لنتحدث الآن بلغة أخرى، لغة اليمين واليسار، لغة جان ماري لوبن وبرلسكوني وغيرهم.

الدنمارك هي الدولة الوحيدة -حسب ما أعلم- التي يوجد فيها حزب يميني اسمه حزب اليسار، وهو الحزب الذي يشكل الحكومة بالتعاون مع حزب الشعب الدنماركي اليميني المتطرف.

في الدنمارك، منذ بضع سنين، وقبل أحداث سبتمبر، تتبع الدولة سياسة الاندماج، وهي سياسة تسعى إلى إزالة الهوية الثقافية والعرقية للمتجنسين الجدد حتى يصبحوا دانماركيين ثقافة ولغة وعقلية.

بغض النظر عن هذه السياسة، ومدى قبول البعض لها، وأسجل هنا أنني أرفض أن يربط بقائي ودخولي بلد ما أن أتنازل عن معاييري ومفاهيمي للحكم على الأشياء، وعن حقي بنشرها بين الناس عموما وأبنائي خصوصا.

اتجهت الدولة إلى دراسة مجموعة من القووانين وتطبيقها، تحول بين القادمين الجدد والدانمارك، وتؤدي إلى جعل البيئة الثقافية غير محتملة للغير مندمجين، بما يؤدي إلى رحيلهم قانونيا وطوعا، بما لا يزيل المكياج الانساني عن الوجه العنصري القبيح.

صور محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيفة اليمينية يولاند بوستن لم يكن المقصود منها أن تنتشر عالميا، لم يكن المقصود منها إلا جس نبض الجالية الإسلامية في الدنمارك، تمهيدا لتمرير كمشة من القوانين ليس أقلها قانون منع الحجاب في المدارس الرسمية أسوة بفرنسا، وقد تشمل منع الذبح الحلال في مسالخ الدنمارك، تقريبا لا يوجد ذبح دجاج حلال في الدنمارك، وقد تشمل إلزام المدارس الخاصة بدنمركة الطلاب.

ثم خرج الموضوع من البلد، وأدى إلى ما ليس متوقعا، وهو لم ينته بعد، لا داخليا ولا خارجيا.

مع التحفظ على بعض وسائل التعبير، ورفض بعض وسائل التعبير الأخرى، فإن علينا أن نذكر الناس أن مليارا وبضعة ملايين لا يمكن أن يتفقوا على طريقة واحدة بالتعبير.

من الطبيعي أن يتوزع هذا المليار تحت الناقوس الطبيعي، فنجد أقلية متبلدة وأقلية متشددة، وبينهما أعلبية متوسطة.

ومن الطبيعي أن ينظم سير هذا المليار، لكن ممن؟
من يملك الصلاحية لتسيير الناس؟

حسب الأصول الفقهية المتبعة عند السنة وهم أكثرية المسلمين، فإن الإمام المبايع هو الذي يطاع إن أمر بالمعروف، وعصيانه فيه عصيان لله ورسوله، وهذا غير موجود.
وحسب الأصول الفقهية المتبعة عند الشيعة، وهم مع السنة يشكلون الأغلبية الساحقة، فإن الإمام المعصوم الموصى به هو من يأمر فيطاع مطلقا.

لذا فإني أتوقع ردود فعل من المسلمين تتراوح بين منتهى التشدد في التعبير، بما في ذلك استعمال الوسائل المادية، ومنتهى التساهل في التعبير بما في ذلك تشجيع الدنمارك والغرب على المزيد.
إضافة إلى ردود فعل بينهما.

أما الدنمارك، فهي دولة من حمسة ملايين نسمة، مضبوطة اليوم بدولة، هذه الدولة تحكم اليوم من قبل تحالف بين اليمين واليمين المتطرف.
ليست إهانة محمد شيئا اعتباطيا، بل هي جزء من برنامج مرسوم لدمج الأقليات المهاجرة قسرا في المجتمع الداني، اي المجتمع الدانمركي ذي الأصول الدنماركية.
الأقليات الوحيدة التي حافظت على خصوصيتها هي الأقليات المسلمة، والتوجه للدمج هو ضدها أساسا، وصور محمد مقصود منها قياس حرارة ردود أفعالهم.

ردود الأفعال العالمية أدت إلى إحراج الحكومة، وإلى خروج دنماركيين يساريين مناهضين للتعصب، يرفعون رايات "نحن آسفون" ورايات "لا للنازيون الجدد" ورايات "أوقفوا الفاشية ضد المسلمين". وكانت هذه المظاهرات لدعم تظاهرة للمسلمين الدنماركيين في ضواحي كوبنهاجن.
هذا كله لا يغير الحكومة، وإن كان يحرجها ويوجد رأيا ضدها، قد يصبح رأيا عاما.
ما يغير الحكومة في بلد رأسمالي كالدنمارك هو تغير مصالح رجال الأعمال المسيطرين على السياسة من وراء الكواليس، وكدولة زراعية رأسمالية، تعتمد على الانتاج الحيواني بشكل رئيس، فإن قطاعي الحليب واللحوم هما من أهم قطاعات الانتاج الدنماركية.
إن تأثرت مصالح آرلا ومورسك وغيرهما من الشركات الكبرى، فإن ساعات بقاء الحكومة تصبح معدودة.