جلس الاستاذ الجامعي العراقي أمام كومبيوتره وظل يستخرج صورا للبصرة قبل 30 عاما، قبل ان تشهد أربع حروب. ويبدو أن ذهنه كان مشدودا الى الماضي، بينما هو يراوغ في الإجابة عن أسئلة تتعلق بالحاضر والمستقبل. لكن بعد وقت طويل تحرك بتباطؤ ملتفتا إلى زائره وإلى الحقيقة «الفظيعة» لما يحدث الآن.
قبل يوم واحد عثر على جثة رئيس قسمه جمهور الزركاني مرمية على قارعة احد الشوارع. وبدا واضحا من الجثة ان البروفيسور الزركاني تعرض إلى التعذيب وكسرت ذراعاه، قبل أن يقوم جلادوه بإطلاق ثلاث رصاصات على رأسه، وجريمته ـ حسب ما قال الاستاذ ـ هي أنه تحول قبل أعوام من المذهب الشيعي إلى المذهب السني وتجرأ أن يشغِّل أساتذة سنّة في قسم التاريخ الذي يرأسه.
وكانت هناك سيارة شرطة قد أوقفت سيارة الزركاني، حسب ما ذكر شهود عيان في وقت اختفائه، وسبق لسيارات الشرطة وأحيانا رجال بملابس شرطة ان شاركوا في عمليات اغتيال لما يمكن ان يصل عددهم الى الف شخص في البصرة، خلال الثمانية عشر شهرا الأخيرة.
وقال هذا الاستاذ، ليس السنّة وحدهم المستهدفين في البصرة ذات الأكثرية الشيعية، بل الشيعة أنفسهم، فكل الأساتذة الجامعيين، خصوصا أولئك المهتمين بالسياسة، في حال خطر. وهذا ينطبق على القضاة والأطباء والصحافيين والسياسيين والنساء والمسيحيين، الذين ينظر إليهم باعتبارهم بديلا علمانيا لرجال الدين الشيعة الذين يقبضون على السلطة.
وقالت مصادر أميركية وعراقية، إن ضباط استخبارات الشرطة هم الذين في الغالب يرتكبون القتل. وكانت القوات البريطانية التي تدير المنطقة، قد قامت باتفاق يهدف إلى دمج الميليشيات الدينية في الشرطة، من أجل حل الميليشيات، لكنهم لم يكفوا أبدا عن خدمة سادتهم السابقين، وهم رجال الدين الشيعة الذين يقودون الأحزاب السياسية حاليا وفي يدهم السلطة.
والشيء المثير للقلق بالنسبة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط هو أن الكثير من العراقيين مقتنعون بأن رجال الشرطة الذين ارتكبوا جرائم القتل هذه يعملون في نهاية الأمر لصالح إيران، حيث عاش الكثير منهم لفترات طويلة هربا من نظام صدام حسين. وتؤكد مصادر استخبارات أميركية أن إيران قد سربت عددا كبيرا من عملائها إلى جهاز أمن الشرطة وللقوى شبه العسكرية العاملة ضمن وزارة الداخلية.
وقال خبير في الحركات الدينية الشيعية كان مقيما في إيران مع عدد كبير منهم، «أنا شيعي لكنني أخاف هذه الأحزاب التي كانت في إيران. إنها تشبه النار تحت الرماد. أنا أخاف من أولئك الإيرانيين الذين يقفون وراءهم أيضا».
وقال الاستاذ الجامعي الشيعي «بالتأكيد أنا خائف» رافضا إعطاء اسمه. «بعض الاغتيالات كانت لأسباب سياسة، وبعضها لأسباب إثنية، وبعضها طالت أكاديميين وباحثين، وهم مستهدفون لأن لهم تأثيرا وهم غير محميين». وقال إنه في البصرة «ما عاد هناك أي تمييز بين النظام والحرية».
لكن القادة السياسيين من تلك الأحزاب الدينية ينكرون تلك التهم، فصلاح البطاط، عضو مجلس محافظة البصرة المنتمي إلى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، يعزو تلك الاغتيالات إلى أعضاء سابقين في حكومة صدام حسين، وقال «نحن هدف الإرهاب»، وأضاف «أنا متأكد 100% ولعشرين مرة أنه لا يوجد أي شخص من إيران على أرض البصرة، وإذا كان هناك أحد من إيران فنحن سنعتقله». لكن لا أحد يحتفظ بسجلات للاغتيالات، بل ان رجال الشرطة حينما يُسألون عنها يقولون إن ذلك لا يحدث وإذا حدث فإنه من أعمال الإرهابيين. وقال قائد سياسي إن عدد المقتولين يصل الى المئات إذا لم يبلغ بعد الألف. من جانبه قال نزار حبيب، 45 سنة، الذي يشغل منصب عميد كلية التربية في البصرة، إن سيارته تعرضت لرشقات رصاص من بنادق كلاشينكوف، بينما كانت متوقفة بجوار بيته. ولم يكن هو في السيارة ولم يجرح أي شخص. وقد حدث له هذا على الرغم من أنه شيعي. أما عبد السلام الفياض، الشيعي العلماني والصحافي التلفزيوني فكان مراسلا لقناة «الحرة» الفضائية الاميركية، وقد اغتيل على يد مسلحين يوم 9 فبراير (شباط) الماضي مع طفله محمد البالغ من العمر ثلاثة أعوام، عند مغادرتهما بيتهما. وقال أخوه، في مقابلة معه، إنه يظن أن أخاه قتل بسبب تغطيته للانتخابات المحلية التي جرت في يناير (كانون الثاني) الماضي، إضافة إلى رغبته في المشاركة بالانتخابات، باعتباره بديلا علمانيا للأحزاب الدينية.
*لوس أنجليس تايمز
http://www.alwatanvoice.com/articles.php?g...110f1ff6ac7cdad