كان الشاعر/ المثقف، في العصر الجاهلي صوت المجموعة, سواء كانت قبيلة أو فئة ( الصعاليك )، إذ كان الشاعر يغنّي أفراح القبيلة وأحزانها، انتصاراتها وهزائمها. ورغم تهميش دور الشعر والذي تجلّى في قول الرسول ( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خيراً من أن يمتلئ شعراً ) أو من خلال الآيات الواردة في سورة الشعراء والتي تمّ على أساسها تحديد مفهوم الشعر في العصر الإسلامي والذي انطلق من نفس الأفق المفهوميّ الذي تأسّس في الجاهلية ولكن بتغيير القبيلة وإحلال الدين محلّها. فالإيمان والذكر والعمل الصالح هي مفاهيم القبيلة ولكن بتغيير المصطلحات والمناخ السيميائي لهذه المفاهيم، ومن هنا كانت مقولة " الشعر ديوان العرب ".
أما في العصر الأمويّ فقد بدأت بوادر القطيعة المفهومية / المعرفية مع الشعر الجاهليّ، فنرى الشعر صوتاً ذاتياً مع مالك بن الريب في رثاء نفسه، ومع الشعراء العذريين، تمثيلاً لا حصراً...
حتّى إذا وصلنا إلى العصر العباسيّ نرى إن القطيعة قد تمّت مع المفهوم القديم. فهذا المتنبي يغني طموحاته وغروره، وهذا المعريّ يغنّي إيمانه وشكّه. وهذا أبو نواس يغنّي كأسه ومجونه، وإذا تجاوزنا العصر المملوكي/ والعثماني، حيث أصبح الشعر تشكيلاً لغويّاً بحتاً، نصل إلى الشعر في العصر الحديث وذلك منذ الحملة الفرنسيّة على مصر عام 1798م.
ومن غير الدخول في تفاصيل الحركة الشعرية بمدارسها المختلفة نجد إن الشعر يسير في نسقين:
1/ النسق الإيديولوجيّ. دينياً كان أم قومياً أم اشتراكياً. وهذا النسق ينظر للشعر باعتباره فعالية وظيفية.
2/ النسق الجماليّ. رومانسياً كان أم رمزياً أم سريالياً.
و قد تغلّب الثاني على الأول حتى أصبح الأول مرهوناً بانتهاء الغرض، أي إن قيمته تتحدّد من خلال وظيفته فقط. فالأول خطاب إيديولوجيّ مباشر يتّسم بالسطحية والمباشرة في حين أصبح الثاني خطاباً جمالياً استخدم تقنيات حديثة في خطابه كالرمز والأسطورة والسرد وتعدد الأصوات، أيّ إنّه فعالية جمالية...
وفي واقعنا المعاصر نرى الدعوات من هنا وهناك تتوجّه لجعل الأدب خصوصاً والثقافة عموماً تسير في اتّجاه تكريس الخطاب الدينيّ المنبريّ والذي هو خطاب ينتَج بآليات القرون الوسطى في العالم العربيّ، ويعيد إنتاج الجانب الجامد من الثقافة العربية، أو في خدمة المجتمع والدفاع عن قضاياه. أي إنهُ ينطلق معرفياً من الاتّجاه الأول الذي بنى مفهومه للشعر على أنقاض الشعر الجاهلي دون أن يصلَ جمالياً لمستوى الشعر الجاهليّ ودون أن يؤسس لجمالية مغايرة.
ومن هنا نرى واقع الانحطاط الأدبي والثقافي في هذه الدعوات وفي تلك النصوص المنتَجة في حقل الإيديولوجيا الدينية/ الاجتماعية.

مظاهر اللاجامي (f)

موضوع جيّد فيه كثير من العمق حول المفهوم الدلالي للشعر، خاصة فيما أشرت إليه من حيث التقسيم
الأيديولوجي
والجمالي الرومانسي

والحق يا زميل لقد فقد الشعر كثيرا من إيحاءاته ومدلولاته وجمتالياته بعد أن دخل بالأدلجة. بدءا من ظهور الشعر السياسي زن الخوارج والشيعة والأموي وصولا إلى ما نحن عليه اليوم من حيث الالتزام الأيديولوجي في فكر عقائدي أو مذهب ديني أو غير ذلك.

موضوع يحتاج لكثير من المتابعة والتوضيح ولك كثير من الورد(f)

محبتي ومودتي(f)
محمد الدرة

مرحباً بالزميل محمد الدرة و مني أقدّم لك ألف تحية وشكر على مداخلتك وتوضيحك بأن الشعر بدأ يؤدلج منذ العصر الأمويّ على يد شعراء الأحزاب السياسية ( الخوارج ، الشيعة .... ).......


لك عميق شكري وامتناني...........