سياط البوح |قصة |
(( لن أحصي النجوم و لا الخوف العالق في ذهني . لن أحصي حتى حزني الراكد في بقايا الذاكرة . متورم جسدي بك . مللت لعبة الخسوف و الكسوف . كل ما حولي يضج بالانتظار .. بانتظار أن تلدني من جديد
آخر أهات الليل ترمي عباءتها على جسدي , لا أبكي سوى المنفى في داخلي و آخر أطنان الوهم التي جثت على صدري . لن أحصي ذاتي فكل شيء حولي يبوح بالموت . الخراب كبير و أنت موشى بحكايتي . خراب نفسي محرق . فهل سيأتي يوم لتضن عليّ بجسدي ؟
هل سيأتي يوم لتقتلني و أقتلك برصاص الوهم ؟
كل ما حولي مميت و لن أنتظر أن تدخلني ذاك القيد مرة أخرى . أرفضه لأني أريد أن أحتوي نفسي و أن أحبو فوق الذاكرة . لا وطن لي فقصائدي مزّقها الصدى .. لا جدوى مني مهنتي فقط احتراف الانتظار و الأمل . مللت الحياة . إني أتمنى الموت على أبواب الحكاية لأخترق مدّ حواجز الأزل. آلهتي تضن عليّ بقوت روحي , مللت آثام الحكاية . كيف أعض القيد و أخرج لبقعة المدى ؟
قلبي تعرفه الأزقة الغافية في النسيان . عريني من طهري و من صوتي . هديل الحمام في دمي تسرب ليديك فحط على شعري , لقد تعب مني المدى , بيروت منفى الحلم .. دعيني أحلق بين يديك قبرة الرحيل و أحتسي الوقت على مهل فالليل يهطل في دمي قطرة قطرة
حدث الوهم هو إزميل حكايتي فهل تريدني أن أبقى هنا ))
(( ستعملين معي و سيحلق القمر من بين أيدينا ))
(( ماذا سأعمل ))
(( في مجال الإعلام و الصحافة ))
(( يحط الليل أولى حروف أبجديته في صحراء جسدي فهل لك أن تساعدني ))
ابتسمت له ابتسامة حزينة فكانت تلك أولى دروب القصيد المباح .
استدار إليّ أخيرا و وجهه يفوح بالخراب البكر تقدّم إليّ و قبّل يدي قائلا : (( وطننا دم الضعفاء المباح ))
خرجت من مكتبه .. و أنا أشتاقك اليوم على مهل و هذا سرّ حزني حنيني إليك
لم يكن الليل يذرف دموعه من ذاكرة الليل و أنت ما زلت تتدفق في قلبي . خرجت و الليل يدق أعناق الوهم الحائر ...
لا تبعدني عن غمامك الظاهر في المنفى فهذا جسدك عتقني به .. عتق غيث صدري
يا ليل وحّد اشتياقي بك و عرني من طهري لسعة برد توحي بهدوء نفسي مربك ,, هل أهذي بك أم بالورق المصطّف كما جدران ذاكرتي ..
أمتلىء ربيعا و شوقا و نفورا إليك . حاولت أن أتقلد لعنتي الذكورية .. أن أرمي بشباكي نحو سهول القمر . لن أدعك تصطادني هذه المرة , سأمتطي الشهب لأبعثر مفردة الشوق و الشوق المسافر
عتّق غمام صدري النازح , بشِّّر بجرحي على الورق .
خرجت من مبنى الجريدة .كان لقاؤنا صدفة غريبة في أوراق القدر المباغت لك يكن قصيدة أو لعنة جديدة , كنت أنت بما تكتنزه في جسدي من مخالب الأنوثة التي أود أن اغرسها في وجهك
دائما جدول الأحزان ينسانا كجدول قدر نرمي فيه أسلحتنا المبهمة , لا ريب أني ألامس جدار المدى , أهز قشعريرة الحنين فيه . فهل عيناك كل لغات العشق أم أن رسائل الوله البيضاء تستحق أن أدون فيها أبجدية الأزل من جديد
بكيت الغمام الظاهر في المنفى و صدري يشتعل بوطني المحتضر . تأوهات المكتب الجديد رتيبة .. مصطفة حتى السقف الأعمى .
مرة قرأت فيها وهني ... فجأة عدت لوعيي الشارد ..
استدعاني نبيل إلى مكتبه .. لكن للآن لم أفهم طبيعة عملي . أعرف أنه في مجال الإعلام .. لكني لم أفقه شيئا هل يريدني وردة برية أخرى بجوار قطته تلك التي تقطن في أول الرواق . نظراتها تشعرني بالمهانة و تثير الرعب في قلبي . لكني كنت أشير لها برأسي بذاك الازدراء المتبادل فيما بيننا
نفضت ذاكرتي و اتجهت صوت الصوت المرتجف ..
(( ادخلي برفق دون أن تخدشي حنين اللحظة ))
ضحكت بأعلى صوتي و نظرت إليه بارتياب ..
تابع قوله : (( قفي في تلك البقعة المضاءة بظلالي ))
(( لما تريد أن تستبقيني رهينة ظلالك ))
(( لأنك خلقت من بوحي ))
(( لكني أرفض قيدك الشرقي ))
ضحك بصوت عال فانهالت سياط أنامله على خصري , حرقه بأناته المستديرة . بدأت أدوخ و أهذي بوجهك من جديد فما زلت جرحي الممتد عبر مسامات الذاكرة
كأن نبيل أدرك انزياحاتي العاطفية فوضع إصبعه على جرحي و أخرج نيازكي الليلية و جعلها تصطف أمام ناظري : (( اقتربي ))
أزاح الستارة عن البلور المكتظ بضجيج المدينة
(( هذه المدينة ستكون أسطورة مجدك ))
تطلعت إلى المدى ببرود و كأن الحلم لم يفصل على مقاس جسدي . أحببت لعبته الرجولية تلك و راوغت لأتخلص من ضيق أنفاسه على كتفي المكشوف للنور , حاولت التملص منه لكنه همس : (( ستبقين معي ))
(( لما اخترتني و ذئبتك تلك تعوي في الخارج ))
(( لقد استنفذت فرصة التحليق معي من جديد و أنا أحببت أجنحتك المذهبة لأني سأقلمها كما أهوى ))
(( لكنك ستخسر ذاتك ))
(( ستكونين معلقة نصري ))
(( ستكون معلقة أشواكي البرية ))
من ضعفي سأهوي لأعلن حداد المواسم على شفتيك و أخيرا جعلني افلت من يديه فهربت منه إلى خارج مكتبه لكنه استوقف ذهولي
(( مساء ستذهبين معه إلى حفل تشهد الريح أنه سيكون بداية لنجمك اللامع ))
لم ألتفت إليه محاولة استدراك الوقت و الذاكرة و المنفى الظاهر في أحداقي . المطر يهطل برفق ليدق أعناق الوهم العابر
الليل يوهن كاحل المدينة .. نزق جسدي بك و به , سأحاول أن أرتله بقعة بقعة بعيدا عن أنفاسكم
سأسحق صوتي المتردد في ساحات ذاكرتي , سأطفو بوجوه أخرى فلا ضوء يغازل العتمة
ثياب الحفل خارجة عن إطار لوحة الزمان , وجوه غريبة عبارة عن هجين السعادة و الألم الباذخ . أما أنا كان وجهي يتوسط الدهشة . رجل ما يتلوى أمام امرأته ليصل إلى ظهرها العاري و نيرانه القاذفة تشتعل بجمر خافت
يد نبيل لم تفارقني طوال الحفل . قدّم لي كأسا من النبيذ المعتق بلون عينيك
كل ما حولي يضج بك من جديد , تفاصيل وجهي تلفحها أنفاسك . شربة الكأس الأول دفعة واحدة . شعرت بدوار مفاجىء فتمسكت بيد نبيل
صب لي كأسا آخر و ابتسامته الماكرة تنصب لي شباك الوهم العاثر . ارتشفت الكأس على مهل و هذيان الدوار لم يفارق همساتي
تمسكت بنبيل أكثر وضعت خدي على كتفه . شعرت بحاجتي لبكاء مباغت فأمرني بنظرة من عينيه أن أستعيد وعيي
أشرت له أن نجلس في زاوية مخمرة بأضواء خافتة . لكنه لم يكتف برأسي المتكىء على صدره فأخذت أنامله تتغلغل لشعري و من ثم لشهقة فستاني الأبيض .حينها عادت اللبوة لتزأر في دمي و ابتعدت عنه بنفور و بدأت أعدو صوب الحشود المتركزة في دمي
لكنه لم يتركني أفر من بين أنيابه .ز كان يروض جرحي بضراوة مقاتل محترف
برعم جرحي كان لا يزال يتأوه لملمس يديك الفائت , أمسكني من رسغي و ضمني بلطف و بدأ يراقصني على ضوء القمر
اقتربت منه أكثر و عانق وجهي أعشاب صدره فمرغت شفاهي على جلده العاري
تأوهت : (( كم اشتقت إليه ))
صفعني على خدي تنبهت حينها أني لازلت أهذي بك فبكيت بحرقة و ضمني إلى صدره أكثر
و توحدت به اكثر , لجرحي طعم اليمام حين يهاجر بعد ألق مرواغ , عدنا للحفل التائه و المكتظ بمشاهير المدينة . أخذ يمرّ بي عليهم واحدا تلو الآخر و يعرفهم بي كأني نجمة تركت مجرة الأشلاء ليتوجوها ملكة على الأفلاك المستقرة في بحر الشجن
حاولت أن أبعد مارد وجهك عني من جديد لأجاري الحفل المحتشد . بدأت أمسك خيوط اللعبة .. سأكون امرأة الوقت
وقع نظري على رجل لم أعرفه .. أبقيت عيني عليه لبرهة .. تساءلت من يكون هذا الرجل .أنا أعرفه لكن متى رأيته .لا أذكر
تنبه نبيل لتصرفاتي و شدني من يدي قائلا
(( أنت لي ))
أجبته بحنق ظاهر : (( أنا لست ملكا لأحد فقائمة أعمالك تندرج خارج خارطة قلبي , قلبي ملك للورق فقط أما جسدي أهبه لرغبتي بك فقط ))
تركته حينها يجتر غضبه ...مضيت و لا زال حزن السنين يعمل فأسه في صدري . يحاول أن يقّطع حطب الذكرى واحدا تلو الآخر . لن أدع رجلا آخر يرى مدى عشقي له
ترقبت نبيل من بعيد فعرفت أنه بدأ يهوي في مصيدتي الأنثوية . ليس من الصعب أن نضرم نيران الحب في قلوب الرجال من حولنا لكن من المحال أن يشعل آخر فينا فتيل الوله بعد حب مضى
لكني لن أبق كما أنا سليلة القيد الشرقي .. سأكون سليلة البوح سأنتقم لقهر جداتي المنتشر في جسدي منذ آلاف السنين
مهدك الرجولي لا زال يداعب أحلامي لذا حاولت التخلص منه بلجوئي إلى عاشق آخر يتربص بي
اقتربت من عاشقي الجديد و كأسي يتشدق بشراهة امرأة غاوية (( أذكر ملامحك لكن أين رأيتك ((
فابتسم لي (( لا أحب أسلوب المجاملات البليد ))
(( وجهي طالع غيابك حين ارتطمت بحائط المنفى في عقلك الباطني فرميت لك بوردة نارية و مضيت ))
تتابعت الرؤى في داخلي ..
(( أنت هو إذا ))
(( نعم يا سيدتي ))
انحنى و قبل يدي ...
(( دعني أغازل الضوء في عينيك الليلة , فهل تسمح لي أن أرافقك خارج هذه السهرة المملة فأشواكهم بدأت تغرز سمها في جسدي ))
توسدت ذراعه و لم اسأله حتى عن اسمه .. و لم يسألني عن اسمي
جلست في سيارته و تمنيت أن يأخذني إلى الجحيم لأحترق فيها على مهل .لتبتلعني نيرانها من جديد و أهوي فيها رويدا رويدا . كان الليل ثالثنا و أضواء المدينة الحزينة تلقي ظلالها على وجهينا . اقتربت منه فأنا أحتاج لصمته أكثر من عقمي النفسي . أريد أن أخرج إعاقتي النفسية على دفء صدرك . أحتاج رجولته هذه الليلة
سأعلن الحب على جسده هذه الليلة , سأخرج من كهفي المسحور .. فآهات جداتي المسحوقة في فنجان الرجولة منذ آلاف .. سأعض القيد و أبث أنيابي في حنايا رجولته الشهية
سريره الأبيض مكتظ بذكريات لم تلامس وجداننا قط , اختلاجات متعاقبة و شهوات منارة في وسط الدهشة
كنت امرأة الوقت و كان رجلي العابر في منتصف الحلم . تأوهت بشدة .ارتعاشات البوح .. انتهيت منه و غرزت أظافري على جلد ظهره و تركت مخالبي المطلية بدماءه تترك بوحها بشكل منمق
حفرت أخدودا على ظهره لن يندمل قبل جفاف جرحي الأزلي , لا شيء سيطفىء وميض الحزن في عينيّ سوى صوتك حين يركع على شفاهي
|