حب على مذبح الشرف
أخيرا .... قتلها
ما كان عليه الانتظار كل هذه المدة.
لقد انتهى ذلك الاحتفال على مذبح الشرف.
كالنعجة ذبحها.... أخته العزيزة, صغيرتهم المدللة.
ذبحها في تلك الساحة القريبة , حيث تذبح النعاج أضحيات للعيد, و ها هي أضحية جديدة يقدمونها للرب.
أضحيات العيد , يغسلون بها ذنوبهم .... و أضحيتهم البشرية سيغسلون بها شرفهم, شرفهم الرجولي المقدس.
لقد قتلها بيديه هاتين, اللتين مازالتا مخضبتين بدمها الأحمر القاني.
مازالت نظرتها الأخيرة تحاصره و تعاتبه ... لكنه لم يكن يبالي بما كانت تقوله عيناها , لم يكن يقرؤها, لم يكن ينظر إليها... كان غائبا ... مشدوها ...مجنونا ... كان يسمع صوتا واحدا فقط ...اقتلها , و اغسل شرفك.
كالنعجة ذبحها , بيد باردة قتلها ... بذات اليد التي كان يطعمها فيها عندما كانت تلك الصغيرة المدللة, التي كان يخبئ لها قطع السكر التي كانت تحبها.
تذكر طفولتها المرحة , و كيف كانت تختبئ خلفه و تقول له ... أحزر من أنا؟ أنت عصفورتي الصغيرة... آه كم كان يحبها.
انتهت حفلتهم ... و سارع أشقاؤه ليحملوها بعيدا و ليدفنوها مع إثمها...و ليدفنوا معها ما ضاع من شرفهم الذي غسلوه بدمها.
وقف محنيًّ الظهر , كئيبا , يتأمل يديه المدماتين.
مثقلا بالحزن و الجراح , قادته خطواته الحزينة إلى منزلهم... منعزلا عن الجمع المحتفل ما بين مغرّدٍ و غاضب , أو غير مصدق ... لكنهم جميعا كانوا متفقين على قتلها.
فكر... ألا يوجد معان للشرف غير هذا المعنى في حيّهم, و هل اكتملت كل معاني الأخلاق عندهم , و لم يتبق لهم إلا فتياتهم ليكونوا عليهم نواطيرا لأغشية بكارتهم المقدسة ... أهذا ما يريده إلاههم حقا !!
ترك الجمع و انسلّ عائداً , علّه يجد في وحدته ما يخفف شعوره ببشاعة جريمته.
كانت أنفاسه متسارعة ووجهه يتصبب عرقا , و رأسه تكاد تنفجركبركان ناري ينتظر إشارة البدء... كم تمنى الموت في تلك اللحظة.
قادته قدماه إلى غرفتها , مازالت أشياؤها تنتظرها , تأمل الغرفة...و الجدران , صور لأفراد عائلتها كانت تزينها... وجد صورة له على يمين سريرها ... آه كم كانت تحبه.
كانت قد أتمت الخامسة عشر من عمرها منذ أيام ... مازالت طفلة ... كيف قتلها!! كان عليه قتلها ... نعم هي لم يكن لها ذنب فقد تعرضت صغيرتهم لاعتداء جنسي متوحش من قبل مجرم ينقصه أن يكون انسانا.... لكنها دفعت الثمن....
حدث ذلك منذ أشهر عندما كانت أخته عائدة من زيارة لها لبيت أقرباء لهم, كان الجو ماطرا , و الطرق خالية إلا من القطط الشاردة , فاستغل المجرم وحدتها , و اغتصبها في مدخل أحد الأبنية المهجورة.
اختلط صوت المسكينة حينها بصوت الرعد و المطر و الرياح ... فلم يسمعها أحد.
هرب المجرم ... و عادت الضحية الصغيرة إلى البيت باكية... مضطربة ... مدماة بالغزي و العار... و شعر باضطرابها بعض سكان الحي ... فكانت الفضيحة.
لم يتصلوا بالشرطة , فلم يكن ينقصهم مزيدا من الفضائح.
و هرب المجرم بفعلته باحثا عن ضحية جديدة ليغتصبها .
(قتلت أخته المسكينة مرتين , عندما اغتصبت بوحشية , و عندما قتلها هو بوحشية)
منذ ذلك الحين , لم يكن يجرؤ على النظر في وجوه الناس... خنقه شعوره بالذل و العار... يعرف أن صغيرتهم لا ذنب لها ... لكنه الشرف.
تحمل نظرات الناس في حيهم , حتى هذا المساء عندما كان عائدا من عمله , و قد صادف وجود ابن جار لهم ذلك المراهق المتسكع دائما ... كيف حال أختك؟ .. قال له ... ألا تريد صديقا لها؟! ثم ضحك تلك الضحكة المقززة.
لم يعد يتذكر شيئا بعد ذلك ... لا يتذكر إلا نظراتها البائسة المعاتبة ... كانت تريد أن تقول له شيئا, لكنه لم يسمع ... أصابه الصمم... سحبها كالنعجة إلى تلك الساحة.. ساحة النعاج... و انتهى كل شيئ بسرعة , حتى أنها لم تعِ ماذا يحدث ... كانت المسكينة تصرخ ... أخي ... أرحمني ... أنا لا ذنب لي ... لم يسمعها ... كانت تناديه يوسف ... أرجوك يوسف ... يو ... ثم سكتت.
ذبحها بسرعة ... ذلك أرحم لها , فهو لا يريدها أن تتعذب كثيرا ... فهو يحبها .....ضحكة كئيبة خبيثة أطلقتها روحه ... يحبها ؟! نعم يحبها ... أهذه هي عنوايين الحب لديهم ...... القتل ؟ !! ما هو عنوان الكراهية ... إذا ؟!!
جلس على كرسي في غرفتها ... هذه طاولتها , كان يحلو لها كتابة خواطرها عليها ... كانت تحب الكتابة , و كانوا يسمونها الراوية الصغيرة.
فنجان الشاي الذي كانت تشرب منه ... مازال دافئا كدمها .... لم يبرد بعد...
اقترب من سريرها , تخيلها غافية فوقه ... رفع الغطاء ... قربه من أنفه ... أنعشته رائحتها الذكية التي تعبق برائحة الصابون ..... كيف يمكن لمن بنظافتها أن تدنسهم؟!
تلمس وسادتها الزهرية الطرية ... وجد ورقة مطوية بعناية .... ما هذا؟! تسارعت دقات قلبه .... هذا خطها ..... بدأ يقرأ:
" يا رب ساعدني ... كوابيس تنتابني كل ليلة منذ ذلك المساء ...و لا أستطيع النوم أتخيل أشباحا يعتدون علي و يغتصبوني مرارا كل مساء ... و أصحو باكية خائفة يا رب ... أنا بحاجة لمن يساعدني , لكن أحدا من أهلي لا يطيق رؤيتي , حتى أمي الحبيبة الحنونة ... لماذا يقسو قلبها عليّ ؟! و أخي يوسف الذي كثيرا ما لجأت إليه لحل مشاكلي ... يتهرب مني ... لا ينظر حتى إليّ ... كان ما حدث فظيعا , لقد تألمت كثيرا ... ذلك الحيوان ... أشعرني أني خلقت حيوانا منتهكا و لست إنسانة... لكني أحتاج إلى أهلي لأتخلص من هذه الكوابيس ... أحتاج إلى أمي ..... أنا أتألم كثيرا .... كم أتمنى الموت....... "
بقيت عينا يوسف جامدتين ... محدقتين في ما بين السطور .... وجه جامد بلا تعبير و كأن الزمن قد توقف ... صورة ثابتة لوجه رجل محنط ... لا حياة فيه...
مرت الدقائق بطيئة جدا ... و شعر يوسف أخيرا بالاختناق ... أراد أن يتنفس ... فتح النافذة ...نسمة عليلة داعبت وجهه المتيبس ...
شعر بروحه تعود من جديد ... من عينه انهمرت دمعة حسرة ...و ألم ....
مسح دمعته بيده الملطخة بالدماء .. انهمرت دمعة أخرى.......تبعتها دمعات
خطوط حمراء تتعرج على خديه ....
ها هو الآن يبكي أخته الحبيبة ... الطفلة البريئة...
ها هو يبكي ..... ندما
و دموعه تجري ......دما
مع تحياتي
|