هل نحن مقبلون على سنة الخوف كما يقول هيكل...فهمي هويدي يخشى ذلك، وزلزال سورية الشرارة!!
عن الزلزال السوري
فهمـي هـويـــدي : الأهرام 10/1/2006
كل الدلائل تشير إلي أن الذي في سوريا زلزال سياسي من الدرجة العالية, لايستطيع أحد أن يتنبأ بقوته التدميرية, وهل ستكون كلية أم جزئية؟. مع ذلك فالثابت أن الزلزال فتح الملف السوري علي مصراعيه, وجعل مفرداته عناوين رئيسية في الصحف ونشرات الأخبار, ليس فقط لما تنطوي عليه من إثارة, وإنما أيضا لأن المشهد من بعض جوانبه يمثل حالة عربية مسكوتا عنها.
(1)
لاأعرف حدثا عربيا معاصرا أثار من الهزات والأقاويل, بمثل ماجري مع سوريا. علي الأقل فمنذ صدور قرار مجلس الأمن رقم1559( في سبتمبر2004) الداعي إلي الانسحاب من لبنان, والخروج المهين للقوات السورية في أعقابه, وطنين اللغط لم يتوقف. وهو الطنين الذي بلغ ذروته بعد الاغتيال المدوي لرئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري( فبراير2005), الأمر الذي أدي إلي تشكيل لجنة التحقيق الدولية, التي ضاعف تقريرها المثير من قوة الهزات السياسية. ومع استمرار الاغتيالات في وقت لاحق, فإن وتيرة اللغط ظلت علي حالها. وحين أصدر عبدالحليم خدام نائب رئيس الجمهورية السابق من باريس بيان الإدانة والاتهام لأركان النظام السوري, فان المفاجأة التي خطفت الأبصار وأذهلت الجميع جاءت إعلانا عن تزايد قوة الهزات السياسية, ومؤشرا علي دخولها منطقة الخطر.
في أجواء الهزات القوية, ووسط دوامة الشائعات والأقاويل, فإن مثلي لايستطيع أن يكتم شعوره بالحيرة والعجز عن تبيان الحقيقة, كما لايستطيع ان يخفي تعاطفه وقلقه الشديد علي سوريا البلد والشعب, وكل منهما يستحق وضعا ومآلا أفضل بكثير مما فرض عليه أو انتهي إليه.
لست في موقف يسمح لي بتصديق أو نفي ماقيل عن صراع أمريكي فرنسي علي تجديد اسطول الطيران السوري, واستثارة غضب القيادة الفرنسية, لأن التجديد الذي يتكلف مليارات الدولارات فازت به شركة بوينج الأمريكية, وخسرته شركة أيرباص الفرنسية البريطانية الألمانية الأسبانية. وكان لذلك الغضب الفرنسي دوره في الانقلاب علي دمشق, وقيادة حملة الإصرار علي الانسحاب السوري من لبنان.
بذات القدر, فلست في موقف يسمح لي بتصديق أو نفي عن موضوع بنك المدينة في لبنان, ودوره في عملية غسيل الأموال, وحصول بعض كبار ضباط الأمن السوريين علي ملايين الدولارات منه, والعلاقة السلبية بين أنشطة البنك وبين الخلاص من الحريري وقتله.
لقد تحدث عبدالحليم خدام عن بعض وقائع نهب المال العام في سوريا. وأشار إلي مسئول أمني كبير حصل من بنك المدينة علي35 مليون دولار, وعن رجل أمن آخر بدأ حياته براتب200 ليرة( أقل من خمسة دولارات), ومات عن ثروة قدرت بأربعة مليارات دولار ـ أكرر أربعة مليارات دولار ـ ورغم أن السيد خدام كان مسئولا في الدولة طيلة أكثر من ثلاثين عاما, فإن كلامه قد يحتمل التصديق, ولكن في مثل هذه الحالات التي تتعارض فيها المصالح فإن الحذر والتريث يصبحان واجبين.
لم يتوقف اللغط في خصوص وضع خدام ودوافعه إلي الانشقاق والهجوم علي نظام دمشق. فمن قائل أنه ليس فردا ولكنه جزء من فريق معارض في القيادة السورية, وقائل بأن انشقاق خدام تم ترتيبه مع أطراف عربية وغربية ذات مصلحة, الأمر الذي يثير العديد من علامات الاستفهام حول مشروعه ومقاصده.
(2)
الشيء الوحيد الذي يمكن التعويل عليه أوردته وثيقة شبه رسمية, تمثلت في البيان الذي نشر عن ثروة السيد عبدالحليم خدام وعائلته. وقد أورده موقع شام برس الالكتروني يوم2 يناير الحالي, وعنه نقلت مختلف الصحف العربية في اليوم التالي.
ذكر بيان شام برس أن المصادر الاقتصادية السورية قدرت ثروة السيد خدام بحوالي مليار ومائة مليون دولار, معظمها خارج البلاد, وعلي شكل أموال نقدية. وأشارت إلي أنه تلقي من رفيق الحريري خلال السنوات العشرين الماضية500 مليون دولار, بعضها علي شكل قصور فاخرة ويختين, وبعضها علي شكل أموال مودعة في المصارف الاجنبية.
أبرز القصور التي تلقاها تقع في فرنسا, أحدها يقع في شارع نوشي بباريس( كانت تملكه ابنه الملياردير اليوناني أوناسيس), والثاني في مدينة نيس الفرنسية, وهو مسجل باسم زوجته. كما أنه يمتلك قصرا ثالثا في مدينة بانياس السورية, مع مرفأ خاص, وقصرا رابعا في منتجع بلودان الصيفي السوري. وشقة فاخرة في منطقة عين المريسة في بيروت, ويختين كبيرين( مايا واحد ومايا اثنين) كما أنه يمتلك حصة في شركة الاتصالات اللبنانية( شيليس), وعقودا بعشرات الملايين من الدولارات لشركة الكهرباء اللبنانية.
نشر الموقع فضلا عن ذلك بيانا بأهم ممتلكات خدام وأولاده وزوجاتهم تضمن مايلي: ـ مطعم فونتانا بدمشق( مزة أوتوستراد باسم ابنه جهاد خدام. ومجمع تجاري بمنطقة حرستا الواقعة في ريف دمشق( قيد الانشاء) والابن شريك فيه مع آل زوجته. ـ محلات المحافظة بدمشق, وعددها تسعة, وهي قيد الترميم حاليا, إضافة إلي سلسلة محلات باتشي لبيع الشيكولاته بدمشق في أحياء المزة وأبورمانة والقصور. ـ محل ألبسه ريم بدمشق أبورمانة, مسجلة باسم ابنته ريم خدام, والبضاعة التي تباع فيه تستورد من فرنسا مباشرة ومن غير جمارك, بواسطة مكتب تجاري بدمشق مسجل باسم ابنه. ـ بناء علي أوتوستراد المزة باسم ابنه جهاد وبناء في حي أبورمانة في دمشق, يقيم به ولداه جمال وجهاد, ومنزل في حي المالكي بدمشق. ـ مجموعة من الشركات في السعودية بالاشتراك مع أولاد الحريري. ـ مجلة فنية تصدر في لبنان باشراف زوجة ابنه جمال, حنان خير بك. ـ شركة الشام الدولية للانتاج الفني باسم ابنه جاسم خدام بدمشق والمزة. ـ شركة لبيع أجهزة الكمبيوتر في حي المزة بدمشق مسجلة باسم بابنه جهاد وابنته ريم وزوجها عرفان الطرابيشي, تقوم بتوريد وتأمين الحواسب عبر موانئ اللاذقية منذ عام1990. ـ وكالة شركة كوكاكولا مسجلة باسم ابنه جهاد خدام. ـ شركة عافية مسجلة باسم ابنه جمال خدام والكائنة في منطقة الصبورة بريف دمشق. ـ شركة بادجت لتأجير السيارات مسجلة باسم ابنه باسم خدام. وكالة شركة فيليب موريس للدخان في سورية باسم جهاد وجمال. ـ عقود في مجال تجارة البترول وشركة خدمات نفطية باسم جمال خدام, اشترك في ملكية مطاعم ومسابح هابي لاند علي طريق مطار دمشق الدولي ـ سلسلة مطاعم لانوازيت بدمشق في أحياء( المزة ومشروع دمر والغسائي وأبورمانة) مسجلة باسم ابنه جهاد خدام. ـ مطعم أوبالين في حي الشاغور, دقاقين في دمشق القديمة. ـ شركة خدمات اتصالات في سورية ولبنان وباكستان والسعودية.
(3)
البيان فتح جبهة جديدة للغط لاتقل إثارة, فتصريحات عبدالحليم خدام في فرنسا تحدثت عن موضوع السلوك السياسي للنظام السوري بالدرجة الأولي, ولكن النظام في هذا الرد تجاهل ادعاءاته بشأن الأوضاع الداخلية, ونقل الحوار إلي مستوي آخر, ركز علي ذمة الرجل المالية. وهو رد لم يحالفه التوفيق, ليس فقط لأنه تجنب الحديث في الموضوع الأصلي وركز علي الجانب الشخصي, ولكن أيضا لأن الذي نسب إليه هو وأسرته ذلك الثراء الفاحش والانتشار المذهل في كل ماطالته اليد من مجالات الكسب والتجارة واستغلال النفوذ, هذا الشخص كان إلي ماقبل انتقاله إلي باريس من أعمدة النظام قبل أن يصبح نائبا لرئيس الجمهورية, وكل الفساد الذي مارسة مستفيدا من موقعة طيلة ثلاثة عقود, تم تحت أعين وفي ظل حراسة مؤسسة النظام السوري وأجهزته الرقابية. وهو مايسوغ لنا أن نستنتج ان فضح الرجل علي ذلك النحو لم يتم لأنه فاسد, ولكن لأنه خرج علي النظام وانتقده, بكلام آخر فان الفساد ليس التهمة الحقيقية التي يراد محاكمته بسببها, لان ذلك الفساد كان مسكوتا عنه ومقبولا, طالما ظل علي ولائه للنظام وبقي واحدا من سدنته, ولكن تجريمه حدث لأنه قفز من سفينه النظام وهاجم مواقفة وممارساته في ظرف حرج.
في الوقت ذاته فان البيان يستدعي سؤالا آخر مهما هو: هل يعقل أن يكون ذلك الفساد المروع مقصورا علي خدام وأسرته وحدهم, أم أن حالتهم تمثل جزءا من ظاهرة متفتشية في دوائر النخبة الحاكمة التي تحتكر السلطة منذ ثلاثين عاما, يعزز من أهمية السؤال أن من اعرفهم من السوريين واللبنانيين يعتبرون خدام حالة عادية, وربما متواضعة نسبيا إذا ماقورن بآخرين ممن لم يتوقفوا عن نهب المال العام في سوريا, وأطلقت يدهم للاتجار في كل مصدر للثروة في لبنان, من الآثار التاريخية إلي المخدرات, مرورا بفرض الإتاوات علي الناس والاستيلاء علي التحف الفنية الموجودة في البيوت.
المشهد من هذه الزاوية يسلط الضوء علي المدي الذي يمكن أن يصل إليه استشراء الفساد, في ظل استمرار احتكار السلطة, الذي يصبح بالضرورة بابا لاحتكار الثروة أيضا.
ولعلي أبالغ إذا قلت ان اللغط الذي أثاره كشف النقاب عن ثروة خدام وتكسب أسرته من وراء موقعه, له نظائره في الدول العربية, حيث تستطيع أن تسمع تفاصيل مماثلة عن ثراء مسئولين لم يتوقفوا عن نهب ثروات بلادهم منذ اليوم الأول لتوليهم السلطة. بل إنني علمت من أكثر مصدر في دولة عربية مجاورة أن الزوجة الثانية لأحد القادة حين ألقت بثقلها في ذلك المسار, فإنها أصبحت هي وأسرتها يستأثرون بثلث الدخل القومي للبلد.
(4)
كما أن هناك لغطا حول احتمالات الخلاف بخصوص الشأن الداخلي في سوريا, فثمة لغط مماثل في الخارج حول مصير النظام, وهل ينبغي إسقاطه وتغييره أم الإبقاء عليه في حالة من الضعف والتصدع. من أسف أن مثل هذا الجدل حول المصير ولم يعد مستبعدا في ظل تدهور الوضع العربي إلي الحد الذي أغري الولايات المتحدة خاصة بالحديث عن إعادة رسم خرائطه, فضلا عن توجيه سياسات أغلب دوله. لذلك فلسنا في صدد مناقشة القضية من هذه الناحية. وسنتوقف فقط عن فصل مثير في ذلك الجدل. يتمثل في وجهة النظر التي تطرحها إسرائيل في الموضع, باعتبار أن الوضع السوري يدخل ضمن حساباتها الاستراتيجية.
خلاصة الرأي الإسرائيلي أن الوضع السوري الراهن هو افضل تأمين لها. إذ في ظل النظام السوري لم تنطلق رصاصة واحدة عبر الحدود طيلة35 عاما الماضية, ثم أن ظروف سوريا العسكرية ووضعها الاقتصادي والسياسي تجعلها عاجزة عن توجيه أي تهديد لإسرائيل. إضافة إلي ذلك فان إسرائيل تعرف عن سوريا الحالية كل شيء تقريبا, وأي تغيير في نظامها قد يفاجئها بما ليس في الحسبان, فضلا عن انه قد يشكل مغامرة تقلب الوضع رأسا علي عقب, كما حدث في العراق, حيث استبدلت أمريكا نظام صدام حسين بغول متعدد الرؤوي غير قابل للتصفية ولايمكن التفاوض معه. والعبارة الأخيرة أوردها الكاتب الإسرائيلي بن دورون يمين, الذي اعتبر أن التخلص من النظام السوري سيعد اكبر حماقة ترتكب في العقد الأول من القرن العشرين.
وجهة النظر التي لخصتها عبرت عنها صحيفة معاريف( في2005/10/28), ونقلها معلقها السياسي بن كاسبيت قائلا إنها تعكس رأي الحكومة وقادة الجيش ومسئولي الأجهزة الأمنية. وفي سياق الجدل حول الموضوع حذر البروفيسور يحزقيل دور( الذي يوصف بأنه أبو الفكر الاستراتيجي والسياسي الإسرائيلي) من خطورة إقامة نظم ديمقراطية في العالم العربي, قائلا إن الشعوب العربية لن تختار إلا الأطراف التي تكن العداء للدولة العبرية. ولذلك فمن مصلحة أمن واستقرار إسرائيل أن يبقي الوضع الراهن كما هو عليه, وان تبذل إسرائيل جهدها للضغط علي واشنطن حتي لاتلح في مسألة ديمقراطية الأنظمة العربية. وهي الفكرة التي يكملها الجنرال المتقاعد داني روتشيلد الرئيس السابق لقسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية, بقوله أن الجهد ينبغي ان يوجه إلي ترويض الأنظمة العربية القائمة, بدلا من تغييرها والمغامرة بالتعامل مع مجهول قادم.
(5)
سمعت من أحد الخبراء المخضرمين تفسيرا شيطانيا آخر لما يجري, ارتأي فيه ان الهزات التي تزلزل اركان البنيان السوري لاتستهدفه لذاته, لأن نظام دمشق لم يعد خطرا يهدد أحدا, ولكن المطلوب هو تكثيف الضغط علي سوريا وتطويعها, بحيث ترفع يدها عن مساندة حزب الله الذي دعا قرار1559 إلي تجريده من سلاحه. وتقطع يدها تماما من لبنان كي يلتحق بركب التطبيع مع اسرائيل. مطلوب من دمشق أيضا ان تقطع علاقاتها مع طهران. التي يراد تأديبها لاسباب مفهومة, وأن تطرد قادة المقاومة الفسلطينية من أراضيها, وأن تلتزم بعدم التدخل في العراق بأي صورة. هذه الاهداف جميعها لاتخدم سوي اسرائيل والسياسة الامريكية في المنطقة. وفي الوقت ذاته فانها تمهد الطريق امام محاولات اقامة مشروع الشرق الاوسط الكبير.
إذا صح هذا التفسير فسوف يؤيد ماتنبأ به الاستاذ هيكل في سهرة رأس السنة علي شاشة الجزيرة من أننا مقبلون علي سنة سنة الخوف, التي ليس لها من دون الله كاشفة
|