الدكتور الياس الزهروني :
[U]
مدير المؤسسات الوطنية الطبية في الولايات المتحدة الأمريكية في حديث لـ«جريدة الصباح التونسية ليوم أمس 24 جانفي 2005»:
http://www.assabah.com.tn/default.asp?Date=20060124
شعاره في الحياة «الحوار ثم الحوار ثم الحوار» فابرز العلماء والباحثين في نظره هم اكثرهم قدرة على الحوار وجمع الاخرين من حولهم. ادرك منذ بداية حياته المهنية ان البحث العلمي والمعرفة شان عالمي لا يعترف بحدود معينة ولا يرتبط بهوية دون غيرها. ذلك هو في كلمات الدكتور الياس الزهروني وهي كلمات قد لا تفي الرجل حقه مقارنة بما يحمله من القاب علمية وجوائز دولية فهو دكتور في الطب وهو حاليا مدير المؤسسات الوطنية الامريكية للطب ويتراس وكالة البحوث الطبية التي تجمع 27 مؤسسة وتشغل جميعها 27 ألف باحث او موظف وتحت تصرفه ميزانية قدرها 28 مليار دولار تخصص 10 بالمائة منها للبحوث الطبية وتقييم الخدمات الاستشفائية وتخصص 87 بالمائة منها لتمويل الابحاث الخاصة او التي تجري في مؤسسات اخرى.
قبل توليه منصبه الحالي ليكون المدير الخامس عشر للمؤسسات الوطنية الطبية الامريكية كان د الياس الزهروني النائب التنفيذي لعميد جامعة هوبكينز للطب ورئيس قسم التصوير بالاشعة في مستشفى «روسال» الامريكي. وقد عمل كذلك مستشارا لدى منظمة الصحة العالمية وقبلها عين مستشارا في ادارة الرئيس ريغن. وهو حاليا مستشار ادارة الرئيس بوش لدى الكونغــرس في كــــل ما يتعلق بميزانيتـــه السنويـــــة...
جزائري المولد والمنشإ، امريكي التكوين والانتماء دفعته المغامرة قبل اكثر من ثلاثين عاما الى مغادرة الجزائر وهو في الرابعة والعشرين بعد تخرجه من كلية الطب ليندفع نحو تحقيق الحلم الامريكي بعيدا عن مختلف انواع القيود والرواسب الاجتماعية. هناك بدا يدرك ان للكفاءات مكانتها وان عليه ان يقدم ما لديه ليكسب الرهان وهناك ايضا بعيدا عن الاهل والبلد بدات رحلة البحث الطويلة عن العلوم والابحاث التي ينقلها للاجيال الصاعدة بكل ثقة في النفس ولكن بكل تواضع واعتزاز ايضا. ولعل الطريف انه عندما تم الاتفاق على هذا اللقاء ان يكون الحديث مع الدكتور الياس الزهروني ولكنه حرص منذ بداية اللقاء على ان يمنح زملائه المرافقين له في هذه الجولة الكلمة الاولى للحديث معنا وان يعمل بالتالي على تطبيق فلسفته في الحياة. فكان هذا اللقاء المشترك الذي نقدمه لقرائنا الكرام....
* هل من تقديم لالياس الزهروني والمؤسسات الوطنية الطبية التي يتراسها ؟
ـ على مدى اكثر من قرن من الزمن كان هذا القطب الذي اتولى ادارته منذ اربع سنوات مركزا للابحاث العلمية والطبية في كل انحاء الولايات المتحدة وفي العالم. وتعود جذوره الى سنة 1887 عندما تم بعث اول مختبر طبي في مستشفى البحرية الامريكية بنيويورك. وقد امكن بعد ذلك تطويره من غرفة واحدة للاعتناء بالبحارة ومراقبة المسافرين القادمين على متن السفن وما يحملونه من اعراض لامراض معدية مثل الكوليرا والحمى الصفراء لمنع انتشار الاوبئة. واليوم فان مهمة هذا القطب العلمي قد اتسعت بشكل مثير لدعم الابحاث الطبية وتبادل المعلومات والاختبارات وتشخيص الامراض سواء المنتشرة او النادرة وتحديد استرتيجيات التصدي لها ومقاومتها. ولدينا 27 ألف اطار بشري من مختلف الاختصاصات العلمية بشكل مؤقت او دائم الى جانب 6الاف باحث في مختبراتنا الى جانب 212 ألف باحث موزعون في 2800 جامعة امريكية والهدف من كل ذلك مواصلة الاختبارات والبحوث الطبية..
تعاون علمي
* لو نبدا من السؤال الكلاسيكي هل من توضيح حول اهداف هذه الزيارة؟
ـ لقد تم الاعداد لهذه الزيارة منذ عدة اشهر وتحديدا بعد ان تلقينا دعوة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قبل حوالي ثمانية عشر شهرا وقد قررنا معا اقامة علاقات تعاون علمي وتكنولوجي وفقا للاتفاقية التي وقعت بيننا قبل عام لبحث امكانيات التعاون مع الباحثين في تونس. وزيارتنا هذه اقليمية تشمل منطقة المغرب العربي وقد كانت محطتنا الاولى من المغرب ثم تونس ونحن نستعد للمغادرة الى الجزائر وهذه الزيارة استطلاعية لاكتشاف ارضية التعاون المتوفرة في مجالات الابحاث والدراسات المتعلقة بالامراض المعدية وامراض الاطفال او غيرها مثل الشمنيوزا والكيس المائي..
* ما الذي استوقفكم في تونس وهل من تقييم لمجالات التعاون مستقبلا؟
ـ حرصنا قدر الامكان ان تكون زيارتنا ميدانية والا تقتصر على اللقاءات البروتوكولية والادارية بدون مجاملة ان ما امكن لنا الاطلاع عليه في مختلف المحطات الطبية والاستشفائية التي توقفنا عندها سواء في معهد باستور او مستشفى شارنيكول او مستشفى الاطفال او غيرذلك من الاقسام الطبية والاستشفائية جعلنا نقتنع باننا امام مجالات واسعة للتعاون ومد الجسور لتوسيع البحوث العلمية حول كثير من الامراض الجينية وامراض الطفل والامراض المعدية وميدان التلاقيح والوقاية او كل ما يمكن ان يتعلق بانواع معينة من الامراض المرتبطة بالمنطقة المغاربية او حتى الافريقية مثل الكيس المائي او ما يعرف بالجلف، كما اننا امام فرصة جيدة للتعاون في مجال التخلف الذهني وقد حضر معنا خبيران للغرض، وقد لمسنا تقدما في مجالات الابحاث والتجهيزات والجهود وهي ترقى في مجملها الى المعايير الدولية المعمول بها..
ربما شاءت الظروف التاريخية والجغرافية الاقليمية عموما ان ينحصر التعاون الطبي والعلمي في تونس مع الدول الفرنكفونية وقد حان الوقت ليمتد هذا التعاون الى الجانب الانغلوفوني هدفنا يتجاوز مجرد اقامة علاقات مع الباحثين في تونس فنحن نسعى الى التعاون الملموس والمثمر وهناك ارضية خصبة في هذا المجال وعلينا الانتفاع منها..
تعاون شمال جنوب وجنوب جنوب
* عمليا ما الذي يمكن تحقيقه من هذه الزيارة؟
العالم يشهد تطورا سريعا ومذهلا في ميدان العلوم والتكنولوجيات والافكار الجديدة التي لم يكن بامكاننا في الماضي التطرق اليها يمكن لمجالات التعاون ان تفتح امامنا طريق الاضافة من امكانية تبادل الخبرات والمعلومات الى امكانية انتاج ادوية مرخصة والاسثمار في مجال البحوث فيما يتعلق بالادوية وطرق العلاج الجديدة وعلينا ان ندرك ان بعض انواع الامراض المنتشرة في منطقة الشرق الاوسط او افريقيا قد لا تحظى باهتمام كبير في الاهتمامات والاستثمارات الامريكية.. وهناك مجالات التعاون الممكنة بين الشمال والجنوب والتعاون جنوب جنوب على ان تكون تونس نقطة الوصل في ذلك..
* وماذا عن التمويلات وكيف تحصلون عليها؟
ـ نقوم بتمويل المشاريع عن طريق اللجان الطبية ولدينا ميزانية شاملة تقدر بحوالي 800 مليون دولار 300 مليون منها تخصص للجامعات التي لديها شركاء اجانب و300 مليون دولار للابحاث التي تجري في الخارج مباشرة وما تبقـــى يخصص لتكويـــن الباحثــــين الدوليين وتدريبهم ولدينا اليوم 2700 باحث اجنبي يتدربـــون لدينا بينهم 500صينـــي..
* وماذا عن عدد التونسيين ؟
ـ عددهم خمسة في الوقت الراهن
ونحن مقتنعون باننا امام امكانيات بشرية تونسية هامة نامل ان تتلو هذه الزيارة خطوات ملموسة فالتقارب بين الباحثين من مختلف الاختصاصات والانتماءات مهم جدا كما ندرك ان امكانيات الباحثين الشبان العرب موازية لقدرات وامكانيات الامريكيين.
ـ لو نعود الى مسؤوليتكم على راس المؤسسات الوطنية الطبية الامريكية كيف يمكن تسيير مثل هذا القطب العلمي بكل ما يعده من الاف الباحثين والمتعاقدين في ميدان لا يتوقف عن التطور يوما بعد يوم؟
ـ ادركت على مدى سنوات طويلة في عديد المسؤوليات والمناصب ان افضل طريق للنجاح هو الحوار ثم الحوار ثم الحوار فانجح العلماء هم افضل المحاورون واشراك الجميع كل من موقعه افضل من التهميش والاقصاء واذا خفت من البحث العلمي فانك لن تنجح. من المهم ان يكون لكل مسؤول نظرة ثاقبة وقدرة على استقطاب الاخرين والانفتاح على قدراتهم وامكانياتهم وكسر الحواجز القائمة والعقد النفسية فالبحوث العلمية والطبية لاحدود ولا هوية لها وكل انجاز طبي يتحقق يكون لخدمة الانسانية ـ
ـ وماهي الجنسيات التي تتعاملون معها في مؤسساتكم؟
ـ كل الجنسيات وكما ان امريكا خليط من الاجناس فان مؤسساتنا العلمية كذلك تضم 30 بالمائة من الباحثين والمتدربين القادمين الينا من مختلف دول العالم في مقدمتها الصين والهند والاتحاد الاوروبي واليابان وكوريا
* لو نعود الى د. إلياس الزهروني الانسان والاب كيف كانت البداية في الانطلاق نحو هذه التجربة ولو كنت بقيت في الجزائر فهل كنت ستحقق ما تحقق لك اليوم؟
ـ ابدا من الاخير طبعا لا لو كنت بقيت في الجزائر لما تحقق لي ما حققته اليوم تخرجت من كلية الطب في الجزائر سنة 1975 كنت مولعا بالحسابيات والكيمياء اردت في البداية ان اكون مهندسا ولكني سرعان ما ادركت اني لا استطيع البقاء بعيدا عن المختبرات طويلا. في تلك الفترة كان مجال التصوير الطبي في بداياته ولا يزال محدودا وكان يتعين علي السفر الى الخارج لارضاء طموحي كانت الوجهة الاولى فرنسا ولكن عائلتي عارضت ذلك بشدة واعتبرت انذاك ان مجرد السفر الى فرنسا اشبه ما يكون بالجريمة وكانت الولايات المتحدة في تلك الفترة منفتحة على كل الكفاءات ولم يكن يفصل بين الجميع غير القدرة على النجاح والاستمرار اما في الجامعة فلم يكن لونك او هويتك امرا مهما والحقيقة ان الجهاز الامريكي في مجال العلوم والابحاث يبقى رائدا في نوعه وشعاره وان الكفاءات محدودة ولا يجب باي حال من الاحوال التفريط فيها. بعد ذلك لم يكن بالامكان العودة الى الجزائر فالاوضاع لم تعد تسمح بذلك..
امكانيات الباحثين العرب
* وانت تستعد الليلة للسفر الى الجزائر كيف يبدو لك مستقبل البحث العلمي في العالم العربي؟
ـ بكل قناعة فان امكانيات الباحثين من الشبان العرب لا تختلف في شيء عن امكانيات وطاقات الباحثين الامريكيين واشير هنا الى ان اقدم مدونة للطب في مكتبتنا باللغة العربية وهي لابن سينا وتعود الى سنة 1100..
اقول هذا وانا مقتنع انه على العالم العربي ان يستعيد مكانته في ميدان المعرفة ويتخلص من قيود الماضي فنحن بارعون في الارتباط بما فات وادارة ظهورنا للمستقبل.اما عن استعدادي للعودة للجزائر فانا جزائري وفخور بذلك ولدي شعور بالارتياح ازاء عودة الحياة الى طبيعتها في الجزائر واقبال الناس من جديد على الحياة ...
* بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر هل تم اقصاء باحثين من العرب والمسلمين عن بعض مجالات البحوث العلمية الحساسة؟
ـ عندما تم تعييني في هذا المنصب كمدير للمؤسسات الطبية الامريكية في 2002 كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر قد مر عليها حوالي العام وتم الاختيار من بين ثلاثة مترشحين واكثر من ذلك فان هذا الاختيار يخضع للبيت الابيض ثم يقع التصويت عليه في مجلس الشيوخ ولم يكن لجذوري او اصولي الجزائرية او العربية أي تاثير على هذا الخيار..
* وماذا عن تاثير القضايا السياسية الراهنة في كل ذلك؟
ـ القضايا السياسية المتعلقة بقضية السلام في الشرق الاوسط تظل من القضايا العالقة التي لا تزال تبحث عن حل عادل وهي بالتالي لا تقبل المزج في هذا المجال بين البحث العلمي والسياسة. من المهم جدا في حياتنا العملية ان نتخلص من كل انواع العقد وان نحرص ايضا على ان يكون ابناءنا من غير عقد فانا جزائري وفخور بذلك وليس لي ادنى عقدة ازاء زملائي..
هجرة الادمغة
* كيف يمكن الحد من تداعيات مسالة هجرة الادمغة في العالم العربي؟
ـ لقد باتت الكثير من هذه الادمغة تواجه صعوبات في الوصول الى اوروبا وهو ما يدفعها في الغالب الى امريكا ويمكن التوقف عن الكثير من الاسماء مثل احمد زويل صاحب جائزة نوبل المصري او غيره من الباحثين فالولايات المتحدة تخصص 2.8 من دخلها القومي الخام للبحوث العلمية ولا يسبقها في ذلك غير اليابان بـ2.85 ولهذا فلا بد من اقامة نوع من الجسر الصلب بين الباحثين الامريكيين والعرب وهناك اليوم ما يطلق عليه العودة اللينة للادمغة كحل لهجرة الادمغة وهي خطوة اساسية اعتمدتها الصين اليوم لتشجيع الادمغة المهاجرة على العودة لافادة دولها الاصلية وحتى اذا لم تكن هذه العودة نهائية فانها تكون محددة لمدة ثلاثة اشهر وتشمل مائة من الباحثين الصينيين كل سنة. وهناك ايضا امكانية اخرى لتوفير منح تشجع هذه الادمغة على العودة والاستمرارفي ابحاثها في مجالات اختصاصها ولاشك ان لهذه الدول علينا حق.
* هل يخيفكم الصينيون؟
ـ لا لا اعتقد انهم يخيفوننا...
* ما هو المطلوب بالنسبة للدول العربية في مجال البحوث العلمية؟
ـ ان تكون لديها رغبة حقيقية وسياسة لتشجيع الابحاث العلمية ودعم الجامعيين وتحديد رؤية واضحة لتحقيق هذا الهدف في اتجاه تعاون دولي موسع ومثمر..
* بعد الحرب العراقية قيل الكثير عن تهجير باحثين وجامعيين عراقيين الى الولايات المتحدة الى مدى صحة ذلك؟
ـ ما اعرفه ان وزير الصحة العراقي كان في الولايات المتحدة لمدة خمسة عشر عاما وان غيره ايضا وهم كثيرون قد بدأوا العودة ايضا اما غيرذلك فان الابحاث تكاد تكون منعدمة في العراق طوال العشرين عاما الماضية على الاقل.
* هل يسير ابناء الياس الزهروني على خطى والدهم.؟
ـ ابنائي الثلاثة من مواليد الولايات المتحدة اكبرهم اختار المحاماة وهو ناجح في عمله والثانية اختارت الطب والثالث مازال في بداية الطريق....