تقف دول الغرب كاسبانيا وفرنسا وكندا وايطاليا حائرة في التعامل مع الجالية المسلمة والديانة الاسلامية. كل اجراء في هذا الشأن يتسبب في جدل واسع ونقاش بدون نتائج محددة، بل خلاصات متنوعة كلها تدخل في باب التأويل وفق هوي الأشخاص والجهات ومصالحها، وتبقي توصية تطبيق الشريعة في مقاطعة أونتاريو في كندا، آخر حلقة تؤكد بامتياز هذه الحرة.
يوم الخميس الماضي، كانت ست مدن كندية، من ضمنها مونتريال وتورونتو، وقبلها بساعات محدودة ست مدن أوروبية مسرحا لتظاهرات جل أبطالها من النساء وبعض المدافعين عن العلمانية، رددت شعارات منددة بتوصية تطالب بمنح المسلمين حق تطبيق الشريعة الاسلامية في قضاياهم الخاصة علي غرار ما يتمتع به المسيحيون واليهود في أونتاريو الكندية.
وهذه التوصية صادرة عن تقرير أعدته المدعية العامة السابقة لمقاطعة أونتاريو ماريون بويد. استحسنت بويد فكرة الاستمرار في استعمال الديانة كمصدر لحل المشاكل المدنية مثل الزواج وقضايا الارث، ونصحت بتمكين المسلمين من هذا الحق. ماريون بويد لم توص بتطبيق الشريعة الاسلامية مثل قطع اليد بل فقط ما هو مدني وألح علي تجميد كل ما يمس حقوق المرأة.
وثارت ثائرة المدافعين عن العلمانية، واعتبروا ذلك عودة الي تطبيق قوانين قديمة تعود الي 15 قرنا، لكن المرحبين بتقرير بويد والذين يعتبرونه انصافا لهم يتساءلون أين كان هؤلاء العلمانيون أمام تطبيق اليهود والمسيحيين لقوانين ديانتهم في قضاياهم المدنية، أليست اليهودية والمسيحية أقدم بكثير من الاسلام؟
هذا التناقض ينضاف الي تناقضات أخري وكلها تكشف أن الغرب حائر في التعامل مع المسلمين. فرنسا بلد الأنوار والاخاء والتآزر منعت قناة المنار بحجة أنها تنشر الكراهية باسم الدين. وأمس نقل تلفزيون ايل سي اي الفرنسي مباشرة حفل اعلان زعيم الحركة من أجل فرنسا فيليب دو فيليي ترشحه للرئاسة الفرنسية، وقال ان برنامجي يقوم علي منع أسلمة فرنسا هي النقطة الأولي في برنامجه لسنة 2007، ولم يتردد في توجيه اتهامات خطيرة لمسلمي هذا البلد. لم تتحرك الجمعيات الحقوقية لمواجهة هذه الشعبوية التي تجعل من المسلمين الخطر الذي يهدد وحدة ونقاء الجنس الفرنسي. وها هو المفكر الاسلامي طارق رمضان، ممنوع من دخول الولايات المتحدة التي تشكك في أفكاره وتصفه بالمتطرف، وغير المرغوب فيه في فرنسا وفق وزير الداخلية نيكولاي ساركوزي الذي يعتبره موجها للمتطرفين في فرنسا. لكن بريطانيا تتخذ منه مستشارا لمحاربة التطرف الاسلامي وأطروحات القاعدة.
حكومة اسبانيا دخلت في صراع مع الكنيسة للتقليل من تأثيرها في المدارس واعتبرت أن تدريس الدين المسيحي يجب أن يكون مادة مثل باقي المواد الدراسية. ولكنها عندما أرادت معالجة تلقين الديانة الاسلامية في مدارسها لأبناء المهاجرين فتحت حوارا مع أئمة المساجد لهذا الغرض بدل من مثقفين عرب لهم تجربة في التعليم. اسبانيا تتوفر علي أكبر عدد من النساء في حكومتها مقارنة مع باقي حكومات العالم، ولكن عندما تذهب المهاجرة المغربية المتزوجة الي تجديد بطاقة اقامتها، تتفاجأ أن اقامتها مربوطة زمنيا بما هو مخول لزوجها تحت مبررات معيلها.
حالات تنم عن حيرة في تعامل الغرب مع الجالية الاسلامية. وستزداد هذه الحيرة في السنوات المقبلة تماشيا مع تحول المهاجرين المسلمين الي أقلية ذات وزن وسط الدول المحتضنة لهم.