على ماذا يضحك الفلسطينيون بعد الانتخابات؟
بقلـم: د. نادية نصر نجاب
منذ إعلان نتائج انتخابات الـمجلس التشريعي يعيش الكثير من الـمواطنين حالةً من الصدمة، ويبدو أن أغلبهم لـم يفق من هذه الصدمة بعد.
ولعل ظاهرة تبادل النكات بشكل واسع خلال الايام القليلة الـماضية بين الـمواطنين، تعكس أفكاراً غير معلنة تدور في أذهانهم، وعبروا عنها عن طريق النكات. ويبدو أن الكثير منهم كان يتوقع فوز حركة حماس، لكنه آثر عدم الاعتراف بذلك، وبقيت تلك التوقعات في العقل الباطن لكثير منهم. وعند إعلان نتائج الانتخابات ظهر الصراع الداخلي لدى كثير من الـمواطنين إلى العلن وتم التعبير عنه عن طريق النكات.
لقد فسرت الـمدرسة التحليلية (الفرويدية تحديداً) النكتة، على أنها نوع من أنواع التعبير عن اللاشعور والأفكار غير الـمعلنة، وأن قوة النكتة تكمن في هدفها. وعادة تكون الأفكار غير الـمعلنة مؤلـمة ومستفزة تؤدي الى صراع نفسي كبير لدى الفرد، وتعبر النكتة عن نقد لواقع يصعب نقده بشكل مباشر وصريح، لذلك يلجأ الناس عادة الى النقد عن طريق النكات.
وإذا نظرنا إلى أكثرالنكات تداولاً في العالـم العربي سنجد أنها النكات الجنسية والسياسية (وهما من التابوهات التقليدية في الـمجتمعات العربية) بشكل عام، وتقول الـمدرسة التحليلية: إن الفرد يضحك للنكات الأكثر استفزازاً وإيلاماً للذات. وترى أنه يمكن اكتشاف اللاشعور لدى أي شخص من خلال تحليل ودراسة ما يثير ضحكه.
ويتداول الـمواطنون الفلسطينيون عادةً الكثير من النكات السياسية التي تعكس آراءه تجاه مراحل سياسية معينة. إلا أن الأيام القليلة التي تلت إعلان نتائج انتخابات الـمجلس التشريعي شهدت تداولاً لافتاً وغير مسبوق للنكات السياسية الـمرتبطة بفوز حركة "حماس"، فقد تم رصد ما يفوق الـمئة نكتة في غضون أيام قليلة وتم تبادلها بشكل سريع وواسع وبوسائل اتصال عديدة وسيطرت على أحاديث ولقاءات قطاعات واسعة من الـمواطنين0
إن الدلالة لذلك تكمن في أن الكثيرين لديهم مخاوف كبيرة من الأداء الـمنتظر لسلطة تقودها "حماس"، وخاصة من ناحية برنامجها الاجتماعي الـمتشدد. وقد آثروا التعبير عن نقدهم وعدم تقبلهم لذلك البرنامج عن طريق النكات والضحك لأن هذا أقل إيلاماً من النقد الصريح والواضح.
وقد تميزت النكات بالسخرية التي تعبر أيضا عن لوم الذات والنقد الذاتي، حيث يعيش كثير من الـمواطنين صراعاً في داخلهم بين الرغبة في معاقبة حركة فتح عن طريق فوز حماس وبين عدم الرضا عن فوز حركة حماس، وقد يفسر ذلك أن كثيراً من أصوات الناخبين التي أيدت حماس لـم يكن اصحابها مقتنعين ببرنامج تلك الحركة وإنما ارادوا معاقبة حركة فتح على مجمل الاخطاء التي ارتكبتها السلطة التي كانت تتفرد بقيادتها وإدارتها.
و علينا ادراك أن النكتة القصيرة تعكس نقداً شاملاً يتجاوز بكثير مدلول الكلـمات الـمحددة التي تتضمنها، فمن الـلافت في تلك النكات أن معظمها يتركز على النواحي الاجتماعية التي لها علاقة بالتشدد وتقيد الحريات الفردية والإرهاب الفكري. ومن الافكار غير الـمعلنة التي ظهرت عن طريق النكتة الاشارة الى أفغانستان والحكم الـمتشدد لطالبان مثل: "هناك قرار بتغيير اسم سرية رام لله إلى نادي قندهار" ، فهذه النكتة القصيرة تعبِّر عن نقد لحكم متشدد بما يشمله من مؤسسات وأحكام وقوانين.
ولعل استخدام تحية الإسلام ( السلام عليكم ) على سبيل الـمزاح بشكل متكرر بين كثير من الـمواطنين إنما يعكس تخوفاً و نقداً مسبقاً لحكم متشدد قد يصل الى حد فرض الكلـمات والتحيات الـمستخدمة ويعبر عن مخاوف من ارهاب فكري قد تفرضه سلطة حماس المقبلة. ويرتبط بذلك النكات والتعليقات الساخرة عن الأقلية الـمسيحية الفلسطينية مثل دفع الجزية؛ ما يعبرعن مخاوف من سلطة متشددة لن تحترم حرية الاقليات الدينية.
كما يمكن لدى قراءة النكات ملاحظة بعض التفاوت بين الـمتداولة في قطاع غزة وتلك الـمتداولة في الضفة الغربية، حيث تضمنت النكات في غزة نقداً لأداء حماس الـمتوقع عند استلام السلطة حول تسيير أمور الناس وردود فعلها الـمتوقعة على إطلاق الصواريخ من القطاع نحو أهداف اسرائيلية.
وإذا كان هنك غياب بشكل عام للطابع السياسي في النكات الـمتداولة فإن هذا ناجم عن اقتناعٍ بعدم جدية إسرائيل في محاولات التوصل الى تسوية سياسية بصرف النظر عن هوية السلطة الفلسطينية.
هناك مخاوف حقيقية إذاً، ونظره نقدية واضحة من قبل الـمواطنين الفلسطينيين لحركة حماس ولأدائها الـمتوقع كسلطة، والانتشار السريع للنكات و تداولها بين فئات مختلفة من الشعب إنما يعكس مخاوف نسبة ليست بسيطة من الـمجتمع الفلسطيني0 وعلى حركة حماس أن تأخذ تلك الـمخاوف على محمل الجد، وأن تعمل على إعادة النظر في برنامجها الاجتماعي والسياسي لبث الطمأنينة لدى الشعب الفلسطيني الـمثقل بهموم الـمعاناة اليومية والذي يتصدى لـمهمة إنهاء الاحتلال الاسرائيلي وتحقيق الحقوق الوطنية والتي تتطلب دعم الـمجتمع الدولي .
تبقى ملاحظة أخيرة هي أن تداول هذه النكات يعكس حيوية شديدة لدى الشعب الفلسطيني، كما يعكس ميلاً متزايداً نحو السخرية لـم يكن بالإمكان رصده في السابق بهذا الحجم والعمق، وأيضاً فإنه يعكس استعداد قطاعات واسعة من الـمجتمع لبناء آليات الدفاع الذاتي النفسي عما تراه حقوقاً أساسية لها مسلـماً بها، وترفض الانقضاض عليها أو الانتقاص منها0
صحيفة الأيام الفلسطينية