما انقلب حال فرعون وجنوده بالهلاك فإن حال الحشود التي تعتصم برغيف الأسي ربما ينقلب بثورتها واستردادها ما ضاع منها

نري في القصيدة خريطة لفئات الوطن ( في كل قطر عربي ) وإن اختلفت الأعلام والرايات أجتهد الشاعر في تصنيف الفئات يبدأها بــــ
شيع أنت يا وطني

فاليمين
فيمينك رجس على جبهة الريف طير أبابيل ترجمه

واليسار
ويسارك نار تأجج، لكن يمغنطها وهج التاج
تغدو إلى سلم البذخ راكضة

والشعب الذي لا يعرف إلا أن يفيض بالخير
فبوركت أيتها الأرض،
وحدك تندلعين صهيلا وقمحا

وأيضا يقبع في الأمل الموؤد
وأفواج شعبك تنزح نحو الضباب
لتقطف فاكهة الثلج والسرطان
وبعد سنون ( هي سنين ) الجفاء
ترفرف آيبة لترى وطنا،
ضيعوه بحورية وكمان

أما الحكام
وحراس مجد الفراعنة المطمئنين
يكتنزون سنابل أعوامك الأربعين

أما السياسيون
وبضع ( هي بضعة ) شيوخ يعلبها البرلمان

أما المثقفون والنخب فهم
وها المدركون الحكاية يلفظهم ولع الجامعات
ليمتهنوا الموت بين جوانح عاصمة الكرم الحاتمي
يدقوا ( هي يدقون ) طبول التحدي
ويمتشقوا( هي يمتشقون ) صديد المناجل يغتالها

أما العسكر والجيوش فهم
غير أن العساكر سرعان ما جنحتْ
لبهاء البنادق تجتث أجنحة الردة المعلنهْ
وتصادر ألوية النصر بالكلمات المدجنهْ

هذه هي قسمة واقعنا السياسي والثقافي والاجتماعي كما يطرحها النص الذي لا يغوص في تلك التقسيمات إلا بقدر ما تستفيد القصيدة من الناحية الجمالية الذي هو هم القصيدة وليس الاشتغال بالسياسي أو الاجتماعي والاستفادة التي تطرحها القصيدة هي أن كل تلك الجهات في جانب وهذا الشعب الذي (الحشود التي اعتصمت برغيف الأسى ,كلما نسجت خيط أمنية صادرته العناكب ) في جانب
وانسياب هذه التقسيمات لفئات واقعنا ينسرب في القصيدة بطريقة غير مباشرة تحاول أن تبتعد عن المقالة السياسية وتتوسل بالشعري عن طريق تقنيات التصوير الذي ينهانا دائما عن التوجه إلي السياسي المباشر وإن كان يتبناه ويتكأ عليه في ملفوظه ومفهومه ولا نستطيع أن ندين الشاعر حين يدين بعض الفئات التي لا يري رأيها من منظوره ( فالشاعر منحاز رغما عنه ) لأنه نجح في التوسل بالجمالي علي النحو الآتي :

1 - اتكاء القصيدة علي بحر المتقارب السريع الإيقاع واكب الجو النفسي للقصيدة وجعلنا نحس بإيقاع الغضب مما يدفعنا عاطفيا للقصيدة ويكسر فينا الالتحام بالسياسي والاجتماعي علي نحو غير جمالي
أنظر للسطرين الأول والثاني علي سبيل المثال وحاول أن تقطع الكلمات علي وزن التفاعيل لكي تري اللهاث السريع الذي تتابع به الشاعر في انفعاله وغضبه
(هل أتاك حديث الحشود التي اعتصمت برغيف الأسى
كلما نسجت خيط أمنية صادرته العناكب )

2 – اتكاء القصيدة علي الصورة في كل سطر من سطورها تقريبا أدخلنا إلي مواجهة الجمالي بشكل كبير وأبعدنا عن مواجهة السياسي والاجتماعي وطرق التصوير كثيرة جدا في النص ولكنني سوف أجتزئ بالإشارة إلي بعضها
لننظر لهذا المقطع

ما عاد في وطني شجر الحلم يزهر،
يطلق رائحة النار؛
تغشى خيام الصعاليك قد دفنت كل أسيافهمْ
فتقاعس خيل الأمير المزيف
نامت على جسد النغم البضّ كل المراكب

لننظر إلي شجر الحلم وسوف نري الكثير من الصور بهذه الطريقة البسيطة ( طريقة الإضافة ) مثل (رغيف الأسى - خيط أمنية - رائحة النار - جسد النغم البضّ .. إلخ ) إن الإضافة تجعل الصورة سريعة ومركزة

ولننظر إلي السطر الثاني في المقطع السابق
يطلق رائحة النار
إن هذا السطر متعلق بالسطر قبله تعلقا دلاليا لأن الفاعل في فعل( يطلق ) يعود إلي شجر الحلم فيما أري
ولكن ( رائحة النار ) تتعلق دلاليا بالسطر بعدها
تغشى خيام الصعاليك
لأن الجملة هكذا فيما أري (تغشى رائحة النار خيام الصعاليك )
هذا التعلق الدلالي حل بطريقة سهلة وهي جعل جملة (تغشى خيام الصعاليك وما بعدها ) جملة حالية لكلمة ( رائحة النار ) وبهذا جعل الشاعر ( رائحة النار ) متعلقة دلاليا بالسطر قبلها وبعدها
أما الصورة في السطر الأخير من المقطع
( نامت على جسد النغم البضّ كل المراكب ) بطريقة النغم الختامي الذي يبلور الألحان المتعددة التي دارت في المقطع , تصوير للحالة التي آل إليها الواقع العربي فالصعاليك ( رموز الخروج علي الواقع السياسي ) قد دفنوا سيوفهم فلم يعد هناك إمكان للخروج وبالتالي فإن خيول الأمير قد استكانت للراحة والدعة فالركود يعم الوقت والمكان ولا من شئ يخيف
وبالتالي أتت جملة
نامت على جسد النغم البضّ كل المراكب
لكي تصور حالة الركود العامة للفريقين معا

هذا بعض من كثير وربما أعود لهذه القصيدة الجميلة التي أرجو أن تستمتعوا بها- يوما ما-
وأرجو من الشاعر أن يتدارك الهنات النحوية التي نوهت عنها مع تطويع الوزن الشعري



كوكو

الأخ الفاضل المسمى كوكو
تحياتي الحارة وتقديراتي الخالصة

لقد اطلعت على التفسير الذي فسرتم به قصيدتي رغيف الأسى،
فوجدته من الأهمية بمكان، لأنه أفلح بشكل كبير في استيعاب الحيثيات الدلالية والجمالية للقصيدة، مما يجعلني أنوه بالذائقة النقدية الصافية التي تتمتعون بها، وسوف أثبت ذلك التفسير في موقعي الرقمي، ولا أدري كيف تريدون أن أدخل مقالكم في الموقع، على هذه الحالة التي كتبتموها به، أم لديكم ملاحظات أخرى وإضافات تخص العنوان وغيره، تريدون أن تقوموا بها، كما أنني أعدكم بأن أرسل إليكم النسخة الإلكترونية لإبداعاتي الشعرية.
أما فيما يتعلق باشتغالي النقدي، فهو متعدد، إلا أنني في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى الكتابات الفكرية، فإنني بصدد كتابة رسالتي للماجيستر، وموضوعها هو: الشعر العربي بين سلطة المعيار ولذة الانزياح، وهي مسجلة لدى الجامعة الحرة بهولندا.
كما أنه يبدو لكم من خلال الموقع أن الكثير من مقالاتي وأبحاثي النقدية والأدبية ليست مثبتة فيه، لأن كتابتها يتطلب الوقت الطويل، ولا أثبت في الموقع إلا الكتابات الجديدة، وريثما تتسنى لي فرصة زيارة الوطن، سوف أكلف من يقوم بكتابة تلك المقالات والأبحاث.

وتقبلوا احترامي الكبير.
أخوكم: التجاني بولعوالي

أخي الفاضل / التجاني :97:

أولا : أشكر لكم ما تفضلتم به
ثانيا : أعتذر عن خطأ غير مقصود وقعت فيه في تعليقي علي القصيدة أن القصيدة من بحر المتقارب والصحيح أنها من بحر المتدارك
ثالثا : أرجو أن تتحفنا ببعض القصائد الأخري لأن موقعكم الخاص لا تفتح به علي الروابط عندي إلا قصيدة واحدة من المجموعة وسوف أتمهل لأري هذه القصائد ويكون لي وقفة شاملة مع مجموعة بعينها من القصائد أو ديوان بكامله
فنحن بكل حال لا نستطيع تقييم تجربة شاعر في حجمكم من خلال قصيدة واحدة وإنما يمكن ذلك من خلال مجموعة من القصائد نستطيع أن نري فيها السمات الفنية للشاعر المدروس كما أن تعليقي البسيط لم يتناول القصيدة تناولا كاملا إنما كان مجرد محاولة لتقريب القصيدة للمتلقي فهناك من الجماليات في القصيدة الكثير والكثير
رابعا : أرجو أن تمهلني قليلا لضيق وقتي فأعمالك تستحق الدراسة الجادة وكان ما كتبته أنا بسرعة لا يوفيك حقك من الدرس والتحليل
ولكن لك الحق المطلق في التصرف فيما كتبته عنكم فهذا قليل جدا بالقياس للشعر المدروس
خامسا : كنت أتمني أن أري بعض أعمالك النقدية وخاصة التطبيقية منها


أما اسمي فلا حل لي فيه
وتقبل تحياتي


كوكو