نموذج شديد الدلالة علي الأزمة التي تعيشها ثقافة المجتمع
كيف أصبح مجرد السؤال عن توقيت معجزة الإسراء والمعراج تهمة بالكفر والإلحاد؟!
ندعو الله عز وجل أن يحررنا من عقد الخوف والإحساس باضطهاد الآخرين لنا، وأن يحرر عقولنا من التقليد، كما ندعوه سبحانه أن ينفخ في صورة الأمة لتعود لها روح البحث العلمي الخلاق لنؤمن بالله عز وجل إيمانا راسخا قويا بالدليل القطعي والبرهان الجلي ولنتذكر أن الله عز وجل لم يقل لنا قولوا: لا إله إلا الله بل طالبنا بالعلم فقال سبحانه وتعالي: "فاعلم أنه لا إله إلا الله".
نموذج شديد الدلالة علي الأزمة التي تعيشها ثقافة المجتمع
كيف أصبح مجرد السؤال عن توقيت معجزة الإسراء والمعراج تهمة بالكفر والإلحاد؟!
* بعض العلماء الذين سألتهم عن التوقيت أجابني بالتهرب من الإجابة.. وبعضهم اعتبرني من المتغربين الذين يستهدفون العقيدة * الخلاف ليس حول موعد المعجزة فحسب.. وإنما أيضًا في طبيعة حدوثها.. وهل كانت بالروح أم بالجسد أم بالاثنين معا؟
محمود الأزهري
جاء في مقال الأستاذ الفاضل عبد العزيز فهمي عبد العزيز المنشور بجريدة القاهرة العدد 282 في 6/9/2005. وتحت عنوان: "أتحدي أن يكون لدينا واعظ يعرف شيئا عن الإنترنت أو الكمبيوتر أو حتي يجيد لغات أجنبية" فإنني أتفق معه تماما فيما قال، وفيما يخص تحديد شهر رجب بالاحتفال بذكري الإسراء والمعراج فلا دليل عليه؛ بل هناك اختلافات كثيرة حول العام الذي وقع فيه الإسراء والمعراج، فهناك من يقول: إن المعجزة وقعت قبل الهجرة بعام واحد، وهناك من يقول: إنها وقعت قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا، وهناك من يقول: إنها وقعت قبل الهجرة بعامين ـ هناك روايات كثيرة ـ وفي ظل هذه الاختلافات حول العام الذي وقعت فيه المعجزة، كيف يمكن تحديد الشهر الذي وقعت فيه؟ علي أن الرأي المشهور في تحديد الشهر الذي وقعت فيه المعجزة هو الرأي القائل: إنه شهر رمضان وتحديدا يوم السابع عشر من الشهر الكريم، وذكر هذا الرأي الأستاذ عبد الحليم الجندي في كتابه "السيرة النبوية" وأنا أحترم كثيرا من علماء السلف القدامي الذين لم ترد في كتبهم أي سيرة للشهر الذي وقعت فيه المعجزة بما يعكس: أولا عدم ثبوت دليل قوي في هذا الشأن، وثانيا: عدم ثقتهم ورفضهم لما يمكن أن يكون قد نقل عن روايات أو آراء ضعيفة تخص الموضوع، والمشكلة الأساسية تكمن في إحساسنا بالاضطهاد، وأن هناك مؤامرة من الآخرين ضدنا، وأن هناك حالة من التربص بنا وبديننا حتي في حالة البحث العلمي عن مسائل دينية مجتهد فيها.
تكفير سريع
وأنا أعترف أنني وقبل قراءة مقال الأستاذ عبد العزيز فهمي كنت أتعامل مع الاحتفال بالإسراء والمعراج في شهر رجب كأمر مسلم به اعتمادا علي أن الأمة كلها تؤمن بذلك، وفي الأمة علماء أجلاء كبار، وبعد قراءتي للمقال عاودت البحث في الموضوع بحثا شفهيا وبحثا مكتبيا ـ أي من خلال الكتب، فلم أجد الكثير من العلم عند الخطباء والوعاظ والباحثين والمهتمين بالمسألة الدينية، والطيب منهم من كان يردني ردا جميلا لأنه لا يعرف، وأن ذلك أمر متوارث، ولا تجتمع الأمة علي ضلالة، ولكني لقيت ـ أيضا ـ من يغضب مني، ويثور في وجهي مطالبا ألا أشارك المثقفين المتغربين في حملتهم ضد الدين، والتشكيك في الدين الإسلامي وكان سؤالي هو: ما الدليل علي أن معجزة الإسراء والمعراج وقعت في شهر رجب؟ وبعد أن طرحت السؤال السابق علي أستاذ فاضل قال ثائرا: كمان مش مؤمنين بالمعجزة، إنها مذكورة في القرآن الكريم، وإنكارها كفر، قلت له: اهدأ يا أستاذ، وراجع صيغة السؤال مرة أخري، السؤال بصيغته يقر بوقوع المعجزة ولكنه يطلب الدليل علي وقوعها في شهر رجب، وصمت الأستاذ الفاضل قليلا ثم: قال: هناك من يقول: إنها وقعت في شهر رمضان!
وما حدث مع هذا الأستاذ يعكس نفسية المواطن العربي المسلم، إحساس عميق بالهزيمة والانكسار والخوف من الآخرين، علي أننا فيما نكتب نتجاهل أمورا كثيرة حرصا علي مشاعر القاريء البسيط ألا نحدث له المزيد من الصدمات في المقال الواحد، فماذا يصنع القاريء حين يعرف ان هناك من يقول: إن الإسراء والمعراج حدث أكثر من مرة، وأنه حدث في مكة ثم حدث في المدينة، أو أن هناك من يقول:إن الإسراء حدث في مكة، بينما المعراج حدث في المدينة؟ روايات وأخبار كثيرة متضادة ومتعارضة، وعلماء أجلاء يرفضون الكثير منها رغم أن بعضها ورد في كتب الحديث الموثوق بها!
اختلافات شهيرة
يضاف هذا للخلاف المشهور حول هل "الإسراء كان بالروح والجسد معا أم كان بالروح فقط؟، أو هل كان يقظة أم مناما؟، والصحابة أنفسهم اختلفوا في هذا الشأن، وكذلك الخلاف الكبير حول "هل رأي الرسول ربه في هذه الرحلة الجليلة أم لا؟ اختلافات كثيرة كلها تحرض العقل علي العمل، ولكن معظمنا اختار وفضل التسليم وعدم التفكير اتباعا لمبدأ " لا تجادل يا أخ علي"، وأحس أن المجتمع يتدخل بقوة في المسائل والشعائر الدينية، وأن المجتمع حاول أن يوزع الأدوار علي الشهور فلا ينفرد شهر بجميع المناسبات، لذا كان شهر رجب للإسراء والمعراج، وشهر شعبان لتحويل القبلة ورمضان لفرض الصيام ونزول القرآن وليلة القدر، وغزوة بدر وفتح مكة، وكان شهرا ذي الحجة وذي القعدة للحج، وكان شهر الله المحرم ـ لماذا نقول شهر الله؟ ـ لبداية العام الهجري، وشهر ربيع لمولد النبي عليه السلام وهكذا... وبالطبع هناك شهور تعتبر مظلومة في هذا الموضوع، ولكنها تعتبر ـ أيضا ـ استراحات بين المناسبات والاحتفالات الدينية فهي تؤدي أدوارا اجتماعية لا بأس بها.!
ندعو الله عز وجل أن يحررنا من عقد الخوف والإحساس باضطهاد الآخرين لنا، وأن يحرر عقولنا من التقليد، كما ندعوه سبحانه أن ينفخ في صورة الأمة لتعود لها روح البحث العلمي الخلاق لنؤمن بالله عز وجل إيمانا راسخا قويا بالدليل القطعي والبرهان الجلي ولنتذكر أن الله عز وجل لم يقل لنا قولوا: لا إله إلا الله بل طالبنا بالعلم فقال سبحانه وتعالي: "فاعلم أنه لا إله إلا الله".
http://alkaheranews.gov.eg/index.htm