اقتباس: بهجت كتب/كتبت
إن الفلسفة بشكل أو آخر هي فكرة ذاتية غير موضوعية ، و بهذا يمكن اعتبارها شكلا أدبيا أو تعبيرا ثقافيا عن عصر بعينه .
الزميل المحترم / بهجت
تحياتي الطيبة
بالتحديد هذا هو ما قصدته و هو الغرض من مجمل مداخلاتي. و فكرة موت الفلسفة هي تخليها عن أن تكون وسيلة منهجية يعتمد عليها للمعرفة.
و أعتقد أن هذا المنظور للفلسفة هو ناتج نقد و تحطيم الصروح الفلسفية بواسطة مفكري الماركسية و الوضعية و غيرهم بعد تطور المنهج العلمي - و ليس نظرة ذاتية من الفلسفة و الفلاسفة لها - و لم تكن من ضمن فروض العاملين بالتفلسف.
اقتباس:إن الطبيعة النظرية للموضوع الفلسفي تجعل اختباره مستحيلا و بالتالي فاليقين لا معنى له .
لا يعيب نشاط فكري أن يكون ذو يقين لا معنى له أو يستحيل اختباره - كالأدب و الفنون ..إلخ. و هذا بفرض أن هذا النشاط الفكري لا يقصد ذلك من الأساس .. و لكن هل الفلسفة نشاط فكري لا يهدف اليقين؟
الفلسفة فكر ممنهج - يحده و يؤطره المنطق - و هو ذو مسلمات و فروض و عمليات منطقية و نتائج تنشد تبعا اذلك اليقين.
اقتباس:إن الفلسفة هي أكثر الممارسات تجريدا و لا تتحقق إلا عند مستوياته المطلقة ،و بالتالي هي مستحيلة على العقل المتشيء الذي لا يدرك إلا خلال الأشياء .
أكثر الممارسات تجريدا هي العلوم الصورية (المنطق - الرياضة) و أعتقد أنه لو اقتصرت أبحاث الفلاسفة عليها لما وجدت أي مشكلة.
و أعتقد أنه على العكس من ذلك كانت خطيئة الفلسفة في الخلط بين المفاهيم التجريدية لتلك العلوم الصورية و بين الواقع.
لا يمكن أن تجد فلسفة مجردة تماما من الواقع - فهو في مسلماتها أو نتائجها أو بين بين و إلا لأصبحت منطق صوري خالص.
بل أسمح لنفسي بقلب جملتك و اتهام الفلسفة بتشيء المفاهيم التجريدية.
إن العلوم الصورية تولد قوالب فارغة يمكن ملئها بما شئت - واقعيا كان أو ميتافيزيقيا - و في الحالة الأولى يمكن الحكم على النتائج - بينما تستحيل في الحالة الثانية.
الميتافيزيقا كلها تشييء لأوهام و حشر مفهوم ميتافيزيقي في نسق فلسفي منطقي سواء كمسلمة أو كفرض يساوي نتائج إما خاطئة أو لا علاقة لها بالواقع و هذا بالرغم من التسلسل الممنهج المنطقي للنسق ككل.
اقتباس:إن العلاقة بين الفلسفة و العالم الواقعي هي علاقة واهية جدا ،و لهذا تبدوا الفلسفة عديمة أو ثانوية القيمة ، مادام لا توجد في النهاية معايير مرجعية للحكم على القضايا المطروحة .
أتفق مع سيادتكم تماما لكن أعتقد أن العلاقة الواهية هي بين نتائج المباحث الفلسفية و بين الواقع و هي ليست كذلك في النسق ذاته. و افتقادها للمعايير المرجعية للحكم على القضايا التي تطرحها هو ناتج طبيعي للخلط بين المفاهيم التجريدية و الواقع و تشييء تلك المفاهيم.
اقتباس:إن الفلسفة لن تزيدنا علما بالكون ولا حكمة في التعامل معه ،و لكن كي نقدر الفلسفة علينا أن ننظر إليها كآليات و عمليات عقلية متنوعة و ليس كمنتجات نهائية
يمكننا الآن أن ننظر للفلسفة كتمارين عقلية ليس إلا - و أن ندرسها كما ندرس تاريخ الأديان - لكن كلاهما كان يدعي اليقين أو على الأقل محاولة الوصول له. و من المفيد أن نحاول فهم أين أخطأت تلك المحاولات.
أحب أن أنظرأن الفلسفة هي مرحلة مراهقة للعقل الإنساني. نتجت عن التقدم الهائل بالعلوم الصورية التجريدية - دونما تقدم يوازيه واقعيا و في العلوم التجريبية.
يحدث أحيانا أن تكتشف معادلات أو نظريات شديدة التعقيد و التجريد بالرياضيات (فارغة بالضرورة أو مفهوم مجرد) لا يوجد ما يملأها بالعالم الواقعي (الفيزياء) - ثم تلحق الأخيرة بها بعد فترة لتملأ هذا القالب الفارغ.
و الإنسان بطبعه ذو عقلية متشيئة - و التفكير هي عملية معقدة من تشابك المفاهيم التجريدية الإنسانية الخالصة - مع الأشياء.
الخلط بين المفاهيم المجردة و محاولات تشيئها من جهة و ملئ القوالب الفكرية الفارغة بالميتافيزيقا من جهة أخرى أدى لطريق مسدود.
و هو ما قد بدأ يتلاشى بتقدم موازي للعلوم التجريبية ذات الصلة المباشرة بالواقع.
في إنتظار تعليقك و مداخلتك القادمة - أهديك خالص التحية ..