جلسة مجلس الأمن التي عقدت امس و خصصت لمناقشة تقرير ميليس أفتقرت الى حماس وسوية الجلسة السابقة التي قدم فيها ميليس تقريره الأول فقد سبقها "هرج و مرج" و أحاديث جانبيه و تأخير مقصود اضافة الى أنها كانت على مستوى وزراء الخارجية بينما كان الجليد واضحا على هذه الجلسة و أتخذ جميع الأعضاء مقاعدهم كالتلاميذ المجتهدين و لم ينسى "مقداد" المندوب السوري أن يستهل كلمته بعبارات المجاملة و المباركة للرئيس الجديد بينما بدا المندوب اللبناني مرتبكا و هو يقرأ ببطىء شديد و يزدرد لعلبه بخجل بين القرة و التي تليها, و حتى جون بولوتون بدا نعسانا و شاربيه أكثر تهدلا و اقل أهتماما بمضايقة سورية,رغم أن لهجة ميليس لم تتغير بل أزدادت تصعيدا بمطالبة سورية بتوقيف بعض مسئوليها.
من الواضح أن المزاج الدولي تغير تجاه سورية, و قد كان يلوح بالويل و الثبور قبل الجلسة السابقة و هو يكتفي في هذه الجلسة بالتمديد للجنه التحقيق رغم أن تصعيدا جديا ظهر على الساحة اللبنانية بمقتل جبران تويني يقول المعارضون لسوريا أنها وراء مقتله و يطالبون مجلس الأمن بتوسيع التحقيق ليشمل كل عمليات الإغتيال بإعتبار أن "منفذها واحد" .إذكاء النار أو تخفيضها تحت "طبخة" اللجنة الدولية للتحقيق يدعو الى الشك بأن الإخلاص "للحقيقة" كان وراء تشكيلها وقد فتر حماس المطالبون بها حتى ميليس نفسه أحس بهذا الفتور و فضل منصبا "اقل" شهرة على موقعه كرئيس لجنة لم تعد تقاريرها تلقى ذلك الصدى.
إرهاصات أنحسار المد "التسونامي" تجاه سوريا تجلى في المرونه غير المعهودة في مثل هذه الحالات, عندما تم تخفيض عدد المطلوبين للتحقيق, و رضوخ اللجنة الى خيار تغيير مكان التحقيق و لعله السبب الحقيقي بعدم حضور ميليس شخصيا جلسات التحقيق مع شخصيات صارع طويلا ليحظى "بإستفرادها" بعيدا عن عاصمتها.و لم يكن خافيا الراحة التي تحدث بها مقداد أمام مجلس الأمن و بدا رابط الجأش عندما قدم له مساعده ورقة صغيره فيها "أتهام اللجنه بعدم سرية التحقيق" استطاع أن يدمج مضمونها مع كلمته المكتوبة دون أن يشعر احد و هذا الأمر حدا بميليس ان يرفع حاجبيه و يبحلق استغرابا في وجه مقداد و هو الذي حرص على إبقاء اسماء المسئولين في طي الكتمان و هو على ما يبدو مطلب سوري آخر.
من غير المعقول أن المجتمع الدولي "ارتعب" من خطاب بشار الأسد الناري الذي ختمه بتهديد مبطن بأن "سورية الله حاميها",و من غير المعقول ايضا بأن المجتمع ذاته قد "خرط مشطه" تراجع حسام حسام عن شهادته أو تحويل زهير الصديق من شاهد الى مشتبه به.و يحق لنا أن نفهم هذا التساهل الدولي حسب معادلة "إقتصاد السوق" او بعبارة شامية لطيفة تقول "حكلي لحكلك" و قد مارست سوريه سياسة الحك "بحكمة" و إقتدار عندما انتزعت من جورج بوش الأب لبنان "كمقاولة" من الباطن بمقابل أرسال قوات "لتحرير" الكويت و هذا الإتفاق "المقاولة" شرعن الوجود السوري طوال اكثر خمس عشرة سنة اكثر مما شرعنه قرارات الجامعة العربية و دعوات الحكومات اللبنانية للسوريين لإحلال "السلم الأهلي".
تقوم السياسة على اسس "المقايضة" في كثير من جوانبها و نحن "حتى الآن" نعرف الثمن الذي قبضه السوريون و هو لا يتعدى "ترحيل" التهمه عن النظام و نقلها الى اشخاص داخله مع اعتراف ولو ضمني بالجريمه و هو سيناريو قريب جدا من سيناريو "لوكربي" . هذا بدا واضحا في مجلس الأمن من تثاؤب بولتون المتكرر و مشروع القرار الفرنسي "المحتشم".و أما الثمن الذي دفعه السوريون غير معروف و لكن يمكن التكهن بأنه تعاون في العراق و محادثات سلام "سلسة" مع إسرائيل.بهذه الطريقة "إن صحت" يكون النظام قد برهن مرة أخرى عن أن سياسته مجرد "نزق" و "طلوع خلق" و لكنه مؤمن بأنه يملك "كريدت" يمكنه من تجاوز مطبات من هذا النوع.