اقتباس: بريق كتب/كتبت
بعض المهرجين اقترح إن تلقى قنبلة نووية على س1وريا ، في لغة ساخرة ، المقصد منها الرفض لأي تدخل دولي - وأمريكي بالتحديد - ، وذلك بالتقليل من هول جريمة اغتيال الحريري ، وكأني به يقول : لأن أمريكا تستفيد من تداعيات هذا الاغتيال ، فلابد إن يذهب دم الحريري هدرا .
شكراً على نعتك لي بالتهريج يازميل.. :)
ما علينا..
الأن أنا أحاول أن أجد إجابة لا تستفزك ولا تعتبرها أنت تهريجاً, برغم أن سؤالك في حد ذاته هو بالنسبة لي التهريج بعينه.. لذلك إسمح لي أن أسجل إجابتي في شكل نقاط حتى لا أستغرق في السرد..
1- لا أرى أن مقتل الحريري هو الجريمة الأكبر التي قام بها النظام السوري. دم الحريري ليس أغلى من دم أي لبناني أو سوري إغتاله ذلك النظام الإستبدادي الذي تلوثت يداه بكل أنواع الفساد والقمع على مر سنوات طويلة. لذلك فأنا لا أفهم لماذا تريد معاقبة النظام السوري على جريمة إغتيال الحريري وفقط. فما هو وضع ضحايا حماة الذين أبادوهم بالطائرات الحربية؟!!
المعتقلين السوريين الذين لا يعرف أحد أعدادهم الحقيقية حتى الأن؟!
الشارع السوري الذي يرتعب من ذكر إسم الأسد إلا بالتهليل بينما يعاني منذ عقود من الفساد والمحسوبية والقمع؟!
الجولان التي "إستأجرها" الصهاينة مفروش ولم ترتفع فيها صوت طلقة واحدة لأكثر من 20 سنة, بينما يتشدق ذلك النظام بالوطنية والكرامة والعروبة؟!
ماهي قيمة دم الحريري مقارنة بالحرية الحقيقية لكل من الجماهير السورية واللبنانية التي ساهم هذا النظام بلا خجل في "فشخها" ولا أعتذر لهذا التعبير الذي أراه مناسباً جداً لوصف هذه الحالة؟؟!!
2- هناك مشكلة حقيقية في تحديد المتهم الحقيقي في هذه اللعبة القذرة, فالجميع يعلم أن تصفية ما تبقى من المقاومة في الجنوب اللبناني هو مهمة رئيسية بالنسبة للإمبريالية الأمريكية, في محاولة منها لإغلاق ملف الصراع العربي الإسرائيلي وتسوية الأمور في المنطقة كلها بما يتناسب ومصالحها. وأن إغتيال الحريري هو القشة القادرة بالفعل على قسم ظهر البعير في لبنان, خصوصاً في ظل ضعف السلطة المركزية اللبنانية أثناء وبعد الحرب الأهلية اللبنانية التي خرجت منها كل الفصائل السياسية اللبنانية خاسرة وغير متوازنة سياسياً.
فحتى إن كان النظام السوري هو الذي خطط ودبر لإغتيال "الرئيس" "الشهيد" فالنظام الأمريكي هو المستفيد الأول من هذا الإغتيال. لذلك, فأنت أمام مشكلة حقيقية عندما تود أن تحاكم متهم بعينه في قضية الإغتيال, فهل ستحاكم النظام السوري, أم النظام السوري والشعب السوري, أم ستحاكم معهم الذين -بالتأكيد- علموا بمثل هذا المخطط -أقصد الCIA- أم ستحاكم السلطة المركزية الطائفية والهشة في لبنان التي لم تستطع أن تمنع الحدث أو الأحداث اللاحقه له؟!
3- هب أن نتائج التحقيقات النهائية ظهرت وأثبتت الدلائل أن النظام السوري هو المتهم الرئيسي.. من سيحاكمه في هذه الحالة؟؟ أمريكا؟؟ الأمم المتحدة؟؟ الأنظمة المحيطة جغرافياً لهذا النظام والتي لا تقل ديكتاتورية عنه؟؟! من سيحاكم بشار -الذي أثق أنه أهبل من أن يخطط وينفذ مثل هذه الجريمة بشكل منفرد!! وأين الجماهير السورية في هذه المعادلة المستحيلة؟؟
انت قلت بنفسك -أو هكذا فهمت منك- أن الأمم المتحدة هي الناطق الرسمي بإسم الإمبريالية الأمريكية, فهل ستساند أنت الإحتلال الأمريكي لسوريا إذا ما وافقت الأمم المتحدة على الحل العسكري لإسقاط البعث السوري؟؟!!
هل شاهدت التلفزيون من قبل؟ هل رأيت مايحدث في العراق وأفغانستان؟؟ وهل سيكون اللبنانيون في مأمن إذا ما إجتاح المارينز الأمريكان سوريا؟!! أهذا حقاً ما أراده اللبنانيون عندما تظاهروا في ميدان "الحرية"؟؟!! هل أرادوا "فشخ" سوريا -ولن أعتذر أيضاً هذه المرة- وتعليقها كما الذبيحة على باب اللحام الأمريكي؟؟!!
منذ إغتيال الحريري وأنا احاول أن اتابع تطورات الموقف في لبنان فأجدني أكثر إرتباكاً, ولا أنكر أنني احترت كثيراً في موقفي.. منذ البداية وأنا ضد "الإحتلال" السوري للبنان, وكنت سعيدة بحق لخروج الجيش السوري من لبنان ومازلت مع حق اللبنانيين في الإستقلال الكامل. لكني أيضاً ضد الحالة العنيفة التي أصابت اللبنانيين ضد كل ماهو سوري بهذا الشكل الغريب!! فجأة أصبحت سوريا هي الشيطان الأعظم بالنسبة للفصائل السياسية اللبنانية التي ننام على تحالف بين فصيلين أو ثلاث منها لنستيقظ صباحاً ونجد خريطة سياسية جديدة تماماً على شاشات التلفزيون!!
الأن, أنظر للنظام السوري المترنح إثر الضربات المتتالية, أنظر للحالة اللبنانية المجنونة, اتابع أحداث العراق وفلسطين وأرى بعيني ما يحدث في مصر وأحزن من اجلنا جميعاً.. فنحن إما نساند الدكتاتور -سواء كان صدام أو مبارك أو الأسد فس هذه الحالة- وإما نساند الإمبريالية الأمريكية ونراها المنقذ الوحيد من هذه الدكتاتوريات بعد أن فقدنا الامل في النضال الجماهيري الحقيقي ضدها!!
حيرتني الأحداث المتتالية جداً, ولكني مازلت مقتنعة ان أي عقوبات دولية ضد سوريا هو مكسب حقيقي للإمبريالية الأمريكية وسيؤثر سلباً علينا جميعاً.. فلا "شهيدكم" الحريري سيعود كالعنقاء من الموت, ولا النظام السوري سيتوقف عن سفالاته ويصبح -فجأة- ديمقراطياً , ولا اللبنانيين سينعمون بالحرية والإستقلال الذين يحلمون بهما بينما يتصارعون كالديوك على طعم بلاستيكي تقذفه لهم أمريكا لتضمن بقاء حالهم على ما هو عليه.
أجدني الأن مضطرة للمقارنة بين الإستبداد الأسدي والإستبداد الأمريكي, وأجدني مضطرة للمرة الثانية للإعتراف بأن الأسد هو أشبه بقطة رومي صغيرة إذا ما قورن بعنف وحقارة الإحتلال الأمريكي. لذلك ولأنني مقتنعة -حتى النخاع- بأن الجماهير السورية هي صاحبة الحق الأول والوحيد في محاسبة النظام السوري, بالطبع أجدني أقف ضد أي عقوبة دولية ضد سوريا التي عانت جماهيرها ومازالت تعاني وستظل لحين إنتفاضة الشعوب العربية جميعها ضد ظلم ديكتاتورياتها وعبث الإمبريالية العفنة بمقدراتها.
أعتذر للإطالة وأتمنى أن لا تعتبر مداخلتي هذه المرة "تهريجاً" هي الأخرى.
روزا