من في تقديركم يقوم باختيار الفائز بجائزة نوبل للأدب؟ قد تقولون: الأكاديمية السويدية أو، على الأقل، مجموعة من الخبراء الأدبيين في ستوكهولم.
حسنا، على الرغم من انكم على صواب من الناحية التكنيكية، فان الحقيقة هي أن الفائز خلال العامين الماضيين قد اختير من قبل الرجل الذي بدأت محاكمته في بغداد الأربعاء الماضي. أيدهشكم هذا؟ لا تدعوه يفعل. فصدام حسين التكريتي الرجل الذي تجبر وقتل العراقيين لثلاثة عقود يظهر كبطل غير معلن لبعض الليبراليين المزيفين في الغرب ممن يواصلون معارضة تحرير العراق بسبب كراهيتهم للولايات المتحدة.
وقد تلقت الفائزة بالجائزة العام الماضي، الكاتبة النمساوية الفريد جيلينيك، الثناء على معارضتها «الاستخدام غير المشروع للقوة في الشؤون الدولية»، وتلك كلمة سرية لتحرير العراق. وتستخدم الآن العبارة ذاتها لتبرير اختيار الفائز بالجائزة العام الحالي، وهو الكاتب المسرحي البريطاني هارولد بنتر.
وجيلينيك، الستالينية في صفوف الحزب الشيوعي النمساوي لسنوات، ميزت نفسها اول مرة عبر الادعاء بان الانفجار في مفاعل تشيرنوبل النووي بأوكرانيا، كان من عمل مخربين أرسلتهم الولايات المتحدة لتقويض الاتحاد السوفياتي. وفي الفترة الأخيرة أضافت صوتها الى أصوات اولئك الذين يصرون على أنه «من الجريمة» ابعاد طالبان خارج كابل وازاحة صدام عن بغداد.
وقال بنتر بطريقة ساخرة زائفة «ليست لدي فكرة عن سبب منحهم الجائزة لي». ولكن الأدباء السويديين كانوا يعرفون سبب اختيارهم له: حضوره فعليا في كل تجمع احتجاجي معارض لتحرير العراق وأفغانستان.
وقد ضمن بنتر لنفسه مكانة خاصة في تاريخ «البلهاء النافعين» بوصفه هجمات الحادي عشر من سبتمبر باعتبارها «انتقاما مبررا» من جانب المتطرفين الاسلاميين. وبعد تدخل الناتو الذي أوقف المذبحة الصربية ضد المسلمين في كوسوفو، وصف بنتر الولايات المتحدة وبريطانيا كـ «قوى ارهابية». ثم تقدم ليشكل لجنة للدفاع عن سلوبودان ميلوشيفيتش الملقب «قصاب بلغراد»، الذي يحاكم الآن أمام محكمة الحرب الدولية في لاهاي على جرائم ضد البشرية.
ومن الطبيعي أن الناس أحرار في أن يفكروا ويفعلوا ما يحلو لهم ما داموا يحترمون القانون في دولة ديمقراطية. ولكن عمل الكاتب ينبغي ان يقيّم بصورة مستقلة عن نشاطاته الأخرى، بما في ذلك الميدان السياسي. فقد كان شارل بودلير في بعض الأحيان على حافة الاجرام. وكان بلزاك متشردا وأخفق ستندال في اجتياز امتحان الأخلاق في نواحي من حياته الشخصية. وفي مواقفه السياسية كان تي. أس. اليوت رجعيا بينما كان ازرا باوند عضوا في الحزب الفاشي الايطالي. غير أنه في حالة كل أولئك الشعراء والكتاب ما يهم هو نوعية عملهم الابداعي. والمشكلة مع اختيارات لجنة نوبل الأخيرة، خصوصا اختيار جيلينيك وبنتر، هي ان عمليهما دون المتوسط كما أن معتقداتهما السياسية غريبة.
فقد حاولت جيلينيك استخدام كل الخدع، بما في ذلك التعري، من أجل جعل عملها ممتعا ولكنها اخفقت. أما بالنسبة لبنتر فانه صنع اسمه بركوب موجة «مسرح اللامعقول» عندما كان لا يزال سائدا قبل أربعة عقود. وبتقليده صاموئيل بيكيت الذي كان قد قلد الدادائيين فقد كتب بنتر مسرحيتين تميزتا باستخدام الثرثرة العادية باعتبارها حوارا رفيع المستوى. ومنذئذ ظل ثابتا في المشهد الفني البريطاني، يخرج المسرحيات التلفزيونية المثقفة زعما، ويكتب السيناريوهات للأفلام «الفنية» التي لا تنسى، وقبل كل شيء يشارك في «الصراعات من أجل القضايا». وبكلمات أخرى ظل ناشطا سياسيا على حدود اشتراكية الشمبانيا والكافيار. ولكنه لم يكن كاتبا من نوعية رفيعة.
بل إننا وبالنظر اليهما كناشطين سياسيين نجد أنهما، أي جيلينيك وبنتر، انتقائيان.
وعلى سبيل المثال فقد دعما مطالب الأكراد للتحرر في تركيا، لكنهما عارضا ذلك حينما كان الأمر متعلقا بأكراد العراق وإيران. والسبب بسيط: تركيا هي حليفة للولايات المتحدة وهي عضو في الناتو لذلك يجب أن تهاجم في كل مناسبة. من جانب آخر فإن العراق تحت حكم صدام حسين وإيران تحت حكم رجال الدين، زعمتا أنهما ضد الولايات المتحدة، ولذلك نجدهما يستحقان من جانب جيلينيك وبنتر معاملة حسنة. وحينما غزا صدام الكويت عام 1990 فإن جيلينيك وبنتر لم يحتجا، لكن حينما تم طرده من الكويت استنكر كلاهما «التدخل الإمبريالي».
من هنا يجب القول إن تسييس جائزة نوبل المتزايد هو واضح جدا ولا يتقبل الإنكار.
فمن بين الفائزين العشرة منذ عام 1996 كان هناك ثمانية أوروبيين. ومن بين هؤلاء الثمانية هناك 3 ينتمون إلى أحزاب شيوعية في بلدانهم: جلينيك في النمسا، وخوزيه سارامغو (الفائز في جائزة 1998) من البرتغال، وداريو فو (الفائز عام 1997) من إيطاليا. ومن بين هؤلاء الثلاثة يمكن اعتبار ساراماغو الكاتب الذي تستحق كتاباته القراءة. وهناك فائزتان آخريان هما شاعرتان، إحداهما البولندية ويزلافا سيمبورسكا (الفائزة لعام 1996) والمجرية إيمر كيرتز (الفائزة لعام 2002)، وهاتان كانتا أيضا عضوين في الحزب الشيوعي ببلديهما على الرغم من أن ذلك منطق نفعي لا مبدئي.
من بين الخمسة الفائزين الآخرين هناك الروائي الألماني غونتر غراس (الفائز لعام 1999) وبالتأكيد بنتر محسوب على اليسار. فغراس على سبيل المثال شعر بالأسف لسقوط جدار برلين وإعادة توحيد ألمانيا في سنة 1989.
من بين العشرة فائزين هناك فقط الروائي جي. أم. كويتزي (الفائز لعام 2003) بدون أي التزام بخط سياسي بينما يمكن وصف كتاباته في أحسن الأحوال بأنها »مقبولة نوعا ما«. كذلك فإنه يمكن اعتبار الكاتب الصيني »غوا زينغ جيانغ« (الفائز لعام 2000) الوحيد في القائمة بأنه أوروبي لأنه عاش في فرنسا لعقود. وهو رسام أيضا وهو شخص غير سياسي بشكل عام وعمله »جبل الروح« كان محاولة مملة ضمن الكتابة التجريبية.
وهذا يترك فقط «في. أس. نايبول» الروائي البريطاني ذا الأصل الترنيدادي بأنه الكاتب الوحيد من الاتجاه اليميني ضمن القائمة. فهو قد فاز بجائزة عام 2001. ونايبول الذي يمكن أن تكون أفكاره السياسية بغيضة ضمن جبهة اليمين، مثلما هي الحال مع أفكار بنتر ضمن جبهة اليسار. لكنه مع ذلك كاتب عظيم. وهذا هو ما يميزه عن بقية الآخرين في القائمة.
بافتراض أن اللجنة كانت تبحث عن مؤلف بريطاني يعارض تحرير العراق، لكن مع ذلك لن تكون هناك أي ضرورة للحط من الجائزة أكثر من إعطائها إلى بنتر. والخيار الأفضل كان ألن بينت الذي كان ضد بوش وبلير مثلما هو الحال مع بنتر لكنه كاتب ممتع.
كان من الممكن للجنة أن تكون أكثر منطقية لو أنها اختارت صدام حسين نفسه. إذ ان الديكتاتور المخلوع قد أصدر نفسه روايتين ويكتب أخرى وهو في السجن. كذلك هو معارض لتحرير العراق مثلما هو الحال مع بنتر.
ماذا تريد أن تقول اللجنة للعالم؟
الرسالة الأولى هي أنها غير معنية بالأدب الصادر في أوروبا والعالم العربي وإيران على سبيل المثال. الولايات المتحدة خارج ميدان المنافسة لأنها «الشيطان الأكبر» بينما فقدت روسيا والصين جاذبيتهما مع تبنيهما للرأسمالية. وثانيا أن اللجنة تقول ما معناه: من يريد أن يفوز بالجائزة عليه أن يكون يساريا، حتى لو بصورة شكلية. أو على الأقل أن يكون معاديا للولايات المتحدة على أقل تقدير. قبل ما يقرب من خمسين عاما قال جان بول سارتر إن أي شخص غير يساري هو غير إنسان. وفاز سارتر بجائزة نوبل لكنه رفض أن يتسلمها. ويبدو أن لجنة ستوكهولم قد تبنت جملة سارتر المقيتة باعتبارها أداتها في التقييم.