مصر: البرنامج الانتخابي الذي تحول إلي برنامج فكاهي
2005/08/27

محمد عبدالحكم دياب

إن أغرب ما يجري في الحملة الانتخابية المصرية هو خوف الرئيس الموازي ، جمال مبارك من الفشل، في أول احتكاك مباشر له مع الرأي العام. فخطته تواجه سخرية شديدة واستهزاء أشد، وكل منافسيه ومنتقديه داخل الحزب الحاكم، خاصة الحرس القديم، وخارجه يتحينون الفرصة لتحميله مسؤولية فشل الحملة الدعائية، لتبرير دورهم في إدارة الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم. وظهر من بين هؤلاء من يؤيد موقف قوي الرفض وأحزاب المعارضة الرئيسية، الذين يرون أن حصيلة الحملة هو الفشل الذريع. فما جري من مسخ لصورة الرئيس حسني مبارك أمام الرأي العام، وإلباسه وهو شيخ كهل، يقترب من الثمانين في العمر، لباس الشباب، أو بمعني أصح يرتدي رداء الرئيس الموازي ، الشاب.. كل ذلك اعتبر كارثة بكل المعاني.
زاد من وطأتها اختيارهم لحديقة أنشأها الأغا خان، في منطقة الدّرّاسة، أحد أحياء القاهرة الشعبية، لإعلان البرنامج الانتخابي باستعارة إنجاز ليس لهم، إنما لرأس الطريقة الاسماعيلية، شديد الثراء.. ليطل منه الرئيس المرشح علي فقراء مصر، فيؤكد رسالتهم بأن مصر ليس أمامها من سبيل إلا سبيل المحسنين الأثرياء، وتسول المعونات واستجداء القروض، لتأكيد الطلاق البين مع التنمية، وتأكيد استمرار التبعية الاقتصادية والسياسية.
علي نفس النهج خاطب حسني مبارك الفلاحين، من قلعة إقطاعية جديدة، صاحبها اسمه محمد المغربي، وهي رسالة عملية أكثر منها مكتوبة أو ناطقة، أنهم ينحازون للإقطاع، قديمه وجديده، ومن حضر إلي هذه القلعة الاقطاعية لمبايعة حسني مبارك، لم يكونوا من الفلاحين، ولا يمتون للزراعة بصلة، ومن لبس زي الفلاح أو الفلاّحة، حتي تمر المناسبة، خلعه متأففا، وهو يلعن الظروف التي جعلته يتشبه بـ عبيده وخدمه وجواريه، ونسي أن الفلاحين الذين تحرروا من الاقطاع وملكوا الأرض، التي سلبها منهم مبارك مرة أخري وأعادها إلي الإقطاع لن يجعلوا هذا الأمر يمر، ولن يقبلوا بتزييف إرادتهم.
نفس الشيء حدث مع العمال، خاطبهم مبارك من مواقع قتلة الصناعة وأعداء الانتاج، في مدينة العاشر من رمضان، في رسالة أخري مؤداها: ها أنذا أنحاز إلي كل من هدم صرحا صناعيا، وأناصر كل من نهب القطاع العام وصفاه، وأن ذلك هو البديل الذي لا بديل غيره، وكذلك فعل في المحلة الكبري، علي أمل استقطاب عمال النسيج.. لم يجد منهم أحدا، وحشدوا له بدلا منهم بلطجية الحزب والأمن، ولم يستطع الاقتراب من بورسعيد، وبعث برسالته إليها عبر وسائط الاتصال والتقانة الحديثة، وهو قابع في قصره، ونفس الشيء حدث مع مدن سيناء، لم يتجه نحوها، فما زال أهلها تحت الحصار.. وكما شطب بورسعيد الباسلة، التي قدمت أروع صور المقاومة في 1956، من خريطة مصر السياسية والاقتصادية، وأذل أهلها وأفقر شعبها بعد محاولة الاعتداء عليه من سنوات، واضطر أخيرا أن يقدم لها رشوة انتخابية بتمديد المنطقة الحرة لمدة سنتين، وهي رشوة لن تغير من المواقف شيئا.. فكما فعل ذلك مع أهل بورسعيد وضع أهل سيناء تحت لحصار، تطبيقا لنهجه في العقاب الجماعي الذي يمارسه بوحشية ضد خصومه ومخالفيه ومنتقدي نظامه.
غاب وعي الفريق الانتخابي، الذي يرأسه الرئيس الموازي بأن قوانين اللعبة قد تغيرت، ومظاهر التغيير وصوره تحيطهم من كل جانب، لكنهم لا يرونها، فقصورهم الذاتي وغربتهم تجعلهم لا يتخيلون حدوثها. عجزوا عن رؤية الشعب كطرف كان مغيبا يفرض نفسه من جديد، وعن المطالب التي تتصاعد، لتنتقل من رفض التمديد والتوريث إلي طلب المحاكمة والحساب، وزاد من اشتعال الموقف تحدي المطالب العامة وعدم الإفصاح عن الذمة المالية للرئيس المرشح وعائلته، وهي شرط من شروط الترشيح. لم يتمكنوا من رؤية جحافل المهمشين العائدين إلي ساحة الفعل، وهذا أهم ما أنجزته حركة كفاية . لم يعوا أن حجم العائدين ليس بالهين، فهم يمثلون الطبقة الوسطي باتساعها، وأطياف المثقفين وشرائح المهنيين بكل تأثيرهم، فعاد للمجتمع وعيه، الذي غاب تحت وطأة سعار المال، ووحشية وكلاء الشركات المتعددة الجنسية، ووطأة الدولة البوليسية. عودة المهمشين إلي ساحة الفعل، تعني رحيل مبارك، وتعني إنتقال القرار من واشنطن ولندن وتل أبيب إلي شوارع مصر.
والأهم هو أن مجال الصراع مع عائلة الرئيس اتسع، وترتب علي ذلك أن ساحة الاشتباك لم تعد قاصرة علي الاسلاميين.. شملت قوميين ووطنيين وليبراليين (وطنيين، غير جدد ممن يمثلهم جمال مبارك ومواليه) ويساريين ومستقلين. هذا الاشتباك الواسع خفف من حدة الخوف من البطش والاعتقال والتعذيب. ويأتي علي رأس غير الواعين بهذه التغيرات وزير الداخلية حبيب العادلي، وسوف نلقي جانبا ما يثار حول مرتبه ودخله، في مجتمع يئن من وطأة الفقر، ويصل إلي مليوني جنيه شهريا.. استجاب لمطلب الرئيس الموازي باستغلال أصوات المصريين المقيمين في الخارج، لتزوير الانتخابات، وهو يعلم أن أغلب من يعيش منهم في الغرب معزول سياسيا، بقرار غريب من المحكمة الدستورية العليا، افترض الشك في ولائهم والطعن في إنتمائهم، دون دليل واحد يؤكد أو ينفي مصداقية هذا الحكم القاسي وصحته. هؤلاء المعزولون أصبحوا بيضة القبان التي يطلبها جمال مبارك لضبط ميزان النتيجة.
نحن لسنا ضد حق المشاركة السياسية أو التصويت في الانتخابات للمقيمين في الخارج، لكننا ضد النفاق والازدواج في معايير التعامل، فالمشكوك فيهم بالأمس، أضحوا أصحاب حق وطني في المشاركة السياسية اليوم، لأن هذه رغبة الرئيس الموازي التي لا ترد. وعلي الفور تحركت السفارات والقنصليات ومكاتب الأمن المصرية، في البلاد العربية وأوروبا والولايات المتحدة وكندا وغيرها، تعد الكشوف بأسماء هؤلاء، وعند متابعة هذا الأمر في بريطانيا وجدنا أن مكتب مباحث أمن الدولة، الملحق بالسفارة في لندن، يمارس أقصي درجات الضغوط علي المصريين ليطلبوا من الجهات الرسمية السماح لهم بالانتخاب، ويتخذ من اتحاد المغتربين المصريين ، بلندن واجهة لنشاطه، وينشط رئيسه، وهو طبيب تخدير، في ممارسة أكبر ضغط ممكن علي كثير من المصريين!!.
مؤشرات تبين أن تمرير التزوير، في الداخل، لن يكون سهلا. وفضلا عن تغير قوانين اللعبة ، فالأضواء مسلطة علي هذه الانتخابات بشكل خاص، وقد يشكل ذلك خطرا علي مخططات الرئيس الموازي ودوره المستقبلي.. صحيح أن بريطانيا ليس بها العدد الكافي من بلطجية الحزب الحاكم أو مليشيات أمانة السياسات، وحتي لو وجدوا فإن صرامة القوانين تجعلهم يتوارون عن الأنظار، وصحيح أيضا أن تأثيرالإدارات الحكومية والأجهزة الأمنية قليل، لكن غموض موقف رجال القضاء، حتي الآن علي الأقل، جعل المصريين في الخارج هدفا مثاليا، فهم بعيدون عن رقابة القضاء المصري، والأضواء ليست مسلطة عليهم، وهذا يسهل عملية التزوير. فالأمر كله يوكل إلي أجهزة الســــفارات والقنصليات، الممثلة لأربع جهات، وزارة الخارجية، وجهاز الأمن القومي (المخابرات العامة)، ومباحث أمن الدولة، والملحقين العسكريين ومعهم عناصر المخابرات العسكرية، ومن طبيعة هذه الجهات الالتزام الصارم بما يرد إليها من تعليمات.
هذه حالة مَرَضِية يعرفها علماء النفس والاجتماع السياسي.. زادت من غربة الرئيس حسني مبارك واهتزاز صورته بشكل قضي علي أي إمكانية لاستعادة شعبيته.. وجاء التشبه بالشباب، وخلع رداء الشيخوخة لينقل الأمر من عالم الجد إلي عالم الفكاهة، واستكملت هذه النقلة صورتها الفكاهية بأغاني شعبان عبد الرحيم، المؤيدة للرئيس حسني مبارك. جاء ليفتح باب المقارنة بينه وبين فنانين عظام غنوا للشعب وأرخوا لبطولاته وإنجازاته.. مقارنة لم تأت في صالح الحملة الانتخابية.. فسيد درويش الذي غني لثورة 1919 وسعد زغلول، وأم كلثوم وعبد الحليم وغيرهما ممن تغنوا بإنجازات ثورة 1952 وعبد الناصر، جعلت مقارنتهم بشعبولا في غير صالح الرئيس حسني مبارك ووارثه.
وعند مراجعة وعود الرئيس الموازي الانتخابية التي جاءت علي لسان الرئيس حسني مبارك، أتذكر، مثل الزميل أكرم القصاص، في صحيفة العربي الناصرية، برنامج ساعة لقلبك ، وتحضرني شخصية أبو لمعة الأصلي الذي أداها الفنان محمد أحمد المصري، وشخصية الخواجة بيجو اليوناني المصري للفنان فؤاد راتب.. كان الأول فشارا، ولما عجز الثاني عن مواجهة فشره قام بتقليده.. جاء إلي أبو لمعة قائلا: إسمع يا خبيبي إنت مُس تُفْسُر علي تاني.. أنا أقول لك خاجة خصلت بجد فرد أبو لمعة: قول يا خواجة ربنا ما يحرمك من العبط . فرد: أنا جدي راخ يسرب (يشرب) وقعت ساعته في البير.. وبعد ستين سنة أبويا نزل البير وطلع الساعة سغالة (أي شغالة) فرد أبو لمعة وبعدين .. فقال الخواجة ما فيس بعدين.. خلصت الخكاية ، فرد أبو لمعة مش قلت لك ربنا ما يحرمك من العبط.. اسمع أنا جدي غرق في نفس البير، وبعد ستين سنة خرج حي فرد الخواجة قائلا يا النافوخ بتاع الأنا إنت خا تجنني فأفحمه أبو لمعة: أجننك إزاي يا خواجة.. مين كان بيشغل ساعة جدك .. سيطرت علي صورة أبو لمعة والخواجة بيجو وأنا أعيد قراءة برنامج الرئيس مبارك ووعوده الانتخابية غير القابلة للتفيذ فأغرق في الضحك.
وأعود فأقول حتي لو نجحت أجهزة الأمن في تزوير إرادة المصريين في الخارج، واستمر الرئيس مبارك لفترة خامسة، فهي، حسب ما ورد علي لسانه، فترة انتقالية.. ليست انتقالية بالمعني الذي يقصده، ليتمكن فيها من نقل المسؤولية بالكامل لـ الرئيس الموازي في حياته، استجابة لإصرار السيدة سوزان مبارك، التي تري أن التوريث إن لم يتم في حياة الرئيس الأب، فلن يتم أبدا، ومن المتوقع أن تساعده في الانتقام من خصومه بأعنف ما يكون الانتقام، إلا أن عزاءنا في أن قوانين اللعبة التي تغيرت أنهت عصر المواجهة من طرف واحد، ولم يحدث أن انتصر حاكم مستبد أو ظالم أو فاسد علي شعب قرر التصدي والمقاومة، والشعب في مصر اتخذ قراره، ومستعد لتحمل المسئولية كاملة، وهذا ما لا يراه رجال الرئيس حسني مبارك، ولا خدم الرئيس الموازي ومواليه، لأنهم قوم لا يفقهون!!
كاتب من مصر يقيم في لندن

مأساة طائفة من الناس هو عيشهم متركزين حول أنفسهم
الأخ عبد الحكيم ناب عملوا له قضية فى بداية حكم مبارك وإتسجن
فموضوعه كله إنتقام شخصى
فهو ( ككل هذه الطائفة ) لا يعرف سوى نفسه : إنتقام شخصى ومقيم فى لندن ولن يتحمل شىء مقابل كلامه
لولا أن الموضوع إنتقام شخصى ولولا أنه يقيم فى لندن ما كان كتب كلمة واحدة

بس هذا لا ينفى يا قطقط ان المقال به جزء من الحقيقة. انا كل ما انزل الشارع و اشوف الوحات اللى فى روكسى عليها صورة الريس بيجيلى عصبى. حاسس انى امام رجل اعمال مش رئيس دولة :rolleyes: